Sarah Beydoun: إمّا أن نغرق في الكآبة واليأس إمّا أن ننهض منه ونقاتل ونستعيد بلادنا

ومن منطقة مار مخايل ننتقل إلى وسط مدينة بيروت وتحديداً التباريس حيث مشغل وصالة عرض Sarah’s Bag الذي يحوي تصاميم المصمّمة سارة بيضون المحليّة العالميّة... حقائب يد فاخرة مصنوعة يدوياً تمكّن النساء اللواتي يصنعنَها واللواتي يرتدينَها على حدّ سواء. لم يسلم المكان من الدمار إلاّ أنّ طاقم العمل نجى بفضل مغادرته المكان قبل الإنفجار بوقت قليل. في ما يلي تشاركنا المصمّمة خبرتها عن هذا اليوم المشؤوم وكيفيّة تعاملها مع أحداثه الأليمة.

"لا يسعني القول إلّا أنّنا نجونا من الكارثة بسبب التوقيت. إذ كنّا قد غادرنا المكاتب في الساعة 5:30 مساءً، أيّ قبل نصف ساعة من الإنفجار"، تستهلّ بيضون حديثها معنا بهذه العبارة. هي التي نشأت في خلال الحرب الأهليّة وعانت الأمرّين من هول تلك الحرب والأزمات التي تلتها. وتقول: "بدءاً بهذه الحرب ووصولاً إلى القصف المستمرّ الذي جعلنا نختبئ في الحمّامات أو نهرع إلى الملاجئ، ودائماً ما اضّطررنا إلى الاتّصال بالعائلة والأصدقاء للإطمئنان على سلامتهم، ثمّ مشاهدة فظائع اليوم تتكرّر في الأخبار ليلاً."

في الساعة 6:07 مساءً عندما وقع الانفجار، كانت بيضون في منطقة التباريس في أحد صالونات الأظافر على بُعد كيلومترين فقط من الانفجار. وتخبرنا: "ردّ فعلي كان سريعاً، بحيث أمسكت بصديقة كانت تجلس بجواري وسحبتها إلى الممرّ حيث لم يكن ثمّة زجاج، وعندما حصل الإنفجارالثاني بدأت أصلّي بصوت عالٍ." عاشوا لحظات من الرعب المطلق فيما لم يملكوا أدنى فكرة عمّا يحدث وما إذا كانت "القنابل" ستستمرّ في السقوط، حيث اعتقدت بيضون أنّهم يتعرّضون للهجوم. وتؤكّد: "عاودتني كلّ الصلوات التي كنت أتلوها عندما كنت طفلة أثناء الحرب. وحاولت طمأنة مَن حولي لأنّهم كانوا يصرخون مذعورين، بالرغم من أنّ الرعب اعتراني أيضاً." وعندما قيل لها أنّها "قنبلة" في وسط بيروت، شعرت بالذعرلبضع دقائق لأنّ منزلها وأطفالها هناك.

وتخبرنا: "الوقت الذي استغرقني للوصول إلى جميع أفراد عائلتي وأصدقائي والتأكّد من أنّهم جميعاً بأمان بدا وكأنّه دهر..." وتجدر الإشارة إلى أنّ مديرة المبيعات الخاصّة بصالة العرض أصيبت لوجودها في المشغل في تلك اللحظات. عدا عن ذلك اقتصر الضرر على الماديّات فحسب. حيث تدمّرت الصالة والمشغل أيضاً؛ وتطايرت إطارات النوافذ والأبواب والواجهات وتحطّمت بالكامل بسبب قوّة الانفجار. وتؤكّد بيضون: "كان علينا المرور بين الحطام لإنقاذ ما في وسعنا إنقاذه."

أحد أكبر الإنفجارات في التاريخ

وتضيف: "باختصار، كان الأمر أشبه بعيش كابوس. وفي الأيّام القليلة الماضية، بدأ الرعب الكامل لما عشناه يظهر عليّ. حيث أنّ هذا أحد أكبر الإنفجارات في التاريخ، لذا كان من الصعب عليّ استيعاب حجم العنف والدمار الذي أُلحق بنا. لقد نشأنا في الحرب وتعهّدت بألّا أعيش تلك الأيّام مرّة أخرى. ومع ذلك، في لحظة واحدة عشنا تلك الصدمة من جديد." وفيما اقتصرالضررعلى الماديّات، تشير المصمّمة إلى أنّه من المؤلم والمحبط جداً أن ترى كلّ ما عملت لأجله طوال هذه السنوات مدمراً ومحطماً في غضون دقائق. فضلاً عن رؤية أصدقائها مصابين وسماع ما عانوه في المستشفيات المزدحمة والفوضويّة التي تعرّضت هي نفسها للدمار وعالجت ضحايا الانفجار في مواقف السيارات وعلى الأرصفة. إذ فاق كلّ ذلك قدرتها على التحمّل.

وتقول: "إنّني في حالة صدمة شديدة، بحيث أستيقظ كلّ يوم وأنا أشعر بتوتّر في معدتي. كذلك أبكي كثيراً وأعجز عن النوم، أفكاري مشتّتة ولا أستطيع التفكير بوضوح. بصراحة، لقد حطّمني هذا الانفجار وألَم المدينة يثقل كاهلي، بحيث لست قادرة على النهوض والمضي قدماً. لا ليس هذه المرّة."

ثمّة حدّ لمقدار الشخص على التحمّل

وفيما يتكلّم العالم بأسره عن صمود اللبنانيّين، سألنا بيضون كيف تحافظ على صمودها وإيمانها في بلدها في ظلّ كلّ ما يحصل. فأجابت: " تسبّبت الأزمة الاقتصاديّة التي أدّت إلى ثورة أكتوبر ضدّ النظام السياسيّ الذي نعيش فيه إلى توقّف عملنا لأشهر عدّة. وبالتالي، أدّى التضخّم المفرط الناتج عن ذلك إلى خسارة الليرة اللبنانية 85٪ من قيمتها في أقلّ من عام وأثّر ذلك بشدّة على أعمالنا. بالإضافة إلى ذلك، عشنا أزمة مصرفيّة حالت دون وصولنا إلى أموالنا، فضلاً عن وباء كورونا بالطبع. إذاً كاد الإغلاق الناجم عن الفيروس أن يقضي على ما تبقى من عملنا أيضاً. مررنا بالفعل بعام مهلك حيث ازدادت الأمور سوءاً ووجدنا أنفسنا في أزمة حقيقيّة قبل هذا الانفجار بوقت طويل." وتتابع: "ولكن ثمّة حدّ لمقدار الشخص على التحمّل، وفي هذه المرحلة، أؤمن بشدّة أنّه لا ينبغي علينا نحن كلبنانيّين أن نتحلّى بالمرونة ونلملم الجراح ونعيد البناء. لا بل علينا أن نكون غاضبين من النظام الذي نعيش في ظلّه ويجدر بنا تغييره. وإلّا، فليس أمامنا إلّا أن نغادر ونبدأ من جديد حيث لن نتعرض للصدمات النفسيّة وحيث لن يتدمّر جنى عمرنا أمام أعيننا."

أمّا عن كيفيّة مساعدة القرّاء الشركات الصغيرة للإزدهارمجدّداً، فتقول بيضون: "نحن بحاجة إلى كلّ الدعم الممكن، وبحاجة إلى أن يلقي العالم بأسره الضوء على لبنان." وتشير إلى أنّ الأحياء الأكثر تضرّراً تضمّ ورش عمل جميع المبدعين والفنّانين ورجال الأعمال والمصمّمين في لبنان. وتحتضن بعضاً من أفضل المقاهي والمطاعم والشركات الصغيرة في البلاد. واليوم، تضرّرت تلك الشوارع بشدّة جرّاء الإنفجار، بحيث تحطّمت صالات عرض أفضل المصمّمين اللبنانيين وورش عملهم وتذكر منهم زهيرمراد وربيع كيروز وإيلي صعب. وتختم: "الواقع أنّني أشعر بأنّنا في نقطة تحوّل. فإمّا أن نغرق في الكآبة واليأس من حجم الضرر والعنف الذي لحق بنا، إمّا أن ننهض منه ونقاتل ونستعيد بلادنا. وهذا يعتمد على مساعدة أصدقائنا من جميع أنحاء العالم. لذا حان الوقت ليظهروا حبّهم للبنان وما نعنيه لهم وأن يدعموا شعبه ومواهبه."

اقرئي أيضاً: Tania Fares: ها قد وحّد أعضاء المجتمع المدني اللبنانيّ قواهم بالفعل لإعادة بناء عاصمتهم

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث