المرأة الإماراتيّة وتاريخها الأصيل مع العباية

الإعداد: Yara Ghauch

في الماضي، لم ينظر العالم إلى السيّدة العربيّة والإماراتيّة بنظرة تفيها حقّها، وذلك لأنّ الثقافة الغربيّة لم تكن على اطّلاع ومعرفة بذوق النساء في المنطقة العربيّة وأناقتهنّ الفائقة. واستناداً إلى هذا الحُكم الخاطئ، صوّر العالم النساء الإماراتيّات على أنهنّ يرتدين عباية سوداء من الرأس إلى أخمص القدمين، مع الكحل الكثيف على أعينهنّ، والحناء على أيديهنّ، وعبق العود يفوح منهنّ. غير أنّ المرأة الإماراتيةّ نجحت في تحدّي الصور النمطيّة وتغيير وجهة نظر المجتمع المحليّ والخارجي تجاه ملابسها، حتّى أنّها أثّرت في نساء العالم كلّه انطلاقاً من ذوقها بالأزياء.

لكن أوّلاً، لنستعِد أصول العباية وكيف بدأت الحكاية كلّها منذ آلاف السنين. فالواقع أنّ الأصول الحقيقيّة للعباية غامضة حتّى يومنا هذا. ومع ذلك، تؤكّد الكثير من المصادر أنّه تمّ تقديمها منذ 4000 عام عبر بلاد ما بين النهرين والحضارات القديمة التي ارتدت عبايات سوداء طويلة. ومن هناك، تابع البدو العمليّة وبدأوا في جلبها إلى المدن وتقديمها إلى المجتمع الراقي. ومن ناحية أخرى، ثمّة أسطورة سعوديّة تحكي أنّ تاجر معاطف فضفاضة من العراق ذهب إلى المدينة المنوّرة في القرن الثامن مع مجموعة من المعاطف الفضفاضة وأوشحة الرأس. وعندما باع كلّ القطع الملوّنة، بقي معه اللون غير المرغوب فيه: الأسود. بعد ذلك، ذهب التاجر إلى صديقه ليشتكي من بؤسه، وقرّر صديقه أن يكتب قصيدة عن امرأة غامضة ترتدي ملابس سوداء بالكامل وتبدو جميلة. ثمّ بدأت الثرثرة والنميمة تنتشر في جميع أنحاء المدينة، وتوجّهت النساء إلى التاجر واشترين كلّ تصاميمه السوداء، ممّا جعله ثريّاً وسعيداً بينما شعرن هنّ بالثراء والتمكين.

إنّما بغض النظر عن القصّة الحقيقيّة أو الرواية التي تريدين تصديقها، ثمّة بعض الحقائق حول العباية لا يمكننا تجنّب ذكرها لك لتحكمي على الأمر بصورة أوضح! في عصر ما قبل النفط، عرفنا العباية البدويّة ذات الشكل المستطيل مع ياقة عريضة ذهبيّة اللون. واقتصرت هذه العبايات على نساء المجتمع الراقي أمثال زوجات الشيوخ والتجار. حتّى أنّها كشفت عن هويّة ودور تلك النساء في المجتمع وتميّزهنّ عن الخادمات أو النساء غير الصالحات. إنّما فضلاً عن ذلك، نظراً إلى حبّ النساء للمجوهرات وفي ظلّ غياب المصارف في ذلك الوقت، اعتدنَ ارتداء كلّ ما لديهن من ذهب وإكسسوارات باهظة الثمن على أنفسهنّ أو في خياطة عباياتهنّ. وأظهر ذلك عن الأسرة التي ولدن فيها أو مدى ثروتهنّ. وبالنسبة إلى عامّة الناس، قضت التقاليد في ارتداء الشيلة فحسب وهي شكل من أشكال الحجاب الذي يغطي الشعر. أمّا النقاب على سبيل المثال، فهو نوع آخر من الحجاب يغطي الوجه ويترك فتحة للعيون. وقد صُنع النقاب في الأصل لحماية المرأة من العواصف الرمليّة في الصحراء، حيث أنّه يغطي الوجه والعينين والأنف، ويمنع تطاير الرمل أو ابتلاعه. ولكن في وقت لاحق، قرّرت بعض النساء الاحتفاظ بهذا الثوب كدليل على ثقافتهنّ وأصولهنّ. ثمّ نصل إلى النوع الثالث من الحجاب وهو البرقع الذي يغطّي الوجه بالكامل ويوصف بأنّه يحمي نقاط الاحتراق العالية من الوجه، المتمثّلة في الوجنتين والأنف والجبهة. إنّما بغض النظر عن الحجاب أو العباية التي ترتديها المرأة الإماراتيّة، لا شكّ في أنّها لطالما كانت وسيلة لها لتمثيل تاريخها وثقافتها والحرص على جعل هذا التراث يسود حتّى آخر الزمان.

منذ ذلك الحين، تمّ تبنّي أنواع مختلفة من العبايات والحجاب وتطويرها على مرّ السنين، غير أنّ جوهرها الحقيقي ظلّ نفسه.

ويبقى التغيير الأكبر الذي واجهته المرأة في الإمارات هو ذاك الذي حصل في الثمانينات. إذ شكّل اكتشاف النفط في الإمارات العربيّة المتحدة خطوة بارزة أدّت إلى فتح فرص العمل في البلاد كلّها. ومع الرغبة في ملء تلك الوظائف الشاغرة، بدأت المرأة الإماراتيّة في العمل والقيادة، واحتاجت إلى ملابس تتناسب مع أسلوب حياتها الجديد ذاك ومع حياتها اليوميّة النشطة. فلم تعد العباية تقتصر على عباية الرأس كما كانوا يسمونها، لا بل تم تقديم عباية الكتف من المملكة العربيّة السعوديّة. وهي تتألف من عباية سوداء طويلة أساسيّة تغطي الجسم كلّه، مع شيلة سوداء أضيق للرأس. كذلك، فإنّ عباية الكتف التي تعتبر "عباية عصريّة" كانت أخف من عباية الرأس وإنّما أيضاً عمليّة جداً، وسمحت للمرأة بأن تكون أكثر حريّة في حركتها. وبذلك لم تعد مقيّدة بعباية الرأس الثقيلة، بل أصبحت حرّة في جميع حركاتها، من الالتفاف إلى الوراء إلى الدخول والخروج من السيارة.

مذّاك، اتّخذت التجارب التي أجريت على العبايات منحى جديداً تماماً مع أنواع مختلفة من الأقمشة، وتمّ تقديم مستويات مبتكرة من الأنسجة الشفّافة وأعمال التطريز والزينة والقصّات المتنوّعة. من الألوان والمطبوعات إلى الأحجار والدانتيل، بدا كلّ شيء جيّداً لاختبار أمور جديدة في ما يتعلّق بالشيلة والعبايات. كذلك، أصبحت قَصّة الفراشة شائعة بين النساء اللواتي يرغبن في ارتداء ملابس أكثر عصريّة في الأماكن العامّة. هذا وبدأت العبايات الملوّنة في الظهور وأرادت النساء اتّباع هذه الصيحة أكثر من أيّ وقت مضى! واستجابةً لهذا الطلب، بدأ المصمّمون في جميع أنحاء العالم في ابتكار عبايات جديدة، لا سيّما الإماراتيّين منهم الذين يعرفون المرأة الإماراتيّة أكثر من أيّ شخص آخر. وهنا نذكر Lamya Abedin التي تعدّ واحدة من هؤلاء المصمّمين البارعين، وهدفت إلى أن تجعل العباية قطعة لا غنى عنها في خزانة كلّ امرأة. وبالفعل، تمكّنت من خلال علامتها التجاريّة Queen of Spade من دمج الطراز الأوروبي والإفريقي والعربي في عباية واحدة. وثمّة أيضاً Manaal Al Hammadi، وهي مصمّمة أزياء إماراتية بدأت في ابتكار عباياتها الخاصة في سنّ الرابعة عشرة، وذلك لأنّها أرادت أن تعكس ملابسها شخصيّتها ومدينة دبي التي عاشت فيها. حتّى أنّها الآن جزء من منصّة "Not Just a Label" حيث تستعرض عبايتها سهلة الاستخدام التي تتميّز بمظهرها البسيط والطليعيّ. وفي الوقت الحاضر، يعيد مصمّمو الأزياء النظر في العباية وطريقة لفّها بغية جعلها أكثر حداثة وجاذبيّة لجميع النساء. ومن علامة Fatma Al Taher تحت اسم Nafs Designs، إلى علامة Noor The Label، جميعها تريد منح المرأة الإماراتيّة مظهراً حديثاً وتكيّيف أسلوبها مع العصر الجديد.

هذا الثوب التقليدي الذي ارتدته النساء لا يهدف إلى تغطية أجسادهنّ بالكامل من المجتمع فحسب، بل أصبح شكلاً من أشكال الفرادة وساعدهنّ على تمييز أنفسهنّ عن بقية العالم ممّا أظهرنّ بإطلالة لا مثيل لها. وهكذا أصبحت العباية التي اعتبرت رمزاً للثقافة والتراث على مرّ السنين، قطعة أزياء ملفتة ترتديها كلّ امرأة في العالم مرّة واحدة على الأقلّ. واليوم، بفضل جهود المرأة الإماراتيّة وقوّتها، بات الجميع يتأقلمون مع النساء المحجبات، وينظرون إليهنّ على أنهنّ متساويات و"عاديات" تماماً مثل أيّ امرأة أخرى. وانطلاقاً من المصمّمين الإماراتيّين وصولاً إلى Nike وDolce & Gabbana، بات الجميع يقدّم مجموعة واسعة لجميع النساء اللواتي يرغبن في امتلاك عباية عصريّة. وعندما تمشي امرأة إماراتيّة خارج منزلها مرتدية عبايتها، فتلك طريقتها في الإعلان عن ثقافتها وتفانيها وإبقاء تراثها حيّاً! وهذا أمر فريد ونادر في الوقت الحاضر، وعلى الناس أن يستلهموا منهت لأنّها جبّارة ويحذوا حذوها ويعطوا بدورهم قيمة وأهميّة أكبر لتراثهم الخاصّ. 

اقرئي أيضاً: إطلالاتٌ أصيلة وعريقة لتعتمديها في اليوم الوطنيّ الإماراتيّ

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث