إعداد: اختصاصيّة التّغذية والصّحة العامّة Stephanie Semaan
عندما ظهر الوباء، أغلقت المؤسّسات والشركات أبوابها وفرضت الدول قيوداً مشدّدة على التحرّكات كخطوات أساسيّة لمنع انتشاره والسيطرة عليه. وبسبب خطورته، تحوّلت الخدمات الصحّية والتمويلات الماديّة وغير الماديّة لاستراتيجيّات مهمّة لمكافحة الفيروس. وقد شكّل هذا الوضع تأثيراً سلبيّاً على الكثير من المجتمعات وبالأخصّ المرأة. وبسبب الوضع الاقتصادي المتدهور جرّاء الوباء وتداعياته، خسرت نساء كثيرات وظائفهنّ وبتنَ إمّا من دون أيّ دخل، إمّا يعتمدنَ على دخل الزوج الذي تأثّر طبعاً بالأزمة إنّما بضرر أقلّ. وقد زاد الوباء من حدّة قضيّة عدم المساواة القائمة بين الرجال والنساء. ولسوء الحظ، لا توجد تغطية إعلاميّة كافية لهذه المسألة الاجتماعية التي تؤثّر سلباً على المرأة وعلى المجتمع بأكمله.
كأخصّائيّة صحّة عامّة، أعتبر نفسي مسؤولة عن نشر التوعية حول هذه الأمور الاجتماعيّة ورفع أهميتها لقرّاء ماري كلير العربيّة، خصوصاً النساء منهم.
من خلال منظمّة أطباء بلا حدود، وهي منظمة أحبّ أن أشير إليها على أنّها حركة حيويّة توفّر الدعم والخدمات الطبيّة للسكّان والمجتمعات المهمّشة التي تواجه أزمات إنسانيّة عدّة. وفي لقاء وحوار مع إحدى اللاجئات في أحد المخيّمات وآخر مع طبيبة نفسيّة لدى المنظمة، عثرت على بعض الإجابات لتساؤلاتي لأتمكّن من كتابة هذا المقال.
تشكّل النساء أكثر من نصف عدد اللاجئين في العالم، لكن الرعاية الصحّية والموارد الأساسيّة المخصّصة لتلبية إحتياجاتهنّ متوفّرة بشكل ضئيل. ولسوء الحظ، عندما يتركن بلدنهنّ الأمّ هرباً من العنف والاضطهاد يصبحنَ أكثر عرضة للخطر والاضطهاد بشكل خاصّ بسبب جنسهنّ. وعندما يصلنَ إلى مخيّمات اللاجئين يتوقّعنَ أن يجدنَ الأمان، ليجدنَ الحقيقة مخالفة لذلك. ومن التجارب الشائعة الأكثر خطراً التي تتعرّض لها اللاجئات هي العنف المنزلي والاغتصاب. فالأشخاص الذي من المفترض أن يقدّمون الحماية لهنّ، غالباً هم الذين يعرّضونهنّ للعنف. فإنّ عدم المساواة بين الجنسين غالباً ما يؤدي للعنف ضدّ المرأة، وهو الذي يحدّد في نهاية المطاف ما إذا كانت ستشعر بالأمان في منزلها خصوصاً خلال هذه الفترة من الحجر المنزليّ. أمّا بالنسبة للاجئات اللواتي تعرّضنَ للاغتصاب فغالباً ما يلُمنَ أنفسهنّ على مآسيهنّ ويشعرن بالخجل ويصبحن غير مستعدات للكشف عن تجاربهنّ لمقدمي الرعاية الصحّية والنفسيّة مع منظّمة أطباء بلا حدود. تقول إحدى اللاجئات:"لم أتعرّض للعنف أبداً لحسن الحظ، لكنّني سمعت الكثير من القصص عن نساء كثيرات تعرضنَ لمختلف أنواع العنف وهنّ بحاجة ماسّة إلى الدعم".
كما أكّدت أنّها غالباً ما تزور مع اللاجئات الأخريات عيادات أطباء بلا حدود ليس للحصول على العلاج الطبّي فحسب إنّما للإستشارة والدعم النفسيّ اللذين يقدمّهما أخصّائيّو الصحّة النفسيّة في المنظمة: "تساعدني الجلسات على التعبير عن مخاوفي بحريّة وهو امتياز حقيقي لتلقّي الدعم النفسي". وأوضحت اللاجئة أنّ صعوبة تأمين المسكن ورعاية الأطفال والافتقار إلى الرعاية الصحيّة ليست سوى عقبات يوميّة ضئيلة تواجهها، نظراً للظروف غير الصحيّة وإمدادات المياه الملوّثة ونقص الموارد الغذائيّة، قائلة: "كسوريّين لا يساعدنا أحد على حماية أنفسنا من فيروس كورونا المستجدّ. ولا يوجد من يؤمن لنا الطعام أو الدواء أو أيّ حاجة أساسيّة للبقاء في المنزل". وأشارت اللاجئة أيضاً إلى أنّ القيود المفروضة على التحرّكات خوفاً من الفيروس تمنع النساء من التماس الرعاية خاصّة الحوامل أو المعرّضات للعنف.
كذلك، إنّ النساء المتزوّجات أو العاملات أو اللاجئات تأثّرن بكلّ ما حصل من توقّف أعمال وركود اقتصاديّ. فيجدن أنفسهنّ مسؤولات عن أسرهنّ بعد فقدان وظائفهنّ أو فقدان أزواجهنّ في الحرب أو حتى تخلي أزواجهنّ عنهنّ. وسواء حافظت المرأة على وظيفتها أم لا تبقى مهامها الرئيسيّة أن تقوم بواجباتها المنزلية التي فرضها المجتمع بسبب التقسيمات التقليدية بين الجنسين.
وخلال المقابلة مع المسؤولة عن الصحّة النفسيّة في منظمة أطباء بلا حدود، طلبنا منها أن تصف طريقة إدارتها بين وظيفتها وعائلتها وسألناها: كيف توفرين الاحتياجات الأساسيّة والضروريّة لعائلتك وتقومين بواجباتك كموظّفة مع أطباء بلا حدود في نفس الوقت؟ فوصفت مدى صعوبة إدارة الوضع وتنظيم الوقت بين وظيفتها كمقدّمة رعاية صحيّة والاهتمام بعائلتها، قائلة: "في البداية كان الأمر مرهقًا ، لكنّنا تكيّفنا الآن مع الوضع. لم نتوقف أبداً عن الذهاب إلى العمل لأنّ الاستمرار بتوفير الرعاية الطبيّة كان من أولويّات منظمّة أطباء بلا حدود، فإحتياجات المريض الطبيّة لا يمكن أن تنتظر". كما وصفت مدى قلق أفراد عائلتها لأنّها كانت معرّضة للإصابة بالفيروس أثناء وجودها في العمل.
كإمرأة، أنا مستاءة جدّاً من تعدّد المصاعب التي تواجهها المرأة نتيجة لجنسها؛ لأنّها ولدت أنثى. لكن يبقى السؤال ، لماذا يوجد نقص في التغطية الإعلاميّة للتّحديات التي تواجهها النساء خلال هذه المرحلة؟ أين هي أولويّة صحّة المرأة في استراتيجية منع انتشار كوفيد-١٩؟
أقول لك الآن، أثق بك كقارئة بأنك لن تطّلعي وتثقّفي نفسك حول احتياجات المرأة وحقوقها والتّحديات التي تواجهها فحسب، بل ستُلهمين من حولك أيضًا وتشجّعينهن على العمل وفقًا لهذا الموقف. علينا أن نواظب على العمل الدؤوب لتوفير حقوق المرأة واحتياجاتها وضمان العدالة والمساواة في مجتمعاتنا. وأعتقد أنّ التغيير لا يمكن أن يحصل من خلال البحوث الاجتماعيّة وجهود الأنظمة الإنسانيّة والصحيّة فحسب، إنما بتغيير العقليّة التقليدية الشرقيّة القائمة على التمييز بين المرأة والرجل منذ الولادة.
اقرئي أيضاً: الصبر والقناعة يصنعان الفرق