DareenBarbar: تحلّي بالثقة ولا تهتمّي لآراء الناس، لأنّهم ليسوا أنتِ

التصوير: Maximilian Gower
الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh 
التنسيق: Sarah Rasheed 
المكياج: Vozneac Olga  
الموقع: MPDS Dubai
الأزياء من ASOS

هل تتذكّرين ما كان آخر عذر أعطيته لنفسك حتّى تبرّري عدم قيامك بأمر ما؟ أم الظّروف التي تتذرّعين بها لعدم الإقدام على تغيير معيّن؟ أم ربّما عدد المرّات التي تردّدت فيها قبل القيام بخطوة أو الانخراط في مشروع ما؟ فلكلّ منّا منطقة الراحة الخاصّة بها، في حين لا نتجرّأ في الكثير من المرّات على الخروج منها خوفاً من تداعيات التغيير أو الإحساس بعدم الأمان في ظلّ الظروف الجديدة. وبعيداً عن ذاك التغيير الذي نخشاه أو الأعذار التي نتذرّع بها، ثمّة تغيّرات جذريّة يمكن أن تطرأ بغتةً على حياتنا. وهنا تكمن الصعوبة الأكبر في التعامل معها. فإذا لا نستطيع التحكّم بكلّ ما يطرأ على حياتنا من أحداث، يمكننا في المقابل التحكّم بكيفيّة تعاطينا معها. وهذه نقطة واحدة في بحر من التحديّات التي يتعرّض لها ذوي الاحتياجات الخاصّة أو بالأحرى "أصحاب الهِمم". ففيما تسعى بعض الدول والمجتمعات إلى تحسين ظروف أولئك الأشخاص وتأمين فرص متساوية لهم في كلّ القطاعات، لا تزال تسود بعض الصور النمطيّة السلبيّة عنهم. من هنا، نرى ضرورة نشر الوعي حول هذه القضيّة. لذلك، وانطلاقاً من إيماننا بمجتمع يحتفي بالتعدّديّة بعيداً عن التنميط وبقوّة الإرادة الشخصيّة، خصّصنا تحقيق Inspirational Women لهذا العدد لإلقاء الضوء على قصّة نجاح امرأتين تحدّتا التغيير الذي طرأ على حياتهما وخلقتا من ضعفهما قوّة. فتُلهمان بذلك ملايين الأشخاص حول العالم من خلال شجاعتهما ويزيدان من ثقة أصحاب الهِمم بأنفسهم. إنّهما دارين بربر اللبنانيّة وزينب العقابي العراقيّة اللّتان تقطنان في الإمارات العربيّة المتّحدة. فلو اختلفت ظروفهما، جمعهما الإصرار على تحقيق أحلامهما بالرغم من كلّ الصعاب. فانضمّي إلينا في ما يلي لتتعرّفي على قصّتيهما فتسألي نفسك بعدها: ما الذي يمنعني أنا من تحقيق أحلامي؟ نستكمل تحقيقنا مع دارين بربر 

لنعود بالزمن حوالى 20 سنة إلى الوراء. ثمّة مراهقة متعدّدة المواهب تنبض بالحماس والحيويّة وتتشوّق إلى تحقيق مستقبل واعد... وفجأة، شُخّصت بنوع حادّ من سرطان العظام، بينما كانت لا تزال في الـ15 من العمر. وبعد لجوئها إلى جلسات عدّة من العلاج الكيميائيّ، لم تجد حلّاً آخر غير بتر ساقها اليسار... إنّه لتغيير يصعُب تقبّله لشخص راشد، فكيف هو حال فتاة في سنّ المراهقة؟ هكذا بدأت قصّة دارين بربر... قصّة محبوكة بخيوط من التحدّيات والمرارة إنّما الشجاعة والعزيمة والأمل أيضاً. هي خبرةٌ ثقلت شخصيّتها وجعلت منها إنسانة متفائلة وأمّ متفانية. وبعد هذه الحادثة بسنوات عدّة ها إنّ دارين تتعرّض لتحدِّ آخر وهو الأكبر، تحدٍّ شكّل بحقّ مفترق طرق في حياتها... ولكنّها لم تستسلم للألم، فتشبّثت بإيمانها وعزيتمها وتخطّت العقبات وبدأت نظام حياة جديد. اليوم، دارين هي المرأة العربيّة الأولى المبتورة الطرف التي شاركت في مسابقة للجمال واللياقة في لندن والتي أنهت سباق تراياثلون للجري والسباحة وركوب الدرّاجة بساق اصطناعيّة. كذلك، فإنّها فازت في مسابقة WBFF Transformation Winner. فضلاً عن ذلك، هي مدرّبة لياقة بدنيّة وتقوم بالتدريب وبنشر الإلهام والتحفيز. إنّها حتماً خير مثال عن شخص حوّل ضعفه إلى قوّة والوضع السلبيّ إلى وضع إيجابيّ. والأكيد أنّ ذلك لم يكن بالأمر السهل عليها، إلّا أنّه ما من شيء مستحيل عندما يملك الإنسان الإرادة الكافية داخله... وفي ما يلي تخبرنا عن تجربتها وكيف تخطّت أزماتها واستمدّت القوّة لتسجّل نصراً تلو الآخر.
تحديّات تساعدنا على النموّ 
"بعد بتر ساقي، تعرّضت لأزمة فقدان الهويّة. فلم أعد متأكدّة من أنا بسبب هذه العمليّة. واستغرقني الأمر وقتاً طويلًا وذرفت دموعاً كثيرة حتّى أدركت أنّني لا أزال الشخص عينه". بهذه الكلمات، تصف دارين وقع التغيير الذي حدث بغتةً في حياتها. فعانت الألم النفسيّ والجسديّ، إلاّ أنّ الألم النفسيّ كان أصعب عليها. إذ تعتبر أنّ الألم الجسديّ شكّل حافزاً لتغيير إيجابيّ. ولا شكّ في أنّ مسيرة دارين كانت مغمورة بالتحديّات والعقبات إلاّ أنّها تؤكّد قائلةً: "أحياناً لا يمكننا التحكّم بكلّ ما يحدث لنا في الحياة، لكن في المقابل يمكننا التحكّم بقرارنا وموقفنا تجاه ما يحدث". ومن هنا، سمحت لها طريقة تعاملها مع واقعها في كلّ مرّة من تخطّي العقبات. شكّلت العودة إلى المدرسة بعد سنة من إصابتها التحدّي الأوّل بالنسبة إليها، غير أنّها بدعم من عائلتها وأصدقائها تمكّنت من فعل ذلك. وبعد تخرّجها، لم يكن حصولها على وظيفة بالأمر السهل. لكنّها في النهاية وجدت شركة محترمة وبدأت تمارس فيها مهنة التأمين. كذلك، بدأت القيادة بنفسها، ممّا زاد من استقلاليّتها. وبعد سنوات، خطت دارين خطوة أخرى في حياتها، فتزوّجت وانتقلت من بلدها الأمّ إلى الإمارات العربيّة المتّحدة بهدف العمل. 

التحدّي الأكبر
وبالرغم من أنّ حملها شكّل نوعاً جديداً من المشقّة، بما أنّه كان عليها أن تتوخّى الحذر في كلّ خطوة تخطوها كي لا تقع، فتؤذي نفسها أو جنينها، اعتقدته دارين انجازاً كبيراً. فكان بمثابة التغيير الجسديّ غير المريح الوحيد الذي رحبّت به بسعادة. فلدى دارين اليوم صبيّ يبلغ من العمر 12 عاماً وفتاة تبلغ 7 سنوات، هما جوهر حياتها ورونقه. لكن مرّة أخرى، ما من أمر يأتي من دون ثمن! إذ كان الثقل يتراكم على جسدها في ظلّ تولّي المسؤوليّات ورعاية الأطفال. وبعد مرور ستّة أشهر على ولادة ابنتها، سقطت في المطبخ وكسرت فخذها حيث توجد بترتها. كانت تجربة مدمرّة، اعتقدت بعدها أنّها لن تسير مجدّداً. إلاّ أنّها خضعت لعمليّة، بقيت بعدها على كرسيّ متحرّك لمدّة ثلاثة أشهر حتّى يتمّ شفاء عظام الفخذ. فباتت بحاجة إلى طرف اصطناعيّ متطوّر لا يتلاءم إلاّ مع جسم رياضيّ مثالي. وفي خلال هذه الأشهر، أعادت دارين النظر في نظام حياتها. فحان موعد التحدّي الأكبر، إذ بعد أن هملت ذاتها بسبب واجباتها كأمّ، كان عليها الآن أن تؤمن بنفسها مرّة أخرى وتسترجع طبيعتها التي نسيتها تماماً فتضع نفسها أوّلاً من دون أيّ أعذار. في هذا الإطار، ارتأت دارين الخضوع لبرنامج إعادة تأهيل مكثّف جدّاً يلزمها تناول الطعام الصحيّ وممارسة الرياضة. وقد أثمرت جهودها ومشقّاتها، فتمكّنت من فقدان 25 كيلوجراماً، وأصبحت بالتالي قادرة على ارتداء طرفها الاصطناعيّ الجديد والمشي بتوازن. 

لا أعذار في طريق النجاح
تتمتّع دارين اليوم بنمط حياتيّ صحيّ. فبعد إيصال أولادها إلى المدرسة في الصباح، تتوجّه إلى النادي الرياضيّ لممارسة التمارين. ثمّ تنتقل لتلبية مواعيد العمل. أمّا في فترة ما بعد الظهر، فتقضي الوقت مع أطفالها وتتابع دراستهم وتلعب معهم فضلاً عن أنّها تحرص على أن تجتمع مع عائلتها حول مائدة العشاء. وبعد أن بدأت بممارسة الرياضة أبدعت، حتّى أصبحت مدرّبة لياقة بدنيّة. فهي المرأة العربيّة الأولى التي تنهي سباق تراياثلون للجري والسباحة وركوب الدرّاجة بساق اصطناعيّة. فأصبحت الرياضة جزءاً لا يتجزّأ من حياتها، فهي ضروريّة لها شخصيّاً لتكون قويّة جسديّاً وتتحرّك بسهولة بطرفها الاصطناعيّ. فتقول: "جعلتني ممارستي للرياضة نشيطة و سعيدة." ولكلّ النساء اللواتي يخلقنَ الأعذار لأنفسهنَّ لعدم تحقيق أحلامهنَّ، تقول: "إذا كان لديك حلم أو هدف تطمحين إلى تحقيقه ولكنّك ربّما تواجهين تحدّيات أو تخلقين الأعذار، فأنا أقول لك راجعي نفسك إذا كنت فعلاً ترغبين في الوصول وإذا كان لديك الحبّ والشغف، فلا يمكن لأيّ شيء أن يقف في طريقك". 

تنبيه عن مخاطر التنمّر والتنميط 
تؤكّد دارين أنّه لتغيير المجتمع، يجب على الفرد أن يغيّر نفسه أولّاً، فالمجتمع يخشى ما يجهله وفي معظم الأحيان لا يعرف كيف يتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصّة سواء أكان ذلك في الدمج على كافّة الأصعدة ليعزّز فكرة التعايش وتقبّل الآخر. ولدى كلّ إنسان احتياجات خاصّة إنّما تختلف من شخص إلى آخر. وعن التوعية تجاه الأهل وكيفيّة تعاملهم مع أطفالهم إذا كان لديهم أيّ حالة خاصّة، تقول دارين: "كلّنا معرّضون للمصاعب والحوادث التي تكون السبب في تغيير جذريّ ومؤلم في حياتنا. ذلك، يجب على الأهل أن يكونوا صبورين ومتفائلين وإيجابيّين بتعاطيهم مع التجارب ليساعدوا أنفسهم والشخص المتضرّر من الأزمة. ومن المهمّ وجود الوعي وطلب المساعدة من أخصائيّين لتخطّي الأزمة بأسرع وقت وبأقلّ ألم ممكن". وبعيداً عن التنميط الذي يتعرّض له "أصحاب الهمم"، ثمّة حوادث تجعلهم أكثر قوّةً، خصوصاً أنّه في بعض الأحيان يضطرّ المرء إلى التعامل مع أناس لا يقدّرون الظروف.

لمَ لا أكون مثالاً يحتذي به الناس؟ 
بعد إعادة التمعّن في الحياة التي عاشتها دارين إثر هذا التحدّي، أُشعل في داخلها الشغف بنشر الإلهام والتحفيز للجميع، خصوصاً للأشخاص الذين يعانون احتياجات خاصّة. فبدأت تمارس نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعيّ. عندما فقدت ساقها لأوّل مرّة، كانت دارين تحاول جاهدةً التمسّك بذاتها القديمة ورفض حياتها الجديدة. فلم تتقبّل التغيير وهذا ما خلق لها المعاناة. لكن، عندما بدأت التفكير بطريقة إيجابيّة، لم يعُد ثمّة شيء مستحيلاً، فقبلت وأحبّت كلّ ما تملكه، وهنا تغيّر كلّ شيء. فكانت دائماً ما تبحث عن مثال لتحتذي به في حياتها، إلّا أنّها قالت لنفسها: " لمَ لا أكون مثالاً يحتذي به الناس؟ فيمكنني أنا ايضاً أن أنقل رسالة قويّة إلى العالم مفادها أنّ الإعاقة هي قدرة استثنائيّة تجعل المستحيل ممكناً". ودائماً ما يسرّها قراءة رسائل أشخاص محبطين قد أعطتهم الأمل من خلال مشاركتها قصّتها معهم. ومن الرسائل التي أثّرت فيها، تشاركنا دارين المثل التالي: "بينما كنت ذاهبة يوماً إلى موعد عمل في بلدي الحبيب لبنان في سيّارة أجرة، رحّب بي السائق بحرارة معبّراً عن مدى إعجابه بشجاعتي وثقتي بنفسي. وأخبرني والدموع في عينيه كيف أثّرت فيه كثيراً مشاهدتي في إحدى الحلقات التلفزيونيّة. فهو أيضاً لديه ساقان مبتورتان وكان يتألّم كثيراً من حالته، إلاّ أنّ مشاهدته لي على التلفاز بعثت فيه الأمل والثقة وأيقظت بداخله قوّة الانتصار". وحينها أدركت أنّ ثمّة هدف وراء كلّ الأمور والحوادث التي نمرّ بها في حياتنا وعلينا أن نستخدم خبرتنا وقصصنا لمساعدة الآخرين.

الجمال يكمن في التنوّع والاختلاف
عندما تنظر دارين اليوم إلى نفسها في المرآة ترى نقاط قوّة عدّة: الحكمة وقوّة الإرادة والتصميم. بعد تغيّر نظرتها للأمور ووضعها لأهدافها الجديدة، أوّل ما فعلته دارين هو إزالة الغطاء التجميليّ عن ساقها الذي كان يزيد من وزن الطرف الاصطناعيّ. وفي هذا الصدد، تقول: "لقد حرّرت نفسي من محاولة إرضاء المجتمع، وتمكّنت أخيراً بعد سنوات عدّة من ارتداء كلّ ما أريد وأي قطعة تشعرني بالراحة بدون الاهتمام لآراء الناس". فهي تعتقد أنّ الاكتراث كثيراً لآراء الناس هو أسوأ ما يمكن للمرء التفكير به، فتؤكّد أنّ الكثير من أوجه القوّة والجمال يكمن في التنوّع. ولكلّ أولئك النساء اللواتي يمررنَ بأزمة ثقة أو أزمة هويّة ويشعرنَ بعدم الرضا عن جسدهنّ ويسعينَ لإرضاء متطلّبات المجتمع، تقول دارين: "ثلاثة أمور تمنحنا الثقة بالنفس: قبول الذات وحبّ الذات وإيماننا بقدراتنا وعدم الاكتراث لآراء الناس فينا. فهكذا، عليك تقبّل الأشياء التي لا يمكنك تغييرها في جسدك وحُبّها كما هي بالإضافة إلى التركيز على النواحي الجميلة من جسدك وإظهارها. وتؤكّد: "تقبّلي لإعاقتي أعطاني الحافز والقوّة لأتغلّب على ما كنت أظنّه ضعفاً. فالمجمتع يرى الإعاقة ضعفاً، ما جعل حياتي لسنين صعبة، لكن عندما غيّرت نظرتي لنفسي أحسست بقوّة وحافز لأن أحقّق الكثير وأغيّر بالتالي نظرة المجتمع النمطيّة لشخص لديه صعوبات جسديّة. وأكثر ما يجعلني أستمرّ هو أن أضع هدفاً يدفعني إلى تحدّي ذاتي". واليوم، إذا تسنّت لها الفرصة بالعودة إلى الماضي، ستعود دارين لفترة المراهقة لتقول لهذه الفتاة التي كانت تبكي كلّ يوم متأسّفة ومتألّمة وخائفة من المستقبل غير مدركةً للقوّة التي بداخلها: "لا تحزني، لأنّك ستحققين النجاح بالصبر والقوّة والإصرار لديك ، كوني واثقة ولا تهتمّي لآراء الناس، لأنّهم ليسوا أنت". 

اقرئي أيضاً: Zainab Al-Eqabi: الأمر يتطلّب الوقت والصبر

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث