في ذكرى 4 أغسطس... شابّات لبنانيّات حوّلنَ الألم إلى قوّة

التصوير: Bernard Khalil
الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh 
التنسيق: Cynthia Succar

​في 4 أغسطس 2020 لم تتغيّر ملامح العاصمة اللبنانيّة فحسب، إنّما حياة أهلها أيضاً. فمن لم يفقد شخصاً عزيزاً أو مأوى أو مصدر رزق جرّاء انفجار مرفأ بيروت، فقَد قطعة من ذاته. ومنذ ذلك التاريخ وفي ظلّ تفشّي وباء كورونا، ما لبثت الأزمات التي يعاني منها الشعب اللبناني ولا سيّما النساء تتفاقم. ولطالما اشتهرت المرأة اللبنانيّة بشجاعتها وتفانيها في حماية عائلتها والاهتمام بها بينما تسعى إلى تحقيق أحلامها. إلاّ أنّ العبء أصبح كبيراً في الفترة الأخيرة، فنساء كثيرات يعملنَ في خطّ الدفاع الأوّل عشنَ تجارب صعبة في محاربة الوباء، وأخريات خسرنَ عملهنّ جرّاء تردّي الأوضاع الاقتصاديّة، وأخريات يحاربنَ كلّ يوم للحفاظ على عملهنّ ومصدر رزقهنّ فيما يتابعنَ تعليم أطفالهنّ عن بعد. وبالرغم من شعورهنّ بالتعب والاستنزاف، يمضينَ قدماً بعزم لأنّه لا مكان للإستسلام... وفي خضمّ كلّ ما مررنَ به، تبقى محافظتهنّ على صحتهنّ النفسيّة أولويّة! وفي هذا التقرير، نكرّم شابّات عشنَ تجارب مماثلة وتمسّكن بالأمل والقدرة على الصمود ونتعرّف منهنّ على الخبرات الإيجابيّة التي استخلصنَها. وصحيح أنّ هذه التجارب تركت جراحاً جسديّة ونفسيّة وفي بعض الأحيان ندوباً ظاهرة أو خفيّة، إلّا أنّ اهتمامهنّ بذاتهنّ يبقى وسيلة تساعدهنّ على الشعور بالإيجابيّة.وفيما نناقش معهنّ حكايتهنّ، صفّف خبير الشعر اللبناني الرائد Victor Keyrouz شعرهنّ، بينما قدّمنا لهنّ منتجات جماليّة من L'Occitane في خطوة صغيرة للترفيه عنهنّ. فانضمّي إلينا في هذه الجلسة لتتعرّفي عن قرب على قصّتهنّ وكيفيّة تحويلهنّ الألم إلى قوّة!

اقرئي أيضاً: قرابة ذكرى 4 أغسطس... مبادرة نور لدعم بيروت وأهلها

Jennifer Aoun: عندما تُمتَحن قدراتك، ستكونين على مقدار التجربة

فيما أعلن المستشفى الذي تعمل فيه في بيروت حالة الطوارئ جرّاء تضرّره الجسيم من انفجار 4 آب، وفي ظلّ وجود حالات حرجة في طاقمه وبين مرضاه وتوافد أخرى من محيطه، كان على الطبيبة Jennifer Aoun اتّخاذ قرار مصيريّ بعد نجاتها ما بين البقاء والمساعدة في إسعاف الجرحى أو المغادرة. إلّا أنّها شعرت أنّ الوقت مناسب تماماً لتعيش دعوتها المهنيّة وتطبّق كلّ ما تعلّمته في الجامعة. لحظات عصيبة عاشتها الطبيبة إنّما تسلّحت بالقوّة والعزم. وتقول: "عادةً ما تستهينين بقوّتك ولا تعرفين مداها، إلّا أنّك عندما تواجهين موقفاً صعباً، ستنعمين بالقوّة للعمل والصمود". وتتابع ابنة الـ28 ربيعاً: "وما علّمني إيّاه هذا الانفجار هو أنّ كلّ فتاة قويّة وتعمل على ذاتها وتطوّرها، ستكون على مقدار التجربة عندما تُمتَحن قدراتها. بالطبع عشت لحظات ضعف عندما كنت بمفردي في المنزل إنّما هذا الموقف برهن لي مدى قوّتي." وتفتخر Jennifer وزملاؤها اليوم بكيفيّة تحقيقهم لرسالتهم كأطّباء في ذلك النهار ودعمهم لبعضهم البعض ليتخطّوا المحنة والآثار النفسيّة سويّاً. وتختم: "على كلّ فتاة أن تعزّز ثقتها بنفسها وتعي قدراتها ولا تشكّ بنفسها أو تدع أيّ شخص يشكّك فيها، لأنّها عندما تصمّم على القيام بشيء ما، تستطيع ذلك حتماً!" 

Andrée El Sioufy: رسالتي المهنيّة هي أن أعطي كلّ ما لديّ من دون أن أطلب شيئاً في المقابل 

خلال بداية تفشّي وباء كورونا، عاش الطاقم الطبّي في لبنان عموماً ضغوطاً كبيرة، فتخبرنا Andrée El Sioufy الممرّضة في مستشفى في منطقة الأشرفيّة: "بات هناك نقص في معدّات الحماية، من كفوف طبيّة وكمّامات جرّاء تهافت الناس على شرائها، فأصبحنا بالكاد نستطيع حماية أنفسنا ومرضانا". بالإضافة إلى فترة الخوف والتعب التي رافقت الوباء، عاشت ابنة الـ23 ربيعاً كارثة 4 آب بملئها حيث وقع دمار كبير في المستشفى الذي تعمل فيه. ففيما بدأ الطاقم الطبّي بإخلاء المرضى، بدأ المصابون يصلون تباعاً. وتتذكّر الممرّضة الشجاعة هذه المشاهد الصعبة وتقول: "في تلك اللحظات كان علينا أن نتّخذ قرارات جريئة وسريعة تتعلّق بأولويّة العلاج". كان لهذه التجربة السلبيّة تأثير إيجابي على Andrée حيث شعرت بالفعل بأنّها تقوم بالرسالة التي هي مدعوّة للقيام بها والتي اختارتها كمهنة وهي :"أن تقدّم كلّ ما لديها من دون أن تطلب شيئاً في المقابل". واتّخذت عهداً على نفسها منذ ذالك اليوم ألّا تسمح للصعوبات والمتاعب أن تُؤثّر فيها. وتختم: "هذه الحادثة علّمتني إعطاء قيمة للكثير من الأمور التي كنت أعتبرها بديهيّة، فحتّى النفس الذي أتنفسّه اليوم بات قيّماً".

Grace Makari: لا تدركين مدى قوّتك إلى أن يصبح التحلّي بالقوّة خيارك الوحيد 

تعرّضت Grace Makari البالغة من العمر 33 عاماً لكسر في وركها وحوضها يوم 4 آب، وتقول: "أتذكّر أنّني كنت أنزل درج منزلي في بيروت عندما طرت إلى الوراء وسقطت قطعة من مبنى ما على وركي". وتضيف: "لم أستطع الوقوف أو المشي لكنّني كنت قويّة ومنظّمة الأفكار للغاية، إذ إنّك لا تدركين مدى قوّتك إلى أن يصبح التحلّي بالقوّة خيارك الوحيد". وبينما فقدت هاتفها ولم تستطع الوصول إلى منزلها، سارع شابّ، تسمّيه اليوم ملاكها الحارس، إلى مساعدتها وتمكّنا من قيادة سيارتها إلى مستشفيات عدّة كانت جميعها ممتلئة بالجرحى. وبعد فترة وجيزة، تمكّن شقيقها من الوصول إليها ونقلها إلى مستشفى شمال لبنان. وبعد مكوثها في الفراش لمدّة شهرين، تعافت وتمكّنت من تخطّي هذه الحادثة بفضل عائلتها وأصدقائها فاكتشفت نقاط قوّتها. وهي تحيّي النساء اللبنانيّات اللواتي يعملنَ ويهتممنَ في الوقت عينه بعائلاتهنّ ويتخطّينَ التّحديات اليوميّة التي يتعرّضنَ لها. 

Sarah Araije: ما من شيء يستطيع إيقافك أو ردعك 

تمتلك Sarah Araije وشقيقتها وكالة Bridge of Minds للتسويق والتواصل في منطقة الأشرفّية. وتسبّب الانفجار بتعرّضها لإصابة كبيرة وبندوب في جميع أنحاء جسدها ونفسها. وتخبرنا قائلةً: "عند وقوع الانفجار، رأيت أحد الموظفين في مكتبنا يطير والزجاج يتطاير معه من كلّ حدب وصوب، ثمّ أغمي عليّ. وعندما استيقظت، أصبت بصدمة هائلة". وبعد ثلاثة أيّام، عادت سارة إلى العمل من أجل موظفيها. وتؤكّد: "أؤمن اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بالمواهب اللبنانيّة وأحبّ أن أرى فريقي سعيداً ويجب أن نواصل جهودنا من أجلهم". وبناءً على هذه التجربة التي أثّرت في أعماق نفسها، تشارك Sarah هذه الرسالة مع كلّ امرأة وتقول:
"ما من شيء يستطيع أن يوقفك أو يردعك في الحياة، وطالما أنّك على قيد الحياة وتتنفّسين، يمكنك تحقيق كلّ ما تريدين."

Farah Jabbour: كلّ مرحلة نعيشها تجعلنا نسخة أفضل من أنفسنا 

فيما كانت Farah Jabbour عائدة مع طفلها من زيارة لصديقتها في منطقة الأشرفيّة، دوّى انفجار المرفأ وسرعان ما تحوّل محيطها إلى ساحة حرب. وبعدما نجيا من الدمار، لم تستطع الوصول إلى منزلها لشدّة الردم الذي ملأ المكان. وبعد لحظات عصيبة اعتقدت في خلالها أنّها خسرت زوجها الذي كان في المنزل حينها، اكتشفت أنّه نجا أيضاً. تشعر Farah اليوم بالامتنان وتختم: "كلّ مرحلة نعيشها تعلّمنا شيئاً جديداً وتجعلنا نسخة أفضل من أنفسنا. وأعتبر مجيء شبّان وشابّات لبنان لمساعدتنا في رفع الرّدم خبرة إيجابيّة والطريقة الوحيدة التي تجعلني أفيهم حقّهم هي أن أبرع في عملي لأستطيع تأمين فرص عمل أفضل لهم."

Christelle Matar: علّمتني هذه التجربة المروّعة ألّا أحفّز نفسي على المضي قدماً فحسب، بل تحفيز الآخرين وتمكينهم أيضاً 

عند السادسة مساءً من 4 آب انقلبت حياة Christelle Matar رأساً على عقب حين دفعها عصف الانفجار بينما كانت تتابع عملها في مطعم في بيروت. استيقظت فوجدت نفسها مستلقيةً على لوح كرتوني ومحاطة بغرباء يصرخون وبأصوات سيارات الإسعاف. فتخبرنا:"كنت أتألّم من كتفي التي تعرّضت لكسر ومن قطع الزجاج التي غرست في كلّ جسمي. ولم أستطع حتّى التكلّم لأنّ أسناني الأماميّة كانت مكسورة وأصبت بصدمة شديدة". حاولت ابنة الـ 24 ربيعاً التكيّف مع الألم الجسدي والعقلي والخوف الذي كانت تشعر به، فبات التحلّي بالقوّة الخيار الوحيد الذي وجب عليها فعله. وكانت درب شفائها وعلاجها طويلة إلّا أنّها حوّلت الألم إلى قوّة وصلابة بمساعدة من حولها. وتختم: "كامرأة، علّمتني هذه التجربة المروّعة ألّا أحفّز نفسي على المضي قدماً فحسب، بل تحفيز الآخرين وتمكينهم أيضاً."

Sana Rahme: مع مرور الوقت سنُشفى، وسنصبح أقوى ممّا كنا عليه سابقاً 

"لقد أخذ بنا كلّ من وباء كورونا والأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة إلى فصل جديد تماماً من حياتنا. ولم نكن أبداً مستعدّين لذلك"، تخبرنا Sana Rahme طالبة الهندسة المدنيّة. يمنحها العمل إحساساً بالإنجاز والاستقلاليّة ويزيد من ثقتها بنفسها، لذا يصعب عليها أن تكون فتاة عشرينيّة عاطلة عن العمل. وتضيف: "لقد جعلنا الخمول الاجتماعي نعاني من التوتر والاكتئاب خلال هذين العامين. إلّا أنّني الرغم من كلّ ذلك، ما زلت آمل بمستقبل أفضل في بلدنا". وتختم: "كلّ ما يمكنني قوله هو أنّنا مع مرور الوقت سنُشفى، وسنصبح أقوى ممّا كنّا عليه سابقاً. ولأولئك من بيننا الذين واجهوا الكثير من الأحداث المدمّرة، نقول إنّ ذكرياتنا وتجاربنا الحياتيّة كلّها تقريباً غارقة في الألم والصراع الناتجَين عن أوقات كهذه. ومع ذلك، لا تطاردنا تلك الكوارث من دون أن تجعلنا نتذكّر دوماً هشاشة الحياة كما الرغبة المتأصلّة لدينا في مقاومتها."

Ghina Tauk: اتّخذت خيار المواجهة والبقاء 

ترعرعت Ghina Tauk كمعظم بنات جيلها اللبنانيّات، في كنف عائلة متواضعة، همّها الأوّل والأخير تأمين مستقبل لامع لأولادها. وتقول: "ما إن أبحرنا في العالم المهني، حتّى هبّت العواصف. ولمّا مضيت قدماً في العمل بعدما تخرّجت من الجامعة، كنت كلّي ايمان بأنّ المستقبل لا بدّ من أن يكون واعداً ولكن معظم أحلامنا تلاشت في ظلّ الاوضاع التي مرّ بها بلدنا، فصرنا نتلقى الضربات الواحدة تلوى الأخرى وكان آخرها انفجار بيروت الذي فجّر قلوبنا وحطّمنا". خسرت Ghina عملها ومصدر قوّتها وأملها وباتت أمام خيارين الأوّل هو الهجرة، أمّا الثاني فالمواجهة والبقاء. وتختم: "اتّخذت الخيار الثاني وأنا على يقين بصعوبة الوضع إلّا أنّ بلدنا بحاجة لنا لإعادة ضخّ الدم في قلبه الذي يكاد يسكت".

اقرئي أيضاً: بعد كارثة 4 أغسطس... حيّ دبي للتصميم يدعم المصمّمين اللّبنانيين

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث