الدكتورة هتون قاضي: لا أشعر بأنّني اخترت الكوميديا كوسيلة للتعبير بقدر ما أنّني كنت أمارسها كجزء من هويّتي وطبعي

التصوير: Hekaya Studio

خاضت الدكتورة هتون قاضي تجربة "نون النسوة" على منصّة يوتيوب عام 2011 بعد سنة من بداية دراستها للدكتوراة في علم المعلومات. وكان ذلك بالنسبة إليها منفذاً تلجأ إليه من زحام الدراسة وتحدّياتها ومسؤوليّات الأولاد. فكانت في حينها معجبة جدًّا بتجارب الشباب في البرامج اليوتيوبيّة، وفجأة قرّرت البدء ببرنامجها. وما شجّعها في حينها على ذلك هو وجود تدويناتها السابقة حيث كانت قد بدأت قبل ذلك بالظهور على وسائل التواصل عن طريق التدوين. وكانت كلّ تدويناتها اجتماعيّة ساخرة. ومع وجود المحتوى بالإضافة لترحيب شركة يوتيرن بالفكرة، أكمل البرنامج على مدى خمسة مواسم. وبالنسبة إليها يشكّل الحسّ الفكاهي جزءاً من هويّتها ولكنّه لم يتعارض يوماً مع جديّة ما تقدّمه أكاديميّاً لطالباتها. فتعرّفي معنا في ما يلي على الدكتورة قاضي وكيفيّة جمعها بين هذين الطرفين الكوميدي من جهة والأكاديمي من جهة أخرى والمواضيع الإجتماعيّة التي تركّز عليها من موقعها كناشطة وكوميديّة سعوديّة.

لم وقع اختيارك على الكوميديا كوسيلة للتعبير أثناء متابعتك تحصيل الدكتوراة؟ 
المضحك في الموضوع هو أنّ دخولي عالم صناعة المحتوى الكوميدي لم يكن له أيّة علاقة بدراستي الأكاديمية. أحبّ أن أصف هذين الطريقين بأنّهما متوازيان لا يلتقيان، فعالم الكوميديا والمحتوى منفصل تماماً عن عالمي الأكاديمي. بدأت نون النسوة بعد سنة من بداية دراستي للدكتوراة وكان بالنسبة إليّ منفذاً ألجأ إليه من زحام الدراسة وتحديّاتها ومسؤوليّات الأولاد. لا أشعر بأنّني اخترت الكوميديا كوسيلة للتعبير بقدر ما أنّني كنت أمارسها كجزء من هويّتي وطبعي. عندما بدأت نون النسوة أستطيع القول بأنّني حوّلت هويّتي وطبعي لعمل شبه احترافي. ولكن كنت ولازلت أشعر بأنّني حين أقدّم الكوميديا، فلا أنفصل عن نفسي إنّما أكون أنا، فقط مع نص.

يتّسم الباحث الجامعي عادةً بالجديّة والكوميدي بالحسّ الفكاهي. أنت لست فقط كوميديّة إنّما ناشطة ومقدّمة برامج وكاتبة ومحاضرة جامعيّة، كيف استطعت جمع هاتين الخاصيّتين معاً وماذا يفصح ذلك عن شخصيّتك؟
 صحيح، الأكاديميّون عادةً ما يتّسمون بالجديّة، إلّا في حالات نادرة. أذكر أنّنا كنا نحتفل إذا وجدنا أستاذاً جامعيّاً مرحاً ويلقي النكات فكنّا نشعر بأنّنا حصلنا على كنز. بالنسبة إليّ الحسّ الفكاهي هو جزء من هويّتي ولكنّه لم يتعارض يوماً مع جدّية ما أقدّمه لطالباتي. أشعر بأنّ شخصيّتي هذه تسهّل عليّ مهمتي الأكاديميّة، فأنا أحرص كثيراً على كسر الجليد مع الطالبات. وأشعر باضطراب بعضهنّ من اللواتي يتابعنَني على وسائل التواصل الإجتماعي بداية الفصل الدراسي، فبالنسبة إليهن يتساءلنَ "كيف نتعامل معها؟ هل حقاً ستدرّسنا أم أنّ الوضع سيكون عائماً؟" ولكن بعد محاضرة واحدة نبدأ بوضع النقاط على الحروف. 

كم تستثمرين من الوقت في تحضير المواد التي تتشاركينها مع المتابعين؟ وهل من قواعد شخصيّة تتّبعينها قبل الخوض في أيّ موضوع؟
بالنسبة لمحتوى الحلقات، عادةً ما نأخذ وقتاً في الأبحاث. فنحاول قدر المستطاع أن نغطّي الموضوعات من جميع جهاتها، فنأخذ وقتنا في البحث. أمّا الكتابة الفعلية للنص مع وجود الأبحاث، فلا تأخذ منّي وقتاً طويلاً لأنّني عادةً أكتب كما أفكر. فإذا كانت لدي مادّة بحثيّة جاهزة، تمسي الكتابة الجزء السهل والممتع. لديّ خطوطي الحمراء النابعة من شخصيّتي وقيمي، وبالطبع أحاول قدر المستطاع أن أبتعد عن الأسلوب الاستفزازي رغم أنّه يجلب التفاعل، ولكن بالنسبة إليّ هذا الأسلوب لا يخدم على المدى الطويل.

ما هي المواضيع الإجتماعيّة التي تفضّلين التركيز عليها في المواد التي تشاركينها؟
موضوعات الأسرة وتحديّاتها تهمّني جداً. فتنطوي على الكثير من المواضيع مثل العلاقات الأسريّة وعمل المرأة والتربية والحالة الاقتصادية للأسرة وغيرها الكثير. فأنا أنطلق من الأسرة أوّلاً لأعالج ما بعدها بدون حدّ.

من موقعك كناشطة وكوميديّة سعوديّة ما هي المواد الخاصّة المتعلّقة بالمرأة السعوديّة التي تسعين إلى وضعها تحت المجهر؟ 
تحّدثنا في ما مضى عن الكثير من المواضيع مثل قيادة السيارة وولي الأمر ووضع المرأة مع الزواج والطلاق. ومؤخّراً ومع التغييرات المتسارعة والتحسّن غير مسبوق في وضع المرأة سيتغيّر الخطاب تباعاً. مثلاً الآن أرى أنّ الضغط الذي يقع على المرأة لتثبت نفسها والتخجيل الذي تتعرّض له ربّة المنزل مواضيع مهمّة جدّاً للنقاش والطرح.

هل تعتقدين أنّ غلاف الفكاهة يسمح لك بإيصال الرسائل التوعويّة الإجتماعيّة التي تريدينها بطريقة أنجح من وسائل أخرى؟
بالنسبة إليّ، حين أناقش موضوعاً أحاول قدر المستطاع ألّا أطرحه بطريقة توعويّة حتّى ولو كان الأسلوب كوميدياً. الجمهور ذكي وشعوره أنّ الشخص يخاطبه بصيغة الأستاذ سيجعله يرفض الإصغاء حتّى لو كان مستمتعاً. أنا أرى نفسي جزءاً من هذا المجتمع بدون أيّ أفضليّة. فأحاول أن يكون طرحي نقاشاً أكثر من كونه محاولة توعويّة. وإذا نجحت بأن أجعل الموضوع مطروحاً للنقاش في المجالس، فهنا أعتقد بأنّ الرسالة وصلت.

كيف أثّر تفشّي وباء كورونا وفترة الإغلاق التي لحقته على المحتوى الذي تقدّمينه؟ وهل تغيّرت نظرتك إلى المواد التي يجب أن تشاركينها مع المتابعين بعد هذه الفترة؟ 
كانت فترة صعبة جدّاً. كنت وغيري من مقدّمي المحتوى نحاول أن نظلّ متفائلين ولا ننشر محتوى من شأنه إثارة المخاوف أو حتى التقليل من حجم الوباء. كانت مرحلة مسؤوليّة أكثر من أي شيء آخر.

كيف تتعاملين مع ردّات فعل المتابعين التي يمكن أن تكون إيجابيّة أحياناً وسلبيّة أحياناً أخرى؟ 
في السابق كنت أغضب وأحزن من التعليقات المسيئة. لكنّني تعلّمت على مدار السنوات بأنّ من يختار الخروج للجمهور، فعليه تعلّم التعامل مع الإساءات. مهما حاربنا التّنمر والسباب والشتم، لن نستطيع التحكّم بسلوك الآخرين. ما نستطيعه هو التحكّم بأنفسنا وتعليمها ألّا تتأثر بكلّ ما يُنشر. من حقّ الشخص الدفاع عن نفسه وأخذ حقّه قانونيّاً، لكن أوّلاً على الشخص أن يبني "جلداً سميكاً" ويتعلّم ألاّ يتأثّر كثيراً بالإساءات.

كيف تقيّمين مجال صناعة الفكاهة عموماً في الخليج العربي؟ وكيف يمكن برأيك لهذا المجال أن يتطوّر؟ 
في الخليج لدينا أعمدة في الكوميديا والطرح الخفيف الذي يصل إلى القلب. أرى أنّ هناك مجالاً كبيراً للكوميديا نظراً إلى توفّر المواهب، كما أنّه في السعودية بدأت أندية الكوميديا بالإنتشار وأراها تحتضن المواهب بصورة ممتازة. المشوار طويل ولكنّنا بدأنا بداية جيدة.

عادة ما يُنظر إلى الرجل على أنّه لديه قدرة أكبر على إضحاك الجمهور، ما هو ردّك على هذا الأمر؟
ردّي دائماً هو أنّ إصرار الرجل على تنحيَتنا من مجال الكوميديا، سيجعلنا نلجأ للدراما وهذا ليس من صالحه. فإذا كنتَ يا عزيزي الرجل تظنّ بأنني لا أستطيع إضحاكك وأنّك فقط من تستطيع ذلك، فأبشر في أنواع الدراما. ولديك فرصة للتراجع!

كيف تشجّعين النساء الموهوبات على الانخراط أيضاً في هذا العالم؟
إبدأنَ... فقط إبدأن! وحاولن تثقيف أنفسكن. الكوميديا حسّ ولكن النكتة صناعة.

هلاّ أخبرتنا أكثر عن كتابك 1980، بين جيلين؟
هذا الكتاب هو أحد المشاريع التي أعشقها وأفتخر بها. دوّنت فيه قصّة جيل الثمانينات عن لساني ومن خلال ما مررت به في حياتي. وأيّ كلام أصفه به سيكون متحيّزاً لأنّني أحبّ الكتاب جدّاً، لكن ما أستطيع قوله إنّه ومن خلال تعليقات القرّاء في موقع Goodreads، حقّق الكتاب ما كنت أطمح إليه، وهو أن يقضي القارئ وقتاً ممتعاً يودّه ألّا ينتهي.

هل يمكنك أن تشاركينا أمنياتك للمرأة السعوديّة مع بدء السنة الجديدة؟
أتمنّى لها أن تكون سعيدة ومنجزة بغض النظر عن الطريق الذي اختارته. كلّنا نستحق الشعور بالفخر والسعادة. 

اقرئي أيضاً: ميسون زايد: ولدت لأكون نجمة وواقع أنّني فقدت الأكسجين عند الولادة لم يكن جزءاً من قدري هذ

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث