زها حديد مهندسة تركت بصمتها في فن العمارة العالميّ

قصّة نجاح عنوانها التصميم المعماري والفنّ والإبداع، هي قصّة زها حديد، المهندسة المعمارية، العراقية-البريطانية، التي أذهلت العالم بإبداعها وتركت بصمتها على فنّ العمارة الحديث. هي امرأة شرقية فرضت نفسها عالمياً في مجال لطالما سيطر عليه الرجال، وحازت جوائز عالمية لترفع اسم المرأة العربية إلى الأعلى وتثبت أنّ النجاح لا يعرف أصلاً أو عرقاً، وإنما ينبع من العمل الشاق والتفاني. تابعي معنا تفاصيل الحوار الذي أجرته Marie Claire بنسختها العربية مع المهندسة المعمارية زها حديد التي تحدّثت بصراحتها المعهودة عن حياتها ونجاحاتها وأهمية دعم عائلتها لها.

قمتِ بدراسة الرياضيات في الجامعة وذلك قبل انتقالك إلى لندن ومتابعة التخصّص في الهندسة المعمارية فما الذي جعلك تقومين بهذا التغيير؟

أثناء دراستي في الجامعة الأمريكية ببيروت، فتنت بعلوم الرياضيات التي قدمها العرب للعالم. كذلك فإن مادتي الهندسة والرياضيات مرتبطتان بشكل وثيق بفنّ العمارة. كان شقيقي يدرس في جامعة Oxford، حيث أخبرني عن مدرسة الجمعية المعمارية للمهندسين المعماريين في العاصمة البريطانية وعن إبداعاتهم، فقرّرت زيارة المدرسة للاطلاع على ما يقدمونه.

هل لعبت عائلتكِ دوراً محورياً في قصة نجاحكِ ومن كان أول داعم ومعجب بأعمالك؟

كان والداي بلا شك ملهمي الرئيسيين، فهما من أوائل المعجبين بأعمالي والداعمين لي. لقد تناغم اهتمام والدي بتطوير الذات مع الإحساس العالي الذي كانت تتمتع به والدتي في مجال التصميم. إذ إنها كانت أوّل من نشأني على فن الرسم. أعتقد أن والديّ كانا مهتمين بطريقة غير مباشرة بفن العمارة. من أولى الصور المعمارية المخزّنة في ذاكرتي، والتي جعلتني أتعلق بهذا المجال، تحضرني صورة منزل عمتي في الموصل بشمال العراق. كنت وقتها في سن السادسة، وكان المهندس المشرف على التصميم صديق والدي، حيث كان يتردّد على منزلنا برفقة الرسوميات والنماذج الخاصّة بالتصميم. أتذكر رؤيتي للتصميم في غرفة المعيشة، وتلك المشاهدة أثارت في داخلي شيئاً جعلني أقع في حبّ فنّ العمارة.

ما الذي يحفّز زها حديد؟

أعتقد أنّ باستطاعة فنّ العمارة أن يحمل شعوراً بالحيوية والتفاؤل الإيجابي، لا سيما أنّ هناك تحديات تواجه أجيالنا كالاستدامة البيئية والتفاوت الاجتماعي. وباعتباري مهندسة معمارية ذات رؤية شاملة، أقدم حلولاً لمواجهة تلك التحديات الرئيسة. وكجزء من مهنة المهندس المعماري، نعمل على جعل الناس يشعرون بالارتياح في أماكن إقامتهم، أي أنّ علينا أن نكون ملتزمين بتوفير تلك المعايير سواء أقصدت المدرسة أم مكان العمل. لطالما كان السكن الخاصّ بمحدودي الدخل والمدارس والمستشفيات وغيرها من البنى التحتية الحيوية يستند إلى مفهوم الحد الأدنى من الوجود، إلا أنه بات من الضروري تغيير ذلك في وقتنا الراهن. نستطيع الآن تشييد مبان تحسّن من بيئتها لتناسب احتياجات مستخدميها، ومبان تتكيّف مع أنماط الطقس المتغيّرة في أي لحظة. كذلك نبحث أيضاً عن مواد بناء جديدة وتقنيات تصميم وطرق بناء ذات فوائد بيئية في غاية الأهمية.

يُعرف عن زها حديد كونها صادقة وذات شخصية قوية وشغوفة فما هي المواصفات الأخرى التي تعتقدين أنها مهمة لأي امرأة تبحث عن التميّز والنجاح؟

أؤمن بأنّ العمل الجاد هو الأساس. وكامرأة، عليكِ أن تتحلي بالثقة بقدرتك على الاستمرار واتخاذ خطوات جديدة دائماً. ولذلك، فأنا أؤمن بأهمية العمل الشاق، إذ يمنحكِ الثقة بالنفس.

ماذا يعني لكِ كونكِ أوّل امرأة تحصل على جائزة Pritzker في فنّ العمارة سنة 2004؟

يجسّد فوزي اعترافاً قوياً بما بدأته منذ عشرين عاماً كأفكار معمارية مستقبلية قابلة للتحقيق. أريد أن أوضح بأن الهندسة المعمارية ليست عملاً فردياً، ففوزي بهذه الجائزة هو ثمرة جهد مشترك مع جميع العاملين معي في المكتب والذين تعاونت معهم لسنوات طويلة. العمل الجماعي أمر بالغ الأهمية، ففنّ العمارة ليست مجرد منافسة، ولكنه تعاون وتضافر لممارسات وطرق مختلفة تتناغم مع بعضها بعضاَ في تكامل فريد وانسجام بالغ.

في سبتمبر أعلن المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين عن منحك الميدالية الذهبية الملكية للعام 2016 وباعتبارك فزت بأكثر من 120 جائزة ماذا تمثل جميعها بالنسبة لك؟

يمثل ذلك شرفاً كبيراً لي، ولكن ما يثير حماستي أكثر هو كون الناس اليوم من غير المختصين أو العاملين في هذه الصناعة، باتوا مهتمين في تأثيرات فنّ العمارة على مدنهم وحياتهم. من المثير حقاً أن الناس أصبحوا يهتمون كثيراً بالمباني التي تحيط بهم.

علّمتِ الهندسة المعمارية لسنوات في عدد من أفضل الجامعات حول العالم مثل Harvard وYale وColombia واليوم تدرسين جامعة الفنون التطبيقية في فيينا لكن مع جدول أعمالك الحافل ما هي أهمية تخصيص قسم من وقتكِ للتعليم؟

أعتبر التعليم تجربة مهمة للغاية وأشعر بالراحة والرضا عندما أظهر للناس أنهم قادرين على تحقيق أشياء يعتقدون بأنها خارج نطاق قدراتهم أو أنهم عاجزين عن تنفيذها. المسألة ليست مجرد ما أعرفه، ولكنها مرتبطة أيضاً بمدى معرفة طلابي، لأنّ الأمر قائم على التبادل. لا أريد أن أسير في الصف الدراسي وأنا أردد: "سأقوم اليوم بتعليمكم هذا الشيء"، إنّما أفضّل أن أطرح مشكلةً لتأملها، ومن ثم العمل على استكشافها. من المثير بالطبع عند الحديث عن مهنة التعليم أنك عندما تقترح مشكلة للبحث، تكون لديك توقعات معينة عمّا يمكن للطلاب تحقيقه، وتكون الجائزة بالنسبة للمدرس عندما يبتكر الطلاب حلولاً تفوق تلك التوقعات.

من بين الأبنية التي قمتِ بتصميمها ما هو المبنى المفضل لديكِ ولماذا؟

إنه سؤال صعب للغاية. يصعب عليّ أن أقترح مشروعاً واحداً بعينه، وذلك لأنّ جميع مشاريعي قد أبصرت النور في أزمنة مختلفة، وهي تمثّل تحديات متنوّعة، وعليه فإنني فخورة للغاية بها كلّها. لكن ستظل محطة Vitra Fire تحمل مكانة خاصة في قلبي، وذلك كونها أولى المباني الخاصّة بي.

كيف توصّلت إلى التعاون مع Pharrell Williams لتصميم زوج من أحذية التدريب وذلك كجزء من تشكيلة الموسيقي الخاصة بعلامة Adidas؟

التقيت Pharrell Williams في لندن سنة 2009، وذلك بينما كنت أصمّم معرض Serpentine Sackler، حيث قام بزيارة مكتبنا لدراسة رسوميات المشروع، وناقشنا وقتها سبل التعاون بيننا. كان التعاون مع Pharrell ممتعاً، فهو فنان ذو خبرة وتجربة بميدان الموسيقى والأزياء والأفلام، ويتمتّع بخيال مبدع يلفت الانتباه. وهو يقوم باستمرار بتعديل المشروع، وذلك من خلال إضافة أفكاره الخاصّة وتصوراته، والتي تكون في معظم الأحيان مميزة واستثنائية وواقعية وذات صلة بالموضوع.

ما هي النصيحة التي تقدّمينها للنساء العربيات للارتقاء بأعمالهن؟

لا تستسلمن أبداً، فلن تحصلن دائماً على ما تردن في كلّ مرة، ولكن عليكن الاستمرار في المحاولة. أعتقد أنّه من المهم أيضاً الالتزام والمثابرة، وأن تؤمن كلّ واحدة بنفسها، وهي أشياء لا تزال تمثل تحدياً بالنسبة للنساء. كذلك من الصعب التمتع بمكانة مرموقة في أيّ مهنة من دون أن يكون الشخص شديد التدقيق، إلا أنه من الضروري أيضاً تعلّم كيفية الثقة بالآخرين. سيستفيد التصميم الرائع دائماً من تبادل الآراء مع الآخرين. لا تهملوا أصدقاءكم وعائلاتكم أبداً. لا يتوقف الزمن عندما تحاولون جاهدين الالتزام بموعد تسليم المشروع، ولكن لا ينبغي بأي حال من الأحوال نسيان أهمية عائلاتكم وأصدقائكم، فهم في نهاية المطاف سيكونون داعمكم الأكبر.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث