كيف يخلق فرانسيس كوركدجيان عطر يخاطب المشاعر والأحاسيس

شارك فرانسيس كوركدجيان في ابتكار عطور مميزة للكثير من العلامات التجارية، وهوالمديرالإبداعي لMaison Francis Kurkdjian كان لنا هذا الحديث معه للتعرّف أكثر الى العلامة وتفاصيل إبداعاته..

image @Maison Francis Kurkdjian Paris

  • من أين تستمدّ الوحي هذه الأيّام؟

الوحي هو القسم غير المرئي من عملية ابتكار العطور... إنّه وبدون شكّ الشقّ الأصعب في عملي، والذي يُشكّل التحدي الأكبر مع مرور الوقت. لا أستمدّ الوحي من المواد الخام. يُلهمني الفنّ الكلاسيكي والحديث، والأزياء الراقية وأسلوب الحياة الفاخر، لكنّني أحاول دائمًا التركيز على خلق عطر يخاطب المشاعر والأحاسيس حول العالم. لا بدّ من أن يكون العطر فكرة يُمكن للجميع حول العالم أن يفهمها بلغته الخاصة وتخاطب أعماقه وأحاسيسه. لا أبدأ بتدوين التركيبة العطرية إلا بعد تخيّل العطر. كيف يُمكن أن تبتكر شيئًا ما إن لم تكن تعرف ما تودّ أن تقوله؟ كما يستخدم الرسّام الألوان، والعازف الموسيقي الدرجات الموسيقية، أنا كعطّار أستخدم حاسّة الشمّ. لكنّني أنطلق دائمًا وأوّلًا من اسم العطر، إذ أنّه يختصر ما أودّ أن أقوله من خلال العطر. إنّه كعنوان كتاب ما، أو اسم لوحة ما. يُرشدني، ويرسم أمامي مسارًا إبداعيًا لأتبعه.

 

  • ماذا يعني العطر الجيّد بالنسبة إليك؟

 

أوّلًا، العطر الرائع لا يتّسم برائحة جيّدة، بل برائحة جميلة. يتفوّق على العطر الجيّد بحسّه الفني وأحاسيسه. العطر الجيّد يُبصر النور من حكاية جيّدة، لكن لا بدّ من اعتماد تقنيّة جيّدة لإنجاز الفكرة التي تدور في رأسك. أقارن أحيانًا فنّ صناعة العطور بالتزلّج على الجليد، فهناك ناحيتان للعمل، الأولى للتقنية والثانية للحسّ الفنّي. يجب أن يكون الاثنان ممتازَين، تمامًا كما في مجال العطور. من ناحية أخرى، العطر الجيّد يبقى محفورًا في الذاكرة، وله بصمة قوية ورائحة تدوم طويلًا. قد تبدو المسألة سهلة لكنّها الناحية الأصعب في مجال العطور.

 

  • ما الحكاية التي أردت أن تتشاركها من خلال أحدث إبداعاتك العطرية؟

 

لفهم الفكرة وراء أحدث عطورنا من مجموعة Cologne forte، لا بدّ من العودة إلى بدايات عطر Aqua Universalis، الذي طُرح عندما أبصرت دار فرانسيس كوركدجيان النور عام 2009. يُمكن تلخيص مصدر إلهام هذا العطر، الذي لحقه عطرا Aqua Vitae و Aqua Celestia بهذا المثل اللاتيني “mens sana in corpore sano”، ويعني بالعربية "الجسم السليم بالعقل السليم". أردتُ أن أعود إلى تقاليد ماء الكولونيا، الذي كان أصلًا يتميّز بتركيبة صالحة للشرب، بحيث ينعكس عطره المشرق من الداخل والخارج. فالمفيد لجسمي مفيد أيضًا لعقلي. لاحقًا، وتحديدًا عام 2011، ابتكرنا اسم forte، في إشارة إلى الموسيقى الكلاسيكية، للتعبير عن فكرة القوّة في هذه العطور المنعشة. وأخيرًا، عام 2021، أردتُ أن أنفح روحًا جديدة في مجموعة Aqua وأضفي بعدًا جديدًا إلى مجموعة forte، مع الأخذ في عين الاعتبار أنّ فكرة الانتعاش يُمكن الغوص فيها أيضًا انطلاقًا من الأحاسيس التي يوقظها النور. وهكذا أصبح عطر Cologne forte واقعًا ملموسًا، وعطرًا حديثًا يدوم طويلًا، ويجمع بين فكرة النور واللون وتلك الأحاسيس التي كانت محور تركيبة ماء العطر الأصلية.

 

  • هلّا أخبرتنا سرّ ولع النساء بعطر Baccarat Rouge 540؟

 

ليس النساء وحدهّن (يقول ضاحكًا)، بل الجميع يعشق عطر Rouge 540! فهو عطر معاصر إلى أبعد الحدود، ومع ذلك يتّسم بطابع كلاسيكي لا يفقد بريقه مع مرور الزمن. يترك وراءه نفحة عطرية مميّزة جدًا، ولا يُشبه أي عطر آخر. يتميّز بتركيبة مجرّدة، ولا ينطوي على نفحات الأزهار أو العنبر. تتلاشى المكوّنات لتترك وراءها بصمة عطرية مميّزة.

 

  • كيف تقضي نهارك عادةً؟

 

أكثر ما يُميّز عملي هو أنّ ولا يوم يُشبه الآخر. منذ أن أطلقتُ العلامة العطرية التي تحمل اسمي، وجدتُ نفسي أتعامل مع أشخاص مختلفين من مجالات مختلفة! غالبًا ما أستهلّ نهاري في الصباح الباكر، بين الساعة 5:30 و6:00. أتفقّد بريدي الإلكتروني على الفور. قد أقضي نصف النهار في مكتبي المنزلي، أو إذا كنت أعمل على ابتكار توليفة عطرية، أقضي ساعات طويلة في المكتب. ثمّ أتوجّه إلى المكتب الرئيسي للقاء شريكي في العمل، ومساعدتي الشخصية، وفريق العلاقات العامة لنناقش أي منتج جديد سنطلقه في السوق أو فعالية مميّزة سننظّمها، أو ألتقي بمدير المنتجات لمناقشة العطور الجديدة... أمّا القسم المفضّل بالنسبة إلي في عملي، فهو خلق الجمال، وإدخال البهجة في قلوب الناس الذين يجرّبون عطوري.

 

  • مَن هو العطّار المفضّل لديك؟

 

يخطر في بالي غالبًا نويل غيهو Noel Guihot، وهو عطّار ماهر عملت معه لستّة أشهر في بداية مسيرتي المهنية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بعد تخرّجي مباشرة من كلية العطور. تأثّرتُ به كثيرًا، وعلى يده تعلّمتُ أُسس فنّ تركيب العطور. لا زلتُ أتّبع بعض توجيهاته حتّى اليوم. أحترم الكثير من العطّارين لابتكاراتهم ومساهمتهم في هذه الحرفة. تأثّرتُ في بداياتي أيضًا بالعملية الإبداعية التي يتّبعها إدموند رودنيتسكا Edmond Roudnitska، وباستمراريّتها مع مرور السنوات. في بداياتي أيضًا، أُعجبتُ بطاقة ألبرتو مورياس Alberto Morillas وشغفه، وبتنوّع أسلوب أنيك ميناردو Annick Menardo وبدقّة ميشال الميراك Michel Almairac ودومينيك روبيون في ابتكار التوليفات العطرية، إلى جانب صوفيا غروجسمان Sophia Grojsman ومساهمتها الرائعة في مجال العطور، وطبعًا فروانسواز كارون Françoise Caron التي عملت معها لعشر سنوات.

 

  • لو تسنّى لك إعادة ابتكار عطر ما من التاريخ، أي عطر تختار؟

 

أنا شغوفٌ بالتاريخ منذ صغري. لذا يُشكّل تاريخ العطور مصدر وحي مهم لابتكاراتي. في الواقع، أعدتُ عام 2006 تركيب عطر يُشاع أنّ الملكة ماري-أنطوانيت كانت ترتديه، واستندتُ بذلك إلى توليفات عطرية أساسية من كتاب للعطّار جان لوي فارجون. أتاح لي هذا المشروع فرصة رائعة لقضاء الكثير من الوقت في شقق ماري-أنطوانيت في فيرساي، وللتعرّف إلى الملكة وإلى حياتها الشخصية، وطبعًا إلى ذوقها بالعطور انطلاقًا من التوليفات العطرية التي استطعنا الوصول إليها.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث