Suzy Fadel Nassif: أصوّر نساء من كلّ مناحي الحياة، فهنّ مصدر إلهام أساسيّ لفنّي

هي امرأة لبنانيّة تمثّل مزيجاً جميلاً بين روح وطنها الأمّ والهويّة الإماراتيّة، فتعكس بطبيعة الحال هذا الانصهار الرائع للثقافات في فنّها الآسر. ونظراً لأنّها رسّامة، تترجم Suzi Fadel Nassif عواطفها من خلال تصوير الوجوه والأشكال. وفي خلال حياتها المهنيّة، شاركت الرسّامة البارعة في الكثير من الفعاليّات والمعارض الفنيّة البارزة في جميع أنحاء العالم وحصلت على عدد كبير من الجوائز المشرّفة. فتعرّفي إليها عن كثب في المقابلة التالية واكتشفي كيف نجحت في أن تصبح كشهرزاد، راوية تسرد قصص الحياة من خلال لوحاتها!

يقول بيكاسو "الرسم مهنة شخص أعمى. لا يرسم ما يراه، إنّما ما يشعر به، وما يخبره لنفسه عمّا رآه". هل يمكنكِ أن توضحي لنا مدى أهميّة هذه الكلمات لكِ؟

من مقولات بيكاسو التي أقدّرها أيضاً: "المعرض الوحيد الذي يهمّ هو ذاك الذي في القلب". ومفاد القول إنّ البصر ليس سوى انعكاس للخيال، ويرى المرء من خلال عقله فحسب. لذا عند السؤال كيف يمكنني ابتكار الفنّ بدون أحلامي وأوهامي؟ فجوابي هو أنّني كفنّانة، غالباً ما أعيش في داخل رأسي بين الألوان والأنسجة المختلفة، وبين الظلام والضوء. أي أنّني أحيا في دنيا سرياليّة من الأحاسيس تمثّل كوكباً قائماً بحدّ ذاته وموجوداً ليبقى. وأعتبر مشاعري وكأنّها أفعوانيّة دائمة التخبّط، وأختبر ذلك في حياتي اليوميّة. إذ تهمس أحاسيسي في ذهني قصصاً عن الحياة وما ورائها، وتطفو في داخلي صور لأشخاص في عالم من الواقع والخيال. ولأنّني رسّامة، أترجم هذه المشاعر من خلال تصوير الوجوه والأشكال التي ليست سوى نتيجة للواقع أو الإلهام أو حتّى الهلوسة. فيمكن اعتبار لوحاتي على أنّها تمثيل مرئي يتراءى لي على شكل تنوير، وبعد ذلك يتجسّد في رسوماتي. إنّما ثمة أمر واحد مؤكّد، أنّ الفنان لا يمكن أن يزدهر بالاستناد إلى الحقيقة فحسب. فبدون المخيّلة يكون الفنّان كفيفاً، ولا يرى إلّا حينما يغمض عينيه!

منذ أن بدأت حياتك المهنيّة في الرسم في العام 2014، ارتقيت بمستوى عملك إلى السوق الدوليّة. فكيف تستعرضين الثقافة اللبنانيّة العربيّة في رسوماتك وكيف تلمسين المرأة العربيّة من خلالها؟

أنا امرأة لبنانيّة تفخر بهويّتها. وأشعر بالامتنان لأنّني ترعرعت في ثقافة تشمل جميع جوانب الحياة وتتغنّى بثروة كبيرة من التاريخ والموسيقى والفنّ والترفيه والتقاليد والفولكلور. ونظراً إلى أنّني امرأة عربيّة عصريّة، يغمرني شعور قويّ بالانتماء والمسؤوليّة التي تدفعني إلى الوصول إلى ما وراء حدود البلدان والبحار، والتوسّع وتقديم عالمنا العربي إلى الغرب من خلال الفنّ. وتظهر جذوري جليّة في أعمالي الفنيّة، فأنا امرأة لبنانيّة تمثّل شخصيّتي مزيجاً جميلاً بين روح وطني الأم والهويّة الإماراتيّة، لأنّ دبي منزلي الثاني. لذا وبطبيعة الحال، أجسّد هذا الانصهار الرائع للثقافات في فنّي. ولا بدّ من أنّ مغامراتي حول العالم ساهمت بإثراء أعمالي الفنيّة من خلال إضافة حسّ عالمي غريب ناجم عن وعيي بعملي، لذا أعتقد أنّ فنّي يتحرّك أيضاً بواسطة هذه المجتمعات والعقليّات المختلفة، ممّا وسّع آفاقه من العالم العربي إلى الكون بأسره.

وكنت فضوليّة بما فيه الكفاية لطرح السؤال نفسه على بعض النساء العربيّات في مجتمعي، والمدهش أنّ الإجابة أتت مشتركة وقلنَ لي:" فنّكِ يثير العواطف في داخلي، ويذكّرني بمَن أنا وبالصراعات التي مررت بها، وحتّى بالاختلافات والتحديّات التي واجهتها ولا زلت أواجهها يوميّاً كامرأة عربيّة خصوصاً، وكامرأة عموماً". إذاً، نحن نشكّل دائرة كاملة ونتمتّع بالقدرة على الإبداع، لا سيّما وتغذية إبداعنا لنتطوّر!

شغفُك بالتعبيرات الفنيّة لسلفادور دالي جعلك تتطلّعين إلى التفاصيل الدقيقة. فكيف عبّرت عن هذا الشغف في عملك الفنّي، وهل يمكنك أن تشاركينا بأصعب مهمّة فنيّة أو صعوبة واجهتها ونجحت في إنجازها؟

حينما بدأتُ الرسم للمرّة الأولى، رُحت أنسخ الأعمال الفنيّة المذهلة لسلفادور دالي، لأنّني وجدت نفسي في حال ذهول أمام فنّه وكيفيّة نجاحه في أخذ الناظر في رحلات يتبدّل فيها الواقع كلّه. وشخصيّاً، ألهمني دالي على التفكير خارج المألوف، وأعتبره "حالة" استثنائيّة واسمٌ لا يفنى إنّما سيبقى مطبوعاً في رحلة حياتي الفنيّة والعاطفيّة. والواقع أنّني رسمت دالي في حالات كثيرة ومع أشخاص مختلفين، فمثلاً رافقته فريدا كاهلو في رسوماتي لأنّهما أبرز شخصيّتين تمدّاني بالإلهام. ويتجلّى ذلك في الكثير من أعمالي الفنيّة التي ابتكرتها في الماضي والتي سأستمرّ في ابتكارها مراراً وتكراراً. ولربّما هذا ما يُسمّى بالذهول والإعجاب!

والحقيقة أنّ الابتكار ليس دائماً نهراً متدفّقاً من الأفكار، ولا الإلهام دائماً حالة ثابتة ترافقني إلى استديو الرسم خاصّتي. إنّما العكس صحيح، إذ تتوقّف عمليّة الإبداع لديّ في بعض الأحيان. فتارةً ما أواجه انسداداً عاطفيّاً وأحسّ بأنّ روحي مستنزفة ورؤية عقلي ضبابيّة. وتقف فرشاتي عند نقطة تستدعي امتناعي عن الرسم ريثما ينقشع ذاك الضباب.

لقد ثبت لي أنّه من الصعب التعامل مع هذا الانسداد الفنّي إذا جاز لي تسميته كذلك، لا سيّما مع اقتراب المواعيد النهائيّة. وأرفض بأيّ حال من الأحوال أن أرسم ما لم أكُن في حالة ذهنيّة مسترخية وإبداعيّة. ولا أنكر أنّني واجهت مرحلة "عدم القدرة على الابتكار" واستسلمت إلى الظلمة في عزلتي وتركتها تستحوذني. لكن خلف الظلام، ثمة نور دائماً.

هلّا أخبرتنا المزيد عن قدرتك على سرد قصص مقنعة من خلال أعمالكِ الفنيّة؟ وكيف نجحت في استعارة طريقة شهرزاد السرديّة وتطبيقها على اللوحات؟

أعتقد أنّني قمت بلعب شخصيّة شهرزاد كراوية تسرد قصص الحياة، لأنّ كلّ لوحة عبارة عن قصة عن الناس والوقت، وعن ولادة فصل جديد فريد من نوعه. وأظنّ أنّني دائمة التطوّر، ومع مرور الوقت تخبر قصصي عن رحلتي وتعكس هذه الرحلة بدورها آلاف الحكايات. وأرى أنّ فنّي السردي نتاج من الإلهام والموجات الداخليّة الناجمة عن عواطف محدّدة زمنيّاً. أمّا اللوحة نفسها فتعكس إحساسها على الناظرين إليها للتواصل معهم ودفعهم إلى التفكير في ما يرونه حتّى تصبح ضربات الفرشاة جزءًا من خيالهم. وهكذا يتكوّن رابطاً شخصيّاً بينهما وتصل قصّتي إليهم. أمّا شغفي، فهو أن يحرّك فنّي المشاعر في المُشاهد ويسمح له بالانخراط في القصّة التي سأخبرها على غرار شهرزاد تماماً.

طوال حياتك المهنيّة، شاركت في الكثير من الفعاليّات والمعارض الفنيّة البارزة في جميع أنحاء العالم وحصدت عدداً كبيراً من الجوائز المشرّفة. هلّا شاركتنا في ذكرى مضحكة لحادث وقع في خلال أحد تلك المعارض؟

عشت لحظات مضحكة كثيرة جعلتني ابتسم وأبكي أحياناً حينما أتذكّرها. وعلى سبيل المثال، من بين اللوحات التي عرضتها في معرض طوكيو للفنون، لوحة لإمبراطورة اليابان ولاحظت أنّ الناس شعروا في بعض الأحيان بالصدمة، وفي أوقات أخرى بدوا مستمتعين بها. وبسبب حاجز اللغة، لم أستطع فهم السبب وراء ردود الفعل المتناقضة، لدرجة أنّ الحيرة اعترتني ليوم كامل في محاولة لفكّ رموز تعابير وجوههم، لا سيّما وأنّ الأغلبيّة منهم كانوا يعمدون إلى تغطية أفواههم بأيديهم. وبقيت في حيرة من أمري حتّى اكتشفت أنّه من غير القانوني، لا بل من المهين أن أرسم إمبراطورتهم! وأصبت بالذعر واضطررت إلى استبدال تلك اللوحة على الفور كي لا أواجه أيّ مشكلة مع المسؤولين!

وحدثت معي حالة عاطفيّة أخرى في خلال معرض للفنّ في لشبونة. وتفصيلاً، رأيت امرأة في منتصف العمر مفتونة بواحدة من رسوماتي بالأبيض والأسود، ثمّ أجهشت في البكاء فجأةً وراحت تعانقني في محاولة منها لتشرح لي كيف لمس هذا العمل الفنّي روحها مباشرةً. غير أنّ دموعها كانت أقوى من كلماتها، ولم تكُن قادرة على التحدّث، وهذه الحادثة خير دليل على أنّ الفنّ لغة عظمى!

ما الصورة التي تميلين إلى إظهارها عادةً عند رسم المرأة؟ وهل تعتقدين أنّ صوتك يُسمَع من خلال أعمالكِ الفنيّة؟ وهل يمكن لفنّك أن يكون منصّة للدفاع عن حقّ المرأة وهويّتها؟

بصفتي امرأة، أعتقد أن دورنا في المجتمع حاسمٌ؛ وامتلاك صوت مسموع يخلق مسؤوليّة إضافيّة يجب أخذها على محمل الجدّ. وأظنّ أنّ لوحة "أمّنا الأرض" تُعتبر تفسيراً كافياً لأهميّة المرأة التي أعطيت القدرة على خلق الحياة، ممّا يؤدّي بالتالي إلى خلق منزل ومجتمع وعالم، فنحن نتحلّى بالقدرة على التغيير والإصلاح. وأصوّر النساء من كلّ مجالات الحياة، فهنّ أداة إلهام أساسيّة لفنّي الذي أسعى دائماً فيه إلى تجسيد كفاحهنَّ ومجدهنَّ وقصّصهنَّ وفقاً لخلفيّة كلّ امرأة وبيئتها وهويّتها.

ولطالما عاشت النساء محاصرات في المفاهيم الخاطئة والمبتذلة ولا يزلنَ عالقات في الصور النمطيّة القديمة. إنّما الواقع أنّ الرجال والنساء يتعايشان لتحقيق توازن بين فلسفة اليين واليانغ والحياة، ولديّ ثقة في عمليّة تصوير النساء في مكانهنَّ الصحيح والمحترم في داخل المجتمعات بشكل عام وفي مجتمعنا بشكل خاص.

فضلاً عن كلّ ذلك، أؤمن شخصيّاً بالجوهر الخالص للمرأة الحقيقيّة، وفي هشاشتها وقوّتها وجاذبيّتها وعزمها وعفويّتها. وأؤمن أيضاً بجميع المفارقات الرائعة الموجودة في داخلها، لا سيّما وفي اللمسة غير الاعتياديّة النبيلة في شخصيّتها التي تجعلها كاملة.

على مرّ التاريخ، واجهت الفنّانات الكثير من التمييز. لذا، ماذا تقولين لجميع الذين يستخفّون بإبداع المرأة في الفنّ؟

إن التمثيل الناقص للمرأة في الفنّ ليس بالموضوع الجديد. بحيث يُدرك المهتموّن هيمنة الفنانّين الذكور عبر التاريخ. لكن السؤال هو أليست المرأة قادرة على ذلك؟ شخصيّاً، أعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّها قادرة جداً، وها إنّها تثبت نفسها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. فنحن مهد الحياة ورعاة الحبّ، ومسخّرو العواطف القويّة ولدينا الكثير لنقوله. وإذا كانت الكلمات غنيّة عن التعبير فسنتحدّث من خلال الفنّ، لأنّه وسيلة قويّة لإيصال الرسائل المؤثّرة. وسأحرص على أن تصل رسالتي هذه وتُسمع بوضوح، فأيّتها النساء، واكبنَني!

اقرئي أيضاً: كيف ترجمت Shaikha Abudallah Al Naboodah علاقة الرفاهيّة بفنّ الإكتشاف؟

العلامات: Suzy Fadel Nassif

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث