النباتيّة الصرفة تنتقل إلى خزانتك

EMILY CREMONA SUSTAINABLE FASHION BRAND

إلى جانب الغذاء، تطرح الأقمشة المصنوعة من الألياف النباتيّة الصِرفة نفسها كأحدث إضافة مستدامة إلى عالم الموضة في مسعى إلى تحقيق الاحترام الشامل لأخلاقيّات كوكبنا.

إنّنا لا ندّعي أنّه بات باستطاعتك أن تأكلي ملابسك طبعاً! لكن ماذا لو أخبرناك أنّه يمكنك في الواقع نقل أسلوب حياتك النباتيّ من طبقك إلى خزانة ملابسك من خلال وصفات صُنعت في المطبخ بالفعل؟ واصلي القراءة إذا ما كنت تشعرين بالإلهام، إذ سنتحدّث قليلاً عن الملابس النباتيّة قبل أن نطلعك على الوصفات. فتتشارك الملابس والأطعمة النباتيّة الصرفة الهدف عينه، إذ يرمي كلاهما إلى منح الناس شعوراً بالراحة، فقد توسّعت آفاق النباتيّة الصرفة لتطال الملابس أيضاً، فتُعنى بكلّ قطعة تتفادى كافّة المنتجات الحيوانيّة في صناعتها. بمعنى آخر، إنّها تلك التي تمتنع عن استخدام الجلد والفرو والحرير، فضلاً عن الريش والعظام والقرون والأصداف، بالإضافة إلى صوف الكشمير وصوف الخراف والأنغورة وصوف الشاهتوش، ناهيكِ عن جلد الثعبان والجلد المدبوغ والبشمين والمخير.

أمّا بالعودة إلى وصفتنا السريّة، فبينما كنّا نتعمّق في صيحات الملابس النباتيّة الصرفة، عثرنا على محاضرة ملفتة جداً ضمن مؤتمرات Ted talk ألقتها Suzanne Lee، مؤسِّسة Biofabricate ومديرتها التنفيذيّة. وهي منصّة تعزّز التعاون بين المصمّمين وعلماء الأحياء بهدف تنمية مستقبل المواد المستدامة لصناعة المنتجات الاستهلاكيّة. وكشفت Suzanne Lee في حديثها عن كيفيّة استخدامها لتقنيّة السليلوز الميكروبي الذي يتألّف من ملايين البكتيريا الدقيقة التي تُزرع وتنمو في أحواض من الشاي الأخضر الحلو لإنتاج الملابس. وصُنّفت هذه التقنيّة من بين أفضل 50 اختراعاً للعام 2010. وأوضحت Lee في كلمتها، أنّ الميكروبات المستخدمة في تخمير شاي الـKombucha تنتج بدورها قماشاً جلديّاً قويّاً باستخدام 200 مل من خلّ التفاح الطبيعيّ و200 غرام من السكر المحبّب و1 من استنباتات الـKombucha الحيّة و2 من أكياس الشاي الأخضر فحسب. هذا كلّه بدون الحاجة إلى التعرّض لأيّ بقرة، فباستخدام هذه المكوّنات القليلة، يمكن إنتاج قطعة من الجلد الميكروبي بحجم 17x15 سنتمتراً، حتّى أنّها تأخذ شكل الحاوية التي توضع فيها. واستكملت فكرتها هذه بالقول: "قضت الخطوة الأولى لي في هذه الرحلة بتشويش طرق التفكير السائدة". وبالحديث عن العقليّة المستدامة، لا يمكن إنكار أنّ عالم الموضة في الشرق الأوسط يشهد أيضاً ظهور الكثير من العلامات التجاريّة المستدامة الناشئة فضلاً عن دور الأزياء المعروفة بالفعل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر أنّ Tony Ward أعلن في وقت سابق من هذا الشهر عن تعاونه مع Speetra Design Studio لتصميم فستان ثلاثيّ الأبعاد مصنوع بشكل كامل من البلاستيك القابل للتحلّل. وعلّق المصمّم على هذا الموضوع قائلاً: "على الرغم من أنّ جوهر الأزياء الراقية يكمن في الأنامل السحريّة، إلّا أنّ فضولي دفعني إلى دمج هذه التقنيّة مع خبراتنا في هذه المجموعة بالذات، نظراً إلى أنّها تكمّل إلهامي بمثاليّة." وكلامه هذا يجعلنا ندرك أنّ التقنيّات والأقمشة الأخلاقيّة لا يحدّان من التصميم وابتكار الأزياء كافّة، سواء تكلّمنا عن الملابس الجاهزة أو حتى تلك المفاهيميّة. فلسان الحال أنّ القطن والبوليستر لا يتوفّران سوى بكميّات محدودة في أيّامنا هذه، لا سيّما وأنّ الدراسات الجديدة أظهرت أنّهما يضران بكوكب الأرض أيضاً. وتفصيلاً، يحتلّ إنتاج القطن 2,5 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم وفقاً للصندوق العالميّ للطبيعة، بينما تمثّل زراعة القطن 24 في المئة من المبيعات العالميّة للمبيدات الحشريّة و11 في المئة من مبيدات الآفات التي يتم إطلاق معظمها بشكل مباشر في البيئة. لذلك، نتحدّث في مقالنا هذا عن المنتجات العضويّة البحتة التي تُدمج في إنتاج المنسوجات والأقمشة.

احتسي قهوتك ساخنة وابقي يقظة!

اقرئي عن كثب فيما نعرّفك على S.Cafe، خيط الغزل الذي تصنعه شركة النسيج التايوانيّة Singtex من رواسب القهوة. وتقضي تقنيّة صناعة هذا الخيط بجمع رواسب القهوة على درجة حرارة منخفضة وباستخدام ضغط عالٍ لنسج خيوط غزل متعدّدة الوظائف. وفضلاً عن أنّ عمليّة الصنع هذه توفّر الطاقة، تتغنّى الخيوط المصنوعة بخصائص ممتازة، فهي مضادة للروائح وتوفّر الحماية من الأشعة فوق البنفسجيّة وتمتاز أيضاً بوقت جفاف سريع. وبالإضافة إلى كلّ تلك الميزات، تتغنّى الملابس الجاهزة المصنوعة من S.Cafe بإمكانيّة تسميدها عند الانتهاء من استخدامها، وذلك للحرص على أنّها لن تُرمى في أحد مطامر النفايات، لا بل ستُستخدم في زراعة المزيد من القهوة لتسهم في استكمال دورة حياتها. وفي السياق عينه، تستخدم الشركة رواسب القهوة من بعض أكبر شركات بيع القهوة في العالم مثلStarbucks بدلاً من أن ينتهي الأمر بها أيضاً في سلّة المهملات.

إليك كيف يمكن لمزارع الموز إنتاج أكثر من 300 ألف طنّ من الألياف ...

تشير الدراسات إلى أنّ إنتاج كيلوغرام واحد من الألياف لا يتطلّب سوى 37 كيلوغراماً من جذوع الموز. لذا، لماذا نهدر مليار طنّ من نبات الموز كلّ عام بينما اكتشف المعهد الفلبيني لأبحاث النسيج أنّ الفلبين وحدها يمكنها إنتاج أكثر من 300 ألف طنّ من الألياف؟ تطبيقاً لذلك، تتعاون شركة Offset Warehouse الصديقة للبيئة مع منظّمة غير حكوميّة في النيبال من أجل دعم القطاع الحرفيّ وتأمين إنتاج نسيج الموز. وتتمتّع ثمرة هذا الإنتاج أي القماش بمؤهّلات محايدة من الكربون ويتغنّى أيضاً بملمس ناعم ممّا يجعله مثاليّ للسترات والتنانير والسراويل.

قيمة جوز الهند تتخطّى الحليب والماء

بفضل قشوره التي تتمتّع بخصائص ليفيّة، يمكن لكلّ ألف ثمرة جوز هند أن تنتج 10 كيلوغرامات من الألياف إذا ما تمّ الحصاد كلّ 30 إلى 45 يوماً. أمّا النسيج المنتج من جوز الهند فيحمل اسم Cocona، ونذكر أنّ   The North Faceمن العلامات التجاريّة التي تستخدم هذه التقنيّة. ويمكن لهذه الألياف نفسها أن تتحوّل إلى فحم قائم على النفايات البيولوجيّة ليستخدمها المزارعون كسماد عضوي للتربة، وللحدّ أيضاً من المبيدات الحشريّة وضمان سير عالم الموضة باتّجاه أكثر استدامة وضمن سلسلة توريد دوريّة.

Piñatex، ثمرة جديدة تنمو على أشجار الأناناس

تعرّفي إلى د. Carmen Hijosa، مؤسِّسة شركة Ananas Anam التي ابتكرت Piñatex باستخدام ألياف نباتيّة صِرفة من أشجار الأناناس كي لا يتطلّب إنتاج المواد الخام أيّ موارد بيئيّة إضافيّة. وطوّرت هذه الشركة أوّل آلة للتقشير التي يقضي عملها بنزع الألياف عن الأوراق وتوفير الكتلة الحيويّة المتبقيّة التي يمكن استخدامها كسماد طبيعيّ غنيّ بالمغذّيات أو كوقود حيويّ. وعقب ذلك، تخضع الألياف لعمليّة تتحوّل من خلالها إلى شبكة غير منسوجة تشكّل القاعدة وتُنقل بعد ذلك إلى إسبانيا لمنحها مظهراً يشبه شكل الجلود. أمّا النسيج النهائي، فتوزّعه الشركة على المصمّمين كبديل للجلود في الأحذية والملابس والأثاث الداخليّ وحتّى في الصناعة الآليّة.

الخيزران، من الصين إليك!

عادةّ ما تبدأ العملية باستخراج السليلوز من الخيزران بعد سحق أوراقه ولبّه الداخليّ الطريّ. وبعد ذلك، تُنقع ألياف الخيزران المسحوقة في محلول إنزيم طبيعيّ وتُغزل في خيوط يمكن نسجها. ويُعتبر قماش الخيزران من أخفّ أنواع الأقمشة وكذلك هو قابل للتمدّد أكثر من القطن، وغالباً ما يُستخدم للأغراض المنزليّة والمنسوجات والملابس. وتشتهر الهند والصين بإنتاجهما هذا النسيج لأنّه من المعروف أن زراعة هذه النبتة غاية في السهولة، نظراً إلى أنّها تنضج بسرعة كبيرة. لكن دائماً ما يعود الأمر إلى المزارعين ليحرصوا على استدامة محاصيلهم وطرق علاجهم لها، لا سيّما وأنّ الكثير من المصنّعين الصينيّين لجؤوا إلى قطع غابات كثيرة من الأشجار الأخرى لزراعة الخيزران ممّا يلغي الفوائد البيئيّة لهذا المحصول.

هل ترسم الملابس المصنوعة من الفطر ملامحَ مستقبل الموضة؟

إن كنت لا تحبّين الفطر، حاولي ارتداءه لأنّ الأقمشة المصنوعة منه قد تشكّ النسيج القادم الصديق للبيئة. إذ يمكن للفطر أن يعطينا مادّة تشبه الجلود تتماشى مع صناعة الملابس والحقائب وحتّى الأثاث. ونحصل على هذا النسيج من خلال زراعة الغزل الفطريّ Mycelium. واللافت أنّه يمكن صبغ هذا القماش بشتّى الألوان وجعله قاسياً كالصدف أو ليّناً مثل الإسفنج، وذلك بالاعتماد على كميّة الضوء والرطوبة وتبادل الغاز ودرجة الحرارة وأنواع الأغذية التي تُعطى للفطر. فضلاً عن ذلك، هذا النسيج غير سامّ ومقاوم للماء والحريق والميكروبات. ووفقاً للمنظمة العالميّة للحياة البريّة، عادةً ما يتطلّب القميص القطنيّ 2699 لتراً من المياه لإنتاجه، نظراً إلى كميّة القطن الهائلة التي يتطلّبها، مقابل حوالى 11 لتراً من المياه لابتكار فستان من هذا النسيج يساوي حجمه ثلاثة أضعاف أيّ قميص قطنيّ عاديّ.

EMILY CREMONA ORGANIC HEMP FIBER

خلاصة القول كما ذكرنا سابقاً، إنّ التقنيّات والأقمشة الأخلاقيّة لا يحدّان من التصميم وابتكار الأزياء كافّة، سواء تكلّمنا عن الملابس الجاهزة أو حتّى تلك المفاهيميّة. وتأكيداً على ذلك، نذكر تصريح المصمّمة المصريّة اللبنانيّة Diana Wassef صاحبة العلامة التجاريّة المستدامة Emily Cremona التي صرّحت من خلاله بالتالي: "بحثت عن مصادر تدعم الاستدامة ووجدت خيارات كثيرة: مثل مكسرات Tagua أو Corozo وعرق اللؤلؤ وحتى الأزرار العتيقة أم المستعملة". وتأتي علامتها التجاريّة كمحاولة لإلهام الآخرين لاستخدام البدائل الأخلاقيّة الكثير لترجمة تصاميمهم. من هنا لا بدّ لنا أن نطرح السؤال، ألا يكفينا ما نتعامل معه بالفعل من احترار عالمي وأمطار حمضيّة وطرق تخلّص من النفايات وتغيّر مناخيّ؟ متى سنستيقظ ونبدأ في التساؤل قبل شراء أيّ قطعة؟ وكم مرّة نشتري الملابس؟ كم مرّة نتحقّق من البطاقة لمعرفة المزيد عن النسيج الذي نرتديه على بشرتنا؟ وما تأثير المواد المستخدمة في كوكبنا؟ هل هي عضويّة أم مستدامة أم قابلة للتحلّل؟ ثمة أمر واحد مؤكّد، وهو أنّ دعم العلامات التجاريّة الصديقة لكوكبنا سيساعد حتماً على تحسين عالم الموضة وصناعة الأزياء ويشجّع الدور الكبيرة على تلبية احتياجاتنا والانخراط في محادثات صحيّة ... فلا تنسَي قراءة البطاقات الموضوعة على ملابسك!

اقرئي أيضاً: العالم مجنون...هل توافقين؟ تعرفي على الأزياء التي تعكس ذلك

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث