3 مبتكرون تضيء أعمالهم الساحة الفنيّة القطريّة

تنبض الساحة الفنيّة القطريّة بالعديد من المبتكرين والمبدعين المحليّين والعالميّين. وهل أسمى من الفنّ كوسيلة تعبير عالميّة تجمع الثقافات والحضارات من خلال لغة واحدة، سواء أكانت نغمة موسيقيّة أو لوحة فنيّة أو صورة فوتوغرافيّة؟ تعرّفي معنا في ما يلي على 3 فنّانين تطبع أعمالهم الساحة الفنيّة القطريّة وعلى كيفيّة تأثير هويّتهم على أعمالهم وتفاعلها مع الثقافات العالميّة كما على الرسائل التي يوجّهونها للعالم اليوم! 

سنبدأ تحقيقنا مع الفنّانة والمؤلّفة الموسيقيّة القطريّة التي انغمست في عالم الموسيقى بعد مسيرة مثمرة في مجالات أخرى. إلاّ أنّها ما لبثت أن أبدعت وأصبحت أعمالها المتتالية تدلّ يوماً بعد يوم على فرادتها وتميّزها!

دانا الفردان: "تبقى الموسيقى أعظم لغات العالم، إذ عندما نتحدّث بها نتواصل بسلاسة تامّة ولا يبقى أيّ شيء بعيداً عن متناولنا"

  1. كيف اتّخذت القرار بالانخراط مهنيّاً في عالم الموسيقى بعد مسيرة طبعتها العلاقات الدوليّة وتصميم المجوهرات وما كان تأثير حملك على انحسام الموضوع بالنسبة إليك؟

بالنسبة إليّ، مثّلت الحياة التي نمت في داخلي المصدر الأمثل لتعزيز طاقتي الإبداعيّة. كذلك، فإنّ دراساتي العليا في العلاقات الدوليّة لم تعلّمني فن الدبلوماسيّة والتواصل فحسب، وإنّما رسّخت ارتباطي بجذوري على مدار تلك السنوات الأربعة من خلال الدروس التي تلقّيتها في الأدب العربي والفلسفة والتاريخ. لذلك، لم يكن دخولي عالم الموسيقى مجرد وسيلة لإظهار نفسي وحقيقتي على المستوى الشخصيّ، لكن أيضاً لإيصال قصتي في سياق تراثي الثقافي الغني. ولهذا السبب، وجدت المرحلة الانتقاليّة سلسة في الواقع ولم أرَها على أنّها تحوّل جذري مثلما قد يبدو الأمر في البداية. كذلك، أعتبرانخراطي في صناعة المجوهرات في شركة عائلتي أيضاً فترة تدريب رائعة لي. بحيث ساعدتني جميع المهارات التي اكتسبتها على تطوير قدرتي على التنقل عبر التحديّات والأطر الجديدة. وممّا لا شكّ فيه أنّني وجدت نفسي داخل بيئة جديدة بالكامل لم أعرف شيئاً عنها، عندما قرّرت الانغماس في عالم الموسيقى!

  1. فيما استعاد الكثير من الفنّانين إلهامهم في فترة الإقفال التي رافقت تفشّي فيروس كورونا، وجد آخرون أنفسهم عاجزين عن التّحاور مع فنّهم. هل لك أن تخبرينا كيف أثّر الوباء على حياتك الفنيّة والشخصيّة وكيف تخطيت العقبات التي فرضها؟

في البداية، انتقلت إلى نيويورك لإعداد مسرحيّتي الموسيقيّة الجديدة "Rumi" في برودواي، ثم تفشّى وباء كورونا بعد ثلاثة أسابيع من وصولي! وإذ انقلب كلّ شيء رأساً على عقب وتهاوى مساري على الفور في الكثير من الاتّجاهات المختلفة، لدرجة أنّني قررت أثناء الإغلاق أن أبدأ مشروعاً موسيقيّاً بعنوان "Indigo". والواقع أنّ ذلك ساعدني على التخلّص من الضوضاء والوتيرة المشحونة التي اتّسمت بها حياتي لفترة طويلة، فنمّيت جواً من السكينة يمكنني من خلاله الإحساس بشعور أسمى وأكثر إشباعًا بالذات. وبالفعل، فإنّ هذا المكان عبارة عن مجال لامتناهي من الاحتمالات والنمو والتناغم. إذ تغيّر كلّ شيء بالنسبة إليّ في خضم هذه العمليّة، ووجدت مصدر إلهام غير محدود في حقيقية مهمة أدركتها: فبالرغم من أنّنا عالقون داخل قوى متطرفة خارجة عن سيطرتنا، إلّا أنّنا نتألف من كلّ ما نحتاج إليه لنحيا حياة وفيرة، وذلك كلّه قابع في داخلنا. ونتيجةً لكلّ ذلك، سيكون هذا الألبوم بمثابة تجربة متعدّدة الحواس تربط الأضواء والالوان بالموسيقى. واخترت Indigo أي اللون النيلي عنواناً للعمل بسبب جمال هذا الظلّ وما يمثّله المصطلح. إذ إنّ العين البشرية غير حسّاسة نسبيّاً لترددات النيلي، وذلك لأنّ هذا اللون يتواجد في مساحة خارج رؤيتنا المحيطيّة. حتى أنّه ثمة اعتقاد شائع بأنّ النيلي لون شقرا العين الثالثة، ولون الحكمة، ويمثّل فهماً لذاتنا العليا. وهذا الفهم لقوة أكبر موجودة بداخلنا يمهد اتجاه كلّ شخص منّا نحو كيانه الحقيقي. إنّه بمثابة سعي لبناء النفوس الجميلة وتقريبها من بعضها البعض، وهذا الصدق في مستوياته الأكثر عمقاً ونشاطاً.

  1. هل لك أن تخبرينا عن المشروع أو المقطوعة الأحبّ على قلبك في حياتك المهنيّة حتّى اليوم، كما وعن مشاريعك الفنيّة الحاليّة؟

‎دائماً ما ستحمل مسرحيتي الغنائيّة "الأجنحة المتكسرة" التي حصلت بالتعاون مع الممثل على مسارح "وست إند" نديم نعمان، أهميّة خاصة بالنسبة إليّ، ليس لأنّها أولى مسرحياتي الغنائيّة فحسب، بل لأنّها مثّلت أيضاً أوّل تمرين لي في تقديم هذه الشخصيّة المثمرة ذات الأصول العربيّة لجمهور "وست إند". والواقع أنّها لاقت استحساناً كبيراً وأرست الأسس لمزيد من التعطّش للمحتوى العربي الأصل. وإثر ذلك، باتت هذه مهمتي العامة في مسيرتي الموسيقيّة؛ أي الترويج لأشكالنا الفنيّة الواسعة والغنيّة، لا سيّما وللشخصيات التي تتمتّع بهذه الجاذبيّة العالميّة الاستثنائيّة أمثال جبران والرومي. وعلى الرغم من أنّ جبران خليل جبران معروف على نطاق واسع بكتابه "النبي"، إلا أنّ المعروف عن الرجل نفسه من حول العالم ليس سوى القليل. و"الأجنحة المتكسّرة" مسرحيّة غنائيّة عن حياته، تعتبر إلى حد ما قصة عن أصل "النبي"، ونفهم من خلالها جميع العناصر التي صاغت أفكار جبران ووجهات نظره في "النبي". وأقيمت المسرحيّة بعروض نفذت بطاقاتها في مسرح رويال هايماركت في لندن، ومهرجان بيت الدين في لبنان، ودار أوبرا في كتارا القطريّة وفي دار الأوبرا في دبي. هذا وأتطلّع إلى الإعلان عن الجولات القادمة فور تخفيف قيود كورونا على مستوى العالم.

  1. تجمعين في مقطوعاتك بين الموسيقى العالميّة والايقاعات الكلاسيكيّة العربيّة بشكل رائع. كيف يمكن الحفاظ على خاصيّة التراث العربي وفي الوقت عينه المساهمة في تطويره ونموّه ونقله للعالم بأسره برأيك؟

‎إنّني أستكشف الفروق الدقيقة في أصوات مختلف الآلات العربيّة والأنماط الإيقاعيّة وأنغام آلات النفخ النحاسيّة بعدما أدوّن مؤلفاتي الأوليّة. إذ أبدأ باختبار آلات معينة ودمجها حيث لا يبدو ذلك جليّاً، لكن غالباً ما أجد أنّ النتيجة متناغمة تماماً. كما أميل إلى الابتعاد عن كلمة "انصهار" لأنّها تشير في بعض الأحيان إلى "التخفيف" من إحدى الأنماط على حساب غيرها. لذا فإنّ الفكرة هنا تكمن في الحفاظ على أصالة نمطٍ معيّن من أنماط الصوت وإدراجه في نمط آخر بطريقة مؤاتية وبدون أن يضطر الأول إلى ملاءمة الآخر عبر تفكيك نفسه. وأحياناً ما يكون الأمر غاية في البساطة مثل إضافة آلة محدّدة، مثل الربابة التي هي المفضّلة لديّ، بغية أن تبرز لوناً فريداً ومميّزاً في الموسيقى. والحقيقة أنّ هذا العنصر المميّز لمؤلفاتي هو ما جذب جمهوراً عالميّاً إلى موسيقاي وجعلني أدرك أنّه ثمة ذوق رائع يرحّب بما أقدّمه ترحيباً حارّاً على مستوى العالم، لذلك أود أن أدعو الموسيقيين العرب إلى استكشاف جميع الألوان ومختلف أنماط الموسيقى العربيّة وإيجاد طرق لدمجها في مؤلفاتهم.

  1. أي دور يمكن للموسيقى أن تلعبه برأيك في حوار الثقافات والجمع بين السمات المختلفة والقيم الإنسانيّة؟

تبقى الموسيقى أعظم لغات العالم، إذ عندما نتحدّث بها نتواصل بسلاسة تامّة ولا يبقى أيّ شيء بعيداً عن متناولنا. وبشكل عام، تعتبر الموسيقى والثقافة الأداتان الأكثر فاعليّة في إنشاء نظام مشترك للتفاهم، وبالتالي بناء الثقة المتبادلة.

  1. انطلاقاً من خبرتك الشخصيّة في تحدّي الصور النمطيّة التي يحدّ بها المجتمع المرأة أحياناً، ما نصيحتك للفتيات لحثّهنّ على السعي وراء تحقيق أحلامهنّ؟

إنّ الفنّ بمثابة تعبير عن الذات. لذا شاركي قصتك وابقي صادقة مع نفسك، فعادةً ما يستمع الناس إلى الحقيقة ويقدّرونها. فضلاً عن ذلك، ثمة رغبة لدى الناس في التواصل من خلال الفن، لذلك ثقي في ما تفعلين وأعطي الأمر كلّ ما لديك. وصحيح أنّه عمل شاق للغاية ويتطلب الكثير من الصبر والمثابرة، غير أنّه يستحق العناء تماماً في نهاية المطاف.

  1. من موقعك كفنّانة قطريّة، ما رسالتك اليوم للخليج العربي وللعالم أجمع؟

جميعنا نتألف من العناصر الأساسية نفسها في قلوبنا وجوهرنا، لذا فعندما نتواصل مع بعضنا من هذا المنطلق الموجود في داخلنا جميعاً حيث تجتمع القيم الإنسانيّة، نصبح كيانا واحداً. واليوم، وحدنا وباء كورونا في كفاحنا، وجعلنا نفهم أنّ أفعالنا تؤثر على عالمنا ككل، لذلك فلنتحد الآن من خلال الفن والسعي المشترك للاندماج والتواصل.

نكمل تحقيقنا مع الفنّان القطري أحمد الجفيري الذي نشأ محاطاً بالمبدعين حيث أنّ جدّه ووالدته احترفا الفنّ قباه. فما كان منه إلاّ أن خاض هذا المجال أيضاً وبدأ بممارسة الفنّ منذ نعومة أظافره حتّى قبل أن يتمكّن من المشي!

أحمد الجفيري: " عملي عبارة عن رسالة أتمنّى أن يسمعها العالم، ومضمونها الشجاعة في أبهى صورها"

  1. ما القواعد والإرشادات الرئيسة التي تأخذها بالإعتبار في كلّ مرة تعمل فيها على تصميم معيّن؟

أصبّ تركيزاً كبيراً على الألوان التي أستخدمها، لا سيّما وعلى العواطف التي تحييها تلك الألوان في نفوس المشاهدين وأرمي إلى التلاعب بالمنظور البصري والمفاهيمي على حدّ سواء؛ لتغيير حقيقة ما يُعتبر طبيعيّاً وابتكار حال طبيعيّة جديدة.

  1. ما القضايا التي تحبّ معالجتها عبر أعمالك وما الوسائل التي تساعدك على التعبيرعن نفسك أكثر؟

منذ 8 سنوات، أي منذ معرضي الرسمي الأول على وجه التحديد، وأنا أحاول بكلّ ما في وسعي القضاء على الخوف من التعبير عن الذات. وإذ أتقنت الكثير من الوسائل الفنيّة أمثال الرسم والطباعة والأداء والتصوير الفوتوغرافي وما إلى ذلك، لتصوير رسالة من التعبير الحقيقي – تهدف إلى إعطاء مثال للأجيال المستقبليّة والحاليّة على أنّه لا ضير في مواجهة مخاوفنا المتمثلة في قيود المجتمع ومعالجتها.

  1. كيف تتجلّى الثقافة القطريّة في عملك؟ وما تأثير المكان التي تتواجد فيه على ابتكاراتك الفنيّة؟

إنّ الهويّة القطريّة راسخة في داخلي منذ ولادتي، ولن أنأى يوماً عن تاريخي وتراثي، بل أركّز كثيراً على المجتمع القطري وعيوبه. وواقع الحال أنّني أحبّ وطني كثيراً لدرجة أنّني لا أخشى قول إنّه بإمكاننا أن نتطوّر أكثر بعد من هذا التطوّر الهائل الذي نشهده حاليّاً. وبما أنّ أعمالي تحدث تغييراً واضحاً إن كان في قطر أو في بلد آخر، ونظراً لاعتقادي الثابت أيضاً بأنّ الفنانين يتأثرون كثيراً بمحيطهم، لذلك فإنّ ما أبتكره في إحدى البلدان قد يختلف تماماً عمّا أقوم به في بلد آخر.

  1. انطلاقاً من موقعك كفنّان قطري، ما رسالتك اليوم للخليج العربي وللعالم أجمع؟

رسالتي واضحة وبسيطة ولا زالت نفسها منذ اليوم الأول. إنّها تشمل الوحدة وقبول التنوّع وحب الذات والآخرين والدفاع عن الأشخاص الذين ليسوا بالضرورة مندمجين مع بقية المجتمع. إذاً في نهاية المطاف، عملي عبارة عن رسالة أتمنى أن يسمعها العالم، ومضمونها الشجاعة في أبهى صورها.

نختتم تحقيقنا مع المصوّر الفوتوغرافي الفنّي المغربيّ الأصل المقيم في قطر سعد بلخضر الذي يشاركنا كيفيّة عثور ه على المزيج المثالي بين شغفه بالتصوير و عالم الموضة كما ويطلعنا على خبرته في العمل في قطر.

Saad Bellakhdar: " أشعر وكأنّني زهرة تتفتّح في كلّ مرّة أطلق فيها العنان لصوتي الابتكاري"

  1. هلاّ أخبرتنا عن القصّة وراء دخولك عالم التصوير الفوتوغرافي الخاص بالموضة؟

إنّني شغوف جداً بتصوير الأزياء، وأمارس هذا الشغف منذ بضع سنوات من خلال مشاريع مختلفة في قطر والمغرب. وطبعاً، أعتبر نفسي محظوظاً جداً إذ عملت مع عدد من المصمّمين والفنانين والعارضات. وبحسب تقييمي للأمر، أجد أنّ الرحلة كانت مشوّقة حتى الآن، وأشعر بأنّها بمثابة حلم يتحقق. والحقيقة أنّه لطالما كان لديّ شعور بأنّني أريد أن أفعل شيئاً ما في عالم الموضة وأدمجه مع شغفي الكبير بالتصوير، وأظنّ أنّني تمكّنت بطريقة ما من العثور على المزيج المثالي بالفعل.

  1. هل يمكنك إخبارنا المزيد عن التحديّات المتعلّقة بجلسات التصوير أثناء الوباء؟ كيف استطعت تخطّيها؟

وجدت صعوبة في تقبّل واقع أنّني عالق في المنزل أثناء الحجر الصحي، إنّما قرّرت ألا أسمح بإيصال نفسي إلى مرحلة التوقّف الإبداعي، وبالفعل ما زلت أواصل إنشاء المحتوى في المنزل. والآن تحسّنت الأمور قليلاً، وبات يمكننا التصوير بحريّة ولكن بالطبع مع الإبقاء على احترام قواعد التباعد الاجتماعي وعدم إزالة أقنعتنا.

  1. هلاّ شاركتنا خبرتك بالعمل الفوتوغرافي تحديداً في قطر؟

أعمل مع علامات تجاريّة محليّة موهوبة ومحترمة في قطر أمثال: Harlienz وHamadis وTerzi . فضلاً عن أنّني وثّقت حدث الأزياء الذي جرى إثر تعاونٍ بين Matchesfashion.com x Marie Claire Arabia في خلال أسبوع Fashion Trust Arabia الافتتاحي في العام 2019.

ما تأثير المكان الذي تتواجد فيه على عملك وابتكاراتك الفوتوغرافيّة؟

إذا أراد أيّ فنان ابتكار شيء جديد لم يسبق له مثيل، فلا بدّ له من السفر والاستكشاف واختبار التجارب بدون أيّ حدود. لذلك، عندما أذهب إلى المغرب، أشعر بأنّني أعدت تشغيل إبداعي، وإثر ذلك أستلهم من كلّ ما يوجد من حولي هناك. أمّا أحدث جلسات التصوير التي أجريتها مؤخراً في المغرب تحت عنوان A Blooming Flower، فهي عبارة عن صور تتحدّث حقًا عنّي، بحيث أشعر وكأنّني زهرة تتفتّح في كلّ مرّة أطلق فيها العنان لصوتي الابتكاري.

إقرئي أيضاً: Aakanksha Tangri: من الضروري أن نستمع إلى النساء حينما يتحدّثن

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث