رائدة في صناعة النفط والغاز، Dr. Carole Nakhle

يعدّ قطاع النفط والغاز أحد المحرّكات الكبرى للاقتصاد العالمي لا سيّما في منطقة الخليج إلاّ أنّ هذا القطاع الصناعي يتّسم بطابعه "الذكوري". وبغية استكتشاف المجال النسائي لقطاع النفط والغاز بشكل أفضل، أجرت ماري كلير العربيّة مقابلات مع شخصيّات محترفة لامعة من مختلف المهن في هذا القطاع بينهنّ عالمة الإقتصاد في قطاع الطاقة والمؤسّسة والرئيسة التنفيذيّة لشركة Crystol Energy، الدكتور Carole Nakhle:

هلّا أخبرتنا عن خلفيّتك التعليميّة ؟
انتقلت إلى المملكة المتّحدة في العام 1998 لمتابعة دراساتي العليا، بعد أن حصلت على شهادتي الأولى في علوم الاقتصاد من جامعة القديس يوسف في بيروت. والواقع أنّ قراري هذا فاجأ الجميع من حولي لأنني نادراً ما أتحدّث الإنجليزيّة، إذ تعلّمت اللغة العربية والفرنسيّة فقط في ذلك الوقت، غير أنّني أردت تجربة أمر جديد. وقضت خطّتي الأساسيّة في قضاء عام واحد فحسب في المملكة المتّحدة للحصول على شهادة الماجستير في قطاع الخدمات الماليّة. ولكن بعد ذلك انجذبت إلى مجال الطاقة. لذلك التحقت ببرنامج دكتوراه حيث أجريت بحثي في اقتصاديّات الطاقة. وفي الحقيقة، كان هذا القرار صعباً لأنني لم أحصل على منحة ولم يتمكّن والدي من دعمي ماديّاً، لذلك انتهى بي الأمر بالتدريس في مختلف الجامعات والكليّات لتمويل تعليمي، وساعدني ذلك أيضاً على تحسين مهارات التواصل والتقديم لديّ، الأمر الذي ما زلت أجني ثماره حتى اليوم.

ما هي المحطة الأبرز في مسيرتك المهنيّة برأيك؟
كلّ مرحلة من مراحل مسيرتي المهنيّة تخلّلتها الكثير من المحطّات البارزة. لطالما أردت إنشاء اسم تجاري عالميّ، من شأنه أن يسهم بشكل بنّاء في المجتمع وأن يترك بصمة دائمة في عالم الطاقة. وذلك على الرغم من عدم وجود تاريخ عائلي لأسرتي في هذا القطاع إذ إنّ بعض الأقارب ما زالوا لا يفهمون طبيعة عملي حتى اليوم! كلّ ذلك بالرغم من قدومي من بلد لا يزال حتى الآن، أحد البلدان القليلة في الشرق الأوسط التي لا تنتج أيّ نفط على الإطلاق.
بعد إنهاء شهادة الدكتوراه، عملت مع مختلف أصحاب المصلحة بما فيهم المؤسسات الأكاديميّة وشركات النفط والغاز الكبرى، Eni الإيطالية وStatoil النرويجيّة التي تُعرف اليوم باسم Equinor، والمنظمات الدوليّة بما فيها الأمانة العامّة للكومنولث وصندوق النقد الدولي. كذلك عملت أيضاً مستشارة برلمانيّة خاصّة في المملكة المتّحدة وكان ذلك بحقّ امتيازاً كبيراً. وقد كانت جميعها تجارب رائعة واشتملت على محطّات بارزة خاصّة في مسيرتي، ولكن إذا تعيّن عليّ اختيار واحدة فقط، فستكون إطلاق شركتي الاستشاريّة والبحثيّة والتدريبيّة Crystol Energy في العام 2012. حيث بدأت شركتي تلك كتجربة، ثم بعد ستّ سنوات حصلت على جائزة أفضل شركة استشاريّة مستقلة للطاقة في المملكة المتّحدة في العام 2018 وتمّ إدراج اسمي في قائمة أفضل المديرات التنفيذيّات في مجلس الطاقة العالمي، وكنت "واحدة من المستشارين القلائل الذين استطاعوا الوصول إلى تلك القائمة".

ما الذي جعلك تؤسّسين شركتك الخاصّة Crystol Energy؟
اعتراني الفضول لمعرفة كيف يمكن إنشاء شركة من الصفر، وما الذي يتطلّبه الأمر لإنجاحها على مستوى العالم، وإلى أيّ مدى يمكن أن تتطوّر. وثانياً، أردت السعي وراء تحدٍّ جديد ومختلف من شأنه أن يخرجني من نطاق راحتي ويمنحني آفاقاً أوسع. وثالثًا، أنشأت شركتي انطلاقاً من الرغبة في إدارة أعمالي الخاصّة، ووضع جدول الأعمال والأهداف والاستراتيجيّة الخاصة بي مع التمتّع بمرونة كبيرة، ممّا ساعدني بشكل كبير على تحقيق التوازن بين العمل والحياة. وطبعاً علمت أنّ هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، ولكنّني شخصيّة مجازفة ولا أخاف الفشل. 

هل أنت سعيدة اليوم بخيارك المهني؟
بالتأكيد أنا سعيدة بالمهنة التي اخترتها، وإلّا لغيرت مساري منذ وقت طويل. كما أنّه من غير الممكن التفوّق في عملي ما لم أكن شغوفة به. فالمهنة ليست مجرّد منصب وظيفي؛ بل إنّها مسيرة طويلة من شأنها أن تتفرّع إلى اتّجاهات مختلفة بمرور الوقت، وغالباً ما يحصل ذلك بشكل غير متوقّع، إنّما لا بدّ لها من أن تأخذك إلى مكان تشعرين فيه بالرضا والسعادة، وهذا ما أشعر به اليوم.

إذا أمكنك العودة بالزمن إلى الوراء، فما الأمر أو القرار الوحيد الذي قد تغيّرينه بشأن مسيرتك؟
كنت لأعود إلى سبتمبر 2003 وأؤخّر رحلتي من بيروت إلى لندن، لأبقى يوماً آخر مع جدّتي. فلن أنسى أبداً اليوم الذي ودّعتها فيه، عندما سألتني عمّا إذا بإمكاني البقاء لفترة أطول معها. ولكنّني أخبرتها بأنّه عليّ العودة لرؤية مشرف الدكتوراه الخاصّ بي، إذ كنّا قد حدّدنا موعداً لاجتماعنا وكنت حريصة على استكمال تحصيل شهادتي. إنّما كانت تلك المرّة الأخيرة التي رأيتها فيها. غير أنّني تعلّمت درساً صعباً إثر ذلك، مفاده إنّه لأمر رائع أن نكرّس أنفسنا لتحقيق أحلامنا وامتلاك حياة مهنيّة، ولكن لا ينبغي لأحد أن يغفل عن أولويّات الأسرة الملّحة.

سافرت كثيراً في إطار عملك، ما الرحلة أم الرحلات التي لا يسعك نسيانها؟
لا بدّ للمكان الأوّل الذي اختاره أن يمثّل رحلة فريدة جداً: ألا وهو القطب الشمالي! وكان ذلك في العام 2007، عندما انضممت إلى بعثة استكشافيّة تتألّف من مجموعة صغيرة من خبراء الطاقة الدوليّين الذين دعتهم الحكومة النرويجيّة. وصلنا إلى دائرة عرض 85 درجة شمالًا على متن كاسحة جليد نرويجيّة. ووجدت الهدوء والجمال المهيب لهذا المكان آسراً بالفعل، كما أنّه جعلني أقدّر روعة الطبيعة عندما لا يمسّها الإنسان.
وكان لزيارة إحدى أكبر منصات النفط البحريّة في بحر الشمال تأثير كبير عليّ. حصل ذلك في العام 2005، وقد أدهشتني رؤية المنصّة في البحر النرويجي القاسي وعلى متنها أكثر من 200 موظف بإدارة امرأة.
وبعد تلك الرحلة بوقت قصير، أطلقت مجموعة Access for Women in Energy. أودّ أيضاً أن أضيف إلى القائمة رحلتي الأولى إلى إفريقيا، بينما كنت في بعثة صندوق النقد الدولي إلى سيراليون. فحتى بالنسبة إلى شخص مثلي لديه تجربة مباشرة في فقر الطاقة في الحرب الأهلية في لبنان، صدمت لرؤية الظروف الاقتصاديّة الصعبة للناس هناك. وجعلتني هذه الرحلة أكثر تقديراً لمدى أهمية الحصول على الطاقة لا سيّما تلك الرخيصة والموثوقة لانتشال هؤلاء الناس من الفقر، والواقع إنّها معادلة بسيطة. فالوصول إلى الطاقة والتنمية الاقتصادية أمران متلازمان.

نراك تدعمين وجود النساء في قطاع الطاقة منذ العام 2007 من خلال منظمتكم غير الربحيّة Access for Women in Energy. كيف يمكن للمرأة أن تساهم في صقل هذا المجال والحفاظ على استمراريّته؟
أيّ صناعة أو اقتصاد لا يستفيد من المواهب النسائيّة التي تشكّل نصف القوّة العاملة محكوم عليه بالركود والانكماش. وبالنسبة إلى قطاع النّفط، فإنّ هذا الأمر أكثر أهميّة بالنظر إلى التدقيق المكثّف حول عمليّاتها وسط المعركة المكثفة ضدّ تغيّر المناخ. لذا قد تسهم مساهمة المرأة في هذا القطاع، على مستوى جميع المراكز، في طرح وجهات نظر جديدة وتنشيط صورة الصناعة، لا سيّما في وقت يعتبر فيه نقص المهارات أحد الاهتمامات الرئيسة للصناعة. فمن خلال التركيز على جذب النساء واستبقائهنّ وترقيتهن في جميع الرتب، نعود بالفائدة على الصناعة من مختلف النواحي.

على الرغم من انخراطك في العمل، فأنت تستمرّين في التدريس في جامعات رائدة في أوروبا والشرق الأوسط. ماذا تقولين للطلاب عندما يطلبون نصيحتك بشأن الخطوة التالية التي يجب فعلها؟
عندما يسألني أحد الطلاب عمّا يجب عليه/عليها القيام به تالياً، مثلاً ما نوع الوظيفة التي يجب أن يسعوا إليها وهل ينبغي عليهم تحصيل شهادة الدكتوراه ... لا أوصيهم بمسار أو وظيفة معيّنة لأنّ هذا القرار شخصي تماماً ويتأثر بالكثير من العوامل بما في ذلك شخصيّة الفرد وشغفه وأحلامه. لذا بدلاً من ذلك، أطرح عليهم أسئلة تجعلهم يفكّرون أكثر في خططهم المهنيّة، منها ما الذي يستمتعون بفعله؟ وما الذي يجعلهم يستمرون في المواقف العصيبة بشكل خاص؟ وفي حال كانوا يفكّرون في الحصول على شهادة الدكتوراه، فلماذا يريدون تحصيلها؟ وما الفائدة النهائية التي يأملون في تحقيقها؟ إذ يمكن أن تكون هذه الأسئلة مفيدة لهم أكثر من توصيتهم بمسار عمل معيّن.

اقرئي أيضاً: Dana Abdulbaqi: "أشجّع الشابات على الانضمام إلى صناعة النفط والغازلا سيّما وأنّ هذه الصناعة لا تزال تنمو"

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث