العلا: متحف حيّ وإرث ثقافيّ وفنّي منفتح على العالم

هناك أماكن يبهرنا تاريخها وتدهشنا أصولها الثقافيّة إنّما لا ندرك بالفعل عظمتها إلّا عندما تختبرها حواسنا! نعم... إنّ زيارة منطقة العلا في شمال غرب المملكة العربيّة السعوديّة هي بالفعل رحلة حقيقيّة عبر الزمن تُشبع الحواس بمناظر طبيعيّة أخّاذة تكتنف سنوات من الحضارة البشريّة والتبادل الثقافي والتراث الطبيعي والثقافيّ الفريد. فنقف في وسط هذا الغنى ونسأل أنفسنا عن قصّة كلّ نقشة على كلّ صخرة وعمّا شهدته الطبيعة المحيطة من تنوّع بيولوجي سواء تحت الماء أو في الهواء الطلق. إنّه بالفعل متحف طبيعيّ نقف أمام حسنه بصمت فندرك جمال الإنفتاح على العالم مع الإعتزاز بالأصالة والاحتفاء بها!

Courtesy of the Royal Commission for AlUla

من موقع الحِجر الأثري، وهو الموقع الأوّل في المملكة العربيّة السعوديّة الذي يُدرَج على قائمة اليونيسكو للتراث العالميّ في العام 2008، كما أنّه أكبر موقع تمّ الحفاظ عليه لحضارة الأنباط جنوب البتراء في الأردن، إلى مقابر الأنباط الضخمة المنحوتة من جبال الحجر الرملي والمزدانة برموز معقّدة مستوحاة من الثقافات الإيطاليّة والمصريّة واليونانيّة مروراً بنحت القبائل العربيّة القديمة التي جعلت من العلا عاصمة لها ومتاهة الطوب الطينيّ وصولاً إلى مدينة العلا القديمة المزدانة بأعمال السكّان، تبرز هذه المنطقة اليوم كمفترق طرق متجدّد للثقافة تجمع القديم في حوار مع الحديث... حيث يعتبر تراث العلا الطبيعيّ والإرث الفنيّ اليوم مصدر إلهام غنيّاً لمجموعة من الفنّانين والقيّمين والممارسين الثقافيّين والروّاد المبدعين من العالم أجمع! ممّا يجعلها بالفعل ليس واحدة من أبرز الوجهات السياحيّة في المملكة فحسب، إنّما وجهة عالميّة رائدة للفنون والتراث والثقافة والطبيعة تستقطب عشّاق الفنّ من كلّ العالم!

"وادي الفنّ"... وجهة فنّيّة رائدة

ومن المبادرات التي تزيّن ربوع العلا اليوم مشروع وادي الفنّ الذي أطلقته الهيئة الملكيّة لمحافظة العلا وهو مشروع تنمويّ يندرج ضمن برنامج تعزيز الإقتصاد الوطني ودعم منظومة التميّز السياحي في العلا. وفي خلال زيارتنا لهذا الموقع الصحراوي المذهل الممتدّ على مساحة 65 كيلومتراً مربّعاً والذي سيكون مهداً لبعض أروع الأعمال الفنيّة، تخبرنا Iwona Blazwick، رئيسة الهيئة الملكية لفريق خبراء الفنّ العام في العلا التالي: "نحن نخطّط لسلسلة من الأعمال الفنّيّة الضخمة لبعض من أعظم الفنّانين المختصّين في العالم, وستكون في مواقع مختلفة عبرهذه المساحة التي كانت ذات يوم تحت البحر الأحمر. حيث سيستوحي الفنّانون من هذه المنحدرات الرمليّة الشاهقة والأخاديد الضخمة والحياة البريّة الغنيّة ومن تاريخ هذه المنطقة. والفنّانون الخمسة الأوائل الذين سيبدؤون رحلتهم لتصميم أعمال فنيّة كبيرة في المرحلة الأولى بحلول 2024 هم: منال الضويان وأجنيس دينيس ومايكل هايز وأحمد ماطر وجيمس توريل. وستكون هذه الأعمال الخمسة مقدّمة تطلق أحد أهمّ المشاريع في العالم!"

Nine Songs ... عمل فنّي عالمي من قلب العلا

Courtesy of the Royal Commission for AlUla, photography by Alto Piano Studio

وفيما أطلق "وادي الفنّ" برنامج الفنّ والثقافة التمهيدي في صحراء العلا الذي سيتضمّن معارض وأماكن لإقامة الفنّانين والعارضين وندوات وفرصاً تعليميّة، سعدنا في خلال زيارتنا الغنيّة بمشاهدة العرض العالمي الأوّل لـ "التسع أغانيNine Songs". وهو عرض موسيقيّ مسرحيّ جديد نظّمته الهيئة الملكيّة لمحافظة العلا ودَمج في إلهامه بين الموقع الجغرافي الأخّاذ وقصائد رومانسيّة من الشعر الصيني القديم جامعاً باقة من الفنّانين من جميع أنحاء العالم. فبينما تجلس في الهواء الطلق وسط طبيعة العلا تستمتع حواسك بقصّة هذا العمل الفنّي الذي ألّفته الموسيقيّة والمخرجة الفنيّة الصينيّة Rui Fu. وقد خصّتنا بتصريح بعد العرض الرائع مؤكّدةً: "كان من الرائع تأدية Nine Songs مع فرقتنا هنا وسط مناظر العلا الطبيعيّة الجميلة وآمل أنّنا تمكّنا من مشاركة قصّتنا معكم". أمّا المخرج الفنّي المشارك Farooq Chaudhry، فأكّد من جهته والتأثير يبدو ظاهراً على وجهه: "إنّه أداء مسرحيّ جميل للموسيقى والمرئيات والمناظر الطبيعيّة الخلّابة.ونحن متأثّرون به لأنّنا تمكّنا من تقديم هذه الهديّة لأهل العلا ولشعب المملكة العربيّة السعوديّة. إنّه لقاء الشعر الصينيّ بالشعر العربيّ الذي يحكي قصّة جديدة".

العلا تحاور العالم متمسّكة بأصالتها

تتميّز هذه الأرض بمئتي ألف عام من التاريخ الثقافي، واليوم تقدّم هذه المبادرات الرائعة تجارب تحويليّة جديدة سواء للسكان المحليّين أو الزوّار، ممّا يجعلها مركزاً عالميّاً للفنّ والثقافة. فما الذي يخبّئه المستقبل للعلا؟ وكيف ستتمسّك بأصالتها؟ تجيبنا نورا الدبل المديرة التنفيذيّة للإدارة العامّة للفنون والصناعات الإبداعيّة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فيما تختتم بهذه الكلمات المؤثّرة: "نحن نشهد على نهضة المملكة العربيّة السعوديّة كوجهة معترف بها عالميّاً في طليعة الابتكار والإبداع في الفنون والثقافة، وتشكّل العلا حافزاً أساسيّاً في ذلك. إنّها أرض غنيّة بالتاريخ والتراث العريق، والحفاظ على الأصالة هو أمر سهل فيها لأنّ أفعالنا تستند إلى ما هو موجود في العلا: الاحتفال بالتراث الطبيعي والثقافي وحمايته ومشاركته. وإنّه لأمر مدهش أن نرى الفنّانين اليوم يضيفون طبقات جديدة إلى هذا الإرث الثقافي من خلال وجهات نظر ومقاربات كثيرة ومختلفة للإبداع مع المشاريع والمبادرات كوادي الفنّ ومدرسة الديرة، والفنّانين المقيمين ومتاحف الفنّ المعاصر في المستقبل. ونحن ندعو الزوّار من جميع أنحاء العالم لزيارة المتحف الحيّ الذي تشكّله العلا حيث يمكنهم اختبار الفنّ في حوار مع المناظر الطبيعيّة الهائلة".

إقرئي أيضاً: العلا في حوار مع العالم

 

 

العلامات: العلا AlUla

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث