Zainab Al-Eqabi: الأمر يتطلّب الوقت والصبر

التصوير: Maximilian Gower
الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh 
التنسيق: Sarah Rasheed 
المكياج: Vozneac Olga  
الموقع: MPDS Dubai

هل تتذكّرين ما كان آخر عذر أعطيته لنفسك حتّى تبرّري عدم قيامك بأمر ما؟ أم الظّروف التي تتذرّعين بها لعدم الإقدام على تغيير معيّن؟ أم ربّما عدد المرّات التي تردّدت فيها قبل القيام بخطوة أو الانخراط في مشروع ما؟ فلكلّ منّا منطقة الراحة الخاصّة بها، في حين لا نتجرّأ في الكثير من المرّات على الخروج منها خوفاً من تداعيات التغيير أو الإحساس بعدم الأمان في ظلّ الظروف الجديدة. وبعيداً عن ذاك التغيير الذي نخشاه أو الأعذار التي نتذرّع بها، ثمّة تغيّرات جذريّة يمكن أن تطرأ بغتةً على حياتنا. وهنا تكمن الصعوبة الأكبر في التعامل معها. فإذا لا نستطيع التحكّم بكلّ ما يطرأ على حياتنا من أحداث، يمكننا في المقابل التحكّم بكيفيّة تعاطينا معها. وهذه نقطة واحدة في بحر من التحديّات التي يتعرّض لها ذوي الاحتياجات الخاصّة أو بالأحرى "أصحاب الهِمم". ففيما تسعى بعض الدول والمجتمعات إلى تحسين ظروف أولئك الأشخاص وتأمين فرص متساوية لهم في كلّ القطاعات، لا تزال تسود بعض الصور النمطيّة السلبيّة عنهم. من هنا، نرى ضرورة نشر الوعي حول هذه القضيّة. لذلك، وانطلاقاً من إيماننا بمجتمع يحتفي بالتعدّديّة بعيداً عن التنميط وبقوّة الإرادة الشخصيّة، خصّصنا تحقيق Inspirational Women لهذا العدد لإلقاء الضوء على قصّة نجاح امرأتين تحدّتا التغيير الذي طرأ على حياتهما وخلقتا من ضعفهما قوّة. فتُلهمان بذلك ملايين الأشخاص حول العالم من خلال شجاعتهما ويزيدان من ثقة أصحاب الهِمم بأنفسهم. إنّهما دارين بربر اللبنانيّة وزينب العقابي العراقيّة اللّتان تقطنان في الإمارات العربيّة المتّحدة. فلو اختلفت ظروفهما، جمعهما الإصرار على تحقيق أحلامهما بالرغم من كلّ الصعاب. فانضمّي إلينا في ما يلي لتتعرّفي على قصّتيهما فتسألي نفسك بعدها: ما الذي يمنعني أنا من تحقيق أحلامي؟ البداية مع Zainab Al-Eqabi:

Zainab Al-Eqabi: لا تقلقي، كلّ شيء سيكون على ما يرام بالرغم من كلّ التحدّيات والصعوبات، إلاّ أنّ الأمر يتطلّب الوقت والصبر.

وما أجمل من أيّام الطفولة؟ أيّام اللهو واللعب التي نشعر فيها بالحريّة المطلقة بعيداً عن كلّ المسؤوليّات والقيود. فيكون همّنا الأوّل والوحيد الاستمتاع بوقتنا. لكن، في بعض الأحيان تبعاً لظروف غير متوقّعة وخارجة عن إرادتنا، لا يصبّ اللهو في مصلحتنا... ومن هنا، بدأت قصّة زينب العقابي مع لعبة القدر... فبعد انتقال عائلتها إلى منزلها الجديد في العراق في العام 1990، وجدوا "غرضاً" واحتفظوا به ليستفيدوا منه. ولم تتوقّع حينها أنّ هذا الغرض سيؤثّر تأثيراً جذريّاً في حياتها. فبعد سنوات قليلة من هذا التاريخ، رغبت زينب في أن تلهو بركوب الدراجة الهوائيّة مع أختها، فطالبت أباها بإصلاحها. وها هو يلجأ لاستخدام ذاك الغرض لإكمال عمليّة التصليح في باحة المنزل الخارجيّ. وبعد لحظات خاطفة، بينما كان أبيها يضغط عليه، فإذ به ينفجر ليتّضح أنّه عبارة عن قنبلة. لحظة واحدة حوّلت حديقة تنبض بالطفولة والمرح إلى بحر من الدماء. فقد تعرّضت زينب البالغة من العمر 7 سنوات وأباها وأختها في هذا الانفجار لإصابات بالغة. وهكذا، فقدت زينب ساقها، الأمر الذي أدّى بها في نهاية المطاف إلى الاعتماد على طرف اصطناعيّ. لكنّها لم تيأس وأكملت مشوارها في الحياة لتحقّق نجاحاً تلو الآخر، متمسّكةً بابتسامتها العريضة وروحها المرحة. واليوم لديها برنامج تلفزيونيّ وهي أوّل سفيرة عربيّة Arab Patient Ambassador لشركة Auto Book الألمانيّة، وتشارك يوميّاتها مع ملايين المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعيّ بهدف التوعية. وفي ما يلي، تشاركنا زينب قصّتها المحبوكة بخيوط من الإقدام.

إثر الحادثة، توجّب على زينب التأقلم مع واقع جديد حافل بالتحديّات. فتخبرنا: "عشت السنوات الثلاث أو الأربع الأولى في حالة من الضياع". فلم يكن من السهل عليها فهم ما يحصل لها. في حين كانت تتساءل: "ماذا يعني طرف اصطناعيّ؟ وماذا عن استعمال عكّاز والقيام بكلّ الأمور بساق واحدة، وماذا عن المجتمع؟" إلّا أنّها كانت تستمدّ قوّتها من عائلتها وخصوصاً أمّها التي سانتدها في محنتها. كبُرت زينب ولم تمنعها حالتها من إكمال دراستها والتخصّص بالصيدلة في الشارقة. ولأنّها كانت ترغب في الانخراط في مجال يتلاءم مع ما تعيشه، سافرت لمدّة سنة إلى بريطانيا لإكمال الماجيستر في الشؤون الاجتماعيّة الدوليّة. وشكّلت هذه السنة التي عاشتها لوحدها نقطة تحوّل في حياتها علّمتها الكثير.

مواجهة العالم

على غرار كلّ واحدة منّا، لدى زينب ساقان لكن الفرق أنّ واحدة منهما من حديد. وتصف واقعها بالتالي: "أشعر بأنّ ساقي المبتورة هي ابنتي، لأنّها تحتاج إلى انتباه وعناية دقيقة، لكونها تحظى بهويّة خاصّة بها. أمّا ساقي الاصطناعيّة، فهي رفيقتي في كلّ خطوة ومشوار وهي معي في التحديّات، وهي شريكتي ورافقتني في كلّ خطوة من حياتي". في ديسمبر من العام 2013، قرّرت زينب القيام بخطوة مفصليّة في حياتها. ففيما كانت المتحدّثة الرئيسة في افتتاحيّة مخيّم الأمل لذوي الحاجات الخاصّة في الشارقة للخدمات الإنسانيّة، قرّرت أن تقوم بأمر غريب وتظهر للمرّة الأولى بشكل مختلف. ففي الليلة التي سبقت هذا الحدث، قصدت الطبيب وطلبت منه إزالة الجزء التجميليّ. وتفصح لنا عن السبب وراء قيامها بهذه الخطوة: "أصبح لديّ وعي في تلك الفترة بأنّ هذا الجزء من الطرف الاصطناعيّ هو اختياري فحسب. بحيث لم يكن لديّ الوعي قبلها واعتبرت في صغري أنّ الجزء التجميليّ تحصيل حاصل. وعندها، قرّرت إزالته وكان التوقيت موفّقاً، لأنّ هذه الفعالية كانت من أهمّ الفعاليات في حياتي. فكانت طريقة إيصال الرسالة مباشرة وأكثر قوّة وتأثيراً. هكذا، ظهرت زينب بغتةً بهذه الحالة فتفاجأ الجميع بها، ولم يفهموا هذه الخطوة.

كذلك، تحديق الناس بزينب أينما ذهبت سبّب لها الكثير من الألم. لكن بالنسبة إلى الزينب كان الوقت قد حان لتغيير هذه العقليّة. فتقول: "أردت أن أنقل رسالة مفادها أنّه يجب أن تتقبّلي نفسك كما أنت وعليك أن تفخري بما أنت عليه. فعندما أكمل حياتي بطريقة طبيعيّة وأمشي في الشارع وأذهب إلى النادي، سيكوّن الناس فكرة جديدة عن هذا الموضوع. وذاك الوقت، كانت زينب تعمل في مجال المبيعات بين المستشفيات وعيادات الأطّباء، فاستطاعت إيصال رسالة أخرى تتعلّق بإمكانيّة توظيف شخص مثلها والوثوق به وإعطائه فرصة. فأرادت أن تكون رسالة توعية متحرّكة أينما ذهبت في سبيل تشجيع الآخر الذي لا يتمتّع بالجرأة الكافية ويخاف من إظهار حالته.

نشر الوعي عبر كلّ الوسائط

منذ بداياتها، هدفت زينب إلى تغيير نظرة المجتمع وطريقة التفكير ولو حتّى جزء بسيط منه. وهي إذ تفتخر ببرنامجها التلفزيونيّ "يلاّ بنات" الذي يُعرض على قناتَي 1 MBC وMBC عراق، تأمل أن توصل من خلاله فكرة قويّة تنبض بالأمل والتشجيع والثقة لكلّ مشاهد يمرّ بظرف قاسٍ أو تحدٍّ ما.

كذلك، تقوم زينب منذ العام 2013 بنشر يوميّاتها على مواقع التواصل الاجتماعيّ لتشجيع ذوي الاحتياجات الخاصّة على الاستمرار والتصدّي للعقبات. وقد تطوّر المحتوى الذي تقدّمه زينب شيئاً فشيئاً، فأصبحت تستعمل الصور لا سيّما الفيديو الذي بات لديها الجرأة للتكلّم عبره، وبعدها، انتقلت إلى منصّة إنستجرام. ثمّ، أسّست قناتها على يوتيوب حين سافرت إلى بريطانيا لتنشر مقاطع فيديو تنبض بالحيويّة والطاقة الإيجابيّة. وهكذا ازداد تفاعلها مع الناس وكبُرت منصّتها. واليوم، هي سعيدة وممتنّة لنجاح ذلك وانتشار التوعية وتتمنّى أن تكون قد حقّقت هدفها في بثّ الأمل والتفاؤل وتشجيع "أصحاب الهِمم" على ألاّ يخجلوا من إعاقتهم. وهي تعتبر أنّ استمراريّتها في عالم التواصل الاجتماعيّ وازدياد اندفاعها وشغفها به ينبع من فكرة أنّها منذ بداية مسيرتها، لمست كيف تغيّر تفكير الناس الذين تعرّفوا إليها حول تعاملهم مع ذوي الاحتياجات الخاصّة. وتقول: "أجمل اللّحظات هي عندما يقول لي أحد الأشخاص وجهاً لوجه إنّني غيّرت من تفكيره أو إنني أثّرت إيجابيّاً في أحد أعضاء عائلته الذي يعاني إعاقة ما. فأشعر حينها أننّي حققت هدفي، ممّا يجعلني متعطّشة للعمل أكثر لإيصال بصمة إيجابيّة".

وفضلاً عن نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، شاركت زينب في الكثير من المؤتمرات العراقيّة، ومن أهمّها “TEDx Baghdad 2014”. وبقدر ما يساعدها ذلك في نشر التوعية، يفيدها شخصيّاً أيضاً. فالردود الإيجابيّة المباشرة التي تحصل عليها تزرع فيها الطموح وتجعل أحلامها أكبر وتدعم رسالتها.

عدم التهاون مع المتنمّرين

في حياتها اليوميّة، لا تركّز زينب على ردود الأفعال. فثمّة ردود عفويّة إنّما يكون لديها وقع سلبيّ، مثال "الله يعينك،الله يشفيك". وفي المقابل، ثمّة أخرى إيجابيّة، بحيث يتعامل معها الناس بشكل طبيعيّ ليؤكّدوا لها أنّه لا فارق بينها وبينهم. وتشاركنا هذه الذكرى الجميلة: "عندما أقوم بمهمّة صعبة، ويصادف وجود شخص آخر بجانبي ولا يأتي لمساعدتي، أشعر بالثقة وبأنّه ما من أحد يضايقني وبأنّه يجب عليّ أن أستمرّ بطريقتي في توليّ الأمور. ولدى سؤالنا عن مخاطر التنميط والتنمّر، أجابت زينب: "من الممكن التهاون مع الأشخاص الذين يميلون إلى أن يجرحوا الآخر بعفويّة، بخلاف أولئك الذين يفعلون ذلك عمداً، فيقلّلون من قيمة الآخر. من هذا المنطلق، على المرء أن يزن كلامه قبل أن ينطق به. فلا يعلم كيف قد تتغيّر ظروف حياته، لذا لا يجب أن ينتقص أبداً من الشخص الآخر". وتتوجّه بهذه الرسالة: "لا تكسر غيرك وتجرحه، فيمكن أن يهدم كلامك حياته بالكامل خصوصاً، إذا كان يمرّ بظروف صحيّة ومشاكل اجتماعيّة كبيرة". وبالنسبة إلى التغيير، تتمنّى زينب تحقيقه في مجتمعنا لذوي الاحتياجات الخاصّة، فتقول: "أتمنّى أن تتوافر فرص متساوية من ناحية منح الثقة والعمل وسهولة التنقّل وأن تختفي النظرة الدونية والشفقة، كذلك أن يؤمَّن الدعم في الأمور الصحيّة، إذ يقع عبئاً كبيراًعلى كلّ الأهالي، لا سيّما والتعليم الدامج والحقوق البديهيّة لأيّ شخص يستحقّ العيش الكريم".

التميّز في الاختلاف

تعيش اليوم زينب مع عائلتها في الإمارات العربيّة المتّحدة. وعندما لا تكون في رحلة عمل خارج البلاد، تبدأ يومها باكراً لتتمكّن من استثماره بالكامل وإنهاء أشغالها والتزاماتها والقيام بالتمارين الرياضيّة وبروتين لياقة معيّن. ثمّ، تعود إلى المنزل للاطمئنان على أهلها لأنّها حاليّاً مسؤولة عنهم. وتستغنم الفرصة في بعض الأوقات للخروج معهم والاستمتاع بوقتهم خارج المنزل. وقبل فترة، كانت ملتزمة بركوب الدرّاجة الهوائيّة، لكنّها اضطرّت على التوقّف بسبب إصابة أبعدتها عن التزامها الرياضيّ. كذلك، تحبّ التصوير وتمارس السباحة. ولدى سؤالنا عن العوائق التي تواجهها، كان جواب زينب واضحاً وضوح الشمس: "الإنسان الذي يريد التركيزعلى العوائق سيجدها حتماً. أنا لم أعد أركّز عليها، لأننّي غيّرت نظرتي للأمور في حياتي وإذا طرأت مشكلة ما أفكّر فوراً في إيجاد حلّ. وعندما تنظر إلى نفسها في المرآة اليوم، ترى زينب الثقة والصبر والرضى والامتنان. وتضيف نقطة تعتبرها سلبيّة وإيجابيّة في الوقت عينه وهي العناد. فتقول: "العناد جعلني أصبر على الكثير، إذ يفيدني عندما أرسم هدفاً وأصرّ للوصول إليه لا سيّما وأنّه ساعدني على تغيير نظرة أهلي لبعض الأمور مثل سفري بمفردي، الأمر الذي كان ممنوعاً في مجتمعنا". وفي حين تميل بعض النساء لعدم الرضا عن جسدهنَّ بسبب محاولتهنَّ إرضاء المجتمع، تردّد زينب دائماً عبارة "اختلافي هو ما يميّزني وإعاقتي هي ما تمنح حياتي نكهة يفتقر إليها الكثيرون." فهي تعتبر أنّ تقبّل الذات يأتي من دور التربية والأهل، فهم يزرعون في الشخص حبّ الذات والثقة والرضا. وعندما تتواجد هذه السمات في الشخص، تتضاعف قوّته بالتعامل مع المجتمع. لم تخلق زينب الأعذار لنفسها يوماً ورسالتها للنساء اللّواتي يملنَ إلى فعل ذلك لتبرير عدم تحقيق أحلامهنَّ هي التالية: "لا تقولي أنّ الناس لا يتغيّرون، إذا كان أهلك أو محيطك يمنعنك عن تحقيق أحلامك. ولا تفكّري بالصعاب بل بنفسك. فأنت المحور الأساسيّ لأحلامك. وركّزي على طاقتك وأهدافك واعملي جاهدةً حتّى تتحقّق فعليّاً لأنّ ما من أمر يأتي بسهولة وبدون تعب. كلّ شيء يتحقّق مهما طال الوقت، فلا تفقدي الأمل". أمّا هي، فإذا تسنّت لها الفرصة بالعودة إلى وقت الحادث، ستقول لنفسها: "لا تقلقي، كلّ شيء سيكون على ما يرام بالرغم من كلّ التحدّيات والصعوبات. فالمسألة مسألة وقت وصبر". وهذه هي الجملة التي كانت أمّها تردّدها لها حينذاك.

اقرئي أيضاً: Zahra Lyla Khalil: أحبّ تأسيس ملجأ للحيوانات المهجورة والمشرّدة

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث