انتصار الكندي:"أهمّ صفتان للتميّز في القيادة تتمثلان في التواضع والفضول"

الإعداد: Dr. Carole Nakhle

يعدّ قطاع النفط والغاز أحد المحرّكات الكبرى للاقتصاد العالمي لا سيّما في منطقة الخليج إلاّ أنّ هذا القطاع الصناعي يتّسم بطابعه "الذكوري". وبغية استكتشاف المجال النسائي لقطاع النفط والغاز بشكل أفضل، أجرت ماري كلير العربيّة مقابلات مع شخصيّات محترفة لامعة من مختلف المهن في هذا القطاع بينهنّ المدير العام لأعمال الشق العلوي ونائب رئيس Shell في سلطنة عُمان‎ سابقاً‎، السيدة انتصار الكندي،

كيف أسهم تعليمك في الوصول إلى ما أنت عليه اليوم؟

عندما أنهيت دراستي الثانويّة في العام 1983، لم تكن ثمة جامعات في عُمان. وإذ امتلكت طموحات عالية، توجّهت إلى جامعة Tulsa في الولايات المتّحدة التي تعدّ من أفضل عشر مؤسسات في علوم الأرض، حيث أكملت بكالوريوس العلوم في الجيولوجيا في العام 1988. ثم حصّلت شهادة ماجستير في جيولوجيا البترول من كليّة لندن الإمبراطوريّة في المملكة المتّحدة. إذاً أسهم تعليمي في بناء شخصيّتي وتحتّم عليّ أن أتعلّم لغة الأعمال ومهنتي من الصفر. لذلك عندما عدت في النهاية إلى عُمان، أدّى تحقيق تطلّعاتي التعليميّة وإتقاني لغة محليّة جديدة إلى اغتنامي فرصة تمنحني ميزة تنافسيّة كامرأة في عالم تقنيّ يشغله الرجال في الغالب.

هل لك أن تعطينا لمحة سريعة عن المراحل الرئيسة في مسيرتك المهنيّة؟

عقب بداياتي المهنيّة في شركة تنمية نفط عمان، تولّيت في العام 1997 منصب كبير علماء الجيولوجيا في شركة Shell. كنت أمّاً عربيّة شابة عزباء لديها ولدان وبنت – وبالتالي مثّلت أقليّة حقيقيّة في عالم الشركات. وتماماً مثل معظم الذين توّلوا أوّل منصب رفيع لهم، اعتراني القلق في البداية، إنّما عرفت أنّني إذا تجاوزت هذا التّحدي بالتزامن مع تربية أطفالي، فيمكنني تحقيق أيّ شيء. وبالفعل هذا ما حصل. وبعد ذلك ببضع سنوات، نصّبت ممثلة لشركة Shell في الأردن، وسطّر ذلك ذروة تطوّري كامرأة في المناصب القياديّة. وكان لي شرف بناء مشروع صخر زيتي غير اعتيادي كامل من الألف إلى الياء بالتوازي مع قيادة فريق قطري بأكمله. حيث كنت واحدة من امرأتين من ممثلات شركة Shell في ذلك الوقت. غير أنّ الإنجاز المهني الحقيقي، حصل عندما عدت إلى عُمان في العام 2011، فمع مع خلفيّتي في Shell وشركة تنمية نفط عمان في بداياتي، علّقت آمالاً كبيرة على احتمال وصولي إلى مراكز الإدارة العامة أم المناصب القياديّة البارزة. إنّما خبأت لي الحياة فرصة مختلفة، بحيث تشرّفت وشعرت بالإطراء لتعييني من قبل مجلس الإدارة، مديرة التنقيب عن النفط والغاز.وكنت بذلك أوّل مديرة فنيّة في قطاع النفط والغاز العماني، بعد 40 عاماً من محاولة تعيين شخصة عمّاني الهويّة في هذا المنصب. وبكلّ تتأكيد، كان هذا أمراً نادراً في هذا البلد وحتى في جميع أنحاء المنطقة.

بالنظر إلى ما تعرفينه اليوم والنجاح الذي حققته في مسيرتك المهنيّة وتربية عائلتك، ماذا تقولين لنفسك في سنّ الـ17؟

أود أن أنصح أيّ شخص لا يزال في بداية مسيرته المهنيّة أو تعليمه أن يعمل على بناء مصداقيّته من خلال العمل الجاد أولاً إلى جانب الشغف بما يفعله. ولا تحدّدوا اختياراتكم بحسب المال، حيث أنّ الازدهار يحصل لأولئك الذين يسخرون شغفهم ويرون مسيرتهم المهنيّة على أنها رحلة تنمية شخصيّة واحترافيّة.

ما السّمتان الأهمّ لدى أيّ شخصيّة قياديّة متميّزة؟

أهمّ صفتان للتميّز في القيادة تتمثلان في التواضع والفضول. فصحيح أنّه من المهمّ معرفة كيفيّة إدارة النشاط التجاري من خلال الرؤية والاستراتيجيّة والتخطيط والعمليّات والقياس وتصحيح المسار وما إلى ذلك، ولكنّ هذا أقل من نصف ما يتطلّبه الأمر برأيي. بحيث يكمن الجزء الأكبر من العمل في الحفاظ على الفضول لمعرفة ما تفكّر به القوى العاملة لديك وما تشعر به والقدرة على التكيّف مع نبض موظفيك. ولا بدّ من القيام بذلك بتواضع حتى في المناصب العليا، لإدراك أنّك لن تعرفي كلّ شيء يوماً. كما عليك الحفاظ على الفضول للاستفادة من أحدث التطوّرات في مجالك، بغية أن تبقي في الصدارة.

هل تعتبرين الشرق الأوسط منطقة جذابة للشابات اللواتي يرغبن في ممارسة مهنة في مجال النفط والغاز؟

نعم حتماً، إذ إنّ النفط والغاز يجسّدان حجر الأساس لمنطقة الخليج، وهذه الصناعة هي سبيلنا للتقدّم. إنّما ما يعجبني في الشرق الأوسط هو التركيز على عائلتنا وهذه ميزة لا مثيل لها في العالم. أمّا بالنسبة إلى الأجيال الشابة نساءً ورجالاً في القوى العاملة، ليس من غير المألوف الحصول على مساعدة في رعاية الأطفال من جهة الأمّهات والآباء والأعمام والعمّات - وأيّ شخص آخر من الأقرباء. كما بات لدينا خدمات اجتماعيّة أفضل لرعاية الأطفال أيضاً، إذ إنّ المنطقة قد قطعت شوطاً طويلاً بالفعل. والآن نحتاج فقط إلى التنسيق مع البلدان الأخرى التي وضعت سياسات رائعة لإجازة الأمومة والأبوّة. وبما أنّ معظم الأمهات الشابات يضطررن إلى العودة بسرعة إلى وظائفهنّ بعد الولادة. أودّ أن يمتدّ الانتقال إلى الوظيفة مجدداً على مدى فترة أطول من الوقت بحيث لا يضطر أيّ شخص إلى الاختيار بين طفله والوظيفة، وتبدأ هذه الخطوة من جهة الحكومة. أمّا على صعيد العمل، فقد أحرزت المرأة تقدماً هائلاً من جهة بروزها وحصولها على الدعم وتقديمه لغيرها. وفي شركة تنمية نفط عمان وشركة Shell عمان، قمت بتشكيل وقيادة شبكة نسائيّة لكلتا الشركتين، عبر برنامجان ناجحان جداً لا يزالان قائمان حتى يومنا هذا.

لقد عملت في منظّمات تجمع بين الحكومة والقطاع الخاص. هل لك أن تخبرينا عن سبب أهميّة هذا التعاون بين الاثنين في صناعة الطاقة؟

ليس التعاون بين الاثنين مهماً، إنّما حيويّاً؛ فبدون هذا التعاون، لا يمكن أن يتحقّق التقدّم ولا النجاح للطرفين. لذلك، عندما أفعل أيّ أمر، من الحتميّ أن يعود بالفائدة على كلّ من المساهمين الحكوميين والقطاع الخاص أيضاً. وإذا نظرنا إلى أوائل الثمانينات في عُمان، نلاحظ أنّه لم يكن ثمة أيّ تعاون مع القطاعات الخاصة، ولكنّنا شهدنا مزيداً من المشاريع التعاونيّة على مدار العقود القليلة الماضية. إذ بدأت الشركات في فهم منظور الحكومات ووجدت طريقة لتقديم المساعدة. ففي نهاية المطاف، إنّ الحكومات تريد النمو بقدر ما يريد القطاع الخاص ذلك. وتودّ الحكومات زيادة الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل لشبابنا. والواقع أنّ الأجيال الشابة تمثّل الفئة العمرية الأكبر في معظم أرجاء المنطقة، غير أنّ البطالة تزداد سوءًا لا سيّما مع كوفيد-19. لذا فنحن بحاجة إلى الشراكة لسدّ هذه الفجوة والكثيرغيرها. إذاً ما الذي يمكن أن يكون أفضل من التعاون مع القطاع الخاص الذي يجلب خبرة معيّنة ورأس مال كبير؟ ولكن بشرط أن يكون الأمر مكسباً للطرفين. والمعيار الأكثر أهميّة في التعاون الناجح يتمثّل في أن يتمّ إجراء جميع الأنشطة التجاريّة بأقصى قدر من الاهتمام بالأخلاقيات، مع الحفاظ على الامتثال للقانون والأنظمة.

ما التأثير الذي خلّفته أزمة كوفيد-19 على بيئات العمل؟

على الرغم من أنّ كوفيد-19 كان مدمراً لنا جميعاً ولا يزال كذلك إلى حدّ ما، إلا أنّه أحدث ثورة في طريقة عمل الشركات والثقافات. بحيث علّمنا العمل عن بُعد أنّه لدينا القدرة والبنية التحتية لتشغيل بعض جوانب العمليّات خارج مواقع العمل، وهذا أمر جيد جداً. كما أنّه منحنا أيضاً الوقت الذي نحتاجه بشدّة للعودة إلى عائلاتنا وأصدقائنا حيث لم يعد الكثير منّا يتنقلون وأصبحوا أكثر إنتاجيّة في بيئة المكتب المنزلي. أمّا الجانب السلبي فتجسّد في فقدان القدرة على قراءة الإشارات غير اللفظيّة ممّا يصعّب العمل القيادي عند استشعار ما يحسّ به فريقك. ومن الصعب أحياناً تلقّي الرسالة التي تختبئ وراء الكلمات في اجتماع أو محادثة افتراضيّة، والأمر سيّان بالنسبة إلى القدرة على معرفة مَن يشعر بالملل أو مَن ينتبه. فقبل انتشار الفيروس مثلاً، اعتدت أن أسير في طابق المكتب كلّ صباح لإجراء محادثات غير رسمّية ولسماع ما يدور في أذهان الناس. إنّها محادثات القهوة السريعة التي تستغرق دقيقتين حيث أستجمع مختلف الرؤى حول السبل الأفضل للقيام بعملي. وبات هذا الترف محدوداً في البيئة الافتراضيّة. لذلك، في عالم الشركات الجديد، إنّني أؤيد النهج المختلط. ولكن في النهاية، يُعدّ كلّ من العمل الافتراضي والعمل المكتبي غاية في الأهمية من حيث توفير المرونة وتلبية أنماط العمل للأجيال المختلفة التي قد نجدها في صناعتنا.

اقرئي أيضاً: المهندسة سارة أكبر: "هذا العالم الجديد سيجلب فرصاً كبيرة للسيّدات المتمرّسات"

العلامات: انتصار الكندي

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث