Naji Sleiman: "تبعث المساحات الخضراء السعادة في قلوب الناس، وهذا ما أرمي تحقيقه من خلال عملي"

إنّ الهندسة المعماريّة وتنسيق المواقع الطبيعيّة وزراعة الحدائق مجالات يراها Naji Sleiman على قِدم المساواة من حيث حبّه لها. ولشدّة انجذابه إلى الهندسة المعماريّة الخضراء والبيئة، نما شغفه بهما وصولاً إلى دمجهما في شكل رسالة أدّت به في نهاية المطاف إلى ابتكار مفهوم بيئيّ خاص به. أمّا دافعه الأكبر فيعود إلى نشأته في مسقط رأسه بيروت، حيث عانى كثيراً نقص المساحات الخضراء مقابل هيمنة التوسّع العمراني الفوضوي والأعداد المفرطة للخرسانة والمباني الإسمنتيّة، الأمر الذي حثّه على تغيير طريقة تصميمه وتصوّر مشاريعه الهندسيّة بمزيد من "حبّ الطبيعة" واحترام البيئة والنظام البيئيّ. وإثر ذلك، شعر سليمان بالحاجة الملحّة لإعادة ربط الناس بالطبيعة التي تشكّل "مصدر افتتانه وإلهامه" من خلال هندسته المعماريّة وتصميمه. وممّا لا شكّ فيه أنّ "المساحات الخضراء تبعث السعادة في قلوب الناس" وهذا ما يهدف إلى تقديمه، لأنّ الطبيعة مفيدة للعقل والجسد والروح... إذاً دعينا نكتشف المزيد عن عمله الملفت وتصميمه البيوفيلي الحيوي وفلسفته الشيّقة.

  1. النفايات الصلبة ومياه الصرف وجودة الهواء الداخلي واستهلاك الطاقة والمياه كلّها مؤشّرات يتمّ أخذها في الاعتبار عندما نتحدّث عن المباني الخضراء. ما السرّ وراء التحكّم في هذه المؤشرات عندما يكون من الصعب تحديدها كميّاً في بلد مثل لبنان، لا سيّما وأنّ الطاقة والمياه مثلاً تأتيان من مصادر مختلفة؟

دائماً ما يقضي الخيار الأمثل بتصميم مبانٍ مستقلّة وخارج شبكة الإمداد من حيث الطاقة والمياه والغذاء، على مبدأ "التسلسل الهرمي للنفايات" الذي يقضي بالتقليل وإعادة الاستخدام والتدوير، وينطبق ذلك على لبنان كما وعلى أيّ بلد آخر. ويمكننا إثر ذلك توليد الطاقة باستخدام الألواح الكهروضوئيّة ومجمّعات الطاقة الشمسيّة وتوربينات الرياح، فضلاً عن تحويل النفايات إلى طاقة، لا سيّما والاستفادة من الطاقة الحراريّة الأرضيّة واستعادة حرارة مياه الصرف والتحليل الكهربائي للمياه بغية إنتاج الهيدروجين... وغيرها من الطرق. أمّا المياه، فيمكن الحصول عليها عن طريق تجميع مياه الأمطار وإعادة تدوير واستخدام المياه الرماديّة ومياه الصرف الصحي. ثمّ الغذاء فيمكن تأمينه عن طريق الزراعة العاموديّة والتسميد وزراعة الحدائق النباتيّة، وغيرها.

  1. هلّا أخبرتنا بالمزيد عن المواد المستدامة التي تستخدمها أثناء تحويل مفاهيمك إلى واقع؟ كيف يمكنك تحقيق الاستفادة الأقصى من مفهوم تقليل النفايات وإعادة استخدامها وتدويرها؟

أعمد في مشاريعي إلى استخدام مواد ذات مصادر حيويّة وجغرافيّة. وشخصيّاً، أعلّق أهميّة كبرى على البحث عن المواد المحليّة، إذ أحبّ توظيف الحرفيّين المحليّين وإبرازهم في تصميمي. أمّا المواد المفضّلة لديّ من المصادر الحيويّة فهي الخشب الآتي من الغابات المستدامة.

ولذلك بعض المزايا الإيجابيّة، أذكر منها:

- أنّ الخشب متجدّد ومستدام وتكلفة إنتاجه أقل من الفولاذ والخرسانة.

- هو صديق للبيئة لأنّه يخزّن الكربون، في حين أنّ إنتاج المواد التي مِن صنع الإنسان تتطلّب كميّات هائلة من الوقود الأحفوري وينتج عنها انبعاثات ضارّة.

- إنّه جدير بقيمته إذ إنّه قوي ومتين جداً.

- للخشب خصائص حراريّة رائعة.

- يدوم الخشب المحمي والمصان لمئات السنوات ويمكن إصلاحه وصقله وتكييفه وإعادة تدويره طوال فترة خدمته.

- إنّه قابل للتحلّل بنسبة 100٪ ويمكن استخدامه كوقود.

- كذلك يمكن إعادة استخدام النفايات الناتجة عن معالجته وإنتاجه، كوقود أو كفراش للحيوانات (أمثال نجارة الخشب ونشارته) بالإضافة إلى الكثير من الاستخدامات الأخرى.

- يعدّ تقليل النفايات التي تنتهي في المكبّ مفيداً جداً أيضاً.

- إنّه صديق للبيئة [لأنّه يلتقط الكربون من الغلاف الجوي].

- وختاماً، إنّ استخدامات الخشب لامتناهية.

  1. عند تصفّح حسابك على Instagram، نرى تصاميم أزليّة! كيف يمكنك تكييف التصاميم والمفاهيم مع المناخ المتفاوت للبلدان المختلفة وقواعد الهندسة المعماريّة والتصميم فيها؟

دائماً ما أحترم المنطقة التي أعمل فيها في تصاميمي، لا سيّما والمجتمع والجغرافيا والمواد المحليّة والنباتات. فعلى سبيل المثال، بدلاً من استخدام نظام تكييف الهواء لتبريد المباني في المناطق الحارّة، يمكننا تصميم نماذج تتكيّف مع جغرافيتّها. وهذا أمر جسّدته لنا الحضارات سابقاً، والرائع اليوم أنّه لدينا التكنولوجيا للقيام بذلك، لذا برأيي أنّ الوقت قد حان لتغيير وعينا تجاه الهندسة المعماريّة. ولذلك، فإنّني أستقي إلهامي من عنصر طبيعي يشكّل أساساً لتطوير المفهوم ككلّ. وبفضل نهجي هذا، يتّسم كلّ مشروع بالفرادة وأصمّم كلّ مشروع خصيصاً بحسب كلّ منطقة. إلّا أنّ الجزء الأكثر تشويقاً يتمثّل في إيصال التصميم إلى العالميّة: أيّ بكيفيّة تصدير المفهوم إلى العالم أجمع مع جعله فريداً في كلّ بلد. وهذه ثمرة بحثي أساساً التي تقضي بتكييف مشاريعي ودمجها في عناصرها الطبيعيّة قدر المستطاع.

  1. ما القاعدة الأبرز لجعل التصميم الداخلي صديقاً للبيئة وللرفاه؟

لا شكّ في أنّ الخطوة الأهم لفعل ذلك تقضي بالعمل على التصميم البيوفيلي الحيوي. إذ أظهرت الكثير من دراسات علم النفس البيئي أنّه من شأن الاتصال بالطبيعة أن يحسّن الحالة المزاجيّة للفرد على عكس المناطق الحضريّة، ويمكنه أن يؤدي إلى زيادة مستويات الحيويّة، وأن يتيح فرصةً للتعافي من الإجهاد. كذلك، يترك التفاعل مع الطبيعة ورؤيتها إيجابيّات كثيرة علينا. وبالإضافة إلى الفوائد التقنيّة، فإنّ الشعور بوجود العالم الحي من حولنا يسعد الروح. ولهذا السبب أدعو الناس في كثير من الأحيان لزيارة مشاريعي حتى يتمكّنوا من اختبار فوائد كلّ منها بأنفسهم.

  1. نظراً إلى أنّ المياه مورد نادر في دولة الإمارات العربيّة المتحدة ومناطق الخليج الأخرى، هل يمكنك مشاركتنا أفكارك حول استخدام النباتات في الداخل والخارج؟ وهل مِن أنواع نباتات أصيلة قد توصي بها؟

دائماً ما أوصي بتصاميم معماريّة وداخليّة "تعيدنا إلى الطبيعة". حيث أحيط المباني بالأشجار والنباتات المحليّة لخفض درجات الحرارة المرتفعة. وذلك لأنّ النباتات تعتبر طريقة طبيعيّة لتحسين جودة الهواء والحفاظ على برودة المساحات الداخليّة لدينا. إذ إنّ النبات يفقد الماء أثناء النتح ممّا يبرّد الهواء المحيط به وينقّيه.

أمّا أشجارالخليج الأصيلة المفضّلة لديّ فهي:

- نخيل التمر (Phoenix dactylifera)

- الأَرْطَاة العربيّة (Calligonum comosum)

أمّا نباتات الخليج الأصلية المفضّلة لديّ فهي:

- العرفج (Rhanterium epapposum)

- الصفراوي (Dipterygium glaucum)

  1. هل لك أن تخبرنا أكثر عن فوائد وجود النباتات حولنا مِن جهة علم وظائف الأعضاء وعلم النفس؟

لم يكن التواصل مع الطبيعة يوماً أكثر أهميّة ممّا هو عليه الآن. وفي هذا الصدد، يدور التصميم الحيوي حول دمج الطبيعة في بيئتنا المبنيّة وتصميم أماكن لإلهام الناس وتأمين شعورهم بالراحة وبالارتباط ببيئتهم. وأظنّ أنّ فلسفة التصميم الحيوي ستعيد صياغة طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع بيئاتنا، لأنّها تبدّل طريقة عملنا وعيشنا وسلوكنا في البيئة المبنيّة.

أمّا فوائد تصميم البيوفيلي فتضمّ الآتي:

إنّه يحسّن الصحة

ويعزّز المزاج الجيد والشعور بالرفاه

ويزيد الإنتاجيّة

ويخفض مستويات الإجهاد

ويقلّل التعبّ الذهني ويعزّز استعادة الصحة العقليّة.

  1. هل يمكنك مشاركتنا المزيد من الأفكار حول المشاريع المستدامة التي تعمل عليها في الوقت الراهن؟

أطلقت مشروع Biophilia Luxury Lofts في بداية العام 2021، وهو مفهوم جديد للشقق المفروشة في وقت تفشّي الوباء العالمي حيث كان السفر والهروب مستحيلاَ. وانطلاقاً من هذه الفكرة تماماً، قرّرت إعادة ربط الناس بالطبيعة من خلال منحهم رحلة إلى قلب بيروت في أماكن فريدة.

وبالفعل، لاقى المشروع النجاح وسأعمل على تصدير المفهوم وراءه إلى العالميّة. كذلك، فإنّني أعمل على مفهوم جديد فريد من نوعه وصديق للبيئة لسلسلة فنادق بوتيك بتصميم بيوفيلي. أمّا موقع هذا المشروع فسيكون في الإمارات العربيّة المتّحدة أو في المملكة العربيّة السعوديّة، وسيمثّل واحة خصبة تجمع بين الحياة العصريّة والمستدامة مع الكثير من عناصر الطبيعة ليشكّل نموذجاً يحدِث انعكاسات ايجابيّة على المدينة جماليّاً واقتصاديّاً وبيئيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً.

كما وسيساعد هذا المشروع الرائد على تعزيز رواج الزراعة الحضريّة لدى الناس، وزيادة الوعي بشأن جودة الغذاء، والمساعدة على تحسين المواقف تجاه المسؤوليّة البيئيّة والاجتماعيّة.

  1. يتطلب عملك الكثير من الإبداع، فكيف تغذّيه ومن أين تستقي الإلهام؟

إنّ الطبيعة التي تمثّل مصدر ذهول مستمر، هي منبع إلهامي الذي لا ينضب. على حدّ قول الفيلسوف اليوناني أرسطو منذ قرون إنّ "الطبيعة لا تفعل شيئاً عبثاً".

إذ ثبُت أنّ التصميم الذي يعيد ربطنا بالطبيعة يلهمنا ويزيد إنتاجيّتنا ويسهم في مدّنا بإحساس أقوى بالرفاه. وشخصياً، أتأمّل استراتيجيّات الطبيعة لحلّ المشكلات، وأستلهم منها لتطوير حلول فعّالة وصديقة للبيئة أكثر.

كذلك، لديّ أيضاً فرصة للسفر كثيراً وإنماء نفسي باكتشاف ثقافات وحضارات جديدة. وأعتبر السفر جزء لا يتجزأ من حياتي حيث أعيش بين فرنسا والشرق الأوسط. لكن سواء أسافرت لأسباب مهنيّة أو شخصيّة، دائماً ما أندهش من جمال عالمنا وما تقدّمه الأرض. حتى أنّني أعتبر نفسي ابن العالم بأسره وتمثّل كلّ رحلة مصدراً محتملاً للإبداع في مشاريعي المستقبليّة.

  1. كيف ترى مستقبل الطاقة الخضراء والتوعية البيئيّة في منطقة الخليج؟

تبدي المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة اهتماماً بمكافحة تغيّر المناخ عبر بناء مدن جديدة (NEOM في المملكة العربيّة السعوديّة، و MASDARفي الإمارات العربيّة المتحدة)، تعدّ فيها الاستدامة موضوعاً رئيساً. والواقع أنّ دول الخليج هي المستثمر الأول في مجال الطاقة المتجدّدة. إذ أطلقت دبي أكبر مشروع للطاقة الشمسيّة في العالم أيضاً بتكلفة تصل إلى 13.6 مليار دولار، وبقدرة تفي بربع الاحتياجات الحاليّة للإمارة، حالما يبدأ تشغيل المشروع في 2030.

حتى أنّ الإرادة لحماية مواردها الطبيعيّة ونباتاتها وحيواناتها آخذة في الظهور على المستوى الحكومي وإنّها تؤدّي إلى إجراءات ملموسة مثل إنشاء محميّات بريّة وبحريّة. غير أنّ الجمهور ليس حساساً جداً تجاه الضروريّات البيئيّة، ولا شكّ في أنّ التعليم سيمثّل أحد التحديات التي تواجه الحكومة. لكن تم وضع برنامج لأطفال المدارس بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة.

إقرئي أيضاً: Hala Khayat:"الفنّ مرآة العصر ودائماً ما يعطي صورة عن الواقع"

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث