سارة الجرمن: تخطّينا الصعوبات والتحديات وها إنّنا نحاول استعادة وتيرتنا

حوار: ديالا مكّي

على الرغم من الظروف الاستثنائيّة التي شهدها العالم، لا سيّما المنطقة العربيّة منه وكلّ ما تسبب به وباء كورونا من تراجع للمبيعات والأرباح والحياة بمجملها، إلّا أنّ دور الإعلام ما برح يتزايد ويتعاظم، خصوصاً في الأوقات العصيبة مثل التي فرضها الفيروس علينا. ولأنّه ليس أمام صناعة التلفزيون إلّا أن تتأقلم مع للتطوّر المحتم علينا، وجدت نفسها تتحول من مهمتها الترفيهيّة لتصبح وسيلة توعويّة إخباريّة. ولا شكّ في أنّ سارة الجرمن، مدير إدارة القنوات العامة في مؤسسة دبي للإعلام، والتي تعدّ من أكثر الشخصيات الرائدة في قطاع الإذاعة والتلفزيون خير مَن يسعه إطلاعنا على كلّ التغييرات التي تعيّن على عالم الإعلام فعلها ليواصل تأدية رسالته على أكمل وجه. إليك كلّ ما أخبرتنا به في هذا الخصوص.

كيف ساهم الوباء في التطوّر المفروض لصناعة التلفزيون؟ وما الاستراتيجيات الفوريّة التي تم تنفيذها في خلال الأزمة وكيف أثرت على إنشاء المحتوى وإنتاجه؟

بطبيعة الحال، حصلت عمليّة إعادة ضبط في البداية لتحديد الرسالة التي أردنا إيصالها كوسائل إعلام في ما يتعلّق بالوباء. لذلك، أتت معظم التعليمات من لجنة إدارة الأزمات في دبي، حيث أخبرونا بالرسائل الأساسيّة التي أرادوا التركيز عليها، لا سيّما والجمهور والجنسيّات الهدف الذين سعوا لاستقطابها. وبالتالي حصل معظم عملنا في هذا الصدد مع اللجنة الوطنيّة للأزمات ومكتب الإعلام. وبالطبع، قضى هدفنا كقنوات تلفزيونيّة في ذلك الوقت بإيصال الرسالة المطلوبة من بلادنا وإطلاع الناس على ما يحدث على المستويين الأجنبي والعربي. وبالتالي اقتصرت مهمتنا على تزويد الجمهور بالمعلومات. هذا فضلاً عن مؤتمر الصحافة الأسبوعيّ الذي أقامته الحكومة في أبو ظبي. إنّما اتّخذت رسائلنا طابعاً متخصصاً أكثر، بحيث غصنا في أسلوب حياة الإنسان وأخبرنا الناس بأعراض الوباء وكيف يسعهم التأقلم معه، أي أننّا غطّينا قطاع الصحة والتحليل النفسي واللياقة البدنيّة وأعلمنا المشاهدين بماهية فيروس كورونا وتأثيره على الإنسان وبحالات كورونا في الإمارات العربيّة المتحدة.

بصفتك مديرة قنوات مؤسسة دبي للإعلام، تتحملين مسؤولية تحفيز فريقك وتعزيز إبداعهم. ما مدى صعوبة تلك المهمة؟

بصراحة، أظهر طاقم العمل بأكمله في مركزنا الإعلامي عن رغبة في العمل والمساعدة. ولا شكّ في أنّنا اتّخذنا جميع احتياطاتنا والتزمنا بجميع الإجراءات الوقائيّة بروح من التعاون، حتى أنّ جميع أفراد العمل شعروا بأنّ هذه المهمة تمثل جزءًا من مسؤوليتهم فبادروا تلقائيّاً إلى مد يد العون. وأعتقد بأنّ هذا أمر رائع، لدرجة أنّ بعض الناس كانوا في منازلهم لكن أرادوا المساعدة، وظهرت تلك الروح الجميلة حينها.

كيف تؤثر المجموعة الجديدة من الحقائق المفروضة على المشهد الإعلاميّ بشكل عام؟

أظنّ أنّ واحداً من أبرز التحديات التي واجهتنا تمثلت في الإعلانات، بحيث انسحب عدد لا بأس به من المعلنين. كذلك عانينا في محاولة مجاراة الربح الذي عادةً ما نجنيه في الربع الأول من السنة، حيث تدنت نسبة أرباحنا بشكل ملحوظ. فضلاً عن السعي إلى إبقاء المعلنين مهتمين، لا سيّما وأنّ معظم محتوانا تحوّل إلى الأخبار والمعلومات عن موضوع واحد رئيس، بالإضافة إلى أنّ نسبة كبيرة من العمل حصلت على وسائل التواصل الاجتماعي، بغية تزويد الناس بالمعلومات بصورة سريعة ومقتضبة. لذلك، كان من الصعب علينا تحقيق الدخل من هذه الناحية التي حوّلت عملنا إلى واجب وطني وأظهرت دورنا كوسيلة إعلام حكوميّة. إذاً لم نصب تركيزنا إطلاقاً على الجانب التجاريّ.

كيف ستتغير أساليب العمل التلفزيوني نظرًا للتحولات التي يشهدها الإعلام في ظل التحولات الحالية؟ و هل تغيّرت عادات المشاهدة وفقاًِ لذلك؟

تعيّن علينا طبعاً أن نعيد تحديد استراتيجيتنا ومثّل ذلك تحدياً آخر لنا. وبناءً عليه، أشركنا ضيوفاً عبر Zoom، ودمجنا أفكاراً من شأنها أن تساعد الناس على تعميق فهمهم للوضع المستجد والتأقلم معه. ونظراً إلى أنّنا إعلام محلي في دبي، تركّز دورنا حول إطلاع الجمهور على عدد حالات كورونا في البلاد، وكيفية تعامل الحكومة مع الأمر، ناهيك عن الرسائل التي أوصلتها الحكومة من خلال المؤتمرات الصحفيّة بالتعاون مع الشرطة ودائرة الصحة و الأطباء، فضلاً عن برنامج إخباري يوميّ لمدة ساعة ركّز على المحتوى الطبي و الرسائل التوعوية التي كان الجمهور بحاجة اليها في هذه الجائحة. إذاً تحتم علينا تغيير محتوانا الإعلامي وفقاً للوضع المستجد ولما احتاج الناس إلى معرفته وبالتالي اقتصرت معظم حملاتنا الإعلانية حول التوعية وتحديث البيانات حول وضع الوباء.

ما مسؤولياتك المباشرة في ما يتعلّق بإدارة قناة تلفزيون دبي؟

أعتقد أنّ مسؤولياتي في تلفزيون دبي تتعلّق في المكان الذي نهدف إلى إيصال القناة إليه. فعلى سبيل المثال، نسعى اليوم إلى نقل قناة دبي إلى مستوى مختلف تماماً. وحالما توليت إدارة القناة، أطلقنا الكثير من البرامج التي تلقى الترحيب على الصعيد الدولي، وتستقطب الفئات العمريّة الأكثر شباباً، أي البرامج غير التقليديّة التي لم تبث من قبل والتي تلقى المزيد من التفاعل.

وبما أننّا وسيلة إعلاميّة حكوميّة، نحاول أيضاً إيجاد التوازن بين البرامج التي تحتوي على الرسائل الحكومية من جهة والاهتمام بالناحية التجاريّة والترفيهيّة الممتعة من جهة أخرى. على سبيل المثال، يعدّ برنامج The Astronauts من البرامج التي استثمرت دبي والحكومة بها، لا سيّما على هامش رائد الفضاء الإماراتي الأول الذي انطلق إلى محطة الفضاء الدوليّة. وهكذا نوصل رسائل أصحاب المصلحة والبلاد بطريقة ممتعة، حيث أعددنا برنامجاً من برامج تلفزيون الواقع حول هذا الحدث وجعلنا مشاهدته ملفتة للاهتمام مع تزويد الناس بمعلومات مفيدة حول ما يتطلّبه الأمر ليصبحوا رواد فضاء.

إذاً أعتقد أن دوري يقضي بمزج الجانب الحكومي مع التجاري بأسلوب سلس وترفيهي يتناسب والجهات المعلنة. وبالطبع، أتولّى أيضاً إدارة إنتاج هذه البرامج وتقديم الأفكار الجديدة المبتكرة ونقل تلفزيون دبي إلى مستوى مختلف عمّا كان عليه سابقاً. ولا يتعلّق الأمر بالمنافسة ولا بالموقع الذي أطمح إلى بلوغه، إنّما الارتقاء بالقناة إلى مستوى يناسب المشاهد في الوقت الحالي والتواصل مع الجيل الشاب من خلال البرامج الحواريّة الترفيهيّة مثل برنامج ذا إنسايدر العالمي ونجوم الموضة والمصمّمين اليافعين، وبالتالي نصبو إلى إدخال روح الشباب إلى القناة التي ربما افتقرت إليها سابقاً. لذلك، أحضرنا نجمة عالم الموضة المصممة البارعة ريم عكرا Reem Akra وكذلك كريس هادفيلد Chris Hadfield إلى برنامج رواد الفضاء. حتى أنّنا نتعامل مع الكثير من النجوم العالميين من خلال برنامج مشاهير مع ديالا، لأنّني أريد أن يبقى جمهورنا عربيّاً، لأنّني أريد أن يبقى جمهورنا عربيّاً، لكنني دائماً ما آتي بخبرات ومحترفين دوليين أيضاً لمساعدة هؤلاء المتسابقين الإقليميين ودعمهم وتدريبهم، سواء أفعلوا ذلك في صناعة الموضة أم في عالم الفضاء أم أيّ مجال وبرنامج آخر.

في ظلّ الأزمة الأخيرة، بات بعض من الجمهور منكبّاً على وسائل الإعلام بشكل لم يسبق له مثيل، بينما مال البعض الآخر إلى الحد من استهلاكهم لوسائل الإعلام. كيف تتعاملين مع سلوك مختلف المستهلكين؟

مع الإتجاه الى الرقمية و السعي الى إيجاد التوازن بين العالم الرقمي و التلفزيوني، فإن مؤسسة دبي للإعلام تملك منصة أوان للمشاهدة عند الطلب بلإضافة الى الأقنية التلفزيونية، فإن محتوانا يتماشى مع المنصتين. لذا نركّز على تقديم برامج تناسب المساحة الرقميّة والتلفزيون في آنٍ معاً. وبالطبع، من حيث الناحية الرقميّة، لدينا استراتيجيات مختلفة حول كيفية نشر لقطات ملفتة للاهتمام تأتي بربح إعلاني أكبر.

بالمختصر، يتعلّق الأمر بمبتكري المحتوى وبالبيانات التي يمكننا جمعها من ذلك المحتوى. ففي نهاية المطاف، أنا أتولى إدارة المحتوى وطريقة بثه وإيصاله عبر أيّ منصة كانت. لكن بصفتنا تلفزيون دبي، ثمة إرشادات علينا أن نلتزم بها، لأنّنا نمثل قناة الحكومة وانطلاقاً من هنا نبتكر محتوى يتناسب وإيّاها. وأظنّ أن الناس يتوجهون أكثر نحو الاتجاهات التي تلمسهم وتعنيهم ليتفاعلوا معها. من هنا، إنّنا نحافظ على ديناميكيّة مفتوحة مع الجمهور من حيث ما يودون مشاهدته ورؤيته ونحافظ على الانتاج عالي الجودة الذي يعدّ غاية في الأهمية. إذا يحتاج الأمر إلى مزيج من كلّ هذه الأمور وإمكانيّة بثه على جميع المنصات الممكنة. وبفضل كلّ الموارد التي تصلنا، من المفلت أن نفهم ما يريده المشاهد أكثر، لا سيّما في الوقت الحالي. حيث أنّ الكثير من الناس انتقلوا في خلال الوباء إلى المنصات المبنية على الاشتراك أمثال نتفلكس Netflix وأمازون Amazon وغيرها، لوجود الكثير من المحتوى عليها، إلى جانب حرية الاختيار بحسب ما يسمح وقتهم الخاص لهم.

ما هو المحتوى الملائم في المرحلة المقبلة؟

في ظل الإقبال الكبير على المحتوى وعادات المشاهدة المستجدة، أظن أنّه علينا إعادة النظر في ما يودّ المشاهد رؤيته وفي ما نتيحه له على أيّ منصة. أمّا ما ندرسه الآن، فيتمثل في ابتكار محتوى قصير قد يدوم لحوالى 5-10 دقائق للمنصات الرقمية، ومحتوى أكثر طولاً مثل البرامج الحوارية و تلفزيون الواقع إنّنا دائماً في صدد دراسة خيارات جديدة والبحث في ما يناسب جمهورنا. خصوصاً أنّ جمهور الشرق الأوسط متشعّب كثيراً، وكلّ بلد يحبّ محتوى معيّناً، لذا فإنّ صيغة الجمهور العربيّ ليست بالسهلة على الإطلاق. إذ لسنا نتحدث إلى شخص واحد بلغة مشتركة، إنّما نتوجه إلى قاعدة جماهيرية حول العالم العربي. ونحاول إرضاء جمهورنا بمجمله من خلال إحضار مقدّمي برنامج مختلفين ومتسابقين من بلدان عدة. إذاً نسعى إلى إرضاء هذه التعدديّة في الأذواق والجنسيات حيث لدينا مسلسلات مصريّة وخليجيّة وكويتيّة ومقدمين سعوديين في برنامج The Insider. وأعتقد أنّ هذا أمر أساسي للمضي قدماً وللتحدث بلغة تناسب الجميع. ومهما كانت اللغة التي نتحدثها، يبقى الأهم أن نمتلك محتوى قويّاً.

في خضم هذه الأزمة، يبقى الأمل ضروريّاً للناس كي يحلموا بغدٍ أفضل. كيف ساعدت جمهورك على تطوير هذا الأمل والحفاظ عليه من خلال المحتوى المنشور؟

علينا تقديم محتوى متوازناً ما بين الناحية الإخباريّة الإعلاميّة وتلك الترفيهيّة، إنّما بأسلوب لطيف. إذ علينا أن نحترم المشاهد ونتعاطف معه ونزوّده بما يحتاج إليه وشكلّ إيجاد هذا التوازن تحدياً حقيقيّاً لنا. لذا أوقفنا البرامج الترفيهيّة بحت، وركزنا أكثر على البرامج الإخباريّة والحواريّة، فمثلاً أعدنا بث برنامج The Doctors المفيد في مثل هذه الأوقات. وحالما استتبت الأوضاع وعاد الهدوء قليلاً، استعدنا بعضاً من برامجنا الغنائيّة والحواريّة والواقعيّة وغيرها. لكن أكرر أنّ معظم إنتاجنا ومشاريعنا التي كنّا قد بدأنا توقفت إثر الوباء، منها الموسم الثاني من The Astronauts. لذا تكبّدنا الكثير من الخسائر بعدما طالتنا تداعيات الفيروس، وبحثنا في طريقة لتعويض تلك الخسائر، لأنّنا اضطررنا إلى إعادة متسابقي البرنامج أدراجهم وإيقاف التصوير والإنتاج. لذا حصلت الكثير من الظروف والتدابير الخارجة عن سيطرتنا وعلمتنا جميعاً الكثير بالفعل، إذا كان علينا مواجهتنا والتأقلم معها واستكمال العمل. وبالفعل، تخطينا الصعوبات والتحديات، وها إنّنا نحاول استعادة وتيرتنا، وأظن أنّ الناس باتوا يريدون التنوع الآن، لذا نحاول تعويض خسائرنا والعودة إلى برامجنا الترفيهيّة. إذاً نحاول اليوم التفكير في ما يمكننا إنتاجه مع احترام الإرشادات الدقيقة التي علينا الالتزام بها والمحتوى الذي من شأنه أن يحصل على نسب مشاهدة عالية.

كيف تقيّمين السوق الحاليّة؟ وكيف تخططين إلى استعادة ثقة المعلنين؟

من الناحية الإعلانية، إنّنا نبث الكثير من المحتوى المتكامل ونعمل مع المعلنين على ابتكار قصص من الصفر. بكلمات أخرى، لم تعد الجهة المعلنة تأتي في نهاية العملية للترويج فحسب، لا بل إنّها تصبح جزءًا من القصة والكتابة والإنتاج منذ الاجتماع الأول. حيث نجري الكثير من التسويق المدمج ونؤلف قصة مبنية على المنتج الذي يتناسب وبرنامج محدد. وفي الوقت عينه، لدينا الكثير من المؤثرين والمؤثرات ومقدمي البرامج الذي يمثلون قيمة مضافة للجهات المعلنة، لا سيّما وأنّهم يتمتعون بعدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يقدره المعلنون كثيراً لأنّه يمنحهم الكثير من التفاعل والإعجاب والمشاهدات. إذاً إنّنا نحاول الحصول على أكبر عدد ممكن من المعلنين، إلى جانب كلّ ما نملك من أصول. فمن المعلوم أنّ حوالى 30%-40% من إيراداتنا تذهب على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقميّة مثل يوتيوب وجوجل، لذا نحن نحاول بذل قصارى جهدنا لا سيّما في هذه المنطقة حيث لا يزال ثمة إنفاق على قطاع التلفزيون وأظنّ أنّ هذا ما يريده المعلنون اليوم بدلاً من الإعلانات التقليديّة.

اقرئي أيضاً: رسالة إنسانيّة وحاجة بشريّة... إنّه الإعلام من منظور علي جابر

العلامات: سارة الجرمن

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث