الصور كلها من كتاب Qui êtes-vous Polly Maggoo? من دار النشرDelpire & Co,
جميع الحقوق محفوظة Films Paris New York.
الإعداد: Joe Challita
يُعدّ فيلم Who are You, Polly Maggoo? أو بالفرنسيّة Qui êtes-vous, Polly Maggoo? تحفة فنية استثنائية لمصوّر الموضة الأسطوري William Klein. يدمج هذا الفيلم الفرنسي من العام 1966 بين الفنّ والموضة والسينما في إطار عمل ساخر يقدّم نقداً بارزاً للإسراف والتكلّف في عالم الموضة بأسلوب بصريّ جريء وسرد قصصي ملفت. من بطولة عارضة الأزياء الأيرلندية الأميركية الرائعة في ستينات القرن الماضي، Dorothy McGowan، التي خلّدتها أغلفة المجلّات الشهيرة وعدسات أعظم مصوّري تلك الحقبة، يبقى الفيلم احتفالاً مبتكراً لالذكاء والأناقة والنقد الثقافي.
يشكّل هذا الفيلم أولى تجارب المخرج William Klein ويقدّم فيه إنجازاً بصرياً ونقداً دائماً لمفاهيم عالم الموضة. يشتهر Klein بكونه أحد أكثر المصوّرين تأثيراً في القرن العشرين، وقد أضفى على الفيلم إبداعه الفوتوغرافيّ المميّز، حيث صوّر التفاصيل الدقيقة والإيقاع المعقّد لثقافة الموضة في الستينيات بحسّ ساخر. يدمج هذا العمل عناصر من الرسومات المميزة والفنون البصرية مثل فنّ الـPop Art ليأخذ المشاهدين في تجربة فنّية تتماشى مع أسلوب Klein في تصوير الموضة.
يبدأ الفيلم بفوضى خلف الكواليس في عرض أزياء رائد حيث ترتدي العارضات أزياء هندسية من الألومنيوم تذكّرنا بتصاميم Rabanne الثورية في تلك الحقبة، ويجسّدنَ الجمال على حساب الراحة. في أحد المشاهد الأساسية، تعاني Polly )التي تؤدي دورها Dorothy McGowan ( من جرح من الملابس المعدنية القاسية، فيتجاهلها المصمّم غير المبالي قائلاً: "أنا واثق من أنّ كريم الأساس سيخفي الجرح". تجسّد هذه اللحظة اهتمام الصناعة بالجماليات على حساب الإنسانية، بينما يدّعي المصمم في الفيلم، Isidore Ducasse، أنه "يعيد تعريف المرأة" بإبداعاته المصنوعة من الألومنيوم. وتمتد سخرية Klein اللاذعة إلى تصوير محرّرة موضة رئيسة، الآنسة Maxwell، التي تستحضر الأسطورة Diana Vreeland. تجلس في الصف الأمامي، وتنطق كلمتها الوحيدة "رائع"، ممّا أثار تصعيداً درامياً يرمز إلى اعتماد الصناعة على المصادقة التحريرية. من خلال هذه اللقطة، يكشف الفيلم سطحية عالم الموضة اللامع، مظهراً مقارنة بين جماله الفنّي وواقعه الهرمي القاسي.
ويتعمّق الفيلم في حياة Polly ويصوّرها على أنّها محبوبة في وسائل الإعلام ولغزاً غامضاً في آنٍ واحد. فتظهر في برنامج حواري تلفزيوني بعنوان Qui êtes-vous? الذي يصوّر المشاهير من خلال مقابلات ومونتاجات أفلام منسّقة، وتظهر Polly كعارضة أزياء عالمية تعيش في باريس في ذروة شهرتها، ووجهها منتشر عبر وسائل الإعلام. ومن خلال عدسة مراسل تلفزيوني ومخرج يتابع كل تحرّكاتها، تُعتبر Polly مشهورة من ناحية ولكن يُساء فهمها، فتظهر كمحبوبة من الجمهور ولكن الغموض يلفّها. ونجح Klein ببراعة في إبراز التناقض في الشهرة: هي حياة تستحوذ عليها الشهرة لكنّها محاطة بالغموض.
طوال الفيلم، تأسر Polly الرجال من حولها بجمالها وجاذبيتها الغامضة. وفي الفيلم الوثائقي الذي يصوّره المراسل الصحفي، تظهر طبيعتهم السطحية عندما يطرحون عليها أسئلة تافهة، ليس بدافع الاهتمام فعلاً بقدر ما هو بدافع إطالة الوقت الذي يقضونه معها، مفتونين بسحرها. لكن ما يلفت الانتباه هو عدم اكتراث Polly بشهرتها. فهي تبقى غير متأثرة بالإعجاب والاهتمام الذي تحظى به، وتبدو غير مبالية بالشهرة. أمّا الرجال في المقابل، فيفشلون في رؤيتها على حقيقتها، حيث يرتكز اهتمامهم على مظهرها فقط وليس على جوهرها.
تدور الأحداث في حقبة الستينات النابضة بالحياة، وهي حقبة انتقالية تبنّى فيها الشباب الليبرالية والحرية والمساواة بين الجنسين، وقد عكست الموضة هذه القيم بوضوح. وتبرز هذه المواضيع في الفيلم، الذي يقدّم سرداً بصرياً مدهشاً يجسّد جوهر تلك الحقبة. إلّا أنّ ذروة الفيلم تحمل بساطة عميقة: الحياة تستمرّ، ووراء واجهة عالم الموضة الساحرة، لا نكتشف أبداً حقيقة Polly Maggoo.
لقد قدّمت عارضة الأزياء Dorothy McGowan أداءً رائعاً في الفيلم، حيث جسّدت بوضوح واقع حياة عارضة الأزياء سواء خلف الكواليس أو تحت الأضواء. وصوّرت بمهارة الجهد الهائل والتحديات المطلوبة لتجسيد رؤية المصمّم وإظهار الصورة المثالية. ومع ذلك، يبقى السؤال – من هي Polly Maggoo؟ لا يقدّم الفيلم أي إجابات، حيث لا يبدو أن أحداً مهتما حقاً بشخصية Polly الحقيقية. وفي المشهد الأخير، تتلاشى بين الحشود، وهي تلقي التحية على شخصية مشهورة لا تظهر على الكاميرا، ممّا يرمز لكيفية تلاشي الفرد أمام جاذبية الشهرة العابرة. إنها تجسّد مسيرة القادم الجديد الذي يسعى للظهور وكسب مكانته، لكنه سرعان ما يضيع في دوامة الصيحات المتغيّرة والرغبات العابرة.
ولا يزال فيلم Qui êtes-vous, Polly Maggoo? عملاً رائداً واستكشافاً خالداً لمشهد عالم الموضة وجوهره كما كان في العام 1966.
أقرأي أيضاً: يناير في باريس: تاريخ وإرث الهوت كوتور