Rhea Harmoush: "يكمن حبّ الذات في صميم إسعاد النفس"

التصوير: Maximilian Gower

الإدارة الفنيّة: Farah Kreidieh

التنسيق: Sarah Rasheed

المساعدة في التنسيق: Dina Sherif 

المكياج والشعر: Diana لدى Michelle Hay Management

الموقع: فندق Al Seef Heritage Hotel Dubai, Curio Collection by Hilton

الفستان من Elisabetta Franchi

هل تحبّين نفسك؟ كيف تعبّرين عن حبّك لذاتك وتقديرك لها في هذه الأوقات العصيبة؟ متى كانت آخر مرّة طرحت فيها هذه الأسئلة على ذاتك؟ فيما نكبر على أهميّة حبّ الآخر والتعاطف معه، قد تغيب عن البعض أهميّة حبّ النفس. فمحبّة ذاتنا ومعاملتها بلطف والإستماع إلى حاجتها أمر لا يقلّ شأناً عن محبّة الآخرين ومعاملتهم بصدق ودماثة. إلاّ أنّ حبّ الذات لا يعني بأيّ شكل من الأشكال الإنطواء على أنفسنا أو جعل "الأنا" المحور الوحيد في حياتنا بل على العكس هذا الحبّ الذي نظهره تجاه أنفسنا سيكون بمثابة جسر عبور نحو حبّ الآخر. وعندما نتكلّم عن حبّ الذات، فلا نعني بذلك تقدير خصالنا الجيّدة فحسب، إنّما أيضاً تقبّل نقاط ضعفنا حتّى نصبح على وفاق مع كياننا بالكامل، فنقدّر ذاتنا بملئها ونشعر بالسعادة الداخليّة. في هذا التحقيق سنستعرض معك مسيرة خمس سيّدات ناجحات خضن تحديّات حبّ الذات واكتشفن كلّ على طريقتها كيفيّة الإحتفاء بذاتها وانعكاس ذلك إيجابيّاً على رفاهها الشخصي من جهة وعلاقتها بالآخرين من جهة أخرى. 

هي راقصة منذ ولادتها، عُرفت Rhea Harmoush بعشقها للرقص منذ المرّة الأولى التي سجّلها فيها والديها في صفّ باليه. والواقع أنّها بدأت تدريبها على الرقص في الولايات المتحدّة وانتقلت إلى لبنان حيث واصلته. ثمّ في سنّ الـ 17، بدأت التدريس لتتمكّن من تأمين تكلفة حضور المزيد من الصفوف بنفسها. ثمّ جاءت إلى دبي في سنّ العشرين وكثّفت تدريبها لدرجة أنّها عملت كراقصة محترفة، فقدّمت التدريب والأداء في جميع أنحاء دول الخليج العربي. وفعلت ذلك بالتوازي مع وظيفتها النهاريّة في مجال الإعلان التي جعلتها تشعر بالاستقرار في ذلك الوقت لحصولها على راتب شهري منها. وفي غضون ذلك، استمرّت في تطوير نفسها والتعلّم من مصمّمي الرقصات المشهورين في جميع أنحاء العالم والولايات المتّحدة وأوروبا، لأنّها عرفت أنّ ما ستفعله لبقيّة حياتها هو الرقص. والملفت أنّها بعد عملها في شركة الإعلانات لمدّة 12 عاماً، قرّرت القفز إلى المجهول والإبحار في مسيرة جديدة. وبينما اعتقد الناس من حولها أنّها مجنونة للقيام بهذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر في الثلاثينات من عمرها، إلّا أنّها أحبّت الرقص كثيراً لدرجة أنّها وجدت نفسها على استعداد للتضحية بأيّ شيء في سبيله، وشعرت أنّه من الصواب جعل الرقص وظيفة تستيقظ كلّ يوم لممارستها ومشاركتها مع الأشخاص الذين يحبّون فعلها معها. وقادها ذلك اليوم إلى إنشاء 567ray وهي شركة رقص خاصة بها. وتشعر إزاء ذلك بالسعادة والفخر أكثر من أيّ وقت مضى. فلنكتشف المزيد عن مسيرة Rhea المذهلة مع حبّ الذات في ما يلي.

معرفة الأمور التي تبعث الراحة والسعادة

تخبرنا Rhea عن تعريفها لحبّ الذات بهذه الكلمات: "في البداية لم أفهم حقاً معنى حبّ الذات، وكدت أن أربطه بشعور الأنانيّة إلى حدّ النرجسيّة. والواقع أنّني لم أستطع فهم بعض أشكال حبّ الذات لأنّه بدا لي أنّني سأحب الآخرين أقلّ إذا ما ركّزت على حبّ نفسي. وباعتباري شخصاً يعتمد على ذاته، وجدت صعوبة في استيعاب حبّ الذات وكلّ ما يرافقه. لذا أعطيت الأولويّة للجميع قبلي وبدّيت سعادة الكلّ على سعادتي. إذ اعتقدت أنّه إذا كان كلّ من أحبّهم سعيدين فسأكون سعيدة. لذا، في اللحظة التي أخذت فيها النموّ الذاتي جديّاً، أيّ منذ حوالي 4 أو 5 سنوات فحسب، وبدأت في القراءة عنه وتثقيف نفسي أكثر، وبفضل المساعدة التي تلقيتها من أصدقائي وطبيبي المعالج الداعمين كثيراً لي، بدأت أفهم أنّ حب الذات يكمن في صميم إسعاد نفسك. فإذا كنت سعيدة من الداخل، سيسهُل عليك جذب الأشخاص المتشابهين معك في التفكير، ممّا يبعث السعادة في أنفسهم أيضاً". وتضيف: "يقضي حبّ الذات بالنسبة إليّ في معرفة الأمور التي تبعث الراحة والسعادة والسلام في نفسك وجعلها من أهدافك وأولويّاتك. وذلك بدون الشعور بالذنب وبغض النظر عن الصعاب والمواجهات والأحكام التي قد تتعرّضين لها. إذ لا بدّ لك من العثور على حبّ الذات في داخلك للاستمرار في مسيرتك، حتىّ حينما لا تنال إعجاب الآخرين أو موافقتهم". وتقول ذلك لاعتقادها أنّك عندما تشعرين بالسعادة وتنعمين بالسلام الداخلي، يمكن لكيانك بأكمله أن يعمل بصورة سليمة. بحيث يمكنك التركيز بشكل أفضل، وتكونين أكثر فعاليّة في عملك وأكثر إنتاجيّة، ويبدأ الحبّ في الازدهار من جميع الجوانب. وتتابع: "إثر ذلك، تعلّمت عن غير وعي أن أجد طرقاً تسمح لي بأن أكون لطيفة مع نفسي في تلك اللحظات، وعدم التفكير مرّتين في القيام بما أريد. لكن ليس هذا كلّ ما في الأمر، إذ تعلّمت كذلك أنّ حبّ الذات لا يتمثّل في المنتجعات الصحيّة والإجازات فحسب، بل يأتي على شكل أفكار أيضاً. فكلّما شعرت بأنّك كافية، وأنّك بذلت قصارى جهدك، وكلّما قدّرت نفسك وشعرت بالفخر بغض النظر عمّا إذا كان أيّ شخص آخر يفتخر بك، فهذه كلّها أشكال من حبّ الذات. وتلّخص بالقول: "أجد أنّ حبّ الذات يتجاوز التعاطف مع نفسك والجلوس مع ذاتك والنظر إليها كصديق والاحتفال بالنجاحات ومواساة نفسك في حالات الفشل. فهو يتطلّب منك أيضاً أن تشجّعي نفسك، حتّى عندما لا يدعمك أيّ شخص آخر. باختصار، حبّ الذات هو أن تلبّي احتياجات نفسك عندما تكونين في أمسّ الحاجة إلى نفسك".

مسيرة حبّ الذات ومراحلها

احتضنت Rhea مسيرة حبّ الذات منذ حوالي 4 سنوات فحسب. وتستذكر هذا الأمر بالعبارات التالية: "حصل ذلك في وقت شعرت فيه بأنّني في أسوأ مراحل حياتي. بحيث كنت قد طُردت للتوّ من وظيفتي، وحصلت حالة وفاة في عائلتي، ولم أتمكّن من إقامة حفل زفاف مع أقرب أفراد عائلتي وأصدقائي. وفي موازاة ذلك، أدركت العلاقات السامّة التي تواجدت في جوانب مختلفة من حياتي. وخرجت من البيئات التي لم تناسبني وترضي روحي. إذاً تراكمت كلّ تلك الأحداث في الوقت نفسه تقريباً، أو على الأقلّ استوعبتها بوضوح في ذلك الوقت وأحسست بأنّني تائهة جدّاً. لكنّني لاحظت خيطاً مشتركاً واحداً بين كلّ الأمور التي حصلت، وهو أنّني وضعت سعادة الآخرين قبل سعادتي. وبسبب ذلك فقدت تقديري لذاتي، ونسيت ما أحبّه شخصيّاً وما وجدته الأفضل بالنسبة إليّ، لأنّني أفرطت في اتّخاذ خيارات ترضي الآخرين". إذاً فكان من المحوريّ للراقصة المحترفة تثقيف نفسها حول حبّ الذات وبالتالي من المنطقي أن تبدأ رحلتها بالصعوبة التي واجهتها... إذ مرّت بمراحل اضطرّت فيها إلى اتّخاذ قرارات صعبة والتخلّي عن كلّ ما لم يناسبها. وقامت بتطوير علاقات أكثر حبّاً واهتماماً، والأهمّ أنّها التمست المساعدة، الأمر الذي يعتبر محوريّاً في مسيرة المرء تجاه حبّ الذات.

كيفيّة الاحتفاء بالذات

تحبّ Rhea قدرتها على التعاطف. وتتناول صفتها هذه بالتالي: "أنا راقصة ومصمّمة رقصات، ويخبرني جميع مَن يعرفوني أنّني لا أستطيع إخفاء مشاعري. وهنا تكمن قوّتي، لأنّه من النادر اليوم أن ألتقي بأشخاص سريعي التأثر، لا يخجلون بإظهار ضعفهم. ولرّبما تنبع قدرتي على الأداء والتعبير بلغة الرقص جرّاء تعاطفي مع الآخرين. فالصلة التي تنشأ على المستوى العاطفي تجعل الأمور أكثر جدارة بالاهتمام وتعطي معنى للعلاقات وتغذّي هدفي في الحياة". وتستأنف كلامها: "لا بدّ لي من القول إنّ الشغف أمر آخر أفتخر به. لأنّه دفعني إلى أن أصبح المرأة التي أنا عليها اليوم، وهو ما يشعل مشاعري كلّها. فقد سمح لي بالتعبير عن هويّتي بحريّة أكبر وجذب قلوب الناس إليّ في خلال مسيرتي". ما هي الخطوات التي تتّخذها الراقصة ومصمّمة الرقصات الجميلة وتترك أثراً إيجابياً على حياتها اليوميّة؟ عن سؤالنا هذا، تجيب: "أقضي الوقت بمفردي وأتناول الطعام الصحي، وأجري محادثات عميقة مع زوجي حيث أشاركه نقاط ضعفي وأسمح له برؤيتي على حقيقتي. كذلك، ألتقي أصدقائي الذين أضحك معهم بقدرما ألتقي أولئك الذين يمكنني البكاء معهم أيضاً. هذا وأخصّص وقتاً للعائلة وأستمتع بتلقّي التدليك والاعتناء بجسدي وإظهار اللطف تجاهه لأنّني أدرك أنّني أضعه تحت ضغوطات كثيرة. كذلك، أعانق نفسي عندما يعتيرني ألم حقيقيّ وأتمدّد على الشاطئ، كما أحرص على النوم جيداً لأنّني أجد صعوبة في النوم. فضلاً عن قطع الصلة بالعالم لبرهة‎ والتواجد في الطبيعة. ودائماً ما أقول لنفسي "يمكنني فعل ذلك" عندما تغمرني المشاعر القويّة وينتابني الشك... وبالطبع أمارس الرقص"!

الوعي بحبّ الذات

واستناداً إلى مسيرتها الخاصّة، تبعث Rhea رسالة توعية بأهميّة تبنّي عيوبنا ونقاط ضعفنا وتقول: "في حال لن تتبنّي عيوبك الخاصّة، فتقبّلي وجودها واجعلي نفسك واعية بها، وتحكّمي في كيفيّة تعاملك معها لتتخطّيها وتتطوّري بفضلها. فكلّ شيء يبدأ منك، وعليك استثمار جهودك في نفسك بغية أن يحذو الآخرين حذوك. كذلك، تذكّري أن لكلّ شخص نصيبه العادل من المشاكل ولحظات الضعف والمخاوف والعيوب، وأنّك لست الوحيدة التي تواجه الصعاب. لذا كوني قدوة للّذين يخشون أحكام المجتمع، إذ لا بأس في امتلاك العيوب ولكن من المهمّ أن تكوني على دراية بها وأن تظهري التعاطف تجاه نفسك مثلما هي. كذلك، ضعي في اعتبارك أنّه من الممكن العمل على هذه العيوب وتحسينها. وعند شعورك بالضعف واستسلامك لها، فإنّك تفسحين لنفسك مجالاً لتجاوزها والنمو لتصبحي نسخة أفضل من نفسك في نهاية المطاف".

وبينما تشير إلى أنّها لا تعتبر حبّ الذات بحدّ ذاته حلّاً للفوضى التي خلّفها الوباء على الجميع، ولا سيّما على النساء، إلّا أنّها تعتقد أنّه من شأنه أن يخفف من الإرهاق والتقلّبات العاطفيّة والمخاوف التي نشأت إثر الفيروس. وختاماً، تقترح أن تغتنم المرأة هذه الأوقات كفرصة لإعادة تقييم أولويّاتها وترتيبها، فضلاً عن التأقلم والتركيز على الأمور الصغيرة التي تبعث الفرح في نفسها. وتشرح:"من خلال الاستمتاع بتلك اللحظات، يمكنك البدء في أن تحبّي سمات جديدة في نفسك، واكتشاف مواهبك المخفيّة، والعمل على بعض المشاريع أو حتى تدليل نفسك من خلال قيامك بكلّ ما اختلقت له أعذاراً مثل" ليس لدّي وقت لهذا". إنّ هذه فرصتك! إذ لم يفت الأوان أبداً لممارسة حبّ الذات، وليس مِن وقت أفضل من الآن، بينما تعانين إثر تداعيات الوباء لفعل ذلك! وفي السياق نفسه، قد يسهم تعمّقك في داخلك وتقييم ما تعتبرينه بالغ الأهميّة، في تخفيف هذا النوع من التوتر وإعادة توجيهك نحو ما يرضيك أكثير. لذا فإنّني أنصحك بتخصيص بعض الوقت لتجلسي مع نفسك، وتغذّي كلّ ما هو مبني على قبول وحبّ الذات. وبعد ذلك، عليك ببساطة أن تثقي في ما سيحصل، مع العلم أنّ الأشياء ستصبّ في مكانها طالما أنّك تتعلّمين أن تكون لطيفة مع نفسك طوال مسيرتك. ومن هناك، ينبع السعادة والسلام، وبالفعل علّمنا الوباء أنّ ما نبحث عنه جميعاً في باطن كلّ ما نفعله ليس سوى السعادة".

اقرئي أيضاً: Fahima Falaknaz: حبّ الذات هو الإيمان بنفسي بغض الطرف عمّا يظنّه الآخرون عنّي

العلامات: Rhea Harmoush

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث