Anisa Al Raissi: تماماً مثل أيّ مسيرة في الحياة أو أيّ مهمّة شاقّة، يمكنك النجاح إذا قسّمتها إلى أجزاء صغيرة يمكن التحكّم فيها

Image Courtesy: Muna Khalfan

فيما نما حبّ أنيسة للرياضة والإستكشاف خلال طفولتها، ما لبثت أن حوّلت حبّها للمساحات الخارجيّة إلى مسيرة مهنيّة في العام 2013. فبعد أن عملت لـ6 سنوات في صناعة الشركات والمبيعات والتسويق في الفنادق ثمّ مجال العقارات، تخلّت في ذاك العام عن حياتها المهنيّة. وقرّرت في سنّ الثلاثين أن تبيع كلّ ما تملك وتضع ممتلكاتها في حقيبة ترتديها على ظهرها فيما تكتشف نفسها والعالم. فاشترت تذكرة ذهاب بدون عودة إلى أوروبا لبضعة أشهر وخاضت هناك مسيرة لاكتشاف الذات. لكنّها أدركت أنّ تلك المسيرة لم تقضِ بزيارة المباني أو تواجدها بعيداً عن المدن في القرى، بل دائماً ما حاولت القيام بما لم تشعر بالارتياح له. وقد راق لها الخروج من منطقة راحتها والتواجد في الهواء الطلق. وبعد استكشاف أوروبا وذاتها ، قرّرت العودة إلى عمان والقيام بهذا الأمر الذي أحبّته بصورة مهنيّة. وفي عام 2020 كانت مغامرة العمر في عمان للاحتفاء بالذكرى الخمسين لنهضة السلطنة بعد سنين عدّة من التحضير. لنتعرّف في ما يلي مع أنيسة على كلّ التفاصيل المتعلّقة بهذه المغامرة الرائعة التي أصبحت حقيقة في زمن كورونا.

Image Courtesy: Muna Khalfan

ما قصّة المغامرة التي بدأتها في نوفمبر 2020 للاحتفاء بالذكرى الخمسين لنهضة السلطنة؟
بعد استكشاف أوروبا وذاتي لبضعة أشهر، قرّرت العودة إلى عمان والقيام بهذا الأمر الذي أحببته بصورة مهنيّة. بعبارة أخرى، رحت أبحث عن مكان حيث يمكنني العمل في الهواء الطلق، وحثّ الأشخاص على الخروج من منطقة راحتهم لمواجهة مخاوفهم، بغية النمو والتطوّر بفضل تجاربهم. لذا انضممت إلى منظمة Outward Bound لأوّل مرّة في العام 2014. وحينها، كان لديهم برنامج تدريبيّ خارجيّ أرسلوني في إطاره إلى شمال Wales، وتحديداً إلى كليّة مرموقة جداً متخصّصة في نشاطات الهواء الطلق. وهناك، أقاموا محادثات أسبوعيّة ضمّت أشخاصاً ذهبوا بمسيرات استكشافيّة أو عاشوا المغامرات، بحيث أتوا وشرحوا لنا ما فعلوه وأخبرونا عن تجربتهم. وذات مرّة، تحدّث أحدهم عن Beeline Britain، الذي يقضي بعبور بريطانيا العظمى في خط مستقيم، وهذا ما ألهم مسيرتي الاستكشافيّة. لذا فإنّ هذا النوع من المسيرات سيعرض عمان بأكملها ويمنحني مغامرة العمر. وهكذا ولدت Yalla Go، حينما رسمت الخط الذي تصوّرته وحلمت به لمدّة ست سنوات قبل أن أدرسه لعامين، جمعت في خلالهما الفريق والرعاة ووضعنا أهدافنا. وانضمّت إليّ في هذه المسيرة الاستكشافيّة زميلتي ناتالي تايلور من المملكة المتحدة، وهي رائدة في الجيش البريطاني.

هل لك أن تطلعينا على مزيد من التفاصيل حول اللوجستيّات والسبل والمراحل والأماكن التي سرت فيها على طول الطريق؟
تعادِل مساحة الخط الذي سرنا فيه 1400 كيلومتر، وقد خطّطت إلى وجود معسكرات كلّ 30 كيلومتراً سيراً على الأقدام في خط مستقيم جنوباً. وبالفعل، في مسارنا من الشمال إلى الجنوب، توقّفنا ليلاً كلّ 30 كيلومتراً وأنشأنا معسكراً ثم أكملنا مسارنا في اليوم التالي لمسافة 30 كيلومتراً آخر. وتفاوتت هذه المسافة بالاعتماد على التضاريس. وبالفعل كانت رحلة بدون توقف، بدأناها في 17 نوفمبر وأنهيناها في 2 يناير. وقد قسّمتها على خمس مراحل. أوّلها على البحر، بدءًا من جزر مسندم الشماليّة إلى دبا عمان. وتعيّن علينا التجديف لمسافة 100 كيلومتر بدعم من البحريّة السلطانيّة العمانيّة. ثم تبدأ المرحلة الثانية من حدود الوجاجة، حيث تمّ نقلنا جواً بواسطة مروحيّة من دبا إلى الوجاجة ومنها وصلنا فوق جبال البريمي حيث التضاريس مختلفة جداً. من الصخور الغادرة التي من شأنها أن تكسر بسهولة شديدة، والجروف الهائلة التي تعيّن علينا إيجاد طريقة لتجاوزها. كذلك، لم يكن ثمة الكثير من المسارات الواضحة أو أيّ مسارات على الإطلاق، لذا كان هذا الجزء صعباً. ولكن بعد ذلك بلغنا المسطّحات الملحيّة والرمال المتحرّكة في أم السميم. هذا وعبرنا بجوار الحدود السعوديّة مباشرةً، بدءًا من الكثبان الرمليّة لصحراء الربع الخالي، التي تميّزت بألوان جميلة تغيّرت كلّ بضعة كيلومترات. لكن هناك في منتصف الربع الخالي أصيبت زميلتي ناتالي، وكان لا بدّ لها أن تخرج من الرحلة الاستكشافيّة، ممّا يعني أنّه كان عليّ الاستمرار بمفردي حتّى النهاية. وبصراحة، عشت صراعاً عقليّاً، إذ تغيّرت ديناميكيّة الفريق بالكامل وتبدّلت طبيعة المسار تماماً لأصبح فيه وحدي. وبعد الربع الخالي، عدت إلى المسطّحات مرّة أخرى إنّما لم تكن سهلة جداً، على الرغم من إدراكي أنّني أقترب من النهاية. ثمّ وصلت إلى جبل سمحان في الجزء الجنوبي لعمان، ومن المعلوم أنّ الرياح الموسميّة عادةً ما تهبّ هناك. لذا فإنّ الحيوانات والنباتات مختلفة تماماً، وكذلك ثمة ملاذ آمن للنمور أيضاً. واضطررت إلى عبور أرض اللبان بمنحدراتها الكبيرة وجبالها العملاقة ووديانها العميقة حيث تمرّ أشجار اللبان. كما أصبحت المنحدرات أكثر انحداراً وباتت التضاريس أكثر وعورة وكان هذا الجزء الأكثر تشويقاً بالنسبة إليّ، أي كوني وحدي وشعوري بالعزلة الكاملة.

Image Courtesy: Muna Khalfan

لماذا اخترت السير في خط مستقيم؟
أحبّ أن أجعل الأمور أكثر صعوبة على نفسي، لأنّ الهدف من المسيرة الاستكشافيّة لم يقتصر على إظهار جمال عمان وكلّ ما فيها، إنّما لأبرهن عن مستوى عالٍ من الإصرار. فمهما امتلكت من أهداف تحاولين تحقيقها، يتمثّل الإصرار في أن تتغلّبي على تلك العقبات التي تواجهك في حياتك، وليس الهروب منها ولا أن تجدي طريقاً مختصراً أو طريقة لتفاديها، بل أن تقفي أمامها وجهاً لوجه. وبالطبع، يتطلّب الأمر التخطيط والإعداد المناسبين أيضاً، وامتلاك الأدوات المناسبة والدعم المطلوب بحثاً عن طريقة لتجاوها. ولهذا السبب اخترت القيام بمسيرتي في خطّ مستقيم، لأبرهن للشباب أنّه ثمة دائماً طريقة للمضي قدماً إذا ما خططوا لها بشكل صحيح وإذا ما امتلكوا نظام الدعم المناسب وتحلّوا بالمثابرة طبعاً.

كيف تفاعلت المجتمعات المحليّة معك؟
حاولنا الحفاظ على حدّ معيّن من البُعد تجاه المجتمعات المحليّة على ضوء أزمة كورونا. غير أنّ بعضها بادرت إلى الاقتراب منّا في بعض الحالات. فمثلاً عرض علينا رعاة الجِمال أن نحتسي كميّات لامحدودة من حليب الجِمال ومن اللبن العماني الذي كان مذهلاً لتعزيز طاقتنا ومعنويّاتنا. كذلك، انضم إلينا فريق من الشباب في البريمي مثلاً، واظهروا عن كرم الضيافة العماني وأقاموا جلسة عمانيّة لنا مع فرقة موسيقيّة و"مشاكيك" طازجة على النار. فأخبرونا القصص وعزفوا الموسيقى ورقصوا، وأعتبر هذه واحدة من أكثر الذكريات الجميلة شخصيّاً. فضلاً عن السيّدات في محافظة ظفار، فحين بلغت المكان، كنت أسير بمفردي بالفعل حينها وصدمت إذ رأيت حوالى 50 شخصاً من النساء والرجال، صغاراً وكباراً من مختلف الجنسيّات، والكثير من النساء من العاصمة صلالة نفسها. وتختلف صلالة تماماً عن عمان لأنّه مجتمع محافظ، وبالنسبة إلى الكثيرات من هؤلاء النساء، كانت هذه المرة الأولى على الإطلاق التي يخرجن فيها من العاصمة على طول مسافة بهذا القدر، إذ مشينَ معي حوالى 14 كيلومتراً وكان مساراً جميلاً انتهى بنا على الشاطئ. لذلك، يسعني اعتبار مسيرة Yalla Go الاستكشافيّة ناجحة جداً لجهة جمعها الناس المختلفين مع بعضهم البعض. حيث أننّا بدأنا في الأساس بهدف وحيد، يقضي بإلهام الأجيال الشابّة من فئة عمريّة محدّدة حتّى، وما حصل على أرض الواقع أنّنا ألهمنا كلّ شخص سمع قصتنا، وقمنا بذلك فعليّاً بحيث ساروا معنا حتى النهاية، وكانت تلك اللحظات تقشعرّ لها الأبدان.

ما الرسالة وراء هذه الحملة وكيف تنوين مواصلة العمل عليها الآن بعد أن بلغت خطّ النهاية؟
ثمّة عدد من الرسائل وراء هذه الحملة، أوّلها وأهمّها الإصرار. فأيّ شخص شاركته القصّة، اعتبرني مجنونة وسألني كيف يمكنك أن تمشي كلّ هذه المسافة، لكن بالنسبة إليّ، لم أجد صعوبة في طول هذه المسافة إذ حوّلتها إلى مراحل صغيرة يمكن بلوغها. وتماماً مثل أيّ مسيرة في الحياة أو أيّ مشروع كبير أو مهمّة شاقة، يمكنك النجاح إذا قسّمتها إلى أجزاء صغيرة يمكن التحكّم فيها. ومن الرسائل الأخرى التي حملتها أيضاً هي أن تتحدّي راحتك وتخرجي عن القاعدة لتصنعي واقعك الخاص. فإذا كان ما تريدينه هو الشعور بالراحة فحسب، لن تتطوّري أبداً بل ستبقين في المكان نفسه. ولكن إذا تريدين المضي قدماً، فأنت بحاجة إلى النهوض والتحرّك. ولا يلزمك السير مسافة 1400 كيلومتراً للقيام بذلك، لأنّ كلّ ما أهدف إليه بعد أن أنهيت مسيرتي هذه، هو مشاركة الدروس التي تعلّمتها مع الشباب والنساء والشركات، لأنّها دروس يمكنني تطبيقها في مختلف مناحي الحياة. لذا فإنّ هدفي من الآن فصاعداً هو التحدّث مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص. وآمل أن أقوم بهذا الأمر في خلال العامين المقبلين وأن أسرد قصتي ريثما أخطّط لمسيرتي الاستكشافيّة التالية.  

العلامات: Anisa Al Raissi

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث