سافري معنا إلى أرض‭ ‬العطور‬ وتعرّفي على مسيرة Chanel N°5

 

التصوير: Ämr Ezzeldinn &  Jean Picon

لم يعرف أيّ عطر عالميّ الشهرة التي عرفها عطر شانيل Chanel N°5، ويعود الفضل إلى مؤسّسة الدار Coco Chanel التي وجدت حلمها في مقولة الشاعرPaul Valéry : "إن المرأة التي لا تتعطّر لا مستقبل لها"، فشخصيّة المرأة تبدأ بعطرها. منذ أكثر من تسعين عاماً وحتى وقتنا هذا لاتزال قصّة هذا العطر الأيقوني تسحر الآذان، فحتّى بعد وفاة Coco Chanel لم يتوقف عطرها عن التدفّق، فحافظت الدار على تراث العطر التاريخيّ ليبقى خالداً وحيّاً في ذاكرة النساء، ومرغوباً من الأجيال الصاعدة.

من أرض العطور في مدينة Grasse، نستعيد هذه الذكريات من رحلة محرّرة الجمال سارة رشيد التي تسرد لنا عبرها مسيرة عطر Chanel N°5.

The Sweet Rose of May

أهلاً بك في Grasse، مدينة العطور الفرنسيّة المزدهرة بالجمال. وكانت زيارتي لتلك المدينة في شهر مايو، في الوقت الذي تضيء فيه شمس الربيع على الحقول المزدانة لتنير ورود Centifolia أو ورود شهر مايو.

وهي من النوع النادر الذي يزهّر بسرعة لذا لا بدّ من قطفه في الربيع.

ومن وفرة بتلاتها الفوّاحة لا يمكنك الوصول إلى قلبها، بل تخيّله فحسب. تنضح هذه الوردة بجمال طبيعي ولها لون زهريّ فاتح ورائحة عطرة وناعمة تنبض برومانسيّة حالمة في أرض عائلة Mul التي تفتخر بإنتاج هذا النوع من الورود بالإضافة إلى الياسمين وغيرها من الأصناف في أرض تبلغ مساحتها سبعة عشر هكتاراً مخصّص إنتاجها لدار Chanel فحسب.

وهذا ما حقّق اليُسر الماديّ للعائلة، والنوعية الاستثنائيّة للدار. أمّا بالنسبة إليّ، فكانت رؤية الحقول المزدهرة لأوّل مرّة أشبه بالسراب، وكأنني أخطو في لوحة للمناظر الطبيعيّة.

The Making of a Scent

عادةً ما تحصدالزهور من العاملات والعمّال الذين يأتون من دول مجاورة. وتُقطف باليد واحدة تلوة الأخرى. وفي المساء تبدأ الورود بالتفتّح، لذا لا بدّ من البدء في الحصاد في الصباح الباكر. فزهرة Centifolia تذبل تحت حرارة الشمس وتتلاشى رائحتها. فعند حوالى الساعة الثامنة صباحاً، تتوزّع القاطفات على الحقل الورديّ ويحملنَ أكياساً لوضع الورود فيها. ومن هنا تنطلق الأحداث الأولى لحكاية عطر Chanel N°5.

في الصباح الباكر تكون الورود في عزّ عبقها، وتقطف كلّ عاملة 6 إلى 7 كيلوغرامات من الورد في الساعة، وهذا على عكس قطف الياسمين الذي يدخل في مكوّنات العطر الدقيق حيث لا يُقطف منه أكثر من نصف كيلوغرام في الساعة الواحدة. وللقطف أصوله كما يقول مالك الحقل Joseph Mul:"يجب القبض على عنق الوردة بالإصبعين وثنيه بسرعة إلى الخلف."

وتتميّز وردة شهر مايو بخصائص لا تشبه الورد البلغاري ولهذا السبب تُحصد خصّيصاً في إقليم Grasse، وتحتاج Chanel إلى 40 طنّاً من الورد سنويّاً لإنتاج عطرها الأيقونيّ. وتُحمل أكياس الورود في سيارة النقل إلى المصنع الذي يبعد مسافة قليلة جدّاً عن الحقل حيث تتمّ عمليّة الابتكار.

في المصنع، تُحمل الأكياس إلى آلات التقطير، ويأتي عامل آخر ويفتح الغطاء ويكبس على زر لتخرج من الفوهة آلة أخرى بطبقات معدنيّة مثقوبة. تُفتح الأكياس وتوضع الورود على الطبقة السفلى وتدريجيّاً على بقية الطبقات حتى بلوغ أعلى طبقة. وكلّما امتلأت طبقة تهبط الآلة الى الأسفل وحتى تصبح الطبقة العليا بموازاة الغطاء الذي يُحكم إغلاقه على الورود الزهريّة.

في الخطوة الثانية، تُملأ الآلة بمادّة محلّلة مشتقّة من النفط، وتتكرّر هذه العملية ثلاث مرات على مدار خمس ساعات تقريباً وذلك لاستخراج المادّة المحلّلة من الورود والتي تذهب إلى آلات التبخير لتزيل المذيب، ويبقى العطرالذي يبلغ وزنه 700 غرام. أمّا الورد المعصور ، فيخرج ذابلاً ليُستخدم كسماد لأرض الورد. من بعد تلك العمليّة ينتقل العطر المكثّف إلى آلة تعمل على تكثيفه أكثر، ليخرج على هيئة مادة دهنيّة مجمّدة. ومن الـ700 غرام من العطر المكثّف، يُستخرج 350 غراماً من العطر الصرف المجمّد الذي يُعاد علاجه بإضافة الكحول، ومواد أخرى ليصبح على حاله، ناهيك عن استنشاقه من قبلOlivier Polge مبتكر عطور دار Chanel.

The Passion for Creation

ينحدر Olivier من منطقة Grasse وترأّس هذا المنصب في العام 2013 ليصبح المبتكر الخاصّ لعطور دار Chanel، ويعود الفضل له في ابتكار النسخة الأكثر حداثة وهي Chanel N°5 L'Eau. من بعد ورشة العمل التي أجريناها في منزل خاصّ تابع للحقل، أطلعني Olivier كيف وجدت Chanel الحقل المثاليّ لعطرها، ويقول:"زُرعت معظم الزهور التي تدخل في صناعة العطور في هذه المنطقة، لكن مع مرور الوقت حدثت ثورة عمرانيّة وتحولت معظم الأراضي الزراعيّة إلى منازل. ولهذا السبب تعاقد والدي مع عائلة Mul قبل ثلاثين عاماً للحفاظ على نوعيّة وكميّة المكوّنات الخام وتقليد صناعة العطر." قد يكون التعامل بفنّّ مع عطر أسطوريّ مثل Chanel N°5 وطرح نسخة أكثر خفّة بالأمر المعقّد إلّا أنّ Olivier كان واثقاً وشغوفاً بهذا التحدّي، ويعلّق قائلاً: "لقد كنت مهتمّاً بمحاولة دفع الأبعاد وحاولت أوّلاً تجميع مكوّنات Chanel N°5 وصرف النظر عن تعقيدها. فهناك بعض المواد الخام الرئيسة التي حافظت عليها وحقنت من بعدها مكوّنات أخرى تتميّز معظمها بخصائص منعشة وذلك للحصول على نسخة حيّة جديدة من هذا العطر الأيقونيّ". وفي مشوار الابتكار لابدّ من تواجد الحريّة في الإبداع التي يتخلّلها بعض القيود أو الصعوبات، لكن بالنسبة إلى Olivier ثمّة رابط مثير للاهتمام بين الإثنين، فيقول: "إنّ الإطارالذي أردت أن أرتكز عليه يتمثّل بالحفاظ على العطر كما اعتدناه، وإحداث التوازن بين الابتكار والفكرة الأصليّة له وهذه هي الطريقة المثيرة للإبداع."

لا يمكن استعمال الياسمين أو الورد من Grasse في عطر جديد، فكلّ ما يُزرع في الحقل يدخل في قوارير عطر N°5، فيقول Olivier: "بعد اختيار الورود من الحقل، يقضي أفضل علاج لمنح تلك الزهور خاصيّة مميّزة عن بقيّتها من الزهور بأخذها على الفور إلى المصنع، وكل شيء مهمّ في عمليّة علاج تلك الورود من نوعيّة التربة والمناخ وجودة المصانع."

وكلّ تلك التفاصيل تشكّل مصدراً للإلهام والابتكار بالنسبة إلى Olivier ولكن التلاعب بحرفيّة بإرث الدار العريق وإبقائه حيّاً في قلوب محبّيه هو سرّ من أسرار نجاح Chanel. 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث