إلى أي حدّ يمكنك مشاركة حياتك على وسائل التواصل الإجتماعيّ؟

الإعداد: Géraldine Dormoy-Tungate 

يرى الكثيرون منّا بعض التطبيقات مثل إنستغرام أو فايسبوك أو تيك توك كمنصّات للترفيه إنّما أيضاً كأدوات عمل، لذلك قد يصعب جدّاً الفصل بين العمل والحياة الشخصيّة. وفي هذا الإطار، يتحدّث خبراؤنا في النشر عن طريقتهم المُلهمة في حلّ هذه المشكلة.

تقول مصمّمة القطع الخزفية والمجوهرات الراقية، Alix D. Reynis: "لطالما قيل لي "لتعيش سعيدًا عِش بعيدًا". ولا يهمني الحديث عن حياتي على الإنترنت، لكن عندما يتوّجب عليك تشغيل شركة من عشرة موظفين يعتمد محرّك نموّها الرئيسي على تطبيق إنستغرام، تضطر حينها إلى مجاهدة نفسك". وبالرغم من أنّ حسابها المخصّص لعلامتها التجاريّة يزخر بـ 38 ألف مشترك، إلّا أنّ ذلك أثار قلقها في الأسابيع الفائتة، ما دفعها إلى القول: "تزعجني القواعد المفروضة، فهي تلزمني بتوطيد علاقاتي الشخصيّة مع متابعيّ. غير أنّ هذا الاستبداد النفسي حرمني متعة النشر". لكن Reynis ليست الوحيدة التي تزداد تحفّظاتها تجاه تطبيق إنستغرام، فالانتقادات تطال وسائل التواصل الاجتماعي من دون توقف. وفي العام 2020، فكّك الفيلم الوثائقي Derrière nos écrans 1de fumée آليات "الخوارزميات" التي تتحكّم بحياتنا وحذّر من بعض العواقب، مثل الإدمان وتطرّف النقاش السياسي. كما قدّمت Delphine de Vigan في كتابها الأخير2Les enfants sont rois صورة لاذعة عن عائلة مؤثّرة. فقد وصل عدد المعجبين إلى الملايين وانهمرت الهدايا الفاخرة، لكن ذلك كان على حساب عرض حياة الطفلين، النجمين على تطبيق يوتيوب، على الإنترنت. وبحسب عالم النفس والمحلّل النفسي Michael Stora3: "تُوقعنا وسائل التواصل الاجتماعي في فخّ إعطاء أهميّة لما نفعله. فإنّ زرّ الإعجاب Like يفسد العلاقة بالآخر". وقد ورد هذا الأثر السلبي أيضاً في رواية Instagrammable بقلم Eliette 4Abécassis، حيث تحاول مجموعة من المراهقين خوض علاقات خطيرة عبر شبكات التواصل. 

اقرئي أيضاً: قوس Arc de Triomphe الباريسيّ بغلافٍ جديد... والسبب حلم؟!

ولا تقتصر الانتقادات التي تطال هذه المنصّات على الآثار السلبيّة لعرض حياتنا الشخصيّة، إذ تعترف Mathilde Lacombe، مؤسِّسة خط مستحضرات التجميل Aime Skincare: "أمضي وقتًا طويلًا عليها". فبالنسبة إليها، تكمن المشكلة في تحوّل المنصّة إلى أداة عمل: "ما أفعله عليها مرتبط جدّاً بعملي لدرجة أنّه يصعب عليّ الانقطاع عنها". وتستهلك التطبيقات وقتاً طويلاً لأنّها مصمّمة لنمضي عليها أكبر وقت ممكن، إنّما أيضًا لأنّها تزيل الحدود بين الحياة المهنيّة والحياة الشخصيّة. ومن جهتها، تقول المؤلّفة ومؤسسة قناة La Poudre 5،
Lauren Bastide: "يرهقني هذا الاستدراج الكبير". فهي تفكر في بعض الأحيان في التخلّي عن تطبيق إنستغرام نهائيّاً، إلّا أنّ متعة الاستعلام عنه والتحدّث مع متابعيها تمنعها عن ذلك، فضلاً عن أنّها تشعر بنوع من المسؤولية إذ تردف قائلةً: "ينتظرون منّي التحدّث عن الكتب التي أصدرها"، وهو "عمل مجاني" يزعجها. ناهيك عن أن تطبيق فايسبوك يجمع بياناتها الشخصيّة ويمارس رقابة على أساس التفريق بين الجندرين ورهاب السمنة. 

وتزعجنا وسائل التواصل الاجتماعي، لكن من الصعب الاستغناء عنها. ففي العام 2018، لم تدم الدعوة إلى مقاطعة فايسبوك خلال فضحية Cambridge Analytica طويلًا. ويلخّص Michael Stora ذلك بالقول: "إنّنا مدمنون على وهم السعادة والرفاهية والحداثة الذي تقدّمه لنا". أمّا Alexandra Jubé، مؤسّسة شركتها الاستشاريّة في استراتيجيّات العلامات التجاريّة، فتبدو أكثر إيجابيّة إذ تفضّل اعتبارها على أنّها "انعكاس العصر ومكان للمناقشة والاكتشاف" وأيضاً أداة رائعة للتسويق، فتقول: "لا شكّ في أنّ الظهور يستغرق الوقت والمال والطاقة، إلّا أنّ ذلك هو مبدأ التواصل. ويتيح ذلك كلّه الانطلاق مهنيّاً والتطوّر بفضل إنشاء مجتمع سوف يقوم بعمليّة الشراء في وقت لاحق". ومن هنا، يأتي نجاحها الباهر، ففي العام 2020، استخدمها الفرنسيّون بنسبة 75.9% وأمضوا عليها حوالى ساعتين و25 دقيقة في اليوم 6. 

إذاً ما الحلّ للاستفادة منها بدون هدر الوقت وفقدان احترام الذات؟ تقترح Sophie Fontanel، وهي صحافيّة في مجال الأزياء ومؤلفة وشخصيّة بارزة على إنستغرام حيث تشارك حياتها اليوميّة مع ما يقارب 250 ألف متابع، "يجب أن نتساءل عن سبب قيامنا بذلك. إن كان ذلك لمراقبة حياة الناس، فلا بأس بذلك إذ ليس علينا التفاعل"، وبالنسبة إلى كثيرين لا يتعلّق الأمر بالتقيّد بالتلصص. وتُعلّق بحماسة قائلةً: "يمكننا أيضاً أن نتعلم ونتصفّح الحسابات لنكتسب أموراً جديدة تغنينا". أمّا إذا كنّا نرغب في التعبير عن أنفسنا، فهي تنصح بعدم الكشف إلّا عمّا يخدم هدفنا. "لا أظهر للناس حياتي كلّها. فعلاقاتي العاطفيّة والزيجات والوفيات والمشاكل الصحيّة والأشخاص الذين أقابلهم لا يظهرون على حسابي. وفي المقابل، أعرض كلّ ما يتعلّق بهدفي، بالشكل الذي يسمح لشخص مثلي وفي مثل سنّي (58 سنة) بالتعبير عن نفسه". 
وبدلًا من التشبث بالفكرة المتمحورة حول الفصل بين الحياة المهنية والحياة الشخصيّة، يجب التمييز بين المجالين العام والخاصّ. لذلك يمكن نشر ما يتعلّق بالحياة الشخصيّة على حساب خاصّ أو أحد تطبيقات المراسلة. وكلّما أجَدنا استخدام الأدوات، تمكّنا أكثر من تحسين إدارتنا لحسابنا. وفي هذا السياق، بعد أن سئمت المؤثرّة Garance Doré من العِدائيّة التي تهيمن على وسائل التواصل اتّجهت نحو إنشاء منصّتها الخاصّة المدفوعة، L’Île التي تنشر عليها يوميّاً حلقات مباشرة وفيديوهات ونشرات وتشاركها مع مجتمع محدّد ومخلص ومُحبّ. 

أمّا المسألة المطروحة في ما يخصّ الآباء فهي عرضهم لأطفالهم. يحقّ لنا ذلك ما لم يكن الغرض من الصورة تجاريّاً. وهنا تتساءل Alexandra Jubé "لكن هل علينا القيام بذلك؟"، مستذكرةً قضية Apple Martin ابنة Gwyneth Paltrow، التي انتقدت والدتها في العام 2019، وكان عمرها 14 عاماً حينذاك، لنشرها صورة لها على حسابها على تطبيق إنستغرام من دون موافقتها. كتبت المراهقة في التعليقات: "أمّي، سبق أن تحدثنا في هذا الأمر. لا يمكنك نشر كلّ شيء من دون موافقتي"، وهو نقاش عائلي علني معاصر. وتقول Jubé: "إنّنا لا نعي كيف سيتعامل الأطفال الذين ينشأون تحت الأضواء مع حقّهم في الصورة. ستجري محاكمات لا محالة، وهو ما سيذكّر الآباء بأن تحميل صورة طفل ليس أمراً عاديّاً يمرّ مرور الكرام". ومن ناحية أخرى، أصبحت قضية الأطفال المؤثرين أكثر انضباطاً: فمنذ دخول القانون الفرنسي الجديد حول الحقّ في الصورة حيّز التنفيذ في أبريل الفائت، بات نشاطهم يعتبر كعمل. ويتعيّن على الآباء طلب إذن مسبق من الإدارة كما أنّهم ملزمون بوضع جزء من العائدات المُحصّلة في صندوق الودائع والأمانات حتّى بلوغهم سنّ الرشد، كما هو الحال بالنسبة إلى الأطفال المشاركين في البرامج الاستعراضيّة. وبعيداً عن وضع الأطفال الخاصّ، ما العمل عندما نجد أنّه من الضروري التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب مهنية في حين أنّنا لا نرغب في ذلك؟ تقول Jubé: "لا تجبروا أنفسكم". أعلم أنّ لدينا الخيار ولا نستخدمه إلّا إذا كنّا نستمتع بذلك. وما لم يحدث ذلك، يمكننا الحصول على المساعدة – بإحالة بعض الردود إلى مستخدمي الإنترنت على سبيل المثال، أو كما تنصح Sophie Fontanel باللجوء إلى شخص من محيطنا نشأ على وسائل التواصل ويتقن شيفراتها، وتؤكّد أنّه غالباً لن يعبّر عن رأيه إلّا في بعض الصور، "أمّا إذا كان هدفنا واضحاً، فسنعرف كيف نستمتع بذلك". 

إنّ البقاء بعيداً عن منصّات التواصل هو لأمر ضروري. وتوصلت Lauren Bastide إلى ذلك بعد أن عمدت إلى الانقطاع عن وسائل التواصل لفترات طويلة أحيانًا. تقول: "ذهبت منذ ثلاث سنوات في عطلة إلى اليونان من دون هاتفي. ولم أقرأ يوماً هذا العدد من الكتب". بالإضافة إلى هذه الخطوة الجذرية التي تكرّرها كلّ عام منذ ذلك الحين، تخلّت عن تطبيق تويتر واختفت عن تطبيق إنستغرام لأشهر عدّة حتّى يسمح لها وقتها بذلك. هل تجدونها خيارات مستحيلة؟ وقد يسترعي اهتمامكم كتاب Burn After Writing بقلم Sharon Jones 7، وهو كتاب يجمع بين مفكّرة تطوّر على الصعيد الشخصيّ ودفتر يوميّات خاصّ، ويدعو القارئ إلى التركيز من جديد على نفسه عبر الإجابة عن أسئلة شخصيّة من دون الخوف من نظرة الآخرين. والمفارقة الكبرى هي أنّ الكتاب حقّق نجاحاً كبيراً منذ أن حصل عليه مستخدمو تطبيق تيك توك، ما يشكّل دليلاً على أنّ إعادة استثمار حياتك الواقعيّة لا يعني بالضرورة أن تدير ظهرك إلى وسائل التواصل.

اقرئي أيضاً: هذه هي مميّزات الشخصيّة الإماراتيّة عبر مواقع التواصل الإجتماعيّ

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث