Photo: Abu Dhabi Cultural Foundation
الإعداد: Joe Challita
تشهد أبوظبي نهضة في مجال الفنون والحِرف التقليدية التي تستند إلى نهج مستدام متجذّر في الطبيعة. وتبرز في الطليعة مبادرة حِرف أبوظبي, التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة بهدف الحفاظ على تراث الحرفيّات الإماراتيّات وتعزيزه من خلال منتجات معاصرة مصنوعة يدوياً من مواد طبيعية, باستخدام تقنيّات تقليدية وأساليب تناقلتها النساء عبر الأجيال. وقد اكتسبت العديد من الحِرف اليدوية في أبوظبي، مثل السدو والتلي والخوص، شهرة عالمية وأدرجت أيضاً في قوائم اليونسكو للتراث الثقافي غير الماديّ، ممّا يثبت قيمة التقاليد الحرفية في المنطقة.
Photo: Abu Dhabi Cultuural Foundation
بالرغم من ظروف الصحراء القاسية والحياة المحدودة فيها، فإنها تقدّم سماتها الفريدة وكنوزها الطبيعية للإنسان، ممّا يؤكّد على وجود علاقة تكافلية بين البيئة والبشر. وتستمدّ الثقافة البدوية الأصلية في دولة الإمارات العربية المتحدة الإلهام من بيئة الصحراء هذه وظروفها المناخية، بحيث توفّر الطبيعة الموارد للإنسان ليستخدمها بإبداع وبأشكال مختلفة لإثراء حياته. وبالمقابل، يساهم البشر في حماية الطبيعة من خلال الممارسات المستدامة، ممّا يضمن الحفاظ على هذه الكنوز الطبيعية للأجيال القادمة.
ولطالما كانت أبوظبي رائدة في الحفاظ على المساعي الثقافية والفنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتعزيزها. وهناك الكثير من المؤسّسات والمنصّات لدعم الفنّانين والحرفيّين في إبراز الممارسات الثقافية الوطنية الفريدة. إحدى هذه المؤسسات هي دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي التي تهدف إلى "دفع النمو المستدام لقطاعي الثقافة والسياحة في أبوظبي من خلال إنشاء بيئة متنوّعة تحمي وتعزّز وتجسّد تراث الإمارة وروح الابتكار وكرم الضيافة الإماراتية الفريدة". وتقدّر الدائرة الحِرف اليدوية بمختلف أشكالها لأهميتها في الحفاظ على السرد الإماراتي واستمراريته، لذا تطلق برامج خاصة مثل متجر حِرف أبوظبي بالتعاون مع سجل أبوظبي للحرفيّين، سعياً إلى تطوير وحماية وحفظ وتعزيز الحرفيّات المحليّات ممّا يمكّنهنّ من إنتاج أعمال جديدة تجسّد تراث الأمة بطريقة جديدة وفريدة من نوعها من خلال استخدام التقنيات التقليدية التي تتوارثها الأجيال. حِرف أبوظبي هو متجر يعرض مجموعة واسعة من المنتجات عبر فئات مختلفة مثل الأزياء والإكسسوارات والأدوات المنزلية والمواد الخام والقرطاسية والسفر والهدايا التذكارية. وتقدّم كلّها الأساليب التقليدية والحديثة، وتتميز بتقنيات الحرف التقليدية مثل نسيج السدو والخوص وتطريز التلي والمطبوعات التقليدية والفخّار.
Photo: Abu Dhabi Cultural Foundation
تستخدم الحرفيّات الوسائط التقليدية والطبيعية مثل الجلود والصوف وسعف النخيل لابتكار قطع مميّزة تلبّي متطلبات محبّات الموضة الأكثر تميزاً. وقد استمرّ جمال هذه العناصر التقليدية وحرفيتها وتطورت لإلهام التصاميم الحديثة والقطع الفريدة التي تمزج الماضي بالحاضر، كما وتحظى هذه التقنيات مثل نسج السدو التقليدي بتقدير عالميّ باعتبارها من الحِرف الإماراتية الفريدة.
فالسدو هو أحد أنواع الحياكة التقليدية التي تمارسها الجماعات البدوية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أدرج في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي عام 2011، ويُستخدم عادةً صوف الأغنام وفراء الجمال وشعر الماعز لصنع السدو الذي تحيكه نساء إماراتيات باستخدام أنماط وأشكال تمثّل بيئة دولة الإمارات العربية المتحدة. وتشتهر هذه الزخارف الهندسية بأنماطها المبتكرة وألوانها الزاهية، وتتنوع بين أشجار النخيل والزهور والجِمال والأغنام والصقور والهلال والقُبب. ويُعتبر السدو ركيزة الحرف التقليدية في إنتاج المفروشات ومستلزمات الجِمال والخيول وغيرها من المنتجات. أمّا كلمة "سدو" فهي كلمة محلية تشير إلى نمط معيّن من الحياكة عن طريق تمديد خيوط الصوف أفقياً باستخدام النول. وتتألّف عملية إنتاج السدو من مراحل مختلفة، فتبدأ من قص شعر الحيوان أو صوفه، مروراً بالفرز والتنظيف، ثم غزل الصوف أو الشعر. ويُصبغ الصوف أو الشعر بطريقة تقليديّة باستخدام مستخلصات من النباتات الصحراوية المتوفرة لدى البدو. فاستُخدمت الحناء مثلاً للحصول على اللون البرتقالي والكركم للأصفر الداكن وقشر الرمان للّون الأحمر. وعندما يُغزَل الصوف ويُصبَغ، يصبح جاهزاً للحياكة على النول. واليوم، تستخدم الحرفيّات في حِرف أبوظبي تقنيات السدو المتداخلة مع إكسسوارات الموضة الحديثة كالحقائب الجلدية على سبيل المثال.
Photo: Abu Dhabi Cultural Foundation
ومن بين الحرف اليدوية الإماراتية التقليدية الأخرى، نجد نسج سعف النخيل المعروف باسم "الخوص". يُستخدم هذا النوع من الحرف في صناعة "الحصير" و "السرود" (وهو عبارة عن حصيرة منسوجة ومزخرفة يوضَع عليها إناء الطعام) و"المكبة" (وهو عاء هرمي يستخدم لحفظ الطعام من الحشرات). فيشكّل الخوص جزءاً اساسياً من الادوات المنزلية التقليدية في الامارات. وفي العام 2019، أُدرج نخيل التمر وحرفته ومهاراته وتقاليده وممارساته في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
ومن جهة أخرى، يُعتبر تطريز التلي شكلاً آخر من أشكال الحرف اليدوية التقليدية لتزيين ملابس النساء، ويُنفَّذ باستخدام 6 بكرات قطنية ويفصل بينها خيط فضي في المنتصف. يُستخدم التلي للزينة وهو حرفة تقليدية تنتقل شفوياً من الجدات إلى الأمهات فالبنات. وتمارس النساء هذه الحرفة في بيوتهنّ، أمّا الأدوات المستخدمة فهي بسيطة وتتضمّن الكاجوجة، وهي عبارة عن قاعدة معدنية مكوّنة من قمعين متلاصقين من الرأس، مع حلقتين على طرفَيها من الأعلى لتثبيت وسادة بيضاوية الشكل. وكانت خيوطها في الأصل مصنوعة من الفضة الخالصة، لكن يمكن أن تكون أيضاً من الذهب أو الحرير. وقد أدرجت هذه الحرفة في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في العام 2022.
وتمارس الحرفيّات في حِرف أبوظبي هذه التقنيات التقليدية ذات القيم المستدامة بمهارة لابتكار قطع عصرية فاخرة تجسّد جزءاً أصيلاً من التراث الإماراتي. ومن خلال استخدام التقنيات المتوارثة عبر الأجيال، لا تحافظ هؤلاء الحرفيّات على التراث الفنّي لدولة الإمارات العربية المتحدة فحسب، بل تجمع أيضاً بين التقاليد والابتكار. وتلعب المؤسسة دوراً فعّالاً في التأكيد على أهمية الحفاظ على التراث، بهدف إلهام الأجيال القادمة فيما تربط في الوقت نفسه الماضي بالحاضر وتمهّد الطريق للمستقبل.
إقرئي أيضاً: The Timeless Allure of Iconic Casinos