نادين لبكي "السعادة تبدأ من عندك"

تميّزت بأفلامها "سكر بنات" و"هلأ لوين" ومؤخراً "ريو أحبك"، التي وضعتها على طريق العالمية بفعل عفويتها والحقيقة التي تنقلها إلى المشاهد دون تجميل. فالمخرجة اللبنانية نادين لبكي عرفت كيف تشق طريقها دون الاستعانة بأحد، فمشت بخطىً ثابتة وهي تقول لنفسها "لا بدّ ان أصل إلى هدفي" متشبثةً بأفكارها. كما أنها في الوقت نفسه ليّنة تتقبّل الآخر دون أن تفرض أحكامها عليه مهما حملت شخصيته من سلبيات أو إيجابيات."لكل منا ظروفه ومشاكله، فلا يمكنني أن أرفض التعامل مع هذا أو ذاك لأسباب أجدها سخيفة في الطبيعة ولا تمتّ لأي وجه من وجوه الإنسانية ".هكذا تعبّر نادين لبكي عن أفكارها، فتصالحها مع نفسها ينعكس عليك بصورة مباشرة أثناء حديثك معها، فتصغي إليها دون ملل، خصوصاً وأنها تجذبك بصراحتها وعفويتها الغالبتين على جميع تصرفاتها.

نادين من أين لك هذه الشخصية الهادئة والعفوية بنفس الوقت، ألم تغيّرك الشهرة؟

أعتقد أن مرحلة الطفولة هي مفتاح شخصية كل شخص منّا، فآثارها لا يمكن أن نمحيها أو نتجاهلها طيلة العمر. وأعتبر نفسي عشت طفولة هنيئة ومليئة بالحب وهذا الأمر انعكس بشكل إيجابي على شخصيتي، فأنا هكذا دائماً لا أحاول أن أتجمّل وأقول الأشياء كما هي، كما أنني متصالحة مع نفسي إلى أبعد الحدود.

وكيف حدث أن الشهرة لم تقضي على طبيعتك هذه؟

الشهرة يمكن أن تؤذي صاحبها إذا لم يعرف كيف يتعامل معها، وبرأيي إنها فترة يجب أن نستمتع بها دون المبالغة بذلك، ثم ماذا يعني أن أكون مشهورة، فهل يجب أن أتخلىّ عمن هم حولي وعن طبيعتي وأسلوب حياتي، فالإنسان المتصالح مع نفسه لا يهتم بهذه الأمور.

لقد ذكرت أن الطفولة مفتاح الشخصية بماذا تتميز طفولتك وماذا تتذكرين منها؟

لا أعرف كيف استطاع أهلي حمايتي من مخاطر الحياة وأنا طفلة، إذ كانوا يتمتعون بحكمة في التصّرف والتفكير بحيث لم أتعرّض يوماً لأي شيء يسيء إلى طفولتي أو يشوّه ذكرياتي عنها يوماً ما. لقد زوداني بقوة ذاتية استقرت في أعماقي وجعلتني أتغلّب على أي صعاب أواجهها في حياتي.

هل تعلمين مثلاً أنني لا أتذكّر أي مشهد قاس تعرّضت له أو واجهني في طفولتي؟ فكل ذكرياتي تدور حول منزلنا في الجبل وألعابي وأصدقائي هناك والسعادة التي كنت أشعر فيها هناك وهذا ما أستعين به من حين لآخر في أفلامي السينمائية.

ما سبب شعورك بهذه القوة الداخلية؟

هو الحب بكل بساطة فأن تشعري بأنك محبوبة دائماً هو أمر يزوّدك بالقوة، فتشعرين أنك قادرة على مواجهة أي شيء في الحياة حتى المرض ومهما بلغت خطورته. ووالدي لم يبخلا علي بحبّهم لي، لا بل أستطيع القول بأنني خزّنت كميات لا يستهان بها من حبّهما لي ما زلت أستخدمها في حياتي حتى الساعة وهذا هو سرّ قوتي.

ماذا عن مفهومك للزواج وهل تعتقدين أنك وفّقت في اختيارك لزوجك خالد مزنر؟

لا يمكنني أن أتحدث عن الزواج بالمطلق، فالبعض يعتبره قيداً يحدّ من حريتهم، فيما يجده آخرون بمثابة محرّك دائم للعطاء والاندفاع. ولكن لدي نصيحة أوجهها هنا للنساء المقبلات على هذه الخطوة، وهي أن يتجنبن الزواج قبل تحقيق ذاتهن وأحلامهن فهذا هو الحلّ الوحيد لتقبل الشريك وللشعور بالاكتفاء الذاتي، هناك كمّ لا يستهان به من النساء القاسيات والمنغلقات على أنفسهن لأنهن لم يحببن أنفسهن كما يجب. فلكل منا أحلامه المستقلة ونظرته للحياة ولا يجب الخلط بينها وبين الزواج، والسعادة التي نحلم بها لا تأتي من خلال الشخص الآخر بل تبدأ من عندك لتصبّ في خانته فيما بعد. نعم أنا مع الزواج شرط أن تحقق المرأة ذاتها وأن تكمل مشوارها مع الشريك الذي يساندها ويزودها بالأمل. وفيما يخص اختياري لزوجي فأنا أعتبره خياراً صائباً جداً وكان يجب أن يحدث، فحاستي السادسة دفعتني نحو هذا الزواج بثبات، فأنا أعرف قراءة شخصيات الناس وخالد هو نصفي الآخر دون أي شك.

وماذا عن الجمال فهل تعتبرين نفسك جميلة وماذا يعني لك بصورة عامة؟

الجمال طبعاً من العناصر المهمة في الحياة ولكن يساورني أحيانا شعور القلق تجاهه. فمثلاً لا أملك الحكمة الكافية لأعرف كيف سيكون إحساسي عندما أكبر وأقترب من الشيخوخة، أو أن أتقبّل كل مراحل العمر كما هي. عادةً أنظر إلى النساء المتقدمات في العمر حولي وأبحث عن العناصر التي تزودّهن بالتوازن في هذا الموضوع. فالمرأة تمرّ في مراحل صعبة في حياتها، فهي تحمل ويتغيّر شكلها الخارجي وتسهر وتتعب على أولادها، كما تهتم بزوجها وتخاف على كل فرد من أفراد عائلتها، كل هذه الأمور تؤثّر على مظهرها الخارجي. كما أتفهم تماماً لجوء بعضهن إلى عمليات التجميل فالمحافظة على الجمال تزودنا بتوازن في داخلنا لا يجب أن نفرّط به.

وهل تدللين جمالك وتهتمين به؟

ليس كثيراً فأحياناً أمارس رياضة اليوغا، وأحياناً أخرى أرقص، ولدي الحشرية الدائمة للتعرّف إلى الكريمات المغذيّة للبشرة فأستعملها ولكن ليس بشكل روتيني. فأنا من الأشخاص الذين لا يملكون خطاً واحداً في أسلوب حياتهم، فمثلاً أتناول القهوة أحياناً مع سكّر وأحياناً أخرى بدونه، ومرات أتناول هذا الطبق ومرات أخرى لا يعني لي شيئاً، وعادةً ما أترك العنان لتصرفاتي هذه على طبيعتها فأنا أملّ بسرعة ولا أحب الروتين.

نادين أفكارك كثيرة فلديك مخزون كبير منها فهل تكفيك أفلامك السينمائية التي تخرجينها للتعبير عنها؟

لا أعتقد أن أفلامي السينمائية تكفيني لتصوير كل ما يجري في رأسي وما به من أفكار. ولكن دون شك أهم سلاح لدي أستخدمه لإجراء تغييرات في مجتمعنا دون اللجوء إلى العنف بل عن طريق التفكير، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي التي ولدت بلحظة يمكن أن نستفيد منها أيضاً ونوظفّها في هذا الهدف ولكن شرط أن نستعملها بمسؤولية. فهناك وعي جماعي يمكن أن يولد بثوان بسببها ويجب أن نعيره اهتمامنا الكافي.

ما هي مشاريعك الجديدة؟

أحضّر لفيلم جديد لبناني بالتأكيد، وقد بدأت في كتابته مع صديقي رودني حداد وزوجي خالد مزنر، وأتمنى أن أنتهي منه في العام المقبل ليكون جاهزاً للعرض في بداية موسم الصيف.

أنت اليوم سيدة ناشطة في جمعيات إنسانية متعددة تتعاطى مع الأطفال المصابين بأمراض القلب وأخرى لمكافحة الإدمان على المخدرات فماذا تخبرينا عن هذه التجربة؟

أنت اليوم وجه محبوب ومعروف في العالم العربي فكيف تمثلين المرأة العربية في التحديد من خلاله؟

أحافظ على طبيعتي كما هي ودون تصنّع لأؤكد لها بأن المرأة هي كالوعاء تنضح بما فيها. كما أنني أستخدم أفلامي والقصص التي أتطرق إليها فيها لأعزز طموحات المرأة وأحلامها وأدفعها الى الأفضل. فبرأيي أن المرأة إذا كانت متصالحة مع ذاتها لن تحمل عُقداً وفلسفات معينة في أسلوب حياتها، هي امرأة منتجة إما في عملها أو في منزلها العائلي. وأنا أمثلها على طريقتي هذه الغنيّة بالحبّ وشغف الحياة.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث