تحقيق عن هدر الأطعمة خلال رمـضان في دول الخليج

شهر رمضان الكريم هو شهر الصوم والخير والعطاء، لكنه أيضاً شهر المآدب الضخمة في العالم العربي عامّة ودول الخليج خاصّة. إذ تنظم مطاعم وفنادق عدة ولائم للصائمين خلال الشهر الفضيل. ولقد تطرقت جهات إعلامية عدة إلى موضوع هدر الأطعمة في دول الخليج على مدار العام، وتفاقمه خلال شهر رمضان المبارك. فما هي أسباب ذلك الهدر، وما هي التدابير والمبادرات التي تتخذها بعض دول الخليج بالمشاركة مع الجمعيات لحلّ تلك المشكلة؟

هدر المأكولات بالأرقام

وفقاً لجمعية حماية المستهلك في المملكة العربية السعودية، إن نسبة هدر الأطعمة والمواد الغذائية الأولية في دول الخليج تتراوح بين 50 و70% على مدار العام، بينما ترتفع في شهر رمضان. فيما تشير تقديرات وزارة الزراعة السعودية إلى أن حجم الغذاء الذي يتم هدره سنوياً يبلغ 30%. أما في الكويت، فتشكل النفايات العضوية، أي فضلات الطعام، %45 من النفايات المنزلية، وذلك بحسب الإحصاءات الصادرة عن إدارة شؤون البيئة في بلدية الكويت لعام 2015. وفي قطر، أظهرت أبحاث أجرتها مجموعة EcoMENA للاستدامة أن ما يقارب 25% من الأطعمة المحضرة خلال رمضان مصيرها حاويات القمامة، وذلك على الرغم من تكاثر جهود الجمعيات في توزيع فضلات المأكولات للمحتاجين خلال الشهر الفضيل.  وفي المقابل، يشير أحدث تقرير عن الأمن الغذائي في العالم والذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» عام 2015، إلى وجود ما قدره 795 مليون جائع في العالم. وتشير إحصائيات المنظمة إلى هدر 1.3 مليار طن من الأغذية سنوياً، في حين يموت من الجوع يومياً 20 ألف طفل دون سن الخامسة.

حفظ النعمة

في سبيل الحدّ من هدر المواد الغذائية في إمارة دبي، أطلقت بلدية دبي مشروع "حفظ النعمة"، والذي تسعى من خلاله إلى تنظيم عملية تجميع وتجهيز وتوزيع ما يفيض عن الولائم والمناسبات الكبيرة التي تقام عادة في الفنادق والأعراس والمطاعم والبيوت وغيرها، وذلك بهدف توزيعها على المحتاجين من الأسر والأفراد. هو برنامج منظم يشترك فيه كل من بلدية دبي متمثلة بإدارة الغذاء والجمعيات الخيرية، على غرار الهلال الأحمر الإماراتي، وجمعية رؤيتي للأسرة، ومؤسسة تراحم الخيرية، وهيئة آل مكتوم الخيرية، والجهات المتبرّعة بالأغذية مثل الفنادق والمطاعم والجمعيات التعاونية والمؤسّسات الغذائية الكبرى، حيث تتولى إدارة سلامة الغذاء الإشراف والتنسيق بين الجهات المتبرعة والجمعيات الخيرية التي تقوم باستلام الموادّ الغذائية الجاهزة للتوزيع ونقلها بواسطة سيارات مبرّدة وحفظه، ثم توزيعها على المحتاجين.

وعن مبادرة "حفظ النعمة"، قالت السيدة نورة الشمسي، مسؤولة قسم التصاريح والتغذية التطبيقية بالإنابة في إدارة سلامة الغذاء لدى بلدية دبي: "يستمرّ هذا المشروع على مدار العام تحت مظلة بلدية دبي. وتشرف الأخيرة على نقل الأطعمة الفائضة الصالحة للأكل من حفلات الأعراس والمآدب في الفنادق والبيوت ومؤسّسات التموين، إلى الجمعيات الخيرية. وجميع السيارات التي تنقل هذه الأغذية مرخّصة من قبل البلدية، وهناك أيضاً مشرف صحي في كلّ جمعية مدرّب من البلدية وملمّ في الإجراءات الصحية، لأنّ هدفنا نقل الأطعمة بشكل صحيح وسليم. وقد استهدفنا الفنادق في الدرجة الأولى لأنها تقدّم كميات كبيرة من الأطعمة يومياً، ولا سيما في المناسبات. ونتعامل حالياً مع فنادق Armani وAl Bustan & Muruj Rotana Group وMadinat Jumeirah ومركز دبي التجاري العالمي". 

وأشارت الدكتورة لينا الكيلاني، مديرة مشروع "حفظ النعمة" ورئيسة المشاريع الاجتماعية لدى جمعية "رؤيتي للأسرة"، أن الجمعية لا تساعد العائلات المحتاجة فحسب من خلال "حفظ النعمة"، بل أيضاً عمال البناء الذين يشكلون شريحة كبيرة من السكان في الإمارات. وفي هذا السياق نوّهت الدكتورة الكيلاني إلى إطلاق مبادرة "ساهم" للسنة الخامسة على التوالي خلال شهر رمضان والتي من شأنها توزيع مأكولات أساسية على المحتاجين مثل السكر والشاي والأرز وغيرها. وقالت الدكتورة: "ستساهم الشركات والمؤسّسات كما الأفراد في هذه المبادرة من خلال القيام بهبات وفقاً للائحة الموادّ الأولية المطلوبة. وتهدف هذه المبادرة أيضاً إلى الحدّ من هدر الأطعمة ومن تأثيره السلبي على البيئة. فأن تكون النفايات مكوّنة بنسبة 70% من مأكولات غذائية يعني ارتفاع البصمة البيئية. ويجدر ذكر أن حوالى مئة ألف شخص يستفيدون من مبادرة "ساهم" التي أطلقناها في يوم العطاء، وهو اليوم الذي رحل فيه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وتطرقت الدكتورة الكيلاني إلى موضوع مشاركة فنادق دبي في مشروع "حفظ النعمة" قائلة: "عدد الفنادق المشاركة لا يتعدّى 2%. وللأسف ما من تشريع يجبر الفنادق على التعامل بشكل صحيح مع فائض الأطعمة التي ينتجونها يومياً، وأفهم أنّ معظمها يسير وفق قوانين تمنعها من استخدام فضلات الولائم. لكن على الرغم من ذلك، بات اليوم الوضع أفضل من الماضي. إذ تعمل جمعيتنا منذ 11 عاماً ويمكنني القول أنه أصبح هناك وعي حول الموضوع في المجتمع وبات الأفراد يبادرون إلى الاتصال بنا لإرسال فائض ولائمهم. وأودّ أن أشير إلى أن مشروع "حفظ النعمة" قد ساهم في إطعام ما يقارب 150 ألف شخص وذلك على الرغم من عدد المساهمين الضئيل من ناحية الفنادق".

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث