سحر تركمانستان: حدود جديدة للموضة

 

Courtesy of Joe Challita

تشتهر تركمانستان، لؤلؤة آسيا الوسطى، بتراثها الغنيّ، بدءاً من مدن طريق الحرير المدرجة في قائمة اليونسكو، إلى تقاليدها المذهلة في نسج السجاد والتطريز. ويبرز هذا الإرث الفنّي اليوم بشكل لافت في أسبوع الموضة في تركمانستان Turkmenistan Fashion Project، منصّة تعرض جماليات البلد المميزة. يمزج أسبوع الموضة بين التاريخ والتصاميم المعاصرة، ويحتفي بالحرفية التركمانية، ويقدّم للعالم لمحة عن ثقافة تركمانستان التي تعتبر الموضة شكلاً من أشكال الفنّ وتجسيداً للهوية.

​Courtesy of Joe Challita

 

عندما دعتني Hind Joudar، مؤسِّسة معرض الأزياء الشرقية ورئيسة جمعية Route de la Soie et d’Al Andalus ، للانضمام إلى الفريق الصحفي الذي يغطّي أسبوع الموضة في تركمانستان، لم أكن متأكّداً ممّا يجب أن أتوقّعه. فبصفتي محرّر الموضة في ماري كلير العربية، اعتدتُ كشف قصص الموضة الخفيّة، وكانت تركمانستان لا تزال بمثابة لغز غامض. ولم يسفر البحث السريع عن نتائج تُذكَر، وكذلك الأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب فضولي، لجأت إلى Hind، التي كانت تتمتّع بشغف هائل، وأكّدت لي قائلة: "إنها جوهرة خفية"، مضيفةً : "وسوف تقع في حبّها حتماً."

بحماس وفضول، انطلقت إلى مكان لم أتخيّل يوماً أن أزوره. منذ لحظة وصولي، شعرت بالذهول - مدرج الطائرة النظيف، ومنارة المطار اللامعة، وصالة الركّاب الشاسعة، بدا كل شيء شبه سريالي. وقد زاد وصولي في الساعة الثالثة صباحاً، مع مجموعة من صحفيي الموضة الإيطاليين، من إحساسي بالمغامرة. وبينما كنّا نجول عبر المدينة في السيارة، وقفت صفوف من المباني الرخامية البيضاء المتناسقة تماماً في تناغم مذهل. حتى السيارات كانت بيضاء بموجب القانون، كما تبيّن لي لاحقاً، وهو ما يمنح تركمانستان جاذبيّة أنيقة وفريدة من نوعها. كان أسبوع الموضة في تركمانستان، الذي أقيم في الفترة من 17 إلى 19 مارس في عشق آباد، مبادرة طموحة لعرض الأزياء التركمانية مع تعزيز التبادل الثقافي. كانت هذه الفعالية، التي قادتها Hind Joudar و

Ayna Durdylyeva، مؤسسة علامة الأزياء Mahirili Zenan، تهدف إلى تسليط الضوء على الموضة التركمانية على الساحة الدولية.

Courtesy of Joe Challita

كمحرّر موضة، كنت متحمّساً بشكل خاص لفرصة اكتشاف جمالية لم تتأثر بالصيحات العالمية، وبقيت متجذّرة في التراث والحرفية. وفّرت الفعالية منصّة للحرفيّين والمصمّمين والمبدعين المحليّين الحريصين على تقديم أعمالهم إلى جانب العلامات التجارية العالمية، ممّا عزّز التعاون الذي يمكن أن يعيد تعريف مفهوم الموضة التركمانية. على مدار ثلاثة أيام، أسرتني العروض التي تميّزت بغناها بالتراث الشعبي والحرفية اليدوية. كانت كلّ مجموعة تروي قصة، ممّا عزّز إيماني بالمبادرات التي تحيي التقاليد القديمة وتحافظ على المهارات المتوارثة عبر الأجيال. لم يكن الأمر يتعلّق فقط بالموضة، بل بالتراث، والهوية، والفخر. ومن خلال هذه العروض، اكتسبت فهماً أعمق لتركمانستان وسبب بقاء جمال تراثها على حاله دون أن يُمسّ أو يُفسَد. وقد فهمت أنّ الموضة لغة عالمية - لغة تتجاوز الحدود وتوحّد البشرية، خاصّة عندما يتم التعبير عنها بهوية متميّزة وقوية. لقد ظهر ثراء التراث والفولكلور التركماني ببراعة من خلال هذه العروض، حيث كانت بمثابة تعبير عميق عن الجذور الثقافية. وفي عصر العولمة، حيث تتلاشى الفردية في كثير من الأحيان في التماثل، فإن مشاهدة مثل هذا الاحتفال بالتميّز يبعث على الأمل. وقد أكّد لي ذلك من جديد أن التراث والهوية والتقاليد في بعض أركان العالم لا يتم الحفاظ عليها فحسب، بل يتم حمايتها بفخر. وبقيت محادثة واحدة على وجه الخصوص عالقة في ذهني؛ فقد قال أحد السكان المحليّين :"نحن نحب بلدنا ونريد أن نبقيه سراً بعيداً عن أعين المتطفّلين. نريد أن نحافظ على جماله وسلامه لنستمتع به." تركت هذه الكلمات أثراً عميقاً في نفسي، ممّا ساعدني على فهم سبب غنى تركمانستان بفولكلورها وتقاليدها - لأنّها كانت محمية من تيارات العولمة، وهذا ما سمح لثقافتها بالازدهار من دون تغيير. على مدار ثلاثة أيام، شهدنا عروض أزياء مذهلة، ومعارض للحرف التقليدية، وورش عمل إبداعية، ومؤتمرات مخصّصة. كانت المنسوجات، والزخارف المتوارثة، وتقنيات الخياطة المعروضة استثنائية فعلاً.

 Design by Gólli, Courtesy of Altyn Hallymammedova

وشارك في هذا الحدث مصمّمون تركمانيون مثل Gólli ، Mähirli Zenan، Ayperi Modalar Oyi،

Nagyshly Guzer، و Aina Sari، بالإضافة إلى علامات تجارية عالميّة مثل Yoland (عُمان(، و Regalia (المغرب)، و Avaro Figlio (إيطاليا)، و Claude Patrick (فرنسا(. وكانت من بين العناصر البارزة الخياطة الزخرفية على الطراز التركماني، وهي بمثابة فنّ معقّد ورائع لدرجة أنه يروي القصص من خلال أنماطه. أُدرجت تقنية التطريز هذه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2022، وهي تُعدّ من السمات المميزة للحرفية التركمانية. وإلى جانب الموضة، اكتشفت خلال رحلتي في تركمانستان بلداً حافلاً بالتاريخ والثراء الثقافي. كانت زيارتي لمتحف السجاد التركماني في عشق آباد من أبرز المحطّات، حيث وقفتُ مذهولاً أمام واحدة من أكبر السجاد في العالم، والتي يبلغ حجمها 301 متر مربّع، وهي مدرجة في موسوعة Guinness للأرقام القياسية. لقد تأثّرت كثيراً بالترحيب الحارّ والضيافة الاستثنائية في تركمانستان. كلّ شخص قابلته جعلني أشعر وكأنّني جزء من عائلة كبيرة. أعلم بالتأكيد أنّه لا بد لي من العودة إلى هذا البلد الجميل. وهذه المبادرة، التي أصبحت ممكنة بفضل رؤية وتفاني منظّميها، هي أكثر من مجرّد حدث - إنها رسالة. رسالة بأنّ الموضة التركمانية جاهزة لأن يتمّ التعرّف عليها، وتقديرها، والاحتفاء بها على الصعيد العالمي. وعندما غادرتُ عشق آباد، وأفقها الأبيض اللامع يتلاشى تدريجياً في البعيد، أدركتُ أن هذه مجرد نقطة انطلاق لأمر رائع حقاً. 

اقرئي ايضاً: أسبوع الموضة في باكو لخريف وشتاء 2025–2026

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث