"يحقّ لنا العودة إلى الحياة"

خاتم وسوار Cartier, Grain de Café من الذهب الأصفر والأبيض المرصّع بالألماس,
كنزة وتنّورة وسروال من Loro Piana

هي بارعة في جعل الأشياء جميلة بصريّاً، حتّى لو كانت حزينة بالفعل، فتجعل المُشاهد سعيداً بمشاهدتها! هي مدافعة شرسة عن حقوق المرأة من خلال أعمالها التي تشجّع النساء على التحدّث بصراحة عن تجاربهنّ وإيصال صوتهنّ ومشاركة قصصهنّ. هي المخرجة الموهوبة والممثّلة اللبنانيّة نادين لبكي التي تعيش اليوم مرحلة التعافي من كلّ ما مرّ به بلدها لبنان، وذلك عقب النجاح الهائل الذي حقّقه فيلمها "كفرناحوم" عام 2019 الذي تأهّل لحفل توزيع جوائز الأوسكار. تعترف نادين بأنّها لم تكن على طبيعتها في هذه المرحلة، كما شعرت بالضياع ولم تكن في وضع يسمح لها بالتفكير بالأفلام! وبعد مرور أربع سنوات، تشعر اليوم بأنّ من حقّها العودة إلى الحياة.

التصوير: Jihad Hojeily, الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh, نائب رئيسة التحرير: Cynthia Succar, التنسيق وتصميم الموقع: Yehia Bedeir, الشعر والمكياج: Michel Kiwarkis لدى MMG Artists, المساعدة في التصوير: Joe Ghanem, المساعدة في التنسيق: Poucy ElShahawy المساعدة في تصميم الموقع: Sam Hamouly, تنقيح الصور: Elissar Saab, الموقع: AlJurf by IMKAN Properties, الإنتاج: Kristine Dolor

المجوهرات كلّها من Cartier

مرّ الوقت بسرعة ومن دون أن نشعر مذ التقينا بكِ للمرة الأخيرة في العام 2019. كيف حالك اليوم؟

حدث ما لم يكن في الحسبان بعد عرض فيلم "كفرناحوم"، بدءاً بجائحة كورونا وانطلاق الثورة في لبنان، مروراً بانفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى ما نعيشه اليوم. لم أكن على طبيعتي في هذه المرحلة إذ شعرت بالضياع ولم أستطع التركيز ورؤية الأمور بوضوح. كذلك تساءلت طوال هذه الفترة عن مهمّتي كشخص يملك القدرة على إيصال الصوت عالياً، لأنّ للفنّان مسؤوليّة أكبر تجاه مجتمعه وتملي عليه كيفيّة التعاطي مع هذا الألم الكبير الذي أصاب لبنان والظلم الذي تعرّض له شعبه. كنت مشوّشة تماماً ولم أكن في وضع يسمح لي بالتفكير بالأفلام!

هل تعيشين الواقع كما هو في لبنان أم أنت في حالة إنكار؟

لست في حالة إنكار إنّما أحاول أن أتأقلم مع الواقع بطريقة منظّمة أكثر. كذلك يشعر بعضنا في الفترة الأخيرة بأنّ من حقّه العودة إلى الحياة، على الرغم من أنّ أكثر من نصف اللبنانيّين يعيشون حياة غير طبيعيّة، وهذا أمر مؤلم فعلاً.

"من حقّنا العودة إلى الحياة". أليست الحياة حقّاً لكلّ الناس؟

بعد فيلم "كفرناحوم"، شعرت بقلق دائم وبذنب كبير، وكأنّني لا أملك الحقّ في الحياة أو العيش بطريقة طبيعيّة. وذلك بعدما لمست الألم عند الناس، كما أنّني عشت مع البعض أوجاعهم إثر انفجار مرفأ بيروت، فكان من الصعب العودة إلى المنزل وكأنّ شيئاً لم يكن! شعرت بالإحباط قبل أن أتمكّن من استيعاب ما حدث لنا وأستطيع التأقلم مع الوضع والوقوف من جديد.

عقد Cartier, Maillon Panthère من الذهب الورديّ المرصّع بالألماس
فستان ومعطف من Saint Laurent

هل شعرت بالخوف أو الاستسلام أو التردّد في تلك المرحلة الصعبة؟

كلّ الوقت! وربّما هذه هي الأسباب التي حالت دون أن أعمل على إخراج فيلم جديد. ثمّة أمر يعيق رؤيتي الفنّيّة وقدرتي على إيجاد الفكرة المناسبة. إنّما تلك المشاعر قد تكون أيضاً حافزاً للمضي قدماً وتحمّل مسؤوليّة أكبر تجاه عملي في صناعة السينما، لاسيّما أنّ الفيلم قادر على تغيير أسلوب تفكير الناس وحثّهم على رؤية الأمور من منظار آخر.

ثمّة ضوء في نهاية النفق دائماً. هل بدأت برؤيته؟

بعض الشيء! أشعر بالأمل وكأنّني أعيش حاليّاً مرحلة التعافي.

نبحث جميعاً عن شيء يساعدنا في العثور على الفرح. ماذا عنك؟

الموسيقى هي العلاج الأنسب لي، أستمع إليها حين أشعر بالحزن أو باضطراب، فهي قادرة على إخراجي من الحالة السيّئة التي أنا بها.

خاتم وسوار Cartier, Grain de Café من الذهب الأصفر والأبيض المرصّع بالألماس
كنزة من Loro Piana

هل ترقصين؟

أحبّ الرقص كثيراً بكلّ أنواعه، وخصوصاً الدبكة اللبنانيّة، فهي مرتبطة بالأرض والتراث والمجتمعات القروية. كما أهوى رقصة الفلامينكو.

مرّ ما يقارب أربع سنوات منذ ظهورك الأخير على غلاف مجلّة. ما الذي بدّل رأيك اليوم فنراك على غلاف مجلّتنا؟

كما ذكرت لك سابقاً، يحقّ لنا اليوم العودة إلى الحياة. لم أشعر في السابق بلباقة الفِعل أو بضرورة الظهور على غلاف إحدى المجلات في ظلّ ما كنّا نعيشه، احتراماً لوجع الناس ومشاعرهم. وعلى الرغم من أنّ البعض لا يزال يعاني الأمرّين، إنّما علينا النهوض بالأمل.

الموسيقى هي العلاج الأنسب لي وأستمع إليها حين أشعر بالحزن أو باضطراب

لم يكن سهلاً ما مررت به! ولنقل أنّ فرحتك لم تكتمل بنجاح فيلم "كفرناحوم" والجوائز التي حصدتها. يا للأسف أليس كذلك؟

صحيح هذا الأمر! عام 2019 هو من أصعب السنوات التي مررت بها في حياتي على الرغم من الإنجاز الكبير الذي حقّقته بعد ترشيح فيلمي للأوسكار ونيله جوائز عدّة.

لمَ لا تخرجين أعمالاً تجاريّة بحتة؟

أتلقّى الكثير من النصوص لإخراجها، إنّما أعتبر أنّ صناعة الفيلم هي حاجة شخصيّة تنبع من الداخل لتلقي الضوء على قضيّة معيّنة.

اليد اليمنى: سوار Cartier, Tressage من الذهب الأصفر, اليد اليسرى: خاتم وسوار Cartier, Tressage من الذهب الأصفر
بلوزة من Max&Co., سروال من Stella McCartney

ألهذا السبب انتقلت إلى عالم التمثيل في الفترة الأخيرة؟

صحيح، أفضّل المشاركة بالتمثيل في أعمال الآخرين، فأختبر شخصيّات ومغامرات جديدة بغض النظر عن نتيجة العمل.

فيلمك الأخير هو "العودة إلى الإسكندرية" الذي أخرجه تامر روجلي وتشاركك في بطولته النجمة الفرنسيّة الشهيرة Fanny Ardant. ماذا تخبرينا عن هذا الفيلم ولمَ اخترت التمثيل في هذا العمل بالتحديد؟

لأنّني أعشق مصر، كما أنّني تربّيت على مشاهدة الأفلام القديمة، وكان هذا العمل بمثابة عيش مغامرة جديدة في مصر من خلال حضوري كممثلة. كذلك، أحترم كثيراً مخرج العمل، ناهيك عن لعبي دور ابنة الممثّلة Fanny التي أعتبرها امرأة ملهمة من جميع النواحي. فهي سيّدة مواقف ومتمكّنة من نفسها وتحمل الكثير من الصفات الجميلة. هذا العمل عبارة عن رحلة جميلة وجرى تصويره بين مصر وسويسرا.

حين تشاركين كممثّلة في فيلم، ألا يشعر المخرج بالرهبة لدى الوقوف أمامك؟

كلا، تعاملي معهم كممثّلة يجعلهم ينسون أنّني مخرجة في الأصل. ذلك لأنّني أعي تماماً قدر المسؤوليّة المُلقاة على عاتق المخرج، كما أنّ عدم ثقة الممثّل أو فريق العمل بالمخرج يزعزع ثقته بنفسه. الأمر الوحيد الذي قد أبدي رأيي فيه هو حين أشعر بأنّ الجملة التي أقولها لا تتماشى مع روح الشخصيّة التي أقدّمها، فأحاول حينها أن أجعلها أقرب إليها لتصل إلى المشاهد بطريقة حقيقيّة وصادقة.

هل حلمت يوماً أن تصبحي الشخص الذي أنت عليه اليوم؟

لطالما آمنت أنّني سأقدّم فيلماً يصل إلى العالميّة وتحقّق حلمي. علماً أنّني كثيراً ما ردّدت ذلك على مسامع والدي عندما كنت في سنّ المراهقة، وكان ينظر إليّ بإعجاب وتقدير. لا أدري من أين يأتي هذا الإيمان الكبير مع أنّني أعاني أحياناً عدم الثقة بالنفس.

عقد Cartier, Grain de Café من الذهب الأصفر والأبيض المرصع بالألماس
سوارا Cartier, Tressage من الذهب الأصفر
سترة وقميص وسروال من Sportmax

تعانين عدم الثقة بالنفس أحياناً. كيف ذلك؟

ثمّة تناقض في شخصيّتي كمخرجة. فهناك إيمان ورؤية فنّيّة واضحة جدّاً، يواجههما خوف وقلق. قد أعيد المشهد أكثر من مرّة وأحياناً أعيد النظر بالفيلم حتّى بعد صدوره ومشاركته في المهرجانات، لأنّني أشعر دائماً أنّه كان بإمكاني تقديمه بصورة أجمل بعد. إنّما أؤمن وأثق كثيراً في العمل الذي أقدّمه.

تسافرين إلى باريس للمشاركة في فعالية تنظّمها دار Cartier. كنت جزءاً من Cartier Pavilion لتمكين المرأة عام 2021 (إكسبو 2020). ما الجديد هذه المرّة؟

أحلّ هذه المرّة كضيفة في حفل توزيع جوائز مبادرة كارتييه للمرأة Cartier Women's Initiative - CWI, وهو برنامج عالمي يدعم صانعات التغيير اللواتي ينشئنَ أعمالاً مبتكرة ويمكّنهنّ. كذلك سأشارك في حلقة نقاش أتكلّم فيها عن دور السينما والفنّ ودورنا نحن كنساء في صناعة التغيير.

لطالما آمنت أنّني سأقدّم فيلماً يصل إلى العالميّة وحقّقت حلمي

دائماً ما دافعت عن تمكين المرأة. وفي عالمنا اليوم، ثمّة اهتمام متزايد من أجل المساواة بين الجنسين. لكن برأيك ما الذي لا يزال مفقوداً أو لم يجرِ فحصه بشكل كافٍ؟

ليست الحياة أبيض أو أسود ولا تصبّ تجارب النساء في خانة واحدة. وساهمت الحركات النسائيّة الاجتماعية التي انطلقت في السنوات الأخيرة في إلقاء الضوء على المعاناة والظلم اللذين تتعرّض لهما النساء، وشجعتهنّ على التحدّث صراحة عن تجاربهنّ وإيصال صوتهنّ وجعل الناس يصدقّون قصصهنّ التي يشاركنَها. إنّما الأمر يتطلّب تغييراً هيكليّاً مستمرّاً في أماكن العمل والدراسة وفي كلّ مكان.

من وجهة نظرك، ما هي أهميّة وجود نساء يعملنَ في صناعة السينما؟

لهنّ أهميّة كبيرة في سرد قصصهنّ من منظارهنّ الخاصّ وبطريقة حقيقيّة وفعّالة. هناك قصص كثيرة تخصّ النساء وحدهنّ وهنّ أكثر من يشعر بها وأكثر دراية بالتكلّم عنها لأنّها جزء من كيانهنّ. ولا شكّ في أنّ الرجل شريك المرأة في حياتها، إنّما قصصها نابعة من صميم رحلتها ومسيرتها في الحياة.

عقد Cartier, Grain de Café من الذهب الأصفر والأبيض المرصّع بالألماس
سترة طويلة وسروال من Stella McCartney, بلوزة خاصّة بالمنسّقة

في العام 2019 كنت أوّل امرأة عربيّة يترشح فيلمها لجائزة الأوسكار. هذا العام، لم ينجح الحفل في ترشيح أيّ امرأة كأفضل مخرجة، بعد عامين متتاليين من فوز النساء بهذه الفئة. كيف تنظرين إلى ذلك؟

قليلاً ما أتأثّر بهذه المواضيع، فوجود المرأة في أيّ فئة يجب أن يكون مستحَقّاً، كما أنّ العمل الجيّد ليس مرتبطاً بهويّة معينة. ومشاركتي في المهرجانات العالميّة هو تقدير على المجهود الكبير الذي بذلته مع فريق عملي، وليس لكوني امرأة فحسب. علماً بأنّني لا أحبّذ الاحتفال بيوم المرأة العالمي، فكلّ يوم هو يوم المرأة ولمَ لا نحتفل مثلاً بيوم الرجل العالمي؟

أؤمن بأنّ معظم الأمور التي أقوم بها تقودها طاقة أكبر منّي تمدّني بالقوّة للمضي قدماً بمهمّتي

أنت بارعة في جعل الأشياء جميلة بصرياً، حتّى إن كانت حزينة بالفعل، فتجعلين المُشاهد سعيداً بمشاهدتها! هل هذا منطقي بالنسبة إليك؟

قد يكون هذا الأمر مرتبطاً بحبّي الكبير للشخصيّة أو المشهد أو الموقف... فيصل هذا الإحساس تلقائيّاً إلى المشاهد ويكون مشحوناً بعواطف هذا المشهد أو تلك الشخصيّة. ثمّة صدق وعلاقة خاصّة بيني والمشاهد وهو يدرك تماماً ما أريد إيصاله.

أفلامك خالدة. ماذا تريدين أن يكون إرثك بعد رحيلك؟

أتمنّى أن أترك أثراً إيجابيّاً لدى كلّ شخص شاهد أعمالي، إن كان من خلال مشهد أو جملة أو موقف أو حدث، لاسيّما أنّ أفلام كثيرة تركت أثراً فيّ وغيّرت مسار حياتي وطبعت في ذهني أفكاراً جديدة.

عقد‭ Cartier, Maillon Panthère ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬الورديّ‭ ‬المرصّع‭ ‬بالألماس
فستان ومعطف من Saint Laurent

هل أصبح هدفك في الحياة واضحاً كالشمس الساطعة؟

طبعاً وأنا أؤمن بأنّني موجودة في هذه الحياة لغاية معيّنة، وبأنّ معظم الأمور التي أقوم بها تقودها طاقة أكبر مني، تمدّني بالقوّة للمضي قدماً بمهمّتي من دون خوف أو تردّد.

هل ناشدت القدرة الإلهيّة لمهمّتك المقبلة؟

كلّ يوم أطلب هذا، وأنا على يقين بأنني سأتلقّى الإجابة المناسبة في الوقت المناسب.

خاتم Cartier, Tressage من الذهب الأصفر والبلاتين المرصّع بالألماس
بلوزة وسترة من Genny

 

العلامات: نادين لبكي

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث