روائع عمارة جدة

فاطمة المدني ووئام كُفيّه من الأسماء الرائدة في الجهود المبذولة للحفاظ على الهوية المعمارية الفريدة لمدينة جدة. تهدفان معاً، من خلال مبادرة "عمارة جدة"، إلى توثيق التراث المعماري للمدينة منذ سبعينات وتسعينات القرن الماضي والاحتفاء به. وفي حوار مع Marie Claire Maison Arabia، شاركتانا شغفهما بالحفاظ على التراث، والمزج بين التصاميم التقليدية والحديثة، وإلهام المعماريين المستقبليين لتبنّي نهج الاستدامة مع تكريم التاريخ الغنيّ للمباني الأيقونية في جدة.

 

كيف توازنان بين الجماليات والطابع العملي، لا سيما في ما يتعلّق بتجربة المستخدم والاستدامة؟

فاطمة: ترتكز فلسفتي في التصميم على تجربة العميل وعلاقته بالمساحة. لا تقتصر المساحات التي أصمّمها على لفت النظر وليس مجرّد تنسيق للطاولات والكراسي فحسب، بل هي تلبّي أيضاً احتياجات المستخدم وتبعث إحساساً بالراحة والانتماء. ولذلك، يتم ابتكار كلّ تصميم بعناية للتوفيق بين الطابع العملي والأسلوب المناسب للمشروع.

وئام: يتطلّب إيجاد التوازن في التصميم فهم الأولويات الفريدة لكلّ مشروع مع دمج الاستدامة في كلّ مرحلة. فيركّز مثلاً تصميم مساحات الرعاية الصحية بشكل أساسي على الجانب الوظيفي، مع وجود مساحات تسهّل سير العمل بكفاءة وتضمن سلامة المرضى؛ بينما يعطي تصميم أماكن الضيافة الأولوية لتجربة المستخدم، مع عناصر جمالية تخلق أجواءً جذابة؛ أمّا التصميم السكني والتجاري فيستلزمان تحقيق توازن متناغم بين الوظائف والجماليات. ومن خلال تبنّي الاستدامة كمبدأ أساسي، يمكن للمصمّمين إنشاء مساحات تلبّي الاحتياجات الفورية وتساهم في مستقبل أكثر صحة واستدامة.

كيف يشكّل الإرث الثقافي والتقاليد المحلّية نهجك في التصميم، وبخاصّة مع مبادرة عمارة جدة؟

فاطمة: لقد أصبح التراث الثقافي والتقاليد المحلية جزءاً لا يتجزأ من فلسفتي في التصميم، بخاصة من خلال عملي مع مبادرة عمارة جدة. تمثل جدة، إلى جانب تراث المملكة بشكل عام، مصدر إلهام دائم لي بإرثها المعماري المميز الذي يمزج بين العناصر الحجازية التقليدية والتطورات العمرانية الحديثة. أنا أحترم هذه التقاليد من خلال دمج المواد والأنماط المحلية في تصاميمي، مما يضمن ملاءمتها للحياة العصرية. هدفي هو إنشاء مساحات تعكس روح المنطقة من خلال المزج بين الأصالة الثقافية والابتكار الحديث.

اقرئي ايضًا:تطوّر دار Elie Saab Maison نحو تصميم أسلوب حياة

هلّا تخبرينا عن مشروعك المفضّل وكيف يعكس فلسفتك في التصميم؟

فاطمة: استلهمنا أحد مشاريعنا الأخيرة المتمثّل في مقهى متخصّص في الرياض، من ثقافة نجد والعناصر التراثية المميزة للمنطقة الوسطى. وركّزت في مشروع ROW Najd على الحفاظ على جوهر تراث نجد مع دمج اللمسات العصرية لخلق مساحة تجسّد أجواء المنطقة وثقافتها الغنية، مع تلبية تطلّعات روّاد اليوم. وقد حقّق المشروع نجاحاً باهراً وترك انطباعاً عميقاً لدى جميع الزوار وعزّز فهمي لأهمية المزج بين الهوية الثقافية واحتياجات المستخدم العصرية لتقديم تجربة فريدة من نوعها.

 

وئام، كيف تدمجين الممارسات الصديقة للبيئة في مشاريعك، وما هي التحديات التي واجهتك في طريقك؟

المقصود من الاستدامة هو الاستخدام المسؤول لموارد الأرض لضمان توافرها للأجيال القادمة. ويركّز التصميم المستدام على ثلاثة جوانب رئيسة: المردود الاقتصادي والإشراف البيئي والمسؤولية الاجتماعية. في مرحلة التصميم، تُعد الخطط الموفّرة للطاقة مهمّة جداً. وتساعد برامج البيانات والمحاكاة في حساب استخدام الطاقة ووضع استراتيجيات مسارات لتحقيق صافي طاقة صفرية. وتشمل الطرق الرئيسة الثلاث للتصميم المستدام: إنشاء مبانٍ ذات استخدام منخفض للطاقة أو لا تستهلك أي طاقة، وضمان جودة البيئة الداخلية، واستخدام مواد مبتكرة.

فاطمة، غالباً ما تعكس أعمالك فهماً عميقاً للتجربة الإنسانية. كيف تضمنين أن تلبّي تصاميمك الجوانب الشعورية والوظيفية لعملائك؟

يعكس عملي دائماً فهماً عميقاً للتجربة الإنسانية، ولضمان أن تلبي تصاميمي الجوانب الشعورية والوظيفية لعملائي، أبدأ بفهم عميق لاحتياجاتهم وتطلّعاتهم. وأخصّص وقتاً كافياً للاستماع إليهم وإلى أهدافهم، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، حتى أتمكّن من تصميم مساحات تعبّر عن هويّتهم وتصوّراتهم. أعطي الأولوية لدمج العناصر التي تعزّز الراحة والتواصل العاطفي، مثل الألوان والمواد التي توحي بالدفء أو الهدوء، مع ضمان أن تكون المساحات عملية للاستخدام اليومي.

 

ما الذي ألهمك لإطلاق مبادرة "عمارة جدة"، وكيف ترين تأثيرها على الأجيال القادمة في المملكة العربية السعودية؟

فاطمة: نشأت مبادرة "عمارة جدة" من رغبتي في تعزيز التراث المعماري الغني في جدة والحفاظ عليه، مع زيادة التقدير للتصميم داخل المجتمع. بالنسبة إليّ، تتخطى العمارة حدود المباني، فهي تعبير عن القصص والثقافات التي تمثّلها. وأعتقد أنّ هذه المبادرة ستترك أثراً دائماً على الأجيال القادمة في المملكة العربية السعودية من خلال تعزيز موجة جديدة من المهندسين المعماريين والمصممين الذين يتمتّعون بمهارات عالية والمتمسّكين أيضاً بجذورهم الثقافية.

كيف يتقاطع التصميم الداخلي مع تمكين المجتمع، وكيف يمكن للمصمّمين المساهمة في تحقيق الرفاهية الاجتماعية؟

فاطمة: ليس التصميم مجرّد أداة لإنشاء مساحات جميلة، بل هو وسيلة لتعزيز التواصل الاجتماعي وتحسين جودة الحياة وتشكيل بيئات تعكس احتياجات المجتمع وتطلّعاته. مع استمرار تطوّر اتجاهات مثل الاستدامة والشمولية، سيصبح دور المصمّمين أكثر أهمية في فهم ودعم المجتمعات المختلفة من خلال حلول التصميم المبتكرة. ومن خلال الانخراط مع المجتمعات المحلّية وفهم احتياجاتها وثقافاتها، يمكننا ابتكار تصاميم لا تعكس الهوية المحلية فحسب، بل تعزّز أيضاً النمو الاجتماعي والبيئي المستدام.

نظراً لتركيزك على مواد البناء المستدامة من خلال التكنولوجيا الحيوية، كيف تتصوّرين مستقبل الهندسة المعمارية من حيث الحفاظ على الموارد والحد من التأثير البيئي؟

وئام: مع تحوّل العالم نحو الاقتصاد الدائري، فإن شركتي للتصميم الحيوي مكرّسة للاقتصاد الحيوي الدائري، مع التركيز على إعادة استخدام وإعادة تدوير المخلّفات الزراعية في المملكة العربية السعودية. ومن خلال استخدام مواد من مصادر محلية، مثل مخلّفات أشجار النخيل، نصنع منتجات بناء مستدامة مثل العزل الحراري والتغليف والجلد الحيوي. ومن خلال تعزيز الإنتاج المحلي، نهدف إلى المساهمة في مستقبل أكثر استدامة مع الاحتفاء بتراثنا الثقافي والحفاظ عليه.

 

ما النصيحة التي تقدّمانها للمصمّمين الشباب الشغوفين بالاستدامة والحفاظ على التراث الثقافي في أعمالهم؟

فاطمة ووئام: نصائحنا الثلاث الأساسية للمصمّمين والمهندسين المعماريين الشباب هي:

  •  الانخراط مع المجتمع، والاستماع إلى قصصهم واحتياجاتهم.
  • تعزيز العلاقة مع الحرفيين المحليين والمجتمعات التي تلهمكم، لأن ذلك سيساعدكم على اكتساب فهم أعمق للتراث.
  •  تحمّل مسؤولية التصميم، فكلّ قرار تتخذونه يمكن أن يؤثّر بشكل إيجابي على المجتمع والبيئة.

اقرئي ايضًا: Faye Toogood، إبداعٌ بلا حدود

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث