فاطمة النعيمي: "أنصح كلّ مهندسة بأن تبدأ مسيرتها المهنيّة بالعمل في الحقول"

الإعداد: Dr. Carole Nakhle

يعدّ قطاع النفط والغاز أحد المحرّكات الكبرى للاقتصاد العالمي لا سيّما في منطقة الخليج إلاّ أنّ هذا القطاع الصناعي يتّسم بطابعه "الذكوري". وبغية استكتشاف المجال النسائي لقطاع النفط والغاز بشكل أفضل، أجرت ماري كلير العربيّة مقابلات مع شخصيّات محترفة لامعة من مختلف المهن في هذا القطاع بينهنّ الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك للغاز الطبيعي المسال‎ فاطمة النعيمي.
ما الذي جذبك إلى مجال النفط والغاز؟
في وقت مبكر من عمري، كنت قد اتخذت القرار الأساسي المتعلق بمسيرتي المهنية، وهو أن أنضم لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) حال تخرجي من كلية الهندسة الكيميائية في جامعة الإمارات العربية المتحدة. حينها كنت مدركة لمدى أهمية صناعة النفط والغاز في نمو ودعم اقتصاد الدولة، الأمر الذي دفعني للسعي لأن أصبح جزءاً من هذا القطاع المهم.

هل سبق لك أن قلقت إزاء الفكر النمطي السائد حول الصناعة كقطاع يهيمن الذكور عليه، لا سيّما في المناصب العليا؟
هذا صحيح، فقطاع النفط والغاز، تقليدياً، يعتبر من المجالات التي يهيمن عليها الرجال وهذه ظاهرة عالمية وليست فقط في دولة الإمارات، ولكنني أشعر بالإلهام والإيجابية مع التقدم والجهود المبذولة من قبل القائمين على الصناعة لدمج وتفعيل دور المرأة في هذا القطاع على جميع المستويات.
فقد أصبح رواد الطاقة وصناع القرار في القطاع مدركين تماماً للعلاقة الإيجابية الواضحة بين زيادة التنوع وتحسن أداء الأعمال وفق ما أظهرته نتائج الأبحاث مؤخراً.
نحن في أدنوك، نحرص على تمكين المرأة في هذا القطاع. وشخصياً تشرّفت بتعييني كرئيسة لأول لجنة توازن بين الجنسين في أدنوك في عام 2016. لقد سعينا منذ تدشين هذه اللجنة على تجسيد دعم قيادة أدنوك والتزامها لتمكين المرأة، من خلال وضع أهداف طموحة لزيادة تمثيل الكوادر النسائية في المناصب والأدوار القيادية. واليوم، وبفضل هذا الدعم، تجاوزنا هذه الأهداف عن طريق تعيين ثلاث نساء طموحات في منصب رئيس تنفيذي، وشغل أكثر من 17 سيدة منصباً في مجالس إدارات شركات أدنوك، والآن وضعنا خططاً أكثر طموحاً في زيادة عدد النساء في المهام والأدوار الفنية في حقول أدنوك البرية والبحرية.

من وجهة نظرك، ما الذي يمكن القيام به لتمكين الكوادر النسائية لتحقيق على جميع المستويات في قطاع الطاقة؟  
ثمة عنصران رئيسيان لا بدّ من مراعاتهما في هذا الصدد: أوّلهما كيفيّة جذب مزيد من النساء إلى هذا القطاع، وثانيهما كيفيّة تطوير مهارات الكوادر النسائية ودعمهنّ ليكتشفن طاقاتهن وإمكاناتهنّ الحقيقية.
فيما يتعلّق بالنقطة الأولى، أرى أنّنا بحاجة إلى التواصل بصورة أكثر فاعليّة حول الهدف الإنساني الذي يدفعنا لهذا المجال، لا سيّما حول المساهمة الإيجابيّة التي يقدّمها قطاعنا للمجتمع الدولي عبر تزويد العالم بالطاقة. ومن جهة الاحتفاظ بالمواهب النسائيّة، فإننا نحتاج للنظر في سياسات العمل ومراجعتها، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة العمل المؤسسية، وأن تبقى الأساسيّات متمثلة في الحرص على أن تكون سياساتنا محايدة بين الجنسين وأنّ ينال الجميع الفرص عينها، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا رجالاً أو نساءً. فضلاً عن ذلك، علينا أن نخلق ثقافة من الدعم والتعلّم بدءًا من القيادة العليا. وعلى سبيل المثال، وقبل بضع سنوات، لم يكن العمل في الحقول أمراً اعتياديّاً بالنسبة إلى النساء، بينما اليوم، تعمل أكثر من 800 امرأة في مختلف عمليّاتنا التشغيلية في الحقول البرية والبحرية. كذلك، فإنّ حوالي 45 في المئة من الشباب الذين يتلقون منح أدنوك الدراسيّة هم من النساء، وقد صمّمنا برامج تطوير القيادات النسائية "لذوات الإمكانيات العالية".

هل تشجّعين الشابات في الشرق الأوسط على دخول مجال النفط والغاز؟ إذا نعم، فلماذا وفي أيّ مجالات معيّنة؟
بالتأكيد أشجعهنّ. إذ يتميّز قطاع الطاقة في الوقت الراهن بالتشويق لما يمر به من متغيرات وتحديات مثيرة للاهتمام مؤدياً ذلك لخلق فرص عديدة. فالعالم بأسره يبحث عن مستقبل أكثر استدامة وصديقاً للبيئة. ولابدّ لقطاع الطاقة بأكمله أن يلعب دوراً رائداً في هذا التحوّل، وتعدّ صناعة النفط والغاز المفتاح لنجاح هذا التغيير. وشخصيّاً، أنصح كلّ مهندسة بأن تبدأ مسيرتها المهنيّة بالعمل في الحقول؛ إذ إن العمل في قلب العمليات الصناعية يسهم في التعلم، وصقل المهارات والخبرات المكتسبة بشكل فاعل والتي سترافقها مدى الحياة. 

باعتبارك قائدة وأمّاً ناجحة، هل واجهت تحديّات في الحفاظ على التوازن بين عملك وحياتك الأسريّة؟ ما السر لتحقيق التوازن الناجح بين الحياة المهنيّة والشخصيّة؟
لا أعتقد أنّ ثمّة وصفة سحريّة لتحقيق توازن ناجح بين العمل والحياة الشخصيّة. إذ تختلف كلّ امرأة وكلّ زواج وكلّ أسرة عن الأخرى. كما أنّ كلّ فرد له مفهوم مختلف للتوازن. وبصراحة، كان دعم عائلتي أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إليّ لتحقيق ما وصلت إليه في مسيرتي المهنيّة، مع الحرص على الاستمرار في قضاء الوقت مع أطفالي الثلاثة. وأعتبر أمي وزوجي من الركائز الأساسية في حياتي، وأنا ممتنّة جداً لأنّني تمكنت من الاعتماد على كليهما.
هنا في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، تأتي الأسرة على قائمة الأولويات. وأشعر أنّنا احتفظنا بهذه القيم الإماراتيّة في أدنوك، ونسعى جاهدين لدعم موظفينا من أجل تحقيق توازن صحي بين العمل والأسرة. لذلك قمنا بتفعيل سياسة العمل المرن، وقدّمنا أيضاً خدمات لدعم الموظفين من الآباء، من خلال افتتاح دور حضانة في العديد من مقار العمل.  

تتولّين دوراً قياديّاً في شركة غاز رائدة؛ ما أكثر ما تفتخرين به في مؤسّستك؟
أولاً، وقبل كل شيء أود أن أعبّر عن فخري واعتزازي بالأشخاص وفرق العمل التي أعمل معها. معاً حققنا العديد من الإنجازات، فقد قمنا بتحويل نهج أعمالنا بشكل ملحوظ في العامين 2019 و2020. حيث كانت أدنوك للغاز الطبيعي المسال متعاقدة مع عميل واحد في اليابان لأكثر من 40 عاماً. أما اليوم، فنحن نقوم بدور حيوي في أسواق الغاز العالمية، ولدينا عملاء في الكثير من البلدان حول العالم. كما أنّني أفتخر أيضاً بطريقة استجابتنا لوباء كوفيد-19. فقد قامت فرق العمل المختلفة لدينا بجهود استثنائية في المقر الرئيسي والحقول في رعاية وحماية كوادرنا البشرية من موظفين ومقاولين وضمان استمرار عملياتنا التشغيلية، واستدامة الأعمال للوفاء بالتزاماتنا اتجاه دولة الإمارات العربية المتحدة وعملائنا على حد سواء.

وسط معركة مكثفة ضد تغيّر المناخ، كيف ترين مستقبل الغاز الطبيعي؟
يعتبر الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال من أنظف مصادر الطاقة الهيدروكربونية، كما أنها تعد ذات انبعاثات كربونية منخفضة وبنسبة تلوث ضئيلة جداً، مما يجعل الغاز الطبيعي أحد أهم مصادر الوقود على المدى القريب والمتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الغاز الطبيعي أيضاً بشكل جيد مع مصادر الطاقة المتجدّدة، ممّا يساعد على ضمان توفير إمدادات مستمرة من الطاقة للمدن والصناعات.

اقرئي أيضاً: المهندسة سارة أكبر: "هذا العالم الجديد سيجلب فرصاً كبيرة للسيّدات المتمرّسات "

العلامات: فاطمة النعيمي

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث