التصوير: Maximilian Gower
الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh
التنسيق: Sima Maalouf
تجمع Ghada Kunash بين الهندسة والتصميم والإشراف على معرض فنيّ. وهي منذ انخراطها في هذا المجال، تظهر أنّه يمكن الجمع في الديكور بين الفنّ المعاصر والفنّ العتيق. فمن خلال موقعها كمصمّمة تحبّ تحدّي إعادة استخدام القطع القديمة على تعدّد أنواعها والطاقة الإيجابيّة التي تحملها وتاريخها وقصّتها ونوعيّتها. وبعدما تطوّر عملها الفنّي ليتجلّى في ولادة Fann-À-Porter الذي لا تقضي فلسفته بإيجاد الفنّانين الناشئين وتقديم الدعم لهم فحسب، إنّما بتثقيف الجمهور وزيادة عدد الأشخاص الذين يقتنون اللوحات الفنيّة ويتذوّقون الفنّ لأنّه يجب أن يكون للجميع. وما لبثت بعد سنوات إلاّ أن حوّلت هذا المعرض الفنّي إلى مساحة متعدّدة المفاهيم، تحت اسم The Workshop Dubai، تختصر المهمّة والرسالة التي تضطلع بها في المجتمع. وقد زرنا Ghada في منزلها في دبي لنكتشف كيفيّة تجلّي فلسفتها فيه، كما التقينا بوالدتها وابنتها وكانت جلسة عائليّة شيّقة. فانضمّي إلينا في هذه السطور لمعرفة كلّ التفاصيل!
بين دورك كمهندسة معماريّة ومصمّمة داخليّة ومؤسّسة معرض فنيّ. أين تجدين نفسك أكثر؟ وكيف تكمّل هذه التخصّصات الثلاثة شخصيّتك؟
الهندسة والتصميم بالنسبة إليّ أكثر من مهنة بل فلسفة وطريقة حياة وأسلوب للتواصل مع كلّ ما حولي، واستيعابه وتحليله وفهمه وتطوير المفاهيم لإعطاء نتيجة تتماشى مع من حولي وتحاكيهم. كما أنّني لا أحبّذ الوحدة بل أفضّل أن أكون للناس ومع الناس وأن أعطي أكثر للمجتمع وأفهمه لفهم كيفيّة التصميم له. حتّى أنّ الإشراف على المعارض الفنّيّة يتعلّق بالفنّان الذي يرسم وبمن يتلقّى الفنّ أيضاً. وأنا أرى هذه المهام كلّها مرتبطة ببعضها وأجد نفسي فيها ولهذا السبب ولد The Workshop Dubai. فهذا مكان متعدّد الأغراض والأهداف وهناك شيء "يُطبخ" فيه في كلّ حين. فأنا لا أستطيع فصل التصميم عن الفنّ والأدب، حيث ننظّم مثلاً أمسيات شعريّة ويجتمع أعضاء نوادي للكتب، كما أنّ هناك مكتبة خاصّة بي يقرأ فيها الناس. كذلك ننظّم محاضرات ونقاشات لنتطوّر ونتقدّم ونتيح المجال ليس للإبداع والخلق فحسب إنّما لمتعة الحياة والتجدّد المستمرّ. وهذا يعبّر عن شخصيّتي، إذ أحبّ أن يكون لدي دائماً مشروع قيد العمل. فيكون الفرح والشعور بالرضا في إطار هذا العمل وليس عند الوصول إلى الهدف، فحينها تكون الأمور قد انتهت.
ما الجزء الأكثر تحدّياً وإنّما الأكثر مكافأة أيضاً في مسيرتك؟
التّحديات دائماً موجودة، خصوصاً عندما تطرحين فكرة جديدة. فهناك دائماً تحدّي في كيفيّة تقبّلها ممّن حولك ومن الجهات المسؤولة أيضاً لتستطيعي تحقيقها. فمثلاً افتتاح المساحة متعدّدة المفاهيم لم يكن بالأمر السهل حيث تطلّب سنة كاملة لأخذ الرخصة وإنشائه لأنّه متعدّد الأنشطة. هذه الأمور متعبة لكنّ حجم السعادة يكون بقدر التّحدي بعد النجاح والتقدّم. كذلك هناك تحدّي عندما تعرضين لوحة وتنجحين في بيعها وتقنعين المتلقّي بأهميّتها، فيبادر إلى شرائها. ذلك لأنّ فلسفتنا في Fann À Porter لا تقضي بإيجاد الفنّانين الناشئين وتقديم الدعم لهم فحسب، إنّما بتثقيف الجمهور وزيادة عدد الأشخاص الذين يقتنون اللوحات الفنيّة. وإنّه لشعور رائع عندما تقابلين شخصاً لم يكن يهتمّ بالفنون وتجدينه أصبح يجمع لوحات فنيّة بفضل الجهود والأحاديث والعروض التي قمت بها. كذلك الأمر بالنسبة إلى التصميم، فعندما نصمّم مفهوماً كاملاً، يكمن التّحدي في محاولة إقناع الزبون به وقبوله. أمّا رؤية التصميم الذي وضعته على الورق يتحقّق، فهو متعة عظيمة.
ما الذي تنصحين به قارئاتنا حول كيفيّة اختيار القطع الفنيّة لمنازلهنّ؟
قبل أن يكون الشخص متطلّعاً فنيّاً أو عالماً في تاريخ الفنون أو دارساً لها، أهمّ شيء هو أن يحبّ ما ينظر إليه. هذه ليست فكرة مبتذلة إنّما حقيقة بسيطة. فإذا كان الهدف من شراء اللوحة جماليّاً، يجب على الشخص أن ينظر إلى اللوحة ويعجب بها قبل كلّ شيء. فإذا أُعجب بها وبألوانها وشعر أنّه سيستطيع رؤيتها دائماً وستحاكيه في كلّ يوم، ستكون مناسبة. أمّا إذا أراد المرء الغوص في عمق الموضوع ليتعلّم فهم لغة اللوحة، فيجوز أن يبحث عندها عن الفنّان وتاريخه وأعماله لفهم ماذا يحكي في اللوحة وإن كان هذا الكلام يطيب له. أمّا إذا كان العمل الفنّي يُشترى كاستثمار، فهذا موضوع آخر يتطلّب دراسة أكثر عن تاريخ الفنّان وكيفيّة تطوّر أعماله للتأكّد من جدوى الاستثمار. وهنا يمكن للشاري أو الشارية الاستعانة بالقيّم على المعرض الفنيّ لينصحهم بحسب هدفهم من شراء اللوحة.
صمّمت بنفسك الكثير من القطع المعروضة في منزلك. هلّا أخبرتنا أكثر عن هذه المساحات وكيفيّة تصميمها؟
لو كان باستطاعتي تصميم كلّ قطعة مفروشات من الألف إلى الياء في منزلي، لم أكن سأمانع إنّما ذلك كان سيتطلّب وقتاً طويلاً بين التصميم والتنفيذ. فهناك الكثير من الزوايا في المنزل التي يصعب إيجاد قطعة مفروشات جاهزة لها. ويُفضّل أن تكون مصنوعة خصيصاً للمساحة التي ستوضع فيها كتلك تحت الدرج مثلاً. فقد صمّمتها بشكل أدمجتها مع المنزل لتصبح مفيدة له كمساحة تخزين. كذلك أذكر قطعة أخرى تحت الدرج مقابلةً للصالون، إذ خلقنا في هذه البقعة الصغيرة مساحة للرفوف والتخزين. فالبيت صمّم ليُعطي أكبر قدر ممكن من الإضاءة في الداخل والحيطان موجودة لتعليق الأعمال الفنيّة. لذا حجم التخزين قليل بشكل نسبي، إذ باتت تلك المساحات جماليّة وذات فائدة في الوقت نفسه. كذلك صنعت طاولة مائدة كبيرة من الزجاج الشفاف وأدخلت تحتها طاولة عتيقة من بين القطع العتيقة التي أمتلكها، فصارت محميّة ومعروضة بشكل جميل. وقد اخترنا كذلك تصميم كنبات مرنة في صالة المعيشة، حيث نستطيع الجلوس بارتياح أمام التلفاز فيما يمكننا رؤية الحديقة الخارجيّة.
ما المعايير التي تتّبعينها لاختيار القطع الفنيّة التي تريدين عرضها في منزلك؟ وأيّها الأعزّ على قلبك، ولماذا؟
ما من قوانين محدّدة. فبالنسبة إليّ اللوحة أو أيّ مقتنى فنّي آخر أشتريه لا بدّ من أن يعني لي، إذ ثمّة سبب دائماً لعمليّة الشراء في تلك اللحظة. أحبّ مثلاً أعمال الفنّان حسام بلاّن لأنّه يعتمد على التجريد وفي الوقت عينه على الحالة الإنسانيّة في لوحاته. إذ يحكي عن حالة ليس لها علاقة بالجندر أو بمكان أو زمان محدّد، فالمخواف والرغبات هي عينها عند الناس في كلّ مكان. عندي لوحة أيضاً للفنّان خالد النجاد قد يراها البعض قويّة وقاسية، لكنّها تذكّرني بأهميّة رفضنا للديكتاتوريّة والإصرار على الحريّة والمساواة. إنّما تبقى أعمال الفنّان مجد كرديّة المفضّلة بالنسبة إليّ، فهي لكلّ الناس. ورسالة المعرض الخاصّ بي تتمثّل في "الفنّ للجميع" لأنّه فعلاً للجميع وليس لأناس معيّنين أو طبقة معيّنة أو ثقافة محدّدة، بل يجب أن يخدم الثقافة وينمّيها ويصل إلى العالم. والأعمال التي يقوم بها مجد كرديّة تصل مئة في المئة لكلّ الناس حتّى لمَن ليس له علاقة بالفنّ. ولكن في الوقت نفسه، إنّها عميقة إذ تنقل مفاهيمه وفلسفته في الحياة، فهو بسيط وصريح ومباشر وتكمن قوّته في بساطته. وتعكس أعماله رسائل المحبّة والأمل والسعادة والمساواة والفرح. وعندما أجلس مع قهوتي وأنظر إلى لوحاته، سرعان ما تمدّني بالإيحاء والإبداع وابتكار الأفكار الجديدة التي أخدم بها مجتمعي أكثر.
ما القصّة وراء حبّك وعائلتك لجمع القطع العتيقة؟
في خلال طفولتهم، هاجر جدّاي وجدّتاي مع عائلاتهم من شمال القوقاز إلى الأردن وأتوا بثقافتهم وأشيائهم مثل العربات التي كانوا يتنقّلوا فيها وختم الفضّة وغيرها. ونحن في الأردن نعيش كجزء من الشرق وثقافاته وعاداته وآثاراه. أمّا والدي، فكان يجمع العملة والسجاد ويقدّر القيمة الموجودة في الأشياء العتيقة، وقد تربيّت على هذه العادة. فهذا الحبّ للقطع العتيقة هو جزء منّي. وبالرغم من أنّ التصميم المفضّل لديّ هو ذلك البسيط في بلاد الاسكاندينافيّة، إنّما أحبّ في المقابل القطع العتيقة أيضاً. فأنا كمصمّمة أحبّ تحدّي إعادة استخدام القطع القديمة على تعدّد أنواعها والطاقة الإيجابيّة التي تحملها وتاريخها وقصّتها ونوعيّتها، كما أشجّع على التمسّك بها لأنّها صديقة للبيئة وتشكّل استثماراً في المستقبل من دون شكّ.
كيف توفّقين بين القطع العتيقة والعصريّة في منزلك؟
الجديد لا يلغي القديم بل يمكن أن يتواجدا معاً ويكمّلا بعضهما. ومن الجميل رؤية العتيق بجانب الجديد، فهذا الأمر يجعله يبرز أكثر. وفي المقابل، العتيق يعطي قوّة للجديد فالتّضاد إيجابيّ وجميل. وفي المنزل يهمّني تواجد قطع عتيقة لأنّني أحبّ رؤيتها وهي تعطي طاقة للمنزل وقيمة لكلّ ما هو معروض معها وحولها. أمّا عن كيفيّة خلق التوازن، فإنّ الأمر بالنسبة إليّ يتعلّق بالعملانيّة. وأنا متعلّقة جدّاً بإعادة الاستعمال. فلا بدّ من أن تكون القطع ديناميكيّة وتتكيّف مع حياتنا وأسلوبنا فيها. فيمكن أن نجدّد القطعة القديمة ونجد لها استخداماً آخر لهدف أكثر حداثة، وحتّى الطريقة التي أنظّم فيها الأثاث في منزلي يجب أن تكون متغيّرة.
كيف تتجلّى جذورك الأردنيّة في ديكور منزلك؟
يتجلّى ذلك عند المدخل في الموزاييك الذي يمثّل بلاد الشام والحضارات التي مرّت عليها من الرومانيّة والبيزانطيّة... إذ كنت أريد أن يعبّر مدخل المنزل عنّا وعن أصولنا. فقمنا بنسخ ما تبقّى من أقدم خريطة بيزنطيّة للمنطقة وهي موجودة في مادبا غربي جنوبي عمّان ووضعناها في أرضيّة المدخل وهي محاطة على الحيطان بكولّاج للفنّانة الإيطاليّة Simonetta Porazzo. كما أنّ أرضيّة المنزل بأكملها مصمّمة من الحجر الطبيعي الذي جئنا به من فلسطين.
هل لديك ألوان أو قطع مفضّلة تضفي الإيجابيّة على مساحتك؟
جلب الإيجابيّة يتعلّق بشكل كبير بالنور الذي يدخل إلى المنزل بشكل كافٍ، وقد حرصت على ذلك عبر فتح الواجهات. كذلك، أحبّ كثيراً الحديقة وأزرعها وأهتمّ بها بنفسي، فكان من المهمّ رؤيتها قدر الإمكان إذ أصبحت جزءاً من داخل المنزل. أمّا عن استخدام الألوان، فالأمر يتعلّق بالأحرى بتأثير اللون وكيفيّة استعماله والشعور الذي يبعثه. فاستخدام الألوان الزرقاء في مطبخي مثلاً يعطيني شعوراً بالانتعاش ويذكّرني بالبحر والسماء.
هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن علاقتك بابنتك ووالدتك؟
الأمّ هي التي تعلّم وتربّي وتفرض الأوامر. ومع الوقت تتطوّر العلاقة وتصبح علاقة أخد وعطاء على نفس المستوى تقريباً. بمعنى آخر، كلّ جيل يتعلّم من الثاني، وهكذا كانت علاقتي مع أمّي والأمر سيّان مع ابنتي. وثمّة احترام متبادل على مستوى المعرفة دائماً، فأنا أُعطيت الحريّة أن أجرّب وأتعلّم وكان الإرشاد بطريقة غير مباشرة. تعلّمت هذا الشي من أمّي ومارسته مع ابنتي ثريا، وتكسبين عندما يصبح لديك صديق يفهمك جدّاً.
كيف ساعدكم الوباء على التقرّب من بعضكم البعض؟
خلق لنا الوباء حالة رعب لأنّ ثريا تتابع دراستها في الولايات المتّحدة ووالدتي تعيش في الأردن. وفي العادة أزور شهريّاً عمّان لأتفقّد فرع المعرض وأرى أمّي عن قرب، وقد انقطع ذلك بسبب الوباء. وعندما أتيت بأمّي إلى هنا، شعرت بأمان أكثر وأضحيت أستغلّ كلّ فرصة لإمضاء الوقت معها. أمّا بالنسبة لابنتي، فذهبت إلى الولايات المتّحدة للدراسة مذ كان عمرها 16 سنة. ومنذ ذلك الوقت شعرنا أنّها خرجت من المنزل ولم نتخيّل أنّها ستعود لتعيش معنا لفترة طويلة كهذه، فاعتبرنا ذلك بمثابة جائزة لنا. وقد أعطانا وجودنا مع بعض فرصة لتوطيد العلاقة بيننا جميعاً من جديد وبشكل أقوى.
ماذا تودّين أن تقولي لهما إذاً في عيد الأمّ؟
بالإضافة إلى أنّني أحبّهما كثيراً، هما جعلتا منّي المرأة التي أنا عليها اليوم، كلّ واحدة بطريقة معيّنة. وجسديّاً، أنا جزء من أمّي، فعندما أنظر إليها، أرى كم أنّني أشبهها في الكثير من الأشياء والتّصرفات وأنا ممتنّة لها كثيراً لكيفيّة تربيتها لي ولكلّ الثقة التي وضعتها فيّ ولأنّها جعلتني أثق بنفسي، وأتمنّى أن تبقى موجودة معي دائماً. أمّا لثريا فسأقول أنّها فرحتي وشمسي المشرقة. فعندما أراها أفرح لأنّ فيها كلّ ما تخيّلت أنّه سيكون في ابنتي وأكثر. وأتمنّى أن تبقى كما هي وتعيش أحلامها وتتبع قلبها وتحكّم عقلها وأسأل الله أن يوفّقها.
اقرئي أيضاً: At Home مع Zina Khair