رحلة افتراضيّة تعزّز مناعتك

​هل تعلمين أنّ كلّ ما يحيط بك يمكن أن يساهم في إضعاف جهاز مناعتك؟ وأنّ كلّ ما تأكلينه يؤثّر عليه؟ هل تعلمين أنّ لنظامك الغذائي دوراً أساسيّاً في التصدي للأمراض والوقاية منها وتعزيز مناعتك؟

جسم الإنسان حسّاس جدّاً تجاه نوعيّة الهواء والمياه والمأكل والمشرب وبعض العادات اليوميّة، ما يؤدّي في بعض الأحيان إلى تهديد دفاعاته الطبيعيّة. ولا يمكن للبكتيريا والفيروسات مهاجمته إلاّ عندما تكون مناعته ضعيفة. ومن المعروف أنّ تنظيم النوم والتخفيف من التوتر وممارسة التمارين الرياضية بانتظام وشرب المياه وغيرها من العادات الصحيّة تؤدّي إلى تقوية جهاز المناعة لدى الإنسان. إلاّ أنّ علاقة الطعام بتعزيز المناعة شغلت منذ قديم الزمان مكانة كبيرة في مختلف الحضارات. لذا يُمكن لتعزيز جهاز المناعة أن يبدأ في المطبخ! وها إنّ شهر رمضان المبارك يحلّ علينا هذه السنة في ظلّ الحجرالمنزلي الناجم عن تفشّي فيروس كورونا. ومن المعروف أنّ الامتناع عن تناول الطعام خلال هذا الشهر الفضيل فريضة تمارسها الكثيرات في ظلّ الإلتزام بالعادات والتقاليد الدينيّة والمجتمعيّة. وبالرغم من أنّ هذا الانقطاع المؤقّت عن الأكل يقوّي جهاز المناعة ويطهّر الجسم من السموم ويساعده على محاربة الفيروسات والدهون، إلاّ أنّ التعرّف على المكوّنات التي تقوّي المناعة سيعزّز دفاعاتك في وجه هذا الوباء من جهة ويساعدك في القيام بخيارات صحيّة على مائدتك الرمضانيّة من جهة أخرى. فلماذا لا تنضمّين إلينا في رحلة افتراضيّة عبر القارّات نكتشف خلالها الأطعمة الرائجة والمكوّنات المختلفة التي تعزّز المناعة في مختلف الثقافات من أعشاب وحبوب وبهارات وتوابل وخضروات وأسماك؟ فتتعرّفين على الهويّة الأصليّة لهذه المأكولات وبعض الحقائق التاريخيّة المتعلّقة بكلّ منها!

القارّة الأفريقيّة

اشتهر مؤخّراً عدد كبير من الأعشاب والمكمّلات الغذائيّة التي تعزّز جهاز المناعة، إلاّ أنّ البعض منها يعود أصوله إلى آلاف السنوات. فمثلاً يعود أصل استخدام بذر الكتّان أو الـFlaxseeds إلى الحضارة الفرعونيّة، حيث كانت تُستعمل ألياف الكتّان لتغليف المومياء. بعدها راجت زراعة نبتة الكتّان في العالم أجمع خصوصاً في أوروبا وأميركا الشماليّة واشتهرت بخصائصها المناعيّة. واليوم، باتت هذه البذور من المكمّلات الغذائيّة الشهيرة لإحتوائها على مضادّات الأكسدة ومضادّات الالتهابات من حمض ألفا اللينولينيك، والليغنان التي تعزّز جهاز المناعة وتمكّن دفاعاته. كذلك أولت مصر القديمة أهميّة كبيرة لعشب القمح أو الـWheatgrass. فاعتبرته يؤثّر إيجابيّاً على الصّحة والحيويّة. وقد اكتسح هذا المكوّن الغنيّ بالكلوروفيل نظامنا الغذائي مؤخّراً، والأمرالذي يميّزه هو أنّه يمكن تحضيره منزليّاً عبر زراعة نبات القمح المعروف تقليديّاً. ويساعد هذا المكوّن على إزالة السموم وتحسين وظائف المناعة، فهو مصدر غنيّ بالفيتامينات A وE وC بالإضافة إلى الحديد والمغنيسيوم والكالسيوم والأحماض الأمينيّة. كذلك استخدمت الحضارة المصريّة القديمة الثوم للوقاية من أمراض المسالك التنفسيّة بما أنّه مضاد للجراثيم والفيروسات التي تهاجم الجسم، كما ويمنع الإصابة بالإنفلونزا ويحسّن من صحّة الجهاز التنفسي. فهو يعزّز خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن حماية الجسم والدفاع عنه. ولتحفيز جزيئيّات الثوم المضادّة للجراثيم التي يعمل على المساعدة في تقليل الالتهاب، يجب هرسَه وتركه من 6 إلى 8 دقائق في الهواء الطلق قبل الاستعمال.

وليس بعيداً جدّاً عن مصر، في إفريقيا الجنوبيّة نجد المورينجا أو الـMoringa التي راجت مؤخّراً في منطقتنا. صحيح أنّ البعض يعتبرها أيضاً من أصول هنديّة، إلاّ أنّ الأهمّ بالنسبة إلينا هو محاربتها الجذور الحرّة التي تُتلف الخلايا لإحتواء أوراقها وبذورها على مضادّات للأكسدة مثل الفلافونيدات والبوليفينول وحمض الأسكوربيك. كما أنّها تمدّ الجسم بالكالسيوم أكثر من الحليب وبالبروتينات أكثرمن اللبن وبالبوتاسيوم أكثر من الموز وبالحديد أكثر من السبانخ! بالإضافة إلى ذلك يُستخدم خضار الـSutherlandia frutescens التي تأتي من جنوب إفريقيا في معالجة الإلتهابات ونزلات البرد والوقاية منها.

القارّة الأميركيّة

ومن القارّة الأفريقيّة، لننتقل غرباً إلى القارّة الأميركيّة الغنيّة بالمكوّنات الداعمة لجهاز المناعة ولنبدأ من الجنوب. من المؤكّد أنّك تناولت مؤخّراً بذور الشيا

أو الـChia seeds. هذه البذور السوداء الصغيرة تنجم عن نبات سالفيا هيسبانيكا الآتي من أمريكا الوسطى والجنوبيّة، بحيث يؤكّد الؤرّخون أنّ قبائل الأزتيك والمايا القدماء كانوا يستخدمونها كمصدر للطاقة. وهي مصدر رائع للأوميغا 3 وتحتوي أيضاً على مضادّات للأكسدة، الأمرالذي يُساعد في حماية الخلايا وتجديدها. كذلك، فإنّ ثمار توت الآساي أو الـAcai berries ومستخلصاتها من المكمّلات الغذائيّة التي دخلت على نظامنا الغذائي في السنوات الأخيرة تنمو في غابات الأمازون في البرازيل. وهي تنشّط جهاز المناعة وتعتبر من أكثر الثمار احتواءاً على مضادّات الأكسدة. فتساهم بذلك في التصدّي للأمراض والوقاية منها. أمّا البطاطا الحلوة التي يرجع أصلها إلى المناطق الإستوائيّة في أميركا، فهي غنيّة بالفيتامين A والبيتا كاروتين الداعمة لوظائف المناعة.

والآن لنتّجه صعوداً نحو أميركا الشماليّة الغنيّة بأنواع مختلفة من التوت المعروفة بخصائص مضادّة للبكتيريا وللفيروسات والمستعملة تقليديّاً لتقوية المناعة. فمثلاً نجد البلسان أو الـElderberry الغنيّ بمضادات الأكسدة التي تعطي الجهاز المناعي الدعم الذي يحتاجه. أمّا الـBlueberry والـCranberry فيساعدان في مكافحة الإلتهابات ويُعرف الـBlackcurrant بغناه بالفيتامين C.

القارّة الأوروبيّة

ومحطّتنا التالية بعد أميركا الجنوبيّة هي القارّة الأوروبيّة. فلنبدأ من المطبخ البرتغالي الذي يُعتبر مطبخاً متوسّطيّاً بامتياز، فهو يعتمد على زيت الزيتون الصحيّ والأسماك والمأكولات البحريّة. لذا يرتكز هذا البلد، في تعزيز المناعة لديه، على سمك السلمون الذي يحتوي على الفيتامين D والدهون المشبّعة بالأوميغا 3 الداعمة لوظائف المناعة لدينا والمساعدة في مكافحة الإلتهابات والإنفلونزا. كما أنّ أسماك السردين الدهنية الغنيّة بفيتامين D أساسيّة وتدعم الخلايا التائية الضرورية للدفاع المناعي في الدم.

وصعوداً نحو سويسرا، فقد اعتاد السكان التقليديّون على استهلاك المكوّنات الغنيّة بالـ Probiotics التي تحدّ من الأمراض مثل اللبن الذي يحتوي على بكتيريا البيفدس Bifidus Yoghurt وعصير توت نبق البحر أو الـSea buckthorn الذي يحتوي على كميّات كبيرة من البروتين والألياف ومضادّات الأكسدة والفيتامينات والمعادن، فهو يحتوي على عشرة أضعاف من الفيتامين C الموجود في الليمون.

أمّا في إيطاليا فقد استُعمل عرق السوس قديماً لتعزيز المناعة. ومن المعروف أنّه الأجوَد في العالم ويُزرع في Calabria على طول الساحل الأيوني. كذلك، إنّ أهمّ عنصر في قطرات عرق السوس النقي هو الـGlycyrrhizin المعروف بخصائصه المضادّة للالتهابات والفيروسات والمساعدة في التصدي لمشاكل المناعة الذاتية. واشتهرت النساء الإيطاليّات أيضاً عبر التاريخ بإضافة مستخلصات الكرز إلى شاي عشبي مضادّ للإلتهابات وذلك لإحتوائه على الـAnthocyanin.

وتنتهي جولتنا الأوروبيّة في أوكرانيا وفي المطبخ السلافي عموماً حيث يُعدّ مخلّل الملفوف أو الـSauerkraut أحد أفضل الأطعمة التي تعزّز المناعة. فله خصائص بروبيوتيكيّة تقوّي صحّة الأمعاء وبالتالي المناعة.

القارّة الآسيويّة

ومن أوكرانيا سننهي جولتنا الآن في القارّة الآسيويّة. سنبدأ أوّلاً من حضارة البحر الأبيض المتوسّط. فمن المكوّنات التي اشتهرت منذ القدم في الحضارة الشرق أوسطيّة لتعزيز المناعة هناك الأعشاب مثل النعناع والبقدونس المستخدمة مثلاً في طبق التبولة اللبناني. كذلك الحمّص الغنيّ بالزينك والحديد والذي يلعب دوراً هامّاً في وظائف جهاز المناعة. ففي المرّة القادمة، عندما تفكّرين بتحضير المقبّلات لمائدتك الرمضانيّة، فليكُن صحن الحمّص اللبناني أو الفتّة اللبنانيّة موجوداً بينها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ اللّوز وموطنه بلاد الشام وتركيا يحتوي على الفيتامين H ومضادّات الأكسدة، ما يفعّل دور جهاز المناعة للتصدّي للأمراض. كذلك اشتهرالتمر في بلاد ما بين النهرين منذ القدم. وهو من مكوّنات المائدة الرمضانيّة الأساسيّة بما أنّه غنيّ بالمغذيّات ويعزّز جهاز المناعة.

محطّتنا التالية هي الهند حيث يشتهر الكركم المعروف أنّه من التوابل الأكثر قدرة على تعزيزالمناعة. فيحتوي على مادّة "كيوركيومين" التي يمكن أن تحفّزالخلايا لتدمير الخلايا السرطانية. ومسحوق الكركم لا يُضاف إلى الكاري والمأكولات الساخنة فحسب، إنّما يُمكن استخدامه في المشروبات أيضاً عبر إضافته إلى لحليب. كما أنّ إضافة الفلفل الأسود على الكركم يجعل الجسم يمتصّه بشكل أكبربسبب اقتران البيبيرين الموجود في الفلفل الأسود بالكيوركيومين الموجود في الكركم. ومن الهند سننتقل شمالاً إلى الصين وهي آخر محطّة لنا في هذه الجولة الآسيويّة. فسواء أيّدنا الطّب الصيني البديل أو لم نؤيّده، تلاقي بعض المكوّنات التقليديّة الصينيّة رواجاً وفعاليّة كبيرة في تعزيز جهاز المناعة. بين هذه الأعشاب نذكُرالـGinseng والـEchinacea والـ Lily Bulbالتي تُغلى مع الخضار أو اللحوم لهذا الغرض. وتُستخدم عشبة الـGinseng على وجه الخصوص في الوقاية من الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي والوقاية من الإنفلونزا. أمّا الـEchinacea فتحتوي على مواد فعّالة في القضاء على الفيروسات والجراثيم، فتساعد بالتالي على تنشيط عمل جهاز المناعة. كذلك فإنّ توت الغوجي أو الـGoji Berries الذي اعتدنا على تناوله مؤخّراً هو من أصول صينيّة وقد استُخدم منذ القدم في الطبّ البديل في الصين وفي الفييتنام واليابان، فضلاً عن أنّه عنصر أساسيّ في المطبخ الآسيوي التقليديّ. فيحتوي على كلّ الأحماض الأمينيّة والبروتين النباتي والفيتامينات A و C والزينك والألياف ومضادّات الأكسدة. نعم إنّها تركيبة تبدو سحريّة ممّا يجعل هذا المكوّن مقوّياً فعّالاً لجهاز المناعة! أمّا الزنجبيل الذي اعتدنا تناوله مع السوشي، فتكثر زراعته في الصين والهند وباكستان. وهو يُخفّف من الإلتهابات ويزيد من المناعة ويخفّف من أعراض البرد والسّعال وبعض أعراض الحساسيّة وينظّف قنوات الأوعية الدقيقة في الجسم. بالإضافة إلى ذلك، الصين اليوم تعتبر أكثر دولة زراعةً وصناعةً للفلفل الحارّ. وقد أثبت الفلفل الأحمر عبر العصور فعاليّته في تعزيز المناعة كونه يحتوي على الفيتامين C وA و E المسؤولة عن تقوية الجهاز المناعي والحدّ من فرص الإصابة بالأمراض وتجديد خلايا المناعة في الدم.

اقرئي أيضاً: اتّحدي مع الطبيعة المحيطة بك

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث