هاجر الخمليشي: إن كانت الطاقة ذكر، فإنّ الاستدامة أنثى

هي واحدة من النساء القلائل في المنطقة العربيّة اللواتي يولينَ اهتماماً كبيراً للبيئة ولتمكين المرأة في آن معاً! تعمل هاجر الخمليشي منذ سنوات كثيرة في المجال البيئي، وإنّها اليوم رئيسة شبكة شباب المتوسّط من أجل المناخ ومن المدافعات عن مشاركة النساء والأجيال الشابّة في ريادة الأعمال في المجالَين الاجتماعيّ والبيئيّ. فضلاً عن أنّ هذه المرأة المغربيّة الرائدة شاركت في تقرير التقييم العلميّ الأوّل حول المناخ والتغيّر البيئيّ في منطقة البحر الأبيض المتوسّط. وعلى ضوء جميع المشاكل والحلول البيئيّة المقترحة، ناقشنا معها مستقبل الاستدامة في منطقتنا والدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة فيه، فضلاً عن مواضيع أخرى ذات الصلة.

أداؤنا العربيّ مقابل الاستدامة

في حين أنّ العالم بأسره يحاول إحراز التقدّم ووضعه قيد التنفيذ في ما يتعلّق بالاستدامة وأهداف التنمية المستدامة، سألنا رئيسة شبكة شباب المتوسّط من أجل المناخ ما إذا كانت المنطقة تسير في الاتّجاه الصحيح نحو الاستدامة سواء أكان بيئيّاً أو اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً . وفي هذا الصدد، تقول الخمليشي: "أعتقد أنّ منطقة البحرالأبيض المتوسّط تحرز تقدّماً تدريجيّاً في السياسات نحو الاستدامة، إنّما منذ اعتماد أهداف التنمية المستدامة واتفاقيّة باريس، ما من بلد متوسطيّ متقدّم على صعيد تحقيق جميع الأهداف. وعلاوةً على ذلك، تسجّل المنطقة التصنيف الأسوء من حيث أهداف التنمية المستدامة، لا سيّما في الهدف الثاني المتمثّل بالقضاء على الجوع والخامس الذي يقضي بالمساواة الجندريّة والهدف التاسع الذي يهتمّ بالابتكار الصناعيّ والبنية التحتيّة والرابع عشر المختصّ بالحياة تحت الماء. إنّما بالمقابل، لا تزال منطقتنا تعمل بصورة جيّدة في ما يختصّ بإنهاء الفقر الذي يمثّل أولى أهداف التنمية المستدامة". إلّا أنّنا ما زلنا بحاجة إلى تغيير حقيقيّ لتكييف السياسات المتعلّقة بالمياه وإدارة النفايات الصلبة وتعزيز الزراعة المستدامة وتحسين النوع الاجتماعيّ والإدماج الاجتماعيّ من أجل تحقيق رؤية 2030 واتفاقيّة باريس. وبما أنّ منطقة البحر الأبيض المتوسّط توفّر إمكانات عالية بفضل التنوّع البيئيّ والثقافيّ فيها، فضلاً عن أنّها تتمتّع بتقسيم جغرافيّ مركزيّ أيضاً ، ممّا يمكن أن يسهم في ازدهارها في إطار مستدام. لكن، كيف تعمل المنطقة العربيّة وفقاً لأهداف التنمية المستدامة؟ قبل مشاركة رأيها بشأن هذا السؤال، تقول الخبيرة البيئيّة إنّ المنطقة العربيّة تشهد عدداً من التحدّيات التي تعيق التنمية المستدامة، خصوصاً تلك المتعلّقة بموارد المياه والمسامك ونظام إنتاج الغذاء وإزالة الكربون والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجدّدة. ناهيك عن التحديات المجتمعيّة المرتبطة بالحكم ودور المرأة في المجتمع والعمل والصراعات والعنف. إذاً، لا تحتلّ هذه المنطقة مرتبة عالية من حيث تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيّما مع بقاء 10 سنوات فحسب لتحقيق رؤية 2030. وأكدّت لنا هذه المرأة الرائدة أنّ المنطقة بحاجة إلى تسريع الجهود في جميع مجالات التنمية المستدامة. إنّما من الناحية الإيجابيّة، فتقترب خمس دول من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي هذا السياق تقول: "في العام 2019، برزت الجزائر والإمارات العربيّة المتّحدة والمغرب وتونس والأردن بترتيب تنازليّ على أنّها بلدان قياديّة إقليميّاً". وصحيح أنّه ثمّة زخم في مجالين مهمّين متعلّقين بالاستدامة البيئيّة، ألا وهما المياه وتغيّر المناخ، غير أنّه بحسب الخمليشي الدول الفقيرة التي تعاني من الصراعات تبقى في خطر التخلّف الشديد، في حين أنّ التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة شرط أساسيّ مسبق للسلام والازدهار الإقليميّين.

وبينما تقترب بعض البلدان من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تبقى دول أخرى متأخّرة خلفها. لذا سألنا الخمليشي عن الأفكار المبتكرة التي تناسب منطقتنا والتي تقترح تطبيقها لتحقيق تلك الأهداف، فأجابت: "تشمل الأفكار التي تناسب منطقتنا الحلول المبتكرة المتمثّلة في اعتماد نهج العلاقة بين الغذاء والماء، إلى جانب الدبلوماسيّة المائيّة وتفهّم الروابط بين الاستقرار والتنمية المستدامة".

المشاريع المستدامة المستقبليّة

بغية تحسين أداء الدول العربيّة في هذا المجال، ينبغي تنفيذ بعض المشاريع المستدامة الجديدة. وقد أطلعتنا رئيسة شبكة شباب المتوسّط من أجل المناخ على أحد المشاريع التي يرغبون في العمل عليها: "نودّ العمل على مشروع إقليميّ قمنا بتطويره بالشراكة مع شبكة Femise الشهيرة وAlta Femina وأطلقنا عليه اسم Med-Dynamics. ويقضي مشروعنا بإنشاء مرصد للمشاريع البيئيّة والاجتماعيّة في منطقة البحر الأبيض المتوسّط ​​يستهدف الشباب والنساء. هذا إلى جانب البحث عن حلول مبتكرة لمواجهة تحدّيات تغيّر المناخ لخلق وظائف جديدة، خصوصاً لأولئك الذين لا يزالون مستبعدين عن سوق العمل، أي الأجيال الشابّة والنساء". لقد تقدّمنا للحصول على تمويل لهذا المشروع في الكثير من المنتديات والبلدان المختلفة في خلال "قمة الشاطئين" في العام 2019 وصنّف الاتحاد من أجل المتوسّط مشروعنا من ​​بين أفضل 3 أفكار إقليميّة في خلال منتدى الحوار الإقليميّ للاتّحاد من أجل المتوسّط. ومع ذلك، ما زلنا نبحث عن التمويل لتنفيذ هذه المبادرة التي نعتقد أنّها ستملك تأثيراً تدريجيّاً ملموساً في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

الصحارى والنظم البيئيّة

بعيداً عن أهداف التنمية المستدامة والخطط العالميّة، عندما نفكّر في مناخنا الإقليميّ وبيئتنا، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا هو الصحارى. وصحيح أنّه يمكن العثور على الصحارى في كلّ قارة، غير أنّ منطقتنا تمتاز بوفرة هذه المساحات. وعلى الرغم من افتقار الصحارى إلى الماء، إلّا أنّها تلعب دوراً مهمّاً في مساعدة الحيوانات والبشر والبيئة. إذاً، ما مدى أهميّتها بالنسبة للنظام البيئيّ وما الدور الذي يمكن أن تضطلع به في البيئة العالميّة؟ توضح الخمليشي أنّ الصحارى موطن لسُدس سكان العالم وتغطّي أكثر من خُمس مساحة اليابسة. وبعيداً عن كونها أراضٍ فارغة، إلّا أنّ معظمها موطن لمجموعة كبيرة من النباتات والحيوانات التي تكيّفت مع موائلها القاسية. وبالإضافة إلى التنوّع البيولوجيّ للأرض، تفيد الكثير من هذه النباتات والحيوانات البشر، أمثال الجمال والتمر الذي يُعدّ مصدراً مهمّاً للغذاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتساعد الحالة الجافّة للصحارى على تعزيز تكوين المعادن الهامّة وتركيزها. وتعتقد هذه المرأة القياديّة أيضاً أنّ البشر جزء من هذا الكوكب إلى جانب جميع النظم البيئيّة الأخرى، وأنّ تفاعلاتنا هي التي تصوغ الحياة. وتضيف: "نحن لا نعتمد على الطبيعة الأمّ من أجل بقائنا فحسب، بل علاوةً على ذلك، فإنّنا على اتّصال قوي مع البيئة المحيطة بنا، وهذا الاتّصال مهمّ جدّاً لرفاهنا". بحيث أنّ البيئة المحيطة بنا لها تأثير مثبت في الرفاهية والإيجابيّة. إذاً، أيّ جزء من نظمنا البيئيّة من شأنه أن يزيد من إيجابيّتنا؟ بالنسبة إلى الخبيرة البيئيّة، تشمل الإجابة جميع أنواع النظم البيئيّة الطبيعيّة من تلك الصحراويّة إلى البحريّة وصولاً إلى الغابات والأراضي الرطبة... فكلّها تشكّل مصدراً هائلاً للطاقة والإيجابيّة وتسهم بصورة أساسيّة في طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرّفنا مع الآخرين.

المرأة وريادة الأعمال البيئيّة

تلعب المرأة دوراً أساسيّاً في جعل التنمية المستدامة حقيقةً واقعة. وكونها من المدافعات عن مشاركة النساء والأجيال الشابّة في ريادة الأعمال في المجالَين الاجتماعيّ والبيئيّ، سألنا الخمليشي كيف تشجّع المرأة على أن تكون أكثر نشاطاً في هذا المجال. وأوضحت لنا أنّ تشجيع المرأة والشباب يتمّ من خلال مجموعة متنوّعة من النشاطات والتدخّلات، بما في ذلك المشاركة في المؤتمرات والمجموعات الرفيعة المستوى والاقتراحات المكتوبة والطاولات المستديرة وغيرها من الوسائل المناسبة لنقل المهارات والبروز على وسائل الإعلام. وتعتقد أيضاً أنّ النساء بشكل عام يعبّرنَ أكثر عن المخاوف البيئيّة، إنّما يمكننا أن نشهد على ظهور سلوكيّات الاستهلاك المفرط في ما بيننا إلى جانب الثقافة المؤيّدة للبيئة في آنٍ معاً.

وتقول لجميع النساء العربيّات: "إن كانت الطاقة ذكر، فإنّ الاستدامة أنثى. معاً، يمكننا أن نجعل الاستهلاك الصديق للبيئة هو القيمة الجديدة في مجتمعاتنا".

"ازرعي مستقبلك"

في حين أنّ دور المرأة لا يقلّ أهميّة عن دور الرجل في تعزيز الممارسات المستدامة، إلّا أنّه يمكنهما غرس مستقبل الأجيال القادمة معاً. وبالنسبة إلى الخمليشي، يُعدّ التشجير وإعادة التحريج طريقة متواضعة للاعتذار عن تأثيراتنا البشريّة في النظم البيئيّة للغابات وطريقة جزئيّة إنّما مهمّة للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ ومقاومة تغيّر المناخ. كذلك، تساعد هذه الممارسات على استعادة التنوّع البيولوجيّ وتمكين المجتمعات السريعة التأثّر من العيش وتطوير حلول قائمة على الطبيعة من شأنها أن تسهم بما يصل إلى ثلث تخفيضات الانبعاثات التي نحتاجه إليها بحلول العام 2030. لذلك، من المؤكّد أنّه لكلّ منّا دور في زراعة المستقبل!

اقرئي أيضاً: الدكتورة ملك النوري: ارتباطنا بالأرض وفهمنا للعالم يعبّران عن نضجنا كبشر

العلامات: هاجر الخمليشي

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث