Meridien by Yasmina Hilal
الإعداد: Joe Challita
عند تقاطع الفنّ والموضة، تبرز الذاكرة كلوحة حيّة ووسيلة دائمة التطوّر لسرد القصص, والتراث, والتعبير عن الذات. تقوم المصوّرة ياسمينا هلال والفنّانة بثينة المفتاح بإعادة تصوّر الهوية العربية من خلال أعمالهما التي تمزج بين الضوء، والملمس، والتجريد، لتحويل الشكل الإنساني إلى مخزن للذكريات. تصوّر هلال الأجساد بواسطة الظل والضوء، وتوثّق تفاعلات الضوء العابرة، بينما تجسّد المفتاح في أعمالها التي تتميّز بتعدّد الزخارف والتركيبات، الروايات الجماعية الغنيّة من الماضي. فتربط هاتان المبدعتان بين الماضي والحاضر، وتثبتان أنّ الثقافة لا تُحفظ في الأرشيفات فحسب، بل تتجسّد وتُعاد صياغتها مع كل ضربة فرشاة، وتصميم، وتلاعب بالضوء.
YASMINA HILAL
Yasmina Hilal self portrait
غالباً ما تجسّد صورك الفوتوغرافية الأنوثة بأسلوب تجريدي. كيف تستخدمين هذه الوسيلة للتعبير عن الأنوثة في أعمالك؟
في عملي، أرى الأنوثة شيئاً مرِناً، متعدّد الطبقات، ودائم التطوّر. أتعامل مع التركيب، والضوء، والشكل بطريقة تبرز هذا التعقيد. بالنسبة إلى التركيب، أفضّل تقديم شخصياتي ضمن إطار يمزج بين الخصوصية والشمولية. أحبّ التلاعب بالمساحة السلبية، ممّا يعزّز حضور الشخصية مع ترك مجال للتفسير. وهذا يسمح بفهم الأنوثة ليس كصورة واحدة ثابتة، بل كشعور أوسع يمكن أن يحاكي المشاهد على مستويات مختلفة.
الشكل هو المكان الذي يتجلّى فيه التجريد حقاً، وهنا يأتي دور أعمال الـCollage التي أقوم بها. من خلال عملية القص، والتوصيل، وإعادة ترتيب العناصر المختلفة، أبتكر شيئاً جديداً وفريداً تماماً. كل قطعة من الـCollage تحمل دلالتها الخاصة، ولكن عند دمجها معاً، فإنها تشكّل سرداً بصرياً يتحدّث عن تعقيدات الأنوثة والطبقات التي تشكّلها. تسمح لي طبيعة الـCollage المتجزّئة باستكشاف التفاعل بين الوحدة والانفصال، وتدعو المشاهد لرؤية كيف أنّ كل قطعة على حدة - سواء كانت صورة فوتوغرافية، نسيجاً، أو نمطاً - تكشف عن جوانبها المتعدّدة بطريقة قد لا تكشف عنها الأشكال التقليدية للتصوير الفوتوغرافي.
لطالما كانت المرأة موضوعاً رئيساً في الفنّ على مرّ القرون، ومع ذلك غالباً ما يتم تصويرها من وجهة نظر ذكوريّة. كيف يتحدّى منظورك كمصوّرة فوتوغرافية هذه التمثيلات أو يعيد تعريف؟
يتحدّى عملي بشكل طبيعي التمثيلات التقليدية للمرأة من خلال التركيز على رواياتها من منظور شخصيّ وأصيل. على عكس وجهة النظر الذكورية التقليدية، التي غالباً ما تضع المرأة في إطار سطحيّ أو تجعلها مثالية، يمنح تصويري الفوتوغرافي وفنّي متعدّد الوسائط النساء مساحة للتعبير عن أنفسهنّ،من خلال عرض قصصهنّ، وذكرياتهنّ، وتراثهنّ الثقافي.
من خلال دمج عناصر مثل الموروثات العائلية، والأنماط الإسلامية، والملابس المتوارثة بين الأجيال، أهدف إلى التأكيد على عمق هويّاتهنّ بما يتجاوز الجمال الخارجي. غالباً ما تبدو صوري شخصيّة، تأملية، وتمكينية، فتسلّط الضوء على تعقيد مفهوم المرأة في الشرق الأوسط. هذا لا يعيد تعريف تمثيل المرأة فحسب، بل يحفظ أيضاً ويكرّم تراث النساء اللواتي أصورهنّ وتميّزهنّ.
تُظهر صورك إحساساً بالقوة الهادئة والتأمّل. هل ترين عملك انعكاساً لمفهوم المرأة الحديث، وكيف؟
من خلال المزج بين عناصر الحنين إلى الماضي، والتاريخ العائلي، والجماليات المعاصرة، أحاول ابتكار رؤية لمفهوم المرأة لا تنحصر فقط بالتقاليد، ولا تحدّدها فقط الحداثة. تتواجد شخصياتي في مساحة تستعيد فيها سردياتها، وتعبّر عن ضعفها وتمكينها في آن واحد.
غالباً ما يشكّل التصوير في مجال الموضة مفهوم الأنوثة. كيف يختلف, برأيك, أسلوبك في التصوير الفوتوغرافي عن صور الموضة التقليدية؟
يتجاوز أسلوبي في تصوير الموضة معايير الجمال التقليدية والجماليات التجارية، ويتعمّق في سرديات أعمق عن الهوية، والتراث، والعاطفة. وعلى عكس صور الموضة التقليدية، التي غالباً ما تركّز على التألّق المثالي أو الصيحات الرائجة، يدمج عملي عناصر سرد القصص التي تعكس تعقيدات الأنوثة، خاصّة في الشرق الأوسط. أهدف إلى الاحتفاء بالتفرّد والعمق الذي تظهره العيوب، ممّا يجعل صوري تبدو أكثر شخصيّة وواقعية.
هل ترين أنّ تصويرك الفوتوغرافي هو شكل من أشكال تمكين المرأة؟
نعم، أرى أنّ تصويري الفوتوغرافي هو بالفعل شكل من أشكال تمكين المرأة. فعملي متجذّر بعمق في تكريم روايات النساء اللواتي أصوّرهنّ، وهوياتهنّ، وتاريخهنّ، ممّا يسمح بإظهارهنّ بطريقة حقيقيّة، ومعقّدة، وجريئة. أريد أن أحوّل التركيز من الطريقة التي يُتوقَّع أن يُنظر بها إلى النساء في كثير من الأحيان، إلى الطريقة التي يرينَ بها أنفسهنّ – أي التركيز على قوتهنّ، ومرونتهنّ، وتفردهنّ.
أهدف من خلال صوري إلى عكس إحساس بالفخر، والتأمّل، والتواصل. سواء كان ذلك من خلال إظهار خصوصية الإرث الشخصي، أو قوّة النظرة الهادئة، أو التفاعل بين التقاليد والحداثة في تركيباتي، أريد أن يذكّر عملي النساء بقدرتهنّ على السيطرة على حياتهنّ، وبالجمال الكامن في قصصهنّ. كما آمل أيضاً أن أتحدّى الصورة النمطيّة المحدودة للمرأة، من خلال إبراز العيوب، والعمق العاطفي، والفروق الدقيقة التي تميّزها.
إذا كان بإمكانك تجسيد جوهر المرأة في صورة واحدة، كيف ستبدو؟
تجسيد جوهر المرأة بكلّ أبعاده وتعقيداته في صورة واحدة أمر شبه مستحيل. هناك الكثير من الجوانب، والفروق الدقيقة، والتناقضات التي تحدد مفهوم المرأة. يمكن لكل لحظة، وكل تعبير، وكل تجربة أن تكشف عن جانب مختلف من تلك القوة والحساسية. الأمر أشبه بسرد قصّة المرأة عبر سلسلة لا متناهية من الصور، حيث تحمل كل لقطة جزءاً من حكاية أكبر لا يمكن جمعها في صورة واحدة فقط.
BOUTHAYNA AL MUFTAH
Courtesy of Bouthayna Al Muftah
بصفتك فنّانة قطرية تستلهمين أعمالك من التراث، كيف توازنين بين الحفاظ على الذاكرة الثقافية وإعادة صياغتها للجمهور المعاصر؟
يستند إلهامي بشكل كبير إلى فكرة توثيق وأرشفة الحوار، حيث أستوحي أعمالي من الأغاني المحلّية، والقصص الفلكلورية، والشِعر. فالفكرة هي أرشفة الروايات من خلال تعابير تجسّد الحنين والذاكرة. وعلى الرغم من أن عملي مستوحى من التقاليد والتراث المحلّي، إلا أنّ تجربته وموضوعه عالميّان. لذلك، فإن الحوار العابر للثقافات، الذي يسلّط الضوء على التجربة الإنسانية المشتركة في حمل ماضينا إلى الأجيال القادمة، هو جزء لا يتجزأ من تلك التجربة. أريد أن تفتح أعمالي مجالاً للحوار، وأن تربط قصّة ثقافة معيّنة بتجارب الآخرين، لإيجاد نقطة مشتركة بين حوارات متعدّدة تعكس الهوية.
يبرز الخطّ والطباعة كأحد العناصر المميزة في أعمالك. ما هي المشاعر أو الرسائل التي تهدفين إلى إيصالها من خلالهما؟
اللغة العربية جزء لا يتجزأ من أعمالي اليوم، ولكن في بعض الأحيان لا تكون اللغة الفعلية موجودة بشكلها الحرفي، فأختار التلاعب بفكرة اللغة البصرية واللغة الموسيقية لإيصال نتائج أكثر تجريداً وتفكيكاً.
إن استخدام النص العربي، في جوهره، يمثّل التجارب، والشِعر، والموسيقى، والمحادثات الراسخة في ذاكرتنا وتاريخنا الخاص.
المرأة موضوع متكرّر في أعمالك. ما هي الرسالة التي تأملين إيصالها عن مفهوم المرأة من خلال فنّك؟
تتعدّد طبقات الثقافة التي أتطرّق إليها في أعمالي، ونعم، المرأة هي من المواضيع التي أركّز عليها في الكثير من المفاهيم. وأعتقد أن ذلك نابع من نشأتي في بيئة محاطة بالكثير من النساء اللواتي يلهمنني. تلعب المرأة دوراً أساسياً في المجتمع، وقد اخترت أن أكرّم أهميتها، والأدوار المختلفة التي تلعبها، والتي تجعلنا متماسكين كمجتمع.
ما هو الدور الذي يلعبه الحنين إلى الماضي في مسيرتك الفنّية؟
يلعب الحنين إلى الماضي دوراً مهماً في أعمالي الفنّية، لأن الكثير من المواضيع تتركّز حول التجارب والذاكرة الجماعية. لذا، فهو في الواقع أحد النتائج الرئيسة من حيث المشاعر التي تثيرها أعمالي لدى المشاهدين.
لقد تعاونت مع علامات تجارية عالمية مثل Dior وDavid Webb. كيف تضمنين أن يبقى صوتك الفنّي أصيلاً عند دمج التقاليد مع الموضة الفاخرة؟
من خلال البقاء وفيّة لنفسي، أعتقد أنّ اللغة البصرية تعبّر عن صوتي وهويتي من خلال العمل الذي أقدّمه. فعلى سبيل المثال، خلال تعاوني مع دار Dior، تمكّنت من ترجمة العمل بطريقة ترتبط باستكشافي المستمرّ لكتاب مفاهيمي يتّخذ أشكالاً وصوراً مختلفة. وقد تم دمج المواد الشفافة، والخيوط، والطبقات مع بعضها البعض لإنتاج قطعة أثرية تحمل في طيّاتها حكاية.
Kitabat Collaboration - Yasmina Mansou x Bouthayna Al Muftah
غالباً ما تتميز أعمالك باستخدام اللّونين الأبيض والأسود. ما هي أهمية هذا الخيار، وكيف يشكّل السرد والمشاعر
التي تهدفين إلى تجسيدها؟
لطالما لفتت انتباهي الأعمال الفنّية بالأبيض والأسود. أنا أستوحي بشدّة من الفنّانين، والمصمّمين، والمهندسين المعماريّين العظماء من الشرق والغرب على حدّ سواء، الذين تبنّوا طرقاً غير تقليدية للتعبير في عصرهم.
ينبع إلهام الكتابات بالحبر الطباعي من مفهوم تدوين الأفكار على الورق، ثم تطوّرت شيئاً فشيئاً إلى أعمال تركيبية كبيرة الحجم بوسائل مختلفة.
كما كانت الأفلام بالأبيض والأسود، والتصوير الفوتوغرافي، من الوسائط التي انجذبت إليها، وكان التباين الكبير بين الضوء والظلّ يخلق تركيبات جميلة ألهمتني في الكثير من القطع الفنّية.
فتهدف كل قطعة فنّية، أو أداء، أو صورة فوتوغرافية إلى تحريك مشاعر المشاهد فيما يتعلق بهويته الشخصية - وكأنّها صفحة بيضاء في كتابه الخاص، حيث يسجّل تاريخه الشخصي.
Fanoon Residency
إذا كان بإمكانك أن تختصري جوهر المرأة في الثقافة العربية في عنصر فنّي واحد، فماذا سيكون، ولماذا؟
أعتقد أنه سيكون من الصعب جداً اختيار عنصر فنّي واحد، فالمرأة متعدّدة الجوانب في جوهرها، ودورها كشخصية محورية في مجتمعنا. لقد حاولت في أعمالي الأولى أن أجسّد هذا الجوهر المتعدّد الأوجه في مجموعات مختلفة - سواء كان ذلك من خلال المجوهرات التي تزيّن نساءنا، أو التقاليد المختلفة، أو دور المرأة في المجتمع الخليجي.
اقرئي ايضاً: سحر تركمانستان: حدود جديدة للموضة