جناب السيّدة بسمة آل سعيد: في سلطنة عمان نساء مبدعات، وأتمنّى أن تتمثّل كلّ امرأة عُمانية بهنَّ

التصوير: Firas Al Raisi

الإدارة الفنيّة: Farah Kreidieh

من منّا لم يسمع بهدوء سلطنة عمان وطبيعتها الخلاّبة وكرَم شعبها وإنجازات نسائها؟ منذ خمسين عاماً، عملت السلطنة على إقامة دولة عصريّة ترتكز على قيم السلام والاحترام والوحدة والحوار والأمن والاستقرار والتنمية المستدامة. فتقدّمت في خلال هذه السنوات من إنجاز إلى آخر في شتّى الميادين حتّى أصبحت مثالاً يُحتَذى به لجهة المحافظة على العراقة والأصالة والقيم والتراث وفي الوقت عينه مواكبة التطوّر في المجالات التربويّة والعلميّة والاجتماعيّة والصحيّة والاقتصاديّة. ونجحت في ذلك ببناء الدولة الحديثة التي تؤمّن التنميّة على كلّ الأصعدة. ولا يخفى على أحد أنّه كان لنساء السلطنة دور أساسيّ في هذه النهضة خصوصاً في ظلّ تمكينهنَّ من قبل السلطان "قابوس بن سعيد". وبمناسبة العيد الوطني العمانيّ الذي صادف في الثامن عشر من الشهر الماضي، سلّطت ماري كلير العربيّة الضوء على عُمانيات رائدات ومن بينهنّ جناب السيّدة بسمة آل سعيد.

بدأ اهتمامها بالصحّة النفسيّة منذ نعومة أظافرها. وما لبِثَت جناب السيّدة بسمة آل سعيد حتّى انخرطت في هذا المجال وأصبحت خبيرة في الصحّة النفسيّة ومؤسّسة العيادة النفسيّة الأولى في سلطنة عمان. وقد عملت في السنوات الماضية الـ19 على نشر الوعي المتعلّق بأهميّة الصحة النفسيّة، وتوجّت هذه القضيّة من خلال تأسيس حملة "نحن معك" للصحّة النفسيّة عام 2014. تُركّز السيّدة بسمة على أهميّة نشر المعلومات والوعي بخصوص الصحّة النفسيّة بطريقة تجعلها مفهومة من العموم. وتُشيد الخبيرة العُمانية بشجاعة المرأة العُمانية وتميّزها منذ القدَم. فلنتعرّف في ما يلي على جهودها المتعلّقة بالصّحة النفسيّة وآرائها بخصوص تمكين المرأة ومساهمتها في جعل سلطنة عمان نموذجاً رائدًا على جميع المستويات.

كيف بدأ اهتمامك بمجال الصحّة النفسيّة إلى حين تأسيسك Whispers of Serenity، العيادة الأولى للصّحة النفسيّة في سلطنة عمان؟

بدأ اهتمامي بالصحّة النفسيّة عندما كنت لا أزال في الخامسة عشر من العمر. فكنت أحبّ القراءة عن علم النفس، وعندما تسنّى لي اختيار اختصاصي، كان هذا الخيارَ الأوّل. وفي البداية عارضني والدي ولم يتحمّس لخياري بل شجعّني على دراسة علوم الحاسوب. لكنّني تحاورت معه وشرعت في مجال علم النفس. ومنذ يوم تخرّجي وقبل عملي في مستشفى الجامعة لمدّة 11 سنةً، كنت أفكّر في تأسيس عيادة خاصّة بي لعدَم وجود عيادات خاصّة في السلطنة. وحينها، لم أكُن أعرف إذا كانت الناس ستتقبّل ذلك. لكن عند عملي في الجامعة، وجدت أنّ درجة التقبّل كبيرة جدّاً خصوصاً عندما لجأ إليّ أشخاص للمساعدة في حين كانت تُعتَبَر قضاياهم حسّاسة في مجتمعنا. فقضيت هذه الفترة ببناء قدراتي في علم النفس واتّباع دروس كثيرة وتدريبات في جامعات عالميّة عريقة. وهكذا، كانت بداية اهتماماتي في تأسيس العيادة. وأردتها أن تكون مميّزة ومختلفة، في حين تُشعِر الشخص بالراحة النفسيّة. فدقّقت في كلّ شيء، من اسم العيادة وألوانها ومختلف التفاصيل لتكون مناسبة للمريض النفسيّ. فعلى سبيل المثال، نضع العطر والموسيقى نفسها كلّ يوم حتّى يشعر المريض الذي يقصدنا أنّ هذا المكان يؤمّن له الراحة.

ما هي التحدّيات التي واجهتها في الـسنوات الـ19 الماضية في زيادة الوعي تجاه الصحّة النفسيّة في سلطنة عمان؟

أُسأَل هذا السؤال كثيراً من منطلق أنّ الصحّة النفسيّة موضوع لا يحبّ الناس التكلّم فيه. لكن، أنا أرى أنّ ذلك يعتمد على كيفيّة تقديم الشخص للموضوع ونشر الوعي بخصوصه، فطريقة نشر الوعي مهمّة جدّاً. وحملتنُنا للصّحة النفسيّة "نحن معك" عمرها 5 سنوات، ونحن نستعمل فيها طرق جديدة تقوم على الفنّ والسلاسة في التعبير واستعمال ما هو قريب إلى قلب الإنسان. أمّا المحاضرات التي نُعطيها في الجامعات والمدارس والوزارات، فدائماً تكون بسيطة ومبنيّة على أمثلة واقعيّة حياتيّة تصل إلى مفهوم االأشخاص. فنحن نسعى إلى تعليمهم أنّنا كلّنا عُرضة لأن يكون لدينا مشكلة تُتعبنا نفسيّاً. وبالنسبة للتحديّات، لم أواجه تحدّياً تجاه نشر الوعي، إنّما كنت أنا بذاتي التحدي لأنّني كنت أقول أنّه يجب أن يكون أدائي أفضل وأن أقوم بالنشر أكثر. وشعرت أنّ السنوات الـ19 الماضية كانت ممتعة، لكن ربّما يكمُن التحدي بعض الشيء في عدم دعم المؤسّسات التي عليها تشجيع تلك المشاريع لشعورها بأنّها ثانويّة. إنّما من حيث الناس ووعيهم وحضورهم فعاليات التوعية، دائماً ما كانوا يحضرون بكثرة ولم يكُن أحد يخجل بأنّه يأتي ليتلقّى معلومات عن علم النفس.

يُمكن أن يكون الجيل الجديد على معرفة أوسع بالصحّة النفسيّة من الأكبر سنّاً، فكيف يمكننا أن نجعل أولئك الأشخاص أيضاً يَعون أهميّة الصحّة النفسيّة بمختلف أوجهها؟

للأسف، أحياناً يكون التعامل بطريقة ما أسهل مع الجيل القديم من الجيل الجديد الذي لديه في بعض المرّات نظرة جديدة في موضوع علم النفس. ونواجه في بعض الأحيان صعوبة مع الجيل الجديد. إنّما في الوقت عينه، ثمّة مجموعة رائعة منه تُبدِع بأمر عندما تُؤمن به. إذاً، علينا أن ننشر الوعي بطريقة مناسبة وصحيحة تصل لمفهوم كلّ شرائح المجتمع من كلّ الأعمار سواء المتعلّمين منهم أو غير المتعلّمين. فأنا أكلّم الجيل الأكبر باللّغة العاميّة العُمانية لأنّني أعتقد أنّهم يشعرون بأنّهم أقرب منّي عندما أتكلّم بهذه الطريقة بدلاً من استعمال كلمات صعبة، وأتكلّم معهم عن الزمن الجميل. وأدخل من هذا الباب ومن ثمّ أقول لهم إنّ صحّتهم النفسيّة مهمّة. وهنا، أشدّد على أهميّة طريقة تقديم المعلومة. فعندما كان لديّ برنامج يُعرض على التلفاز أتكلّم فيه عن مواضيع نفسيّة، كان جمهوري الأكبر من كبار السنّ. وكنت أتكلّم معم أيضاً بالعاميّة عن الأمور التي كانوا يفعلونها سابقاً والتي كانت تُساعد في الصحّة النفسيّة، مثل تجمّعات الأهالي، في حين أنّ أجهزة التواصل الاجتماعيّ اليوم أبعدتنا عن بعض. ومن هذه الجهة، أرى أنّ التعاطي مع الجيل الأكبر أسهل من التعامل مع الجيل الجديد.

ما الدرس الذي تودّين أن تقدّميه لأولادك بناءً على تجربتك؟

الدرس الذي أريد تقديمه لأولادي هو عدم تخلّيهم عن كلّ شيء وشعورهم بالفشل أمام أوّل إحباط. فتعلّمت أنّ الفشل أمر جميل، وهو ما سمح لي بالوصول إلى ما أنا عليه اليوم. وحتّى الآن، ثمّة أمور أفشل فيها وهذا طبيعيّ، لأنّ عدم فشلي هو الأمر غير الطبيعيّ. وأحبّ أن يفشل أولادي في بعض الأشياء ليعملوا على النجاح بطريقة أفضل. وأريدهم أن يعيشوا كلّ لحظة من حياتهم بطريقة جميلة وألّا يستسلموا وأن يشعروا بأنّ التحديّات هي أجمل شيء. وأقول لهم دائماً إنّه ما من أمر لا يستطيعون فعله أو لا يعلمونه، بل يوجد دائماً حلّ، يُمكن ألّا يجدوه اليوم أو في الغد، لكن دائماً ما يظهر حلّ ما في نهاية المطاف. ومن المهمّ أيضاً أن أكون مثالاً يحتذي به أولادي، فإذا رأوا أنّني أواجه مشاكل في عملي فيما أحاول حلّها من دون إحباط، فبالتالي سيحذو حذوي.

لقد نلت جوائز عدّة تتعلّق بإسهاماتك في مجال الصحّة النفسيّة، فما هي خطّتك المستقبليّة وإلى أين تطمحين الوصول في هذا المجال؟

الجائزة هي تكريم وتحفيز وتكليف. لكن، بعد حصولي على كلّ جائزة، أسأل نفسي ما الخطوة التالية وماذا سأفعل بعد وكيف سأعمل بشكل أفضل. وتقضي خطّتي المستقبليّة بالاستمرار في نشر الوعي عن الصحّة النفسيّة. والآن، نوقّع اتفاقيّات ومذكّرات تفاهم مع الدول المجاورة لنشر الصحّة النفسيّة للدول المجاورة خارج السلطنة، لأنّ طريقة نشرنا للوعي مختلفة. من حيث العيادة والعمل، خطّتنا هي أن نفتح فروعاً في دول أخرى ونتعاون مع دول ثانية وأن نستمرّ في عملنا وفي تعليم الصحّة النفسيّة بطريقة جميلة وأن نأخذ معنا المبتدئين في هذا المجال ونعمل معهم سويّاً لمستقبل أفضَل. وما نهدف إليه هو أن يكون لدينا منتجع يوميّ للصحّة النفسيّة، وكان هذا أكبر هدف لي.

بصفتك أخصائيّة ومعالجة في الصحّة النفسيّة، ما هي الصور النمطيّة المتعلّقة بالمرأة العُمانية التي ترغبين في تغييرها؟

أحبّ أن تكون للمرأة العُمانية ثقة بالنفس وأن تبنيها أكثر وأن تجازف بوَعي وأن تبدأ تجربة جديدة في عملها وحياتها وتكون أكثر ابتكاراً، لأنّها عندما تكون مبتكرة تصبح رائعة. وأنصحها بألّا تخاف من الجديد لأنّها تستطيع أن تقوم بالكثير. فإذا ركّزت في أمورها، تستطيع أن تُبدع. الأمثلة موجودة في السلطنة حيث لدينا وزيرات وسفيرات ورائدات في مجال الرياضة والطيران وتسلّق الجبال ومختلف المجالات. فعندما تنطلق المرأة العُمانية تنطلق بقوّة، إنّما في بعض الأحيان يحتاج ذلك إلى الوقت. وأنا أتمنّى أن تتمثّل كلّ امرأة بهذه الأمثلة الموجودة وربّما تُبدع حتّى أكثر منها.

كيف تساهمين كامرأة عُمانية في جعل سلطنة عمان نموذجاً رائداً على جميع المستويات؟ وماذا تتمنّين لبلدك في يومه الوطنيّ؟

تطلُّع المرأة العُمانية يجب أن يصبو إلى نشر اسم المرأة العُمانية وعمان خارج السلطنة وأن تكون سفيرة لبلادها من حيث التجارة والعلم والثراث. فنسمع كثيراً أنّ الناس لا تعرف عن عمان، ويجب أن نكون سفيرات لبلدنا ونعرض لهم الإبداعات التي نقوم بها في كلّ المجالات. وبذلك، تظهر المرأة العُمانية بطريقة مشرّفة وجميلة كما عهدناها، وعليها ألاّ تخاف وأن تنشر إسم عمان خارج البلاد وتُبرز كيف تكون إبداعاتها وتُظهر كيف لدينا سلطان آمن بنا وبقدراتنا وبالأشياء التي يمكن أن نقوم بها. وعلى المرأة العُمانية أن تسعى دائماً للعلم وخوض التجارب الجديدة لتكون على مستوى عالي ورفيع.

وأتمنّى لبلدي العزيز المزيد من التقدّم والازدهار ونحن قد تقدّمنا في مجالات عدّة، منها غير المتوقّعة. وأتمنّى أن نستمرّ على هذا النهج الجميل ونحافظ على التراث العماني وعلى البيئة وعلى موروثنا التاريخيّ وجمال بلدنا. والبعض لديه فكرة عن عمان أنّها هادئة وليس فيها حرِكة كبيرة مثل جيرانها. وأنا أرى أنّ هذه نقطة جميلة، فيما كلّ شيء في حياتنا يحدُث بسرعة. فمن الجميل أن يكون هناك مكان هادئ، إنّما الهدوء لا يعني عدم التقدّم.

هل يُمكنك مشاركتنا 3 أشياء تتميّز بها سلطنة عمان وتُحبّينها؟

سلطنة عمان هي إحدى أقدم الحضارات الموجودة في دول الخليج، والعائلة المالكة هي من أقدَم العائلات الملكيّة الموجودة في العالم. وأتمنّى أن نحافظ على هذا الموروث وعلى تاريخنا وتراثنا الجميل والرائع. قديماً، كان لدينا نساء عُمانيات كانوا تجّاراً وحكّاماً. فعندما يتكلّم أحد على تمكين المرأة، أقول لهم أنّ هذا الأمر موجود عندنا منذ القدم. فحينها مُكّنا وفي عهد صاحب الجلالة مُكنّا أكثر، والآن علينا أن ننطلق ونسعى. أحبّ في بلدي تاريخه وبيئته الجميلة وتعامل الناس فيه وطبعهم الكريم والطيّب. فعندما يُسافر شخص ويقول أنّه من عمان، دائماً ما يراه الناس بطريقة إيجابيّة وجميلة، ويحبّون زيارة بلدنا والعودة إليه. وأنا اليوم أفتخر بأنّي عُمانية ويرجع ذلك إلى وجود سلطان مميّز يهتمّ بنا ويعطينا فرص عدّة، لذلك علينا أن نعمل بجهد ونعكس صورة مشرّفة يفتخر بها.

اقرئي أيضاً: لبنى وناديا الزكواني: تصاميمنا تحتفي بالمرأة المستقلّة والمتأصّلة بثقافتها وتراثها العماني

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث