تحدّي يعيد اكتشاف جوهر البشريّة وقوّتها الحقيقيّة

التصوير: Maximilian Gower

الإدارة الفنيّة: Farah Kreidieh

التنسيق: Sima Maalouf

تحمل سموّ الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي درجة الماجستير في علوم الأنثروبولوجيا الطبيّة من كليّة لندن الجامعيّة، إلاّ أنّها قرّرت عام 2007 تأسيس «مجموعة كلمات». وهي دار النشر الأولى المتخصّصة في إصدار كتب عربيّة أصلية ورصينة للأطفال بهدف إنتاج كتب عصريّة بجودة عالية باللغة العربيّة ذات مضمون راقٍ يستهوي أذواق الجيل الجديد لترسيخ الهويّة العربيّة في عقله وقلبه. وقد اجتازت الشيخة القاسمي دورتين تدريبيّتين في النشر من جامعة كولومبيا وييل وأسّست ورأست سابقاً جمعيّة الناشرين الإماراتيّين، كما شغلت منصب نائب رئيس الاتّحاد الدولي للناشرين. وهي من أكثر الناس قناعةً بأهميّة الكتاب ودور محو الأميّة في تقدّم المجتمعات وازدهارها حضارياً واقتصاديّاً. فترى أنّ الكتب كانت وستظل أداةً مهمّة في تنمية المجتمعات والأفراد. وإذا غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي طريقة التعامل مع المحتوى، فتعتقد أنّه على الناشرين مواكبة ذلك وابتكار طرق جديدة لإنشاء محتوى يستهوي قارئ اليوم. كذلك تشغل الشيخة القاسمي منصب رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق). وقد انصبّ اهتمامها على ركائز عدّة لجذب المستثمرين الدوليّين وتعزيز إقبالهم على الفرص التي تقدّمها الشارقة من التنويع الإقتصادي وتطوير بنية تحتيّة عالمية المستوى والشراكة بين القطاعين العام والخاص ودعم ريادة الأعمال وغيرها. وفيما انقلب العالم رأساً على عقب دون سابق إنذار منذ ثلاثة أشهر تقريباً وطرأت تغيّرات جذريّة طالت كافة نواحي الحياة إثر تفشّي فيروس كورونا، لم تتوانَ سموّ الشيخة لحظة عن المبادرة وإطلاق تحدّي #UbuntuLoveChallengeبالتعاون مع الرائد الفكري مامادو توريه لتحدّي البشرية لإعادة اكتشاف جوهر قوّتها الحقيقية وتنسيق استجابة جماعيّة لهذه الأزمة. في ما يلي نناقش معها ظروف ولادة هذه المبادرة وأهدافها بالإضافة إلى مواضيع أخرى تتعلّق بالأوضاع العالميّة.

لقد مثّلت تبعات الأزمة التي نجمت عن جائحة Covid-19 عبئاً هائلاً وتحدياً كبيراً لكافة القطاعات، بحيث فَقد الكثيرون وظائفهم وألغيت مشاريع عدّة وخيّم الشك على كل شيء. في أيّ مرحلة شعرت أنّ عليك القيام بخطوة ما للمساهمة في تغيير هذا الوضع؟

في الحقيقة كانت مشاهدة نشرات الأخبار تشعرني بالإحباط كل يوم. ولم أكن سعيدةً على الإطلاق وأنا أرى الخوف واليأس ينتشر في جميع أنحاء العالم لأنّ الخوف شعور سلبي يسبب الإحساس بالعجز ويحجب عن المرء رؤية الضوء والأمل الذي يلوح في نهاية النفق. إنه يقمع إبداعك ويقودك إلى اليأس، ولا خير يرجى من الشعور بالخوف على أية حال. ولذلك كنت أعرف في أعماقي أنني بحاجة للقيام بعمل يمنح الناس الأمل والإيجابية والشجاعة ويساعدهم على استعادة إيمانهم بمستقبل أكثر إشراقاً. وقد بدأت بنشر رسائل إيجابيّة على حساباتي الشخصيّة على منصّات التواصل الاجتماعي، وشاركت الكثير من الكتب والقصائد والمواد المحفزة الأخرى. لكنّني كنت أدرك في قرارة نفسي أنّه يمكنني القيام بعمل أكبر وأقوى تأثيراً. وتزامن ذلك مع لقائي مع مامادو توريه، حيث ناقشنا إطلاق تحدّي#UbuntuLoveChallenge .

أظهرت هذه الأزمة مدى الترابط الوثيق الذي يجمع البشرية ويوحّد مصيرها. حيث يبدو العالم كلّه اليوم وكأنّه أسرة عالميّة واحدة يؤثّر ما يحلّ بأيّ من أفرادها عليها جميعاً. هلّا أخبرتنا المزيد عن الاستجابة الجماعيّة التي يسعى التحدّي إلى تحقيقها؟

لم يكن العالم يوماً إلّا كياناً مترابطاً ومتشابكاً، لكنّنا نميل إلى نسيان تلك الحقيقة حين تكون الأمور على ما يرام. هذه الأزمة دعوة لنا جميعاً لليقظة ونبذ خلافاتنا والاهتمام بالقواسم المشتركة ودعم بعضنا البعض. إنّنا نسعى من خلال تحدّي #UbuntuLoveChallenge للتأكيد على تلك الحقيقة. وحتى الآن، لدينا مشاركون من مناطق مختلفة حول العالم ينتمون لخلفيّات ثقافيّة ومهنيّة مختلفة وقد قبلوا جميعاً هذا التّحدي. ورغم تفاوت طبيعة المساهمة التي يقدمّها كل منهم للإنسانية، فهم جميعاً متوحدون في إطار استجابتنا الجماعية لهذه الأزمة وهم يبذلون قصارى جهدهم لجعل حياة الكثير من البشر أكثر سعادة وإيجابية.

ما نوع المشاريع والحلول العالميّة اللامركزية التي سيحتضنها التحدّي مستقبلاً؟

نريد أن نشجع صناع التغيير على استخدام المنصات الرقميّة للتّحدي للمساهمة في معالجة القضايا والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن أزمة فيروس كورونا المستجد. الفكرة هي أن يقوم صناع التغيير والقادة والخبراء حول العالم بمشاركة حلول ومبادرات عملية عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض. على سبيل المثال، أنشأ مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع) صندوقاً تضامنياً بقيمة مليون دولار في إطار هذا التحدي لمساعدة الشركات الناشئة التي ترزح تحت ضغوط وتبعات تفشي الجائحة عبر مساعدات على شكل منح مالية أو تعهدات مشاريع تمكّن الشركات الناشئة من الصمود في وجه الأزمة واجتيازها. وثمّة مثال آخر في دولة الإمارات العربيّة المتحدة أعلن عنه الرئيس التنفيذي لدبي العطاء، الدكتور طارق محمد القرق، من خلال حملة #التعليم_دون_انقطاع، التي أُطلقت بالشراكة بين دبي العطاء ووزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات. تهدف هذه الحملة إلى دعم الأطفال والشباب من العائلات المتعففة التي لا تستطيع شراء حاسوب مكتبي أو محمول أو جهاز لوحي للانضمام إلى أقرانهم في التعلّم عن بُعد خلال بقائهم في منازلهم أثناء فترة الإغلاق. وقد أصبح بمقدور هؤلاء الأطفال الآن مواصلة تعليمهم وهو ما أعتبره أحد أفضل الهدايا وطرق التعبير عن الحبّ التي يمكن أن نقدّمها للطفل في ظل هذه الظروف. وفي الولايات المتحدة الأمريكيّة، ثمّة مثال بارز أطلقه واتس ستيكس، المغني والمنتج الموسيقي الأمريكي الشهير الذي قبل التّحدي وأطلق مبادرة Think Watts HQ، وهو مركز مجتمعي في ولاية كاليفورنيا للمساعدة في تطوير المشروعات الناشئة. ويمكن لأعضاء المجتمع المحلي الاستفادة من المركز في تعلم أساسيات البرمجة والموسيقى وريادة الأعمال والحياكة والكثير من المهارات المهنية والعملية الأخرى لمساعدتهم على تحسين دخلهم. إن توفير الأدوات والتمويل والمعرفة يضع عناصر القوة وروح المبادرة بين أيدي الأشخاص الذين ربما يشعرون أو يعتقدون أنّهم عاجزون.

إذا ألقينا نظرةً على مسيرة سموّك الناجحة، هل يمكن أن تخبرينا عن أبرز العوامل الشخصيّة والخارجيّة التي ساعدتك على الوصول إلى ما أنت عليه اليوم؟

هناك عوامل كثيرة ساهمت ولا تزال تساهم في تشكيل شخصيّتي. فأنا فخورة بهويتي كامرأة عربية مسلمة حيث أتاح لي ارتباطي الوثيق بتلك الهوية استكشاف ثقافات أخرى بثقة وانفتاح. فكل ثقافة لديها ما تقدّمه للآخرين، وقد مكّنتني رغبتي في قبول الآخر والانفتاح الثقافي أن أتعلّم الكثير على يد أشخاص عدّة من شتى المجالات. كما أتاح لي ذلك إظهار ثقافتي ومشاركتها بكل فخر وثقة مع الآخرين. أعتقد أيضاً أنّ القراءة والاطّلاع ساهما في صقل شخصيّتي لأكون ما أنا عليه اليوم. فقد قرأت مجموعة متنوعة من الكتب والمؤلفات التي تتناول مواضيع عدّة وساعدني ذلك على رؤية العالم من زوايا مختلفة. وعلى المستوى الشخصي، فأنا سعيدة وفخورة بأنّني أتعلّم من أطفالي كثيراً. وأنا من أشدّ المعجبين بقصيدة للشاعر جبران خليل جبران تحمل عنوان "الأطفال" يقول فيها: "يمكنك أن تأوي أجسادهم لا أرواحهم فأرواحهم تسكن بيت الغد الذي لا يمكنك زيارته ولا حتّى في أحلامك". إنّني أتطلّع لعيون أطفالي لأستشرف لمحات عن المستقبل، كما أستمع لكلماتهم وحكمتهم الإنسانيّة الخالصة التي تعلّمني أموراً كثيرة عن نفسي وعن الحياة لا يستطيع غيرهم رؤيتها، وأعتبر الإنصات إليهم والتفاعل معهم مفيداً جداً. يجب أن أقول أيضاً أنّني عشت تجارب سعيدة وإيجابيّة للغاية على امتداد مسيرتي ولكنّني مررت كذلك بتجارب صعبة وتحديات كبيرة ولولا دعم أسرتي وأصدقائي وزملائي ما كنت وصلت إلى ما أنا عليه اليوم.

تتمتّع الإمارات العربية المتّحدة بسمعة إقليميّة رائدة في مجال تمكين المرأة ودعمها في مختلف المجالات. ولكن، ما هي برأي سموّك الأدوار التي يجب أن تضطلع بها النساء اليوم لمساعدة مجتمعاتهن في ظل الأزمة الراهنة؟

تتطلّب هذه الأزمة مشاركة الجميع بغض النظر عن اعتبارات الجنس أو الخلفية الاجتماعيّة والاقتصاديّة. ولطالما اضطلعت النساء بدور فعّال في تنمية مجتمعاتهن منذ نشأة الإنسان، ودورهنّ اليوم مهمّ كما كان دوماً. وقد أظهرت هذه الأزمة أنّ السمات النسائيّة القويّة ساعدت حكومات وبلدان عدّة على إدارة أزمة فيروس كورونا بشكل أفضل من الحكومات التي يهيمن عليها الذكور فحسب. فعلى الرغم من عدم وجود بيانات بحثيّة دقيقة حول هذا الموضوع، إلّا أنّ الكثير من وسائل الإعلام الدوليّة أشارت إلى أنّ الدول ذات الحكومات المتنوعة والشاملة تتمتّع بوضع أفضل من غيرها. وأعتقد، الآن أكثر من ذي قبل، أنّ المرأة عليها أن تسعى للعب أدوار قياديّة في جميع جوانب حياتنا لأنّ العالم بحاجة إلى تصوّرات النساء وخصالهنّ الفريدة.

ما هي رؤية سموّك للأحداث التي حصلت في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مؤخراً وما الطريقة المثلى باعتقادك لمكافحة العنصريّة في عالمنا اليوم؟

من المحزن أن نرى الكثير من البشر لا يزالون منقسمين حول مفهوم العرق. وبصفتنا أسرة إنسانيّة واحدة، يجب أن نغيّر أسلوب تفكيرنا ونتعلّم من الدروس التي قدّمتها هذه الجائحة التي نعايشها اليوم. فنحن مترابطون ومعتمدون على بعضنا البعض، ولا أفضليّة لشخص على الآخر. إننا جميعاً أفراد عائلة واحدة ومتّحدون في إنسانيّتنا. محاربة العنصريّة في رأيي تبدأ بالاعتراف بوجود مشكلة عرقية علينا تناولها بصراحة ووضع السياسات والأنظمة والقوانين اللازمة لضمان معاملة الجميع على قدم المساواة. لكنّني أعتقد أن تناول تلك القضيّة والحديث عنها لن يكون الحلّ الوحيد، بل نحن بحاجة إلى تغيير في العقليّات وأسلوب جديد في التفكير. ولهذا السبب أقترح بشدّة أن نبدأ بالأطفال عبر تطوير مفهوم جديد وقصص جديدة تبدّد أساطير العرق والهوية وغيرها من عوامل الاختلاف. وحين نبدأ بكتب الأطفال والمواد التعليميّة الموجّهة لهم، سنضمن أنّهم سيكونون في المستقبل منفتحين ومتسامحين ويحتضنون البشر كلّهم لإنسانيّتهم فحسب وليس لأيّ اعتبار آخر.

لطالما كان مامادو كويدجيم توريه مهتماً بخدمة المجتمع فآمن دوماً بضرورة خلق فرص متساوية للجميع. فهو نشأ في عائلة إفريقيّة ذات تاريخ عريق في مجال الخدمة العامّة والعمل لتحقيق مصالح مجتمعها، حيث تسري المثل العليا للعدالة الاجتماعيّة والاستقلال وخدمة المجتمع في عروقه. ويشكّل هذا الإرث العائلي منارة يسترشد بها في قراراته وخياراته. وقد سافر في طفولته إلى فرنسا للانضمام إلى والديَه اللذين هاجرا إلى هناك، وفور وصوله لاحظ فجوة تنمويّة شاسعة تفصل بين فرنسا الكثير من البلدان الإفريقية. فأخبر والدته حينها أنّه يحلم بيوم يعود فيه لإفريقيا ليساهم في شدّ هذه الفجوة ويساعد قارته لتلحق بركب التنمية. وقد أسّس في سن التاسعة عشرة أوّل منظمة غير حكوميّة وغير ربحيةّ تستهدف توثيق الروابط بين الطلبة الأفارقة الشباب بالمدارس والجامعات الأوروبية المرموقة وتوحيد جهودهم لإطلاق مبادرات قادرة على دفع عجلة النمو المستدام في إفريقيا. وفيما بعد أسّس وترأس مجلس إدارة مؤسسة Africa 2.0 Foundation، وهي مجموعة معنية بإطلاق مبادرات عدّة تجمع القيادات الناشئة التي تمثل شعوب الدول الإفريقية وأفارقة المهجر وتتشاطر رؤية مشتركة لمستقبل القارّة. ومن أعظم إنجازات هذه المؤسسة رؤية رؤساء دول الاتّحاد الأفريقي وهم يجمعون أصوات 54 دولة للمصادقة على جدول أعمال الاتّحاد الأفريقي لعام 2063 الذي يضع رؤية طموحة للقارة الأفريقية للعقود الخمسة القادمة مستوحاة إلى حد كبير من البيان الرسمي للمؤسسة الذي تمّ إعداده قبل 3 سنوات من قبل أعضائها. وفيما كان في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر مارس الفائت، أُغلقت المطارات وعُلّقت جميع رحلات الطيران التجارية بسبب أزمة تفشي فيروس كورونا قبل عودته إلى عائلته في ساحل العاج. لكنّه قرّر التكيّف مع هذا الظرف والاستفادة من وقته في إنجاز عمل مفيد، فتواصل مع الشيخة بدور القاسمي، التي كان قد تعرّف إليها ضمن برنامج القادة العالميّين الشباب التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي. وسرعان ما تحوّل نقاشهما حول كيفيّة مساهمتهما في خدمة مجتمعهما والعالم ككل خلال هذه الفترة العصيبة إلى جلسة عصف ذهني طرَح خلالها مفهوم Ubuntu. فبدأت قصّة تطبيق هذا المفهوم على الأزمة الحاليّة. في ما يلي يطلعنا توريه على المزيد من التفاصيل المتعلّقة بهذا التّحدي كما نناقش معه مواضيع أخرى ذات صلة.

قابلت سموّ الشيخة بدور في دافوس قبل عملكما معاً ضمن هذه المبادرة، فلمَ اخترت التواصل معها تحديداً لتطوير هذه الفكرة؟ وهلّا تخبرنا بالمزيد عن مرحلة التحضير التي سبقت إطلاق هذا التّحدي؟

عندما قابلت الشيخة بدور في دافوس، أعجبت باعتزازها الشديد وتمسّكها العميق بثقافتها العريقة، وبكل ما تفعله لتمكين الأطفال والشباب والنساء من خلال الكتب والثقافة والنشر. فجهودها في الإمارات العربيّة المتّحدة والمنطقة ينسجم من حيث المبدأ والقيم مع جهودي في إفريقيا. وعندما التقينا في المنتدى الإقتصادي العالمي في يناير الماضي، تناقشنا حول العمل المذهل الذي تقوم به على صعيد دعم قطاع النشر في إفريقيا وتعزيزه بعد توليها منصب نائب رئيس الاتّحاد الدولي للناشرين. إذ أعادت الندوات الإقليمية التي نظّمها الاتّحاد في إفريقيا تنشيط قطاع النشر في القارّة، وهو أمر مهمّ للغاية لدعم نموّها الثقافي والاقتصادي. اتفقنا على مواصلة نقاشاتنا حول هذا الموضوع حين نلتقي مجدداً لاستكشاف مختلف السبل التي يمكننا من خلالها التعاون بشأن هذا الموضوع. وعندما وصلت إلى الإمارات في شهر مارس، لم نكن نعتزم ترتيب أي لقاء مشترك نظراً لوجود ارتباطات سابقة لكلينا، لكن القدر ساقنا إلى الاجتماع بعد إغلاق المطارات.

لم يبقَ في عالم اليوم شيء على حاله باستثناء الثقافات والقيم الإنسانية. فما هي السمات المشتركة بين الثقافة الإفريقية والتراث الخليجي التي حوّلت هذا التّحدي من فكرة إلى حقيقة؟

هناك الكثير من أوجه التشابه بين الثقافتين الإفريقيّة والخليجيّة العربية، لعلّ أهمّها هو شعورنا بالانتماء للمجتمع. فالمجتمعات الإفريقيّة والخليجيّة كانت، ولا تزال إلى حدّ ما، متمحورة حول مفهوم القبيلة، التي يُربّى جميع أفرادها منذ الصغر على ضرورة رعاية مصالح قبيلتهم ومجتمعهم وعائلاتهم. ولهذا التقليد الراسخ شواهد لا تخطئها عين في اللغة العربية. على سبيل المثال، فكلمة «مرحباً» مشتقة من أصل سرياني، وقد استخدمها الأوائل للترحيب الحارّ بالآخرين. وهذه الكلمة مركبةٌ من مقطعين "مَر" وتعني السيّد أو الله و"حَبَا" وهي مشتقة من كلمة "حبّ". ومن ثمّ يكون المعنى الأصلي للكلمة بالسريانية "الله محبّة". وهذا يعني أنّ المرء يرى محبة الله في قلوب الآخرين كما يراها في قلبه. وهذه الكلمة مرادفة إلى حدّ ما للمصطلح الغربي المعروف باسم "Namaste". وفي الثقافة الأفريقية، ترمز كلمة "أوبونتو" لمفهوم ثقافي متجذّر وتعبّر عن المحبة والترحيب بدرجة تقارب مضمون التحية العربية "مرحباً" والغربية "Namaste". فأوبونتو فلسفة أفريقيّة تعني "أنا موجود بفضل الآخرين"، وهي كلمة تعكس اهتمام الثقافة الأفريقية بتنمية شعور الانتماء للمجتمع لأنّه يضمن نشر السلام وتحقيق الازدهار للجميع. وحين يعبّر شخص ما عن امتنانه لك بالعربيّة قائلاً "شكراً"، فإنّك ترد عليه وتقول "أهلاً وسهلاً"، وهي عبارة تستثير التأمل لأنهّا تعني وجدت أهلاً، يعتبرونك جزءاً من عائلتهم، ووطئتَ سهلاً، فأبشّر بقضاء حاجتك. وتنبع هذه المعاني العظيمة من الكرم والجود الذين يشكلان أحد دعائم الشخصيّة العربية.

كيف يمكن برأيك لمنصّة #UbuntuLoveChallenge أن تساعد البشر على نبذ الخوف والفوضى وتحويل طاقة الألم التي يواجهونها إلى مبادرات قويّة تنشر الحبّ والسلام؟

في أعماق كلّ فرد منّا رغبة مستمرة في التطوّر والارتقاء، وهذه غريزة إنسانيّة تدفع البشر نحو السعي الدائم إلى التقدّم والتميّز. وفي ظلّ تفاقم أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وجد الجميع أنفسهم في مواجهة مستقبل ضبابي. فغياب اليقين يولد الخوف واليأس، وهما شعوران مدمّران يحجبان رؤيتنا ويحدّان من خياراتنا. لذلك، نسعى من خلال التّحدي هذا إلى إلهام الجميع بقصص الأمل والمشاريع والحلول الإبداعية التي لا يحرّكها سوى الحبّ الإنساني الخالص. نريد أن نُفشي روح المحبة وننشر السلام حتى تطغى هذه القيم النبيلة على مشاعر الخوف التي يسبّبها الوباء. فحين يضع البشر الحبّ نصب أعينهم، لن يكون أمامهم إلّا المضي قدماً واتّخاذ خيارات إيجابيّة تحول طاقتهم إلى أفعال تفيدهم وتسعد من حولهم.

هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن الخطوات التي أدّت إلى هذا التّحدي وكيف تمّ التخطيط لها بطريقة تضمن تحقيق الهدف المنشود؟

كانت خطوتنا الأولى هي إلهام الآخرين حول العالم وتحدّي صناع التغيير لإحداث فرق ملموس في مجتمعاتهم خلال هذه الأوقات الصعبة. ولن يحدث التغيير ما لم يضطلع الجميع بمسؤولياتهم. وبمجرد أن يتحقق هذا الهدف، سننتقل تلقائياً إلى الخطوة الثانية والثالثة وهي تمكين الناس من رعاية أنفسهم والآخرين للخروج من هذا التّحدي أقوى من ذي قبل. ولتحقيق هدفنا ومساعدة القادة والشخصيات المؤثرة وصنّاع التغيير على تحديد المجالات التي تحتاج مساهماتهم، وضعنا مسارين أساسيّين لهذا التّحدي. الأوّل هو مسار ريادة الأعمال، برنامج (UCAN). وقد اخترناه تحديداً لأنّنا نؤمن بقوّة ريادة الأعمال ودورها في تغيير العالم نحو الأفضل. ولإتاحة المجال أمام روّاد الأعمال لتغيير العالم عبر تطوير خدمات ومنتجات وحلول من شأنها تحسين حياة الناس وتلبية احتياجاتهم، فإنّنا سنقدّمهم إلى مجموعة كبيرة من المستثمرين والموجّهين لمساعدتهم على تأسيس مشاريع ذات جدوى. ويمثّل هذا المسار أحد مبادرات #UbuntuLoveChallenge ويحظى بدعم ورعاية Ubuntu Tribe ومركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع)، فتمكين روّاد الأعمال يعني تمكين مجتمعات بأكملها. أمّا المسار الثاني فهو مسار الإنسانيّة، وقد فعلّناه من خلال تدشين مهرجان Ubuntu Love Festival في 20 يونيو 2020. وتتمثل رسالة المهرجان في تمكين البشر من خلال تحدي أسلوب تفكيرهم الحالي في خضمّ هذه الأزمة وتوسيع مداركهم ورفع طاقتهم لإفساح المجال أمام ولادة نموذج جديد. وهدفنا من هذا المهرجان هو إلهام المشاركين وإثارة حماسهم وتعزيز وعيهم.

ما الرسالة التي تودّ توجيهها إلى كافة الأشخاص حول العالم بشأن رؤية "New Earth" أو الأرض الجديدة؟

هناك أسطورة متداولة بين جميع الحضارات ترى أنّ الأرض شهدت عصراً ذهبياً قبل آلاف السنين تمتّع فيه الجميع بالسلام والرخاء والوفرة. وبحسب الأسطورة، كانت المعرفة العالميّة في ذلك الوقت مبذولةً للجميع وكانت هناك قبيلة تسمّى قبيلة الفرد الواحد The Tribe of One منتشرة في جميع أنحاء الكون ويعمل أفرادها جميعاً خطباء ومحاربين وحراساً للمعرفة الإنسانيّة الجامعة ولحماية تلك الحقبة الذهبية. لم تخسر تلك القبيلة حرباً قطّ، حتى وقع شيء ما على الأرض زعزع وحدة القبيلة التي كانت مستهدفةً من قوى أخرى حرصت على تدميرها واستبدالها. وقد أدّى ذلك إلى اهتزازات فتحت الباب أمام طاقات سلبيّة شريرة غزت الكوكب وبدأت في إثارة الكوارث والحروب ونشر الغيرة والكراهيّة ممّا دفع الناس لمحاربة بعضهم البعض وتدمير أنفسهم. لم تخض القبيلة هذه الحرب كما ينبغي وخسرت في النهاية، فدمّر أفرادها بعضهم بعضاً وتفرّقوا في أرجاء الأرض وهلك الكثير منهم وجاء بعد ذلك عصر ظلامي سادت فيه المشاعر الدنيئة والحروب والحرائق والأمراض. ولكن الأسطورة تبشّر بأنّ أحفاد هذه القبيلة وأرواح أبنائها الذين رحلوا عن عالمنا سيجتمعون معاً ذات يوم على الأرض لتدشين عصر ذهبي آخر، إيذاناً بميلاد جديد للأرض. ويبدو أنّ الوقت قد حان ليجتمع أفراد تلك القبيلة الإنسانيّة الواحدة ويوحّدوا شملهم ليبدأ هذا العصر الذهبي الجديد، من جديد، ونعيش مرة أخرى تلك الحقبة من الرخاء والوفرة والتنوير والمعرفة والحريّة للجميع. في النهاية، أرى أن علينا جميعاً فهم هذه الأسطورة لندرك أنّه لا يمكننا تحقيق الازدهار من دون التوحّد من جديد والقيام بمسؤوليّاتنا في مشاركة الحبّ والوفرة والسلام مع بعضنا البعض.

اقرئي أيضاً: Sheikha Jawaher Al Khalifa: ستختلف استراتيجيّاتنا بعد هذه الجائحة،  لكنّ شيئاً لن يعيقنا من التقدّم

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث