الصبر والقناعة يصنعان الفرق

Image Credits: Unsplash - Artem Beliaikin

الإعداد: Stephanie Semaan

في طفولتي، كنت تلك الفتاة المتعاطفة والحسّاسة التي تتأثر بالشخصيّات الضعيفة الوهميّة في الأفلام والبرامج التلفزيونيّة، فأبكي لحزنهم وأفرح لسعادتهم. مع مرور الزمن وحينما كبرت تعلّمت كيف أسيطر على مشاعري، إلى حدّ ما إلّا أنّ جوهري بقي كما هو. وفي الوقت الحاضر، أشعر أنّنا وسط زلزال نفسيّ بسبب فيروس كورونا الذي طال كلّ البلدان والأمم من دون أن يميّز بين دين وعقيدة ولون أو حتّى غني وفقير. هل يمكنكم أن تتخيّلوا كميّات الطاقة السلبيّة التي تحتويني إثر فقدان الأرواح يوماً بعد يوم والضغط النفسي المهيمن وموجة القلق بين الناس؟ لم أكن مهيّأة لتحمّل ذلك. هل كنتم تتخيّلون يوماً أنّكم ستجبرون على التخلّي عن بقعة الأمان التي مكثتم فيها سنيناً طويلة. وهل أدركتم الآن أنّ قيمة الحياة ليست في حسناتها فحسب لا بل في صعوباتها وتحديّاتها؟

انقلب العالم رأساً على عقب مع هذا الوباء وتحديّاته الصحيّة الخطيرة وتداعياته السلبيّة على الصعيد الإقتصادي خاصّة في البلدان التي تفتقر إلى أنظمة الرعاية الصحيّة المجهّزة والموارد الغذائية. ومع ذلك، وبينما تغمرنا وسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار والمعلومات، فإنّنا نحاول جميعاً التكيّف مع الوضع الحالي وإجراءات الوقاية وتعديل حياتنا. فثمّة من يعمل من المنزل، والبعض الآخر يحافظ على صحته ولياقته من خلال التمارين البدنيّة اليوميّة، وثمّة من يقرأ أو يتعلّم لغة جديدة أو وصفة غذائيّة جديدة؛ إذ كلّ منّا يحارب الملل على طريقته الخاصّة.

فلنعد بالزمن إلى الوراء، إلى الحرب العظمى أو الحرب العالميّة الأولى التي كانت بين عامي 1914 و1918 والحرب العالمية الثانية التي ولّدت تغيّرات عدّة في نظام العالم وخسارات فادحة في الأرواح البشريّة. ويتفّق المؤرخون على أنّ هذين الحدثين قد مهّدا الطريق لإجراءات جوهريّة في القرن العشرين، حيث تم اعتماد الدبلوماسيّة والتفاوض لحلّ النزاعات في المستقبل.

وتميّزت الحرب بإنهائها الإمبراطوريّات في مختلف قارات العالم وفرضت استقلال دول كثيرة. وفي الوقت نفسه، تسارعت وتيرة التقدّم في التطوّرات التكنولوجيّة والصناعيّة. ومن ناحية أخرى، كانت الأوبئة مستمرة على مدار التاريخ مع الكثير من الأمراض المُعدية المختلفة التي لا تزال تشكّل تهديداً لحياتنا. وعلى الرغم من تطوّر الأبحاث الطبيّة واللقاحات، لا يزال النقص قائماً في الإستراتيجيّات المناسبة والنُهج المتّبعة لإدارة الأوبئة والتغلّب عليها.

ففي نهاية الحرب العالمية الأولى، اكتسحت الإنفلونزا الإسبانيّة العالم، وكانت الأكثر دمويّةً في تاريخ البشرية، ممّا أدّى إلى مقتل عدد كبير من الناس لم تشهده ساحة المعارك نفسها. وفي وقت لاحق في عام 1957، ظهرت أوبئة متتالية كالإنفلونزا الآسيويّة أو ما أشار إليه العلماء باسم H2N2، تليها أنفلونزا هونج كونج أو H3N2 في عام 1968 لمّا كانت لا تزال تدابير الإدارة والسيطرة على الأوبئة محدودة. ومؤخراً في عام 2009، ظهرت الجائحة الجديدة المعروفة بإسم إنفلونزا الخنازير التي تصيب الأطفال والبالغين. فأظهرت جميع هذه الأمراض بما في ذلك فيروس كورونا مدى سرعة انتشارها في جميع أنحاء العالم وتدمير الدول وإنهاء الحياة.

أتساءل دائماً كيف تمكّنت عائلاتنا من تحمّل جميع هذه الأحداث المتتالية مع الافتقار إلى الأنظمة وعلاجات الرعاية الصحيّة المناسبة وقلّة أو حتّى عدم وجود الموارد الغذائيّة اليوميّة والإنحسار الاقتصادي بعد الحرب والأوبئة، والأهمّ من ذلك تجاربهم المؤلمة التي ولّدت لديهم اضطرابات نفسيّة. ومثلما يولد النهار من كنف الليل، ازدهرت الحياة بعد كلّ التداعيات ليأتي بعدها ازدهار في سوق الأوراق الماليّة والتنمية الاجتماعيّة وتحسّن في مستويات المعيشة وفرص العمل وتوسيع التجارة الدوليّة واستعادة الاستقرار المالي.

وسواء كانت هذه هي المرّة الأولى أو الثانية التي نواجه فيها مثل هذه الازمة، لا بدّ أن أشير إلى أنّنا جميعاً في المركب نفسه نبحر في بحر مليء بالغموض خائفين على ما تبقّى في قلوبنا من شجاعة وأمل وحياة وقلقين على صحّتنا وصحّة أحبّائنا. في الواقع، أحبّ هذا الاقتباس للشاعرة والروائيّة مي سارتون بما معناه" كلّ ما يجبرنا على الصبر ويجعلنا نتمهّل ولا نستبق دوران الطبيعة هو بمثابة مساعدة لنا". تشرح تماماً أنّه بغض النظر عن مدى صعوبة المواقف والتحديات التي نواجهها، فإنّ أفضل طريقة للخروج منها هي بالتأكيد من خلال مرونة أفكارنا وتقبّل رحلتنا. لذا علينا أن نستغلّ الوقت الحالي الذي لطالما كنّا بأمسّ الحاجة إليه لرعاية أنفسنا بالصبر لأنّه المفتاح الأنسب الذي يمكن أن يخدمنا في أيامنا هذه.

اقرئي أيضاً: التوازن المثاليّ بين الصحة والرفاهيّة

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث