At Home مع Juma Alhaj

التصوير: Maximilian Gower 

فيما وُلد جمعة الحاج في إمارة الشارقة التي لطالما استقطبت أنشطة ثقافيّة، شكّلت الثقافة دائماً جزءاً من نشأته وطفولته. وفي العام 1998، تمّ تعيين والده الدكتور عبدالله جمعة الحاج ملحقاً ثقافيّاً في سفارة دولة الإمارات في واشنطن العاصمة فانتقلت العائلة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة. وقد جعله منصب والده الجديد والتغيير المفاجئ لمقرّ العيش متمسّكاً بما اعتاد عليه قبل السفر أي الثقافة والفنون. وفي المدرسة، شارك الحاج في المسرحيّات المدرسيّة وحضر دروساً فنيّة إضافيّة واكتشف في نفسه حبّاً كبيراً للقراءة والكتابة، من جهة لأنّها كانت بمثابة واحة أمان له، ومن جهة أخرى، لأنّه هكذا يحذو حذو والدَيه اللذين كانا أكاديميّين جامعيّين. فأصبح القلم وريشة الرسم رفيقَيه الدائمَين. ولا تزال معظم كتب طفولته في مكتبته الشخصيّة حتّى اليوم. أمّا مسيرته المهنيّة الحاليّة فهي نقيض جانبه الإبداعي تماماً، لكنّ خياره ذلك هو خيار واعٍ لأنّه لم يكن يريد أن يحدّ نفسه في مجال معيّن فالعالم لديه الكثير ليقدّمه! ولكن بعد حوالى 10 أعوام من العمل التقليدي يجد نفسه يفكّر بجدية في تغيير مهنته والعودة إلى جذوره. وقد زرنا منزل الفنّان لاكتشاف عالم جواهر ساحر يجمع الماضي بالحاضر. رافقينا في ما يلي لتتعرّفي معنا كيف يعكس محيط جمعة الحاج هويّته وكيف يجسّد كبسولة زمنيّة تروي قصّة حياته.

اقرئي أيضاً: At Home مع Sawsan Haber

هلاّ أخبرتنا أكثر عن هويّة أعمالك الفنيّة ومواضيعها والأسس التي تعمل عليها لإتمامها؟ 
أعمالي مستوحاة بشكل عام من نصوص قرأتها أو كتبتها، أُمارس التدوين بشكل يومي كما أحاول قراءة عدد كبير من الكتب سنويّاً. لكنّ مصدر إلهامي الرئيس يأتي من كتب الفلسفة والنصوص الدينيّة. فتحمل هذه النصوص عادةً أفكاراً يتردّد صداها عبر شتى المجالات و لا تخضع لمحدودية الوقت و الزمن. أمّا في ما يتعلّق بمدوّناتي، فأعتقد أنّ التجارب الشخصيّة دائماً ما تكون هي الملهم الأقوى، ولكن الحيلة هي تفهّم الفنّان مدى إبراز هويّته خلال أعماله الفنّيّة. ومن خلال أعمالي، أحاول إجراء حوار ثقافي يجسّد الأفكار المشتركة في الثقافات المختلفة من خلال نصّ مجرّد، ولا يعود لشكل النصّ المادي أهميّة، لكنّ المعاني الكامنة وراء النصوص المجرّدة تصبح محطّ الاهتمام لابتكار لغة عالميّة مفهومة.

ما دروس الحياة الرئيسة الثلاثة التي تشاركها مع الشباب الإماراتي بناءً على تجربتك الشخصيّة؟
بقدر ما قد تبدو إجابتي مبتذلة، إلّا أنّني أنصح الجميع بالوثوق بحدسهم. فنادراً ما يكون الحدس في ضلال. والدرس الثاني هو التمتّع بحسّ الانتقاد لكن التحلّي أيضاً بالإيمان. أمّا الدرس الثالث هو تقبّل التّحديات التي تواجهك بصدر رحب، إذ تقدّم لك فرصاً رائعة لا تحتاج إلّا إلى الموقف الصحيح والإطار الذهني المناسب.

فيما كبرت في هذا المنزل الذي شهد على نموّك، هل تغيّرت نظرتك عبر الزمن إلى ديكوره والمفروشات الموجودة فيه؟
لقد نشأت في منازل متعدّدة في جميع أنحاء العالم، لكن بقي هذا المنزل بمثابة المرسى. وكنّا كلّما نكبر، يكبر هذا المنزل معنا ويتغيّر. وأكثر ما أقدّره فيه هو أنّه يشكّل كبسولة زمنيّة تجسّد محطّات مختلفه للعائلة. فتوجد فيه قطع من أواخر الستينات وصولاً إلى يومنا هذا. هناك بعض القطع من طفولة والدَيّ حتّى. ولو استطاعت القطع الموجودة في هذا المنزل أن تتكلّم، فستكون هناك أصوات هائلة تسرد لنا تاريخاً حافلاً بالمواقف الجميله. وبالنسبة إليّ، لن يصبح هذا المنزل وديكوره الداخليّ قديماً أبداً لأنّه يجسّد لحظات عزيزة.

هلاّ أخبرتنا أكثر عن تعاونك ووالدتك على تصميم الشبابيك والباب في إحدى صالات هذا المنزل؟
كما سبق وذكرت، يتطوّر هذا المنزل ويتغيّر باستمرار مع العائلة. وفي أحد أعمال الصيانة و التجديد التي خضع لها المنزل، قرّر والداي تغيير الباب الأمامي، لكنّهما كانا يتجادلان حول تصميم الباب، الكلاسيكي الجديد أو التقليدي للخليج العربي. آن ذاك قد عرّفني والدي على كتاب للأعمال الفنّيّة للفنّان الإماراتيّ عبد القادر الريس الذي يجمع عمله بين عناصر تقليديّة بارزة وأنماط هندسيّة مجرّدة، فقرّرنا أن نستوحي التصميم النهائي من تلك الأعمال. وكانت النتيجة النهائية مزيجاً انتقائيّاً جميلاً من الأبواب الكلاسيكيّة الأوروبيّة مع الزجاج الملوّن المستوحى من هيكل الأبواب الخليجيّة التقليديّة. كما توحي النوافذ الزجاجيّة الملونة المستوحاة من أعمال عبد القادر الريس بحركة آرت ديكو. عند مرحلة التنفيذ، ولم يفهم الحرفيّ الذي عمل على الباب فكرة هذا المزيج، وانتهى بي الأمر أن رسمتُ ووالدتي الفكرة على أوراق A4 منفصّلة ثمّ جمعتها معاً في صورة واحدة كبيرة حتى يتمكّن الحرفيّ من استيعاب الفكرة العامّة. وهكذا تحوّل تجديد الأبواب الرئيسة والنوافذ الزجاجية الملوّنة(الزجاج المُعشّق) إلى مشروع كبير، وهي تجعلني أبتسم كلّما أراها في معظم الأيّام.

هلّا أخبرتنا القصّة الكامنة وراء جمع أجهزة الراديو المعروضة بطريقة فنيّة رائعة؟
تشكّل مجموعة أجهزة الراديو واحدة من المجموعات المتعدّدة المعروضة في منزل العائلة. ومن الدروس الكثيرة التي تعلّمناها من والدَيّ هو تقدير قيمة الحرفية الرائعة وعدم التعامل مع القطع على أنّها أغراض مستهلكه، فإن كانت تعمل، هي ذات قيمة، وإن كان من الممكن إصلاحها، هي ذات قيمة، وإن كان من الممكن تجديدها وإعادة استخدامها، فهي أيضاً ذات قيمة. تعلّمنا أن نمنح كلّ قطعة روحاً ونعتني بها برفق وحنان. أمّا مجموعة أجهزة الراديو فهي ملك والدي، وكان يجمعها منذ سنوات، لكنّها مجموعة مميّزة أيضاً بالنسبة إليّ لأنّه طلب منّي تصميم مكتبة لعرض جزء من مجموعته. وتحوّلت عمليّة ابتكار المكتبة إلى تمرين لتوطيد علاقتنا حيث كنت في السابعة عشرة من العمر ولم يكن بيني و وبين والدي الكثير من الاهتمامات المشتركه. خلال فترة تنفيذ المشروع استمتعت بسماع القصص وراء كلّ واحد من أجهزة الراديو، فأخبرني متى حصل عليها، وعن بحثه عن الشركات المصنّعة لها وفترات تصميمها وما إلى ذلك. فبالنسبة إليّ، تجسّد هذه المجموعة الوقت الذي شعرتُ فيه أنّني بدأت بتوطيد علاقتي مع أبي.
يجمع هذا المكان منزلك والإستديو الخاصّ بك. فما هو القاسم المشترك بينهما؟ وما هي سمات شخصيّتك التي يعبّر عنها ديكورهما؟
يمثّل المكانان جانبين مختلفين من شخصيّتي. أحبّ أن أكون مع عائلتي وأن أكون في هذا المحيط المألوف أي المنزل، إلّا أنّ الاستوديو الخاصّ بي فيمثّل المستقبل الذي أحاول صنعه لنفسي. ووجود الاستوديو في منزل العائلة، يمثّل إضافتي الشخصيّة لمسيرة العائلة.

لماذا وضعت في الإستديو الخاصّ بك مفروشات عتيقة وأدوات استخدمتها في طفولتك؟ هل هو الحنين إلى الماضي فيما تتطلّع للمستقبل؟
كما سبق وذكرت، تعلّمنا تقدير الحرف اليدويّة مهما كانت بسيطة. بعد انتقالها من مكان إلى آخر وبعض عمليّات التجديد، فقدت بعض القطع هدفها لكنّها لا تزال في حالة رائعة. وأردتُ أن أحيي المكان باستخدام قطع تعني لي و تلهمني في مسيرتي الإبداعيّة وتعزّزها. ونظراً لأنّ ما أفعله يعتمد على كتابة اليوميّات، بدا ذلك منطقيّاً تماماً حيث أن هذه القطع كانت و لازالت جزءاً من يوميّاتي. لذلك ذهبت تلقائياً إلى المستودع حيث كانت تُخزّن القطع الزائدة واخترتُ ما أريده بعناية. أمّا القطع التي اخترتها، فإمّا تثير بي مشاعر خاصّة أو هي مصمّمة بشكل جيّد بحيث عزّزت القصّة التي تعكسها هذه المساحة.
كيف شكّلت الطاولة التي تتوسّط الإستديو والتي استقدمتها من منزلكم في إسبانيا الوحي لاستكمال ديكوره الكامل؟
بالفعل، إنّ القطعة الرئيسة التي اخترتها للتصميم الإجمالي هي طاولة طعام رخاميّة من الحجر الجيري كانت العائلة قد حصلت عليها في أوائل الثمانينات. وكانت الطاولة موجودة في مقرّ العائلة في شمال إسبانيا، ولكن بعد بيع المنزل، انتقلت إلى المخزن. وفي صغري كنت أتخيّل الطاولة الرخاميّة منحوتة من كتلة حجر ضخمة. وحالما رأيتها في المخزن، عادت إلى ذهني صورة الطفولة نفسها وقرّرت تحويل تخيّلاتي إلى حقيقة.استغرقت رحلة البحث عن نوع الرخام ذاته عدّة أشهر. حيث تتمركز الطاولة اليوم على "سجادة" رخاميّة بمساحة 2×2م ممّا يوحي أنّها منحوتة في الإستوديو ذاته، كما أنّها تجسّد صورة الفنّ والإبداع الذي تبتكره الطبيعة.

هلاّ أخبرتنا عن كيفيّة تحويلك الخزائن العتيقة لمنصّات كتب داخل الإستديو؟
تتشارك المنضدات والخزائن قصّة مشابهة لقصّة الطاولة. فكانت هذه الخزائن لي ولإخوتي في صغرنا. وكانت بحالة ممتازة لكن تمّ تخزينها لفترة طويلة خلال العقد الماضي من الزمان، وكانت بأمسّ الحاجة للعودة إلى الحياة من جديد. لذا منحتها هويّة جديدة، وبدلاً من أن تُخصّص لملابسي، هي تجمع اليوم كلّ كتبي التي تشكّل عنصراً أساسيّاً في عملي الفنّي. كلّ ما فعلته هو تحويل الأبواب إلى رفوف تحمل الكتب ممّا منح الخزائن قيمة معنويّة هائلة.

يشكّل هذا المنزل والإستديو واحة خاصّة من الذكريات المبنيّة على مرّ السنين، كيف تكتب يوميّاتك من خلالهما؟
إنّ تواجدي في محيط المنزل وفي الإستوديو يساعدني في كتابة يوميّاتي، فيمدّني بالطاقة والحافز لتوثيق الأحداث. وتشكّل القطع الموجودة في المنزل والإستوديو تجسيداً ملموساً للفترات الزمنيّة الماضية، وكلّ تلك المساحات تلهمني لإضفاء بُعد ملموس على الأحداث والتجارب التي عشتها، سواء من خلال التوثيق أو من خلال ابتكار الأعمال الفنيّة.

هل يمكن أن تصف منزلك بثلاث كلمات؟
أشبّه هذا المنزل بصندوق المجوهرات، كما يمثّل الحنين والملاذ.

اقرئي أيضاً: At Home مع Eman Bani Hashim

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث