المرشّحة المثاليّة ... بطلة قويّة ترفض أن تكون ضحيّة

تركّز كافّة الأفلام التي أخرجتها على بطلة قويّة ترفض أن تكون ضحيّة، فتلك هي القصص التي تراها الأكثر حماسةً وتأثيراً في إلهام التغييرالإيجابيّ... إنّها هيفاء المنصور المخرجة السعوديّة الأولى التي انخرطت في مجال الإخراج للتّعبيرعن آرائها ومشاعرها، وما لبِثَت أن تفوّقت فتقدّمت من نجاح إلى آخر. في المقابلة التالية نسألها عن مسيرتها وعن فيلم "المرّشحة المثاليّة" الذي تدور أحداثه حوْل طبيبة سعوديّة تتحدّى مجتمعها المحافظ الذي يُهيمن عليه الذكور وتقرّر خوْض الانتخابات البلديّة. وقد أعلنت شبكة المحتوى الترفيهي في المنطقة OSN مؤخّراً عن بدء عرض هذا الفيلم عبر متجرها الإلكتروني OSN Store حصرياً بعد النجاح المذهل الذي حصده. وكان هذا الفيلم قد اختير كمنافس المملكة العربية السعودية لجائزة أوسكارعن فئة أفضل فيلم عالمي. وبينما تأمل المنصور أن يتمكّن هذا الفيلم الذي يحظى بدعم المجلس السعودي للسينما من تصوير جرأة وشجاعة هؤلاء السيدات اللواتي تفخر بسرد قصصهن، تشاركنا في هذه المقابلة تفاصيل عديدة عنه. انضمّي إليْنا فيما يلي لتتعرّفي أكثر على المنصور وعلى أعمالها السينمائيّة عموماً وفيلم "المرّشحة المثاليّة" على وجه الخصوص.   

  1. أنت مخرجة الأفلام الأولى في المملكة العربية السعودية. هل يمكنك أن تخبرينا قليلاً عن طفولتك؟ من الذي ألهمك لتصبحي مخرجة، بينما لم تكُن هذه المهنة شائعة بين النساء في منطقتنا في حينها؟

بدأتُ مسيرتي الفنية كمخرجة بعد تخرّجي من الجامعة. كنت أعمل في شركة نفط في السعودية وشعرت كأنّني غير موجودة، حيث كان صوتي غير مسموعاً وتعرّضت للتجاهل التام من قبل زملائي الرجال. وهذا سبّب لي شعوراً بالإحباط والوحدة، لذا بدأت بإخراج الأفلام القصيرة كوسيلة للتعبير عن مشاعري وآرائي. كان الأمر مجرد هواية إلا أنه حقّق لي السعادة وفتح أمامي آفاق الإبداع. وقدمتُ أعمالي إلى كافة مهرجانات الأفلام الإقليمية، وتفاجأت للغاية عندما تلقيت دعوةً من أحد هذه المهرجانات، حيث قالوا لي: "هل تعلمين أنك أوّل مخرجة من السعودية؟" وهذا جعلني أشعر بالسعادة حقاً، وكان حافزاً لي لأمضي قدماً في هذا المجال.

  1.  تمّ اختيار فيلمك الأخير "المرشحة المثالية" كمنافس المملكة العربية السعودية لجائزة أوسكارعن فئة أفضل فيلم عالمي. وهو الفيلم الأوّل الذي يحظى بدعم المجلس السعودي للسينما. ما هو شعورك اليوم حول هذا التقدم المذهل الذي يحدث على هذا المستوى في المملكة؟

تمضي عجلة التطور في المملكة العربية السعودية اليوم بوتيرة متسارعة، كما نشهد الكثير من التغييرات خلال وقت قياسي، ومن الطبيعي أن يواجه استيعاب هذه المجريات صعوبات في البداية. أردت لفيلمي أن يجسّدَ هذه المرحلة الانتقالية للمجتمع وكيفية إدراك الناس لهذه التغييرات.

وتنطوي كافة التغييرات التي حصلت مؤخراً وتمسّ واقع المرأة السعودية على تبدّلات جذرية لها تأثير كبير في المنطقة، ولهذا قررت أن يبدأ الفيلم بمشهد الشخصية الرئيسيّة وهي تقود السيارة، حيث كان هذا السلوك مستحيلاً منذ بضع سنوات. أمّا اليوم، تحظى النساء بهذه الحريات في حياتهنّ الخاصّة، ويمتلكن الحق في خوض كافّة التحديات التي تصاحب تجربة شيء جديد. ولم يعد الضغط على صاحبات الفكر التقدمي اللواتي كافحن لإحداث هذه التغييرات، بل بات على عاتق المتردّدين ممَّن يخشون اعتماد التغيير. وآمل أن تبدأ المزيد من النساء بقيادة السيارات والسفر والعمل جنباً إلى جنب مع الرجال والقيام بكل ما يبعث على السعادة في نفوسهن. حان وقت التغيير

  1. ما هي السّمات الشخصية التي تتشاركينها مع الشخصية الرئيسية في "المرشحة المثاليّة"؟

أتمتع بالكثير من إرادة مريم ورغبتها في إتمام عملها على أفضل وجه، وأشاركها عقليّتها الخارجة عن المألوف، حيث أسعى خلف ما أراه صحيحاً وأقدم أفضل ما عندي. كما تمثل شخصية الأب في الفيلم إحدى الشخصيات المقرّبة لدي؛ إذ أعتقد أن الوقت قد حان لتكريم تضحيات وعطاءات الفنانين والموسيقيين للحفاظ على ثقافتنا الفنيّة خلال العقود القليلة الماضية. لقد واجهوا الكثير من الانتقادات، ولم يحظوا بالكثير من الفرص لوقتٍ طويل. لذا شعرت بالفخر لتكريم كلّ الموسيقيّين في الفيلم من خلال منحهم منصة تعكس صدى إبداعاتهم. وشكل تصوير مشاهد الحفل الموسيقي حدثاً مميزاً بالنسبة لي، حيث كان من الرائع رؤية الجميع يرقصون ويستمتعون بالموسيقى.

  1.  في هذا الفيلم، لا يتقبّل المجتمع انخراط البطلة في العمل السياسي . هل تعتقدين أنه في ظلّ التطوّر الاجتماعي الذي يحدث اليوم في المملكة، أصبحت الأمور أسهل قليلاً خصوصاً مع القوانين السعودية الجديدة أم أنّ المقاومة الاجتماعية لا تزال على حالها؟ وما هي التّحديات التي لا تزال المرأة السعوديّة تواجهها؟

أردتُ في هذا الفيلم بالتحديد أن أروي قصّة امرأة تقليديّة من بيئة محافظة تقرّر مواكبة التغييرات الحاصلة واغتنام الفرصة. ورغم الصعوبات المرافقة لرحلتها والانتقادات التي سيوجهها الكثيرون لخياراتها، إلا أنها ستتمكن من فتح أبواب عالم جديد في نهاية المطاف. وأردت أن أؤكد للنساء السعوديات على أهمية الانطلاق والمجازفة، حتّى وإن لم يكن لديهنّ خبرات كافية. أعلم أنّ الأمر ما يزال صعباً عليهن، وأدرك شعور التوتر حيال خوض تجارب غير معهودة في السابق مثل قيادة السيارة أو السفر أو كشف وجوههن.

  1. وجدة كان الفيلم الأوّل الذي يتمّ تصويره بالكامل داخل المملكة العربية السعودية، والشخصية الرئيسية فيه تمثّل نساء كثيرات في المملكة العربية السعودية. كيف ساعد هذا الفيلم برأيك في تشجيع التغيير داخل المجتمع وفي تمكين المرأة السعودية وحثّها على الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها؟

تمحور دافعي الأساسيّ في فيلم "وجدة" حول إخراج فيلم ملهم لا يصوّر النساء السعوديات كضحايا بقدر ما يبيّن قدرتهنّ على قيادة التغيير. وسيبقى هذا هدفي فيما أواصل إخراج أفلام عن نساء قويات حول العالم. وآمل أن أكون نجحت في تحقيق هذا الهدف، وأتمنّى رؤية المزيد من الأفلام العربية التي تواصل تشجيع التطورالإيجابي في المجتمع.

وستحظى السينما بتأثير كبير على الحياة العامّة في المملكة العربية السعودية. وتشكل مشاهدة الأفلام في صالات السينما والتأثربالقصة مع حشد من الناس تجربةً إيجابيةً واستثنائية أصبح بإمكان السعوديين الاستمتاع بها في دولتهم، حيث تُعتبرهذه الخطوة عنصراً مهمّاً للمملكة ولبنةً أساسيةً للمزيد من التغييرات الإيجابية. وتشكل السينما منصةً استثنائيةً للمجتمع، حيث تعمل على نشرمفاهيم التسامح والتقبُّل، وتتيح للجماهير المحليّة فرصة التواصل مع العالم الخارجي وفهمه بشكل أفضل.

  1. ما هي التغيّيرات التي لاحظتها مؤخرًا في سلوك المرأة السعودية؟ هل يمكنك وصف السيدات السعوديّات بثلاث كلمات؟

يمكنني وصف النساء السعوديات بأنهن قويات وجريئات ومدهشات. ولطالما كانت المرأة السعودية تتميّزبالفطنة والذكاء بطريقة التعامل مع حياتها، لذا يسعدني للغاية رؤيتها تستغل الانفتاح الحالي في المملكة وتساهم في تحقيق المزيد من التغييرات. كما أشعر بإعجاب ممزوج بالسعادة لرؤية النساء يشاركن بشكل عفوي بكافة جوانب الحياة العامة في المملكة.

  1. باعتبارك امرأة سعودية تعيش في الولايات المتّحدة، ما هي الصورالنمطية الأمريكيّة عن المرأة السعودية التي ترغبين في تغييرها؟

لطالما أزعجني توصيف النساء السعوديات بالضعف والخنوع، حيث يسود تصوّر مسبق عن كوننا نساء ضعيفات وخجولات نخشى العالم، وأننا مجرّد ضحايا نخضع لظروف ثقافية تتسم بالمحدودية والتقييد، لكنّ هذا غير صحيح. فالنساء السعوديات يتحلين بشخصية قوية ومرحة وذكية. وآمل أن يتمكّن هذا الفيلم من تصوير جرأة وشجاعة هؤلاء السيدات اللواتي أفخر بسرد قصصهن.

  1. في فترات عملك على فيلم معيّن، يمكن أن تقضي أغلب وقتك في مواقع التصوير. فكيف توفّقين بين عملك وحياتك العائلية؟

أجد دائماً الابتعاد عن العائلة لفترات طويلة أمر صعب، إلا أنّهم غالباً ما يزورونني أثناء التصوير، وهذا أمر مميّز بالنسبة لي، لذا دائماً ما نعمل على إيجاد الحلول. وأحاول تخصيص بعض الفترات للبقاء في المنزل والتركيز على العائلة، كما أننا نقضي بعض الوقت في لوس أنجلوس خلال مرحلة ما بعد الإنتاج، فعائلتي دائماً ضمن أولوياتي.

  1. هل هناك أيّة تحديّات تواجهينها كونك امرأة عربيّة تعمل في مجال صناعة الأفلام؟ إذا كانت الإجابة نعم، كيف تتعاملين معها؟

تواجه النساء مثل هذه التحديات في أماكن العمل في كلّ أنحاء العالم. وبالنسبة لي، كان من الضروريّ دائماً أن أركّز على أهدافي وليس على المعوقات التي تواجهني. ودائماً ما أسلّط الضوء في أفلامي على البطلات اللواتي يرغبن بالعمل بجدّ والقيام بدورهن بأفضل ما يمكن. وفي هذا الفيلم، أردت أن أبتكر شخصيّة تمثّل العقليّة السائدة عن النساء السعوديات، فهي تغطّي وجهها وتتبع المعايير الثقافية في المجتمع، لكن ينتهي بها الحال بتجاوز هذه الحدود لأنها أرادت أن تقوم بعملها على أتمّ وجه؛ حيث أحبطتها القيود التي تمنعها من أداء عملها بالشكل الذي يمكن أن يُفيد المجتمع ودفعتها للتفكير خارج النطاق التقليدي. فهي لم تتمرّد لمجرّد التمرّد، بل كانت تعلم أن عملها يمكن أن يساعد في جعل موطنها مكاناً أفضل، لذلك أرادت أن تزيل كافّة الحواجز التي تمنعها من إتمام مهمتها. وأؤمن بشدة بأنّ هذه هي طريقة إحداث التغيير الحقيقي في المجتمع؛ من خلال أشخاص يعملون بجد ويسعون للوصول إلى أقصى إمكانياتهم.

  1.  نحن نعيش في عصرنسابق فيه الوقت، وبخاصّة عندما يكون لدينا طموحات كبيرة. ما هي خططك المستقبليّة وكيف تتطلّعين لتحقيقها؟

حالياً أنا متحمسة لمتابعة ردود أفعال المشاهدين لفيلم المرشحة المثالية الذي ستعرضه شبكة OSN حصريا في الشرق الأوسط. وأنا على أمل بأننا سنتجاوزهذه الجائحة العالمية قريباً وسنعود مجدداً بالمزيد من الإنتاجات الناجحة، ويتمثل هدفي في مواصلة إخراج أفلام أفضل وأنجح من سابقاتها، على الصعيد المحلي والعالمي، وتدفع الناس لطرح النقاشات والسعي برفق نحو إحداث تغيير إيجابي. وتركّز كافّة الأفلام التي أخرجتها على بطلة قويّة ترفض أن تكون ضحيّة. تلك هي القصص التي أراها الأكثر حماسةً وتأثيراً في إلهام التغيير الإيجابيّ.

     كيف تساهمين كامرأة سعودية في تحقيق رؤية 2030 وجعل المملكة العربية السعودية نموذجًا رائدًا على جميع المستويات؟ وإذا كانت لديك الفرصة للسفرعبر الزمن إلى العام 2030 ، فما هو الشيء الوحيد الذي ترغبين في رؤيته بشكل مختلف في حياة المرأة السعودية؟

أؤمن أنّ الفنّ هو الطريقة الأفضل لإحداث التغيير وبدء حوارٍ مجتمعي، وأعتقد أنّ التغيير الحقيقي سيكون ثمرةً لعملنا الدؤوب الذي يعكس للعالم قدرتنا على تحقيق كافّة الأهداف التي نضعها نصب أعيننا. ففي مجال صناعة الأفلام على سبيل المثال، أشعر بتفاؤل كبير لأن إيرادات شبّاك التذاكر تعكس النتائج الواضحة والناجحة لإتاحة الفرصة أمام النساء لسرد قصصهن بأصوات قوية وأصيلة، ما ينفي الافتراضات القديمة القائلة بعدم وجود جمهور يرغب بسماع قصص النساء أو مشاهدة أعمال أبطالها إناث. ولا تزال هذه المعركة بطيئة وصعبة، والفرص قليلة ونادرة، لكن الأمر يعود لنا للمضي قدماً والبحث عنها. وأؤمن بضرورة التركيز على كلّ مرحلة في هذه المعركة وإيجاد فرص حتى في غياب الأمل بوجودها. وأشعر بتفاؤل بأن الجيل الجديد من المخرجات السينمائيات سيدخلن عالم صناعة الأفلام مع إدراك تام ليس فقط بأهمية وقع أصواتهن، بل بوجود جمهور يتوق لسماع قصصهن. ويُعتبر امتلاك هذه الثقة المبنيّة على نتائج قويّة نقلةً نوعيّةً كبيرة.

  1.    أنت رائدة في مجالك في منطقة الخليج، وبالتالي فقد أصبحت نموذجًا يحتذى به بالنسبة للفتيات السعوديات. ما الذي تنصحين به كل السيّدات اللواتي يرغبن في تحقيق قصّة نجاحهنّ الخاصة؟

نصيحتي للجميع سواءً كانوا ذكوراً أم إناثاً: ابتعدوا عن الأمور السلبية التي تحبط عزيمتكم، فمن السهل جداً التأثر بالأشخاص والعادات والأفكار التي تقف عائقاً في الطريق، فهذا ما مررت به تماماً. وعليكم التغاضي عن هذه العوائق والتركيز على الأمور اللازمة لبلوغ هدفكم، حيث اصطدمت كامرأة بالكثير من الأشخاص الذين شكّكوا في كفاءاتي ولم يؤمنوا بأفكاري، لذا عليكم الانطلاق والعمل بجد لإثبات العكس.

إقرئي أيضاً: كيْف تعاونت علامةMiu Miu مع هيفاء المنصور؟

 

 

 

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث