السعادة تنبع من عطور Dior

©MIKAEL JANSSON FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

في عالم الرفاهيّة وخصوصاً في مجال صناعة العطور، ما برحنا نجد دُوراً تتألّق نجاحاً. وبعد الاسترسال بالتفكير في ذلك النجاح، نرى أن الفضل كلّه يعود إلى الأشخاص الموهوبين الذين يخرجون عن المألو­ف ليجسّدوا لنا تصوّراتهم الرائعة في منتجات فاخرة.

ومن البديهيّ أن يفرض مبدعو دار Dior أنفسهم كأبرز من يحتذى المثال بهم، لا سيّما في مجال صناعة العطور، إذ نراهم يبحرون بسلاسة على موجة الحياة مطلقين العنان لخيالهم الخلّاق، غير مبالين بأيّ قيود خارجيّة أم زمنيّة من شأنها أن تحدّ إبداعهم أم إنتاجيّتهم، بل تاركين حسّ ابتكارهم يتجلّى في كلّ قطرة.

​وهذا العام، نشهد ولادة نسخة متجدّدة من عطر JOY (أي السعادة) على يد François Demachy، مبتكر العطور لدى Dior. ولا يفاجئنا أن تختار الدار موضوع السعادة، لاختصاره جوهر شخصيّة السيّد Christian Dior، إذ لطالما حمل السعادة رسالة سامية ولا سيّما في زمن افتقر إليها. فعلى الرغم من حياته المضطربة في زمن الحرب العالميّة الثانية، أضفى هذا المبدع السعادة أينما تواجد، وتخليداً لذلك، سنرى كتاباً عن حياته التي تغنّت بالسعادة في كلّ حين.

وحفاظاً على روح Dior، اختارت الدار الممثّلة Jennifer Lawrence لتكون الوجه الإعلاني لعطر JOY، فشخصيّتها المفعمة بالحيويّة وأنوثتها النابضة بالأحاسيس خير تجسيد لفحوى هذا الابتكار. وبعد أن خصّتني الدار بدعوة لتمضية بضعة أيّام في منطقة Grasse قرب قصر عائلة Dior، Château de La Colle Noire، حيث تشرّفت وسررت باكتشاف العالم السحريّ النابض بالحياة المهنيّة المبدعة لهذه العلامة التجاريّة. وحين وجدت نفسي في نعيم الطبيعة التي تحيط بالقصر هناك، شعرت بتلك السعادة والهناء في أعماق ذاتي. فمتّعت ناظريّ بحقول الأزهار التي أعادت إلى ذاكرتي لوحات Pierre-Auguste Renoir وClaude Monet الانطباعيّة.

وتنزّهت في تلك المساحات الحيويّة الملوّنة بصحبة امرأة لا يمكن لسامعيها إلّا أن يلمسوا الشغف الذي يملأ نفسها حين تتحدّث عن مدى حبّها لعملها الذي تراه يبني ثقافة الأناقة الساحرة. وتلك المرأة الاستثنائيّة التي أتحدّث عنها هي Carole Biancalana التي استلمت عزبة العائلة بعد 3 أجيالٍ كانت قد تولّت بدورها جمع الأزهار.

©SOCIÉTÉ RENÉ GRUAU DRAWING FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

ومن أبرز أنواع هذه الأزهار، أخصّ بالذكر زهرة Centifolia أو زهرة المئة بتلة التي تُقطف في شهر مايو فحسب، فضلاً عن زهرة القانة Jasminum Grandiflorum التي تُجمَع في مرحلة إزهارها بين شهرَي أغسطس وأكتوبر. ولا بدّ لي أن آتي على ذكر حماسة Carole وثقتها الكبيرة التي رصدنا حين أخبرتنا أنّ المزرعة الممتدّة على 3 هكتارات من الأرض، كلّها مكرّسة حصريّاً لصناعة عطور دار Dior.

وشرحت لي السّيدة Biancalana عن رحلة زهرة Centifolia المميّزة التي تنطلق يدويّاً عند الساعة السادسة من صباح كلّ يوم من موسم الجمع وتنتهي عند الساعة 11 تقريباً. ومنعاً لبهتان الزهرة، توضع في حاويات مصنوعة من مواد طبيعيّة مثل الصفصاف والكتّان، ممّا يسمح لها بالحفاظ على جودتها ونضارتها. وعقب الجمع، تُنقل الأزهار إلى المصنع مع تجنّب تعريضها لأشعّة الشمس. والجدير بالذكر أنّ كلّ لترٍ من العطر يكفي لصناعة مئات القوارير، ويحتاج كلّ لترٍ إلى 800 كيلوغرام من الأزهار، وكلّ كيلوغرامٍ إلى حوالى 300 زهرة.

وحسبما أفادتني Carole، فإنّ الميزات العطريّة الاستثنائيّة لهاتين الزهرتين اللتين تنموان في الأراضي الغنّاء في منطقة Grasse تعود إلى الظروف المناخيّة التي تنفرد بها تلك المنطقة. وبالفعل، فقد وصف الشعراء تلك البقعة على أنّها المكان الذي يتجلّى فيه عطر الشمس على الأرض والذي لا يضاهى هناء العيش فيه.

©HENRY CLARKE/ CONDE NAST COLLECTION/ GETTYIMAGES WITH AUTHORISATION OF USE FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

فعلى الصعيد الجغرافيّ، تتوسّط منطقة Grasse الجبل والبحر، وتقع تحديداً بين جبال الألب والبحر الأبيض المتوسّط. فتنفرد بتربتها التي تتغنّى بتنوّع جيولوجيّ يجمع بين الصلصال والكلس، ممّا يسهّل العمل فيها في فصل الشتاء اللطيف والصيف الحار الرطب، وكذلك يسهم في منح الأزهار رونقاً مثاليّاً. والدليل الأكبر على تميّز المنطقة هو وفرة الأزهار المختلفة فيها وتوزّعها على ارتفاعات مختلفة عن سطح البحر.

أمّا بالعودة إلى حديقة القصر، وحرصاً من Carole على إبراز تميّز المكان، غاصت في التفاصيل وكشفت لي أنّ أزهار Grasse تُجمع بطريقة بيولوجيّة وعضويّة محض، وهذا سرّ عبقها القويّ والنقيّ. وبالفعل، أسرّني عبير الأزهار التي مررت قربها، بدءًا من رائحة اللوز والدرّاق والتين والموز وحتّى الإجاص. وتأكّدت حينها أنّ ذلك العبق الغنيّ والمتنوّع هو الذي ألهم Demachy، فالتباين المتعدّد ذاك أشبه برائحة حلى الفاكهة.

وعند ذكر العناصر التي تزيد أزهار منطقة Grasse تميّزاً، لا بدّ من التشديد على عاطفة Demachy وشغفه وإخلاصه لهذه الأزهار. إذ أخبرني أنّه استوحى فكرة إعادة ابتكار عطر JOY من جوّ السعادة الطاغي على هواء المنطقة وعلى الإمكانيّة الكامنة فيها والتي من شأنها أن تغني النسخة الأولى من عطر JOY وتقدّمها بصورة مختلفة.

©ROBERT DOISNEAU/GAMMA-RAPHO WITH AUTHORISATION OF USE FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

ولهذا العطر، استوحى Demachy السعادة أيضاً من النور، إذ يعتبر أنّها تمدّ المرء بالطاقة وتزيده تألّقاً. وعند ابتكار هذا العطر، أتى بـ4 نسخات تضمّنت أزهار الفل والياسمين واليوسفي وغيرها، وأكثر ما شدّد عليه هو لمسة المسك الذي نلمس فيه عبير الأزهار. وهكذا تكون ولادة هذا العطر قد بقيت وفيّة لعطور الدار، بكلّ ما فيها من أريجٍ وصولاً إلى الابتكار وإبراز الصيحة المعاصرة التي تنطوي علىالأناقة والاستقرار. ومع استماعي لكلام Carole ومرور الوقت سريعاً برفقتها الأنيسة، علمنا أنّه لم يتبقَّ سوى قلّة قليلة من صانعي العطور الذين يستخدمون هذه الأزهار ذات الجودة الاستثنائيّة، فعددهم يكاد يبلغ العشرين. في هذا الإطار، نذكر أنّه بالقرب من Domaine de Manon العِزبة السابقة لعائلة Dior، ثمّّة عزبة أخرى اسمها Le Clos de Callian، حوّلتها Armelle Janody وزوجها Rémy Foltête من مزرعة بقر إلى أراضٍ شاسعة من الأزهار وكرّستها لصناعة عطور دار Dior حصراً، ليكون الثنائي قد أعاد بعث الحياة في المهن المنسيّة، وأرجع الناس إلى العيش في الأرض والاستثمار فيها.

وبفضل ذلك، يعدّ الزوجان من الفاعلين الاقتصاديّين الذي يشكّلون الحلقة العالميّة التي تسعى إلى إبقاء شعلة الحرفيّة والخبرة متّقدة. وأعترف أنّ يقيني بتلك المعلومة حرّك فيّ مجدّداً مفهوم دار Dior الذي يملأ الحواس سعادة. إنّما استطاع ذلك الثنائي الواثق والسعيد أن يفوز في الرّهان وأن ينجح بالتحدّي، ووصلت إليّ الغبطة التي يشعران بها بالفعل. ولا بدّ من تسليط الضوء على الدور الجوهرّي الذي يضطلع به الجامعون والصانعون الآخرون، إذ إّنهم ساعدوا هذا الزوج على التألّق في زراعة الأزهار الفريدة من نوعها بالشراكة الناجحة جداً مع دار Dior.

وفي ما يتعلّق بمساحة زراعة الأزهار لصناعة العطور، فهي تمتدّ على 40 هكتاراً، إلّا أنّ مساحات شاسعة من الأراضي غير المستثمرة ما انفّكت متوافرة في المنطقة. لذا ربما يخبّئ المستقبل بين طيّاته فترة تعِد بإمكانيّة زيادة إنتاجيّة مستصلحي الأراضي والراغبين في الاستثمار في مشاريع جديدة.

©ROXANNE LOWIT WITH AUTHORISATION OF USE FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

واختتمنا نهارنا بعشاء مستحقّ بعد يوم مثمرٍ، اكتشفنا فيه المواد الأوليّة لعطور Dior على العموم وعطر JOY على وجه الخصوص. وأيقظت محاصيل الأزهار تلك حواسي تماماً. أمّا اليوم التالي، فقضيناه مع فريق Dior، الذي ضمّ مؤرّخ إرث الدار Frédéric Bourdelier وفريق التسويق، وأخيراً وليس آخراً من أعتبره نجم هذه الرحلة، مبتكر عطور الدار الشهير François Demachy.

ولا يمكن أن   يسيطر الملل علي أيّ شخص يستمع إلى كلامه خصوصاً أنّه ولد وترعرع وأمضى حياته كلّها في Grasse، محوّلاً شعور السعادة إلى بُعد يأسر حاسّة الشم لدينا. إذاً هو أكثر من يحسن تجسيد حياة السيّد Christian Dior وسعادته وهناءه. بالإضافة إلى قوله إنّ أبسط صور الهناء وأكثرها لمعاناً هي تلك التي تولّد مشاعر السعادة.

وأبدع مبتكر عطور الدار، فليس من السهل خوض تحدّي اختصار السعادة عن طريق قارورة عطر والأصعب أيضاً هو النجاح في فعل ذلك. لكن دار Dior لا تعرف المستحيل وتبحث عن الإلهام في أبسط التفاصيل. ومن الجليّ أنّ التركيبة الجديدة لعطر JOY 2019 خضعت إلى تعديلات واضحة، لا سيّما من حيث كثافة المكوّنات. وقد تطلّب الأمر وقتاً طويلاً، نظراً إلى أنّ البحث عن توازن جديد يتطلّب تخفيف بعض العناصر وتكثيف بعضها الآخر. وكان لا بدّ من إدخال مكوّنات جديدة أيضاً لتتغنّى التركيبة المستحدثة بتناغم كلّي. لذا ليس من المستغرب أن تكون سنوات كثيرة مرّت قبل ابتكار Demachy خلاصة السعادة الجديدة هذه. إذ عمل على تحضير تركيبتها وتصميم شكل القارورة بعناية وصبر حتى بلغتا درجة الكمال.

©SOCIÉTÉ RENÉ GRUAU DRAWING FOR PARFUMS CHRISTIAN DIOR

فيبرز عطر JOY الرموز التصميميّة العصريّة، لكن مع الإبقاء على الخطوط الأيقونيّة التي تشتهر به قوارير Dior. فتظهر القارورة بشكل بسيط ومشرق، يبعث حسّ الأنوثة من خلال اللونَين الفضيّ اللامع والزهريّ الساطع. كذلك، يلتفّ حول الغطاء خيطٌ فضيّ، فتبدو كجوهرة خفيفة محفورة يتوسّطها حرف O مثاليّ. ولم تقضِ الفكرة حينها بابتكار عطر جديد فحسب، إنّما بأن يحمل العطر رسالة تتخطّى الميزات العطريّة إلى حدود أبعد بكثير. انطلاقاً من ذلك، أبصر عطر JOY النور مضفياً شعور السعادة على كلّ من يشمّ عبقه وعلى كلّ امرأة ترتديه أينما مرّت، فتأثيره الفوريّ يتأرجح بين الرقّة والطاقة الحيويّة.

وفي الختام، سألت Demachy عن انطباعاته وآرائه حول العطر، وعمّا إذا يظنّ أنّه سيصبح صيحة من صيحات موضة أم يُنشئ ثقافة جديدة. ونظراً إلى أنّني امرأة عربيّة، أسرتني إجابته فهو لم ينكر التأثير القوي لظاهرة الموضة الحديثة التي تقضي باستهلاك العطور، إلّا أنّ الجهة الثقافيّة لا تزال هي المهيمنة بنظره. فمنذ بزوغ الحضارة الإتروسكانيّة، ومروراً بحقبة الحضارة العربيّة المجيدة وحتّى يومنا هذا، حلّت صناعة العطور في الدرجة الثانية بعد الطهي في ثقافات الحضارات القديمة. واللّافت أنّ مبتكر عطور الدار صرّح لي أنّه يتعلم الكثير من الحضارة العربيّة حول عالم العطور، لا سيّما حول تميّز العرب بمزج عطور عدّة بغية ابتكار عطر خاصّ مميّز. وما برح عالم العطور في منطقتنا العربيّة يخبئ أسراراً كثيرة. ونرى العطور تثبت حضورها القويّ في الحضارة العربيّة، من المنزل إلى العمل وحتى الجوامع والمطاعم. ويمكن التماس ذلك أساساً في أيّ متجر لعطور العود، إذ سيتراءى لكِ مدى توسّع مجموعات العطور وتنوّعها فيه.

ووصلت رحلتنا إلى Grasse إلى نهايتها، وبالرغم من الحزن الذي شعرت به لمغادرة منطقة السعادة والهناء تلك، التي أعطتني فرصة اختبار حياة Dior وتنشّق عبير عطر JOY، إلّا أنّ عبق تلك الأرض و أريج ذلك العطر سيبقيان محفورين في نفسي.

اقرئي أيضاً: إطلالتك الأنيقة بلمسة من الروك أند رول

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث