
التصوير: Maximilian Gower
الإدارة الفنّيّة: Sarah Rasheed
الأزهار كلّها من Bliss Flower Boutique
هو مخرج وكاتب سيناريو يروي القصص عبر عدسة الكاميرا الخاصّة به. يهوى عبدالله الكعبي الفنّ ويعشق الثقافة، حتّى حوّل منزله في الجميرا إلى واحة فنيّة وثقافيّة، فلطالما شكّلا جزءاً كبيراً من هويّته وأعماله، فكان لنشأته في إمارة الفجيرة الواقعة على ساحل عمان والمعروفة بطبيعتها الخلّابة أثراً ملحوظاً على شخصيّته وخياراته المهنيّة. فمن قضاء الغروب في بيت جدّه المحاط بأشجار النخيل إلى التردّد إلى بيت عمّته حيث مزرعة المانغو ومنزل والده المطلّ على البحر والمحاط ببستان الليمون، طوّر عبدلله علاقة خاصّة مع الطبيعة الأمّ واستمدّ إلهامه من طبيعة هذه الإمارة الغنيّة بالجبال والمياه. فأحبّ الصخر والتراب والشجر والبحر والطير حتّى أنّه أطلق اسم El Booma Films على دار إنتاج الأفلام التي أنشأها تيمّناً بالبومة التي كانت تزور منزل العائلة في المزرعة في صغره. زرنا عبدلله في منزله في الجميرا لنكتشف عمق تواصله مع الطبيعة ومدى شغفه بالفنّ. فانضمّي إلينا في ما يلي للتعرّف أكثر على مسيرته المهنيّة وعلى منزله النابض بالحياة.
بدأت مشوارك المهنيّ بالتقديم التلفزيوني قبل دراسة الإخراج السينمائي في باريس. وباتت مسيرتك تنبض بأعمال عدّة نذكر منها "The Philosopher" و" Only Men Go to the Grave". فما هو العمل الأحبّ على قلبك حتّى الآن ولماذا؟
أنا أنظر إلى أعمالي ككائنات حيّة. فكلّ عمل يبدأ بفكرة تتبلور ثمّ ترى النور ثمّ كالطفل تتكلّم وتمشي وبعدها تنطلق إلى الحياة. لذلك أعتبر أفلامي كأولادي ولا أريد التفريق بينها، حيث خضت في كلّ واحد منها تجربة خاصّة تركت ذكريات عدّة وعملت مع أشخاص عظماء وفنّانين كبار، كما أنّ في كلّ عمل قصص معظمها تتمحور حول الكفاح. إنّما يمكنني أن أعتبر أنّ آخر العنقود هو الأقرب منّي والأعزّ إلى قلبي حيث كان لديّ الشجاعة أن أكون واقعيّاً وصريحاً مع نفسي أكثر من خلاله. وأتمنّى أن يستمرّ هذا الأمر ويتطوّر في الأعمال المقبلة، فهذه حرفة كلّ ما تعمّقنا بها تكون النتيجة أفضل.
تتناول أعمالك بمعظمها الجوانب الاجتماعية للحياة اليومية في المنطقة، فكيف تحاكي هذه الأعمال المجتمع الإماراتي؟
الأفلام هي وسيلة تواصل فنّيّة عميقة ليس لها حدود. فهي حوارجميل بين الفنان والمجتمع أو المشاهد نتكلّم فيها بطريقة جديدة عن مواضيع اجتماعيّة نحسّن فيها الحياة أوعلى الأقلّ نرى العالم من خلالها بنظرة جديدة. وهذا ما أحاول أن أقوم به من خلال أفلامي عبر فتح العقول والتحاور بطريقة جميلة مختلفة عن الطرق التقليدية. إذ يعيش المشاهد قصّة الشخصيّات التي يمكن أن تكون مختلفة عن شخصيّته كتلك المكسورة أو القويّة، ممّا يساعده ليكون أكثر تفهّماً وتعاطفاً مع الآخرين المختلفين وأكثر حناناً مثلاً على المكسورين. وهذا يزيد من قوّة تعايشه مع الناس رغم اختلافهم.
هلاّ أخبرتنا أكثر عن El Booma Films، ما الهدف وراء تأسيسك هذه الدار لإنتاج الأفلام؟ وما القاعدة الوحيدة المتعلّقة بهويّتها التي دائماً ما تأخذها في الاعتبار عند تقديم أعمال جديدة؟
ما يميّز البومة للأفلام هو أهميّة وجود القصّة في كلّ إنتاجاتنا. ففي النهاية أنا راوي وسيلتي هي الكاميرا والأفلام. وصحيح أنّ للإنتاج والصورة الجميلة والموسيقى الؤثّرة أهميّة إلاّ أنّ الأهمّ هو القصّة، فهي التي تبقى وترافق المشاهد . وبالتالي تكون هي الأساس أمّا الأشياء الأخرى فتبقى كماليّة.
تشكّل السينما بالنسبة إليك وسيلة تعبير، فإذا أردت أن توجّه رسالة إلى العالم أجمع عبر فيلم يتصوّر الحياة في المستقبل ماذا ستكون؟
الرسالة الأفضل اليوم هي التعايش والتسامح والسلام فنُفرح القلوب ونتقبّل الآخر المختلف. وأدعو أيضاً لهذه الفضائل خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي عانت الكثير. فمنذ ولادتي أرى أنّ هذه القضايا حرمت كثر من العيش الكريم. ونظرتي للمستقبل تتمثّل بكيفيّة مساعدتي عبر أفلامي على نشر هذه مبادئ. فإذا استطعنا نشرهذه القيم وبتنا نتقبّل رأي الآخر ستنتهي مشاكل الشرق الأوسط. فعلى الإنسان أن يتطوّر بينما الزمن يتغيّر من حوله.
هلاّ أطلعتنا على قراءتك الخاصّة للتّحديات التي تعصف بعالم صناعة الأفلام والثقافة عموماً إثر أزمة COVID-19؟
قطاع الإنتاج هذه السنة تأثّر كثيراً خصوصاً السينما لأنّني شخصيّاً أرى أنّ جماليّة السينما تتجلّى في شاشتها. ولكن للأسف قد انقطعت هذه الوسيلة التي نرى من خلالها الأفلام. كما أنّ تداعيات هذه الأزمة كانت الأشدّ على القطاع الثقافي. فباتت الثقافة في وطننا العربي أمراً مكمّلاً وليست في المقام الأوّل وهذا خطير لأنّها هويّة وطريقة تواصل تغيّر الحياة وتجمّلها. ومع تفشّي فيروس كورونا أصبح الاهتمام أقلّ بالثقافة فيما زاد الاهتمام بالإقتصاد. ولكن يجب ألاّ ننسى أهميّتها خصوصاً أنّنا في الوطن العربي نتمتّع بتاريخ كبير من ثقافات وديانات وموسيقى وأساليب حديث. وإنّه لأمر مؤسف ألاّ نقدّرها في مكان غنيّ بها.
كيف ساعدك شغفك بالفنّ على تجاوز هذه الأزمة العالميّة؟ وهل شعرت بأنّ تغييرات طرأت على شخصك ونظرتك للحياة إثرها؟
تغيّرت نظرتي كثيراً للحياة في الفترة الأخيرة. بصراحة كان همّي دائماً فيما مضى يتمحور حول تحقيق الإنجازات المتتالية. ولكن هذا النمط السريع الذي كان يأخذ منّي الكثير أرهقني. ومع تفشّي فيروس كورونا كانت أوّل مرّة أشعر فيها براحة نفسيّة، فاكتشفت وفهمت أنّ السعادة الشخصيّة أهمّ من أي شيء آخر. وأدركت خلال السنة الأخيرة أموراً كنت أتلقفها في السابق كشعارات مثل مدى أهميّة الصحة سواء تلك النفسيّة أو الجسديّة أو العقليّة.
ما رسالتك للشباب الإماراتي بمناسبة اليوم الوطني الإماراتي بناءً على تجربتك الشخصيّة؟
كلّ الأدوات والمستلزمات الثقافيّة موجودة في الإمارات من معارض كتب، فحاليّاً هناك معرض الكتاب في الشارقة وحفلات موسيقيّة ومعارض فنيّة وانشالله ستعود المهرجانات. أتمنّى أن يستغلّوا هذه الميادين الثقافيّة المتوفّرة. فيجب على المرء أن يقرأ ويرى ويسمع ويستلهم ويعيش ويساعد ويستغلّ كلّ هذه الموارد. نحن نعيش في العصر الذهبي الإماراتي على مختلف الأصعدة، فأتمنّى أن يأخذوا هذه المبادرات الثقافيّة الإماراتيّة وينعشوها فهي بدون روح الشباب ليس لها معنى. هذه نصيحتي لهم فالحياة واحدة ويجب أن يكونوا سعداء ويعيشوا كلّ يوم بيومه ويتمتّعوا بالطاقة الإيجابيّة.
هلاّ أخبرتنا عن القصّة الكامنة وراء إيجاد هذا المنزل التقليدي والعمل على تجديده حتّى أضحى ما هو عليه اليوم؟
هذا منزل قديم في قلب دبي قريب من البحر. وقد تعرّفت على الأشخاص الذين كانوا يعيشون فيه بحيث تهمّني الطاقات أكثر من البيت نفسه. وبعد ذلك حاولت قدر المستطاع أن أرمّمه بحيث لا أثر لمثل هذه البيوت في منطقة الجميرا إذُ تهدم وتُبنى أخرى جديدة مكانها. فأحاول شخصيّاً كفنّان أن أضيف على الحركة المعماريّة الثقافيّة في الإمارات على الأقلّ من خلال الحفاظ على بيت قديم ليس فقط بالشكل إنّما بالروح أيضاً حيث يكون فيه حياة. لذلك بالنسبة إليّ يجب أن يكون البيت دائماً دافئاً ذا إضاءة جميلة وتفوح منه رائحة عطرة. وأحبّ أن أستضيف شخصيّات مرموقة وحوارات جميلة لتنبض فيه الحياة.
هل لديك أيّ لون أو نمط ديكور مفضّل؟ وما هي سمات شخصيّتك التي يعبّر عنها هذا الديكور؟
كلّ ما له علاقة بالطبيعة والألوان الترابية يستهويني في الأعمال الفنيّة وفي ديكور المنزل. أحبّ الفنّانين الذين يستخدمون المواد الترابية مثل محمد أحمد ابراهيم فأشعر بحوار بيني وبينه في أعماله. وفيما أحاول إعادة صنع ذكريات جميلة في منزلي، أغيّر الديكور بشكل متواصل إذ أشعر بالملل سريعاً ولا أتوقّف عند مزاج واحد، بحيث هناك حركة دائمة. إلّا أنّ القاسم المشترك هو جذورالطبيعة والثقافة دوماً.
كيف جعلت من هذا المنزل واحة ثقافيّة تجتمع فيها ذكرياتك الخاصّة والثقافات المختلفة التي استكشفتها حول العالم؟
أنا أهوى جمع القطع الفنيّة بشغف منذ أكثر من 20 سنة ولديّ صداقات وحوارات دائمة مع الفنّانين إذ أحبّ التبادل معهم. إذ جلبت قطع فنيّة من كلّ دولة من بين الـ70 التي زرتها. واليوم لديّ أكثر من 8000 قطعة فنيّة جمعتها شخصيّاً من الشرق الأوسط وخارجه.
منزلك مفعم بالأعمال الفنيّة التي اخترتها بنفسك. فهلاّ أخبرتنا عن أهميّة وجودها في المنزل بالنسبة إليك؟ فهل دورها جمالي فحسب أم لديها دور رمزي آخر؟
لا أقتني أبداً قطعة فنيّة للجماليّة أو الديكور فحسب، فأسأل نفسي دائماً هل لدى القطعة أو الفنّان شيء يُقال. فأبحث عن قطعة فيها روح تعني شيئاً، تُحدث صدمة أو شعور لديك. يمكن لبعض الأشخاص ألّا يحبّوا بعض القطع في منزلي ويعبّروا عن ذلك وبرأيي هذا شيء رائع لأنّها تكون قد حرّكت فيهم مشاعر. أنا لا أحبّ القطع التجريديّة بل أفضّل تلك الرمزيّة لأنّ فيها روح. فعندما أكون في المنزل حتّى لو كنت منفرداً لا أشعر بالوحدة لأنّ هذه القطع حولي حيث أشعر أنّ البيت مليء بالبشر أو الأرواح.
كيف يجتمع الأسلوب التقليدي الإماراتي والمعاصر في ديكور منزلك؟
أنا كاتب ومخرج أقضي معظم وقتي في المنزل فأحبّ أن يكون بيتي جميلاً ويمثّلني. وبالرغم من أنّني أحبّ الخصوصيّة، فتحت بيتي للعامّة وللصحافة لأترك تأثيراً على الآخرين عندما يروا كيف رمّمت بيتاً قديماً علّهم يحقّقون ذلك أيضاً فنستطيع أن ننقذ البيوت القديمة في دبي والإمارات عموماً. كذلك أردت أن ألهم غيري من الشباب على القيام بالمثل ودعم الفنّانين والحركة الثقافيّة والفنيّة في دبي خصوصاً أنّ الفنانين في الإمارات لا يمكنهم أن يكسبوا قوّتهم من العمل في الفنّ فحسب.
في الآونة الأخيرة أصبحت حياتنا بمجملها محصورة في المنزل. هلاّ أخبرتنا عن خبرتك خلال هذه الفترة؟ هل تغيّرت نظرتك للمنزل؟ وهل قمت بتغييرات في التصميم لتلبية الحاجات المستجّدة؟
في فترة الإغلاق حوّلت غرفة العشاء لديّ إلى مقهى باريسي، فوضعت 3 إلى 4 طاولات دائريّة وكنت آخذ الطلبيّات عندما يأتيني زوّار مع الالتزام بالتباعد الإجتماعي. وكان الجوّ يشبه تماماً مقهى باريس إنّما في منزلي.
اقرئي أيضاً: At Home مع Farah Merhi






