السريالية والموضة : Manifesting Surrealism through Fashion

 

Cheney Chan Design- Photographer: Rocio Ramos, Model: Noor Chaltin

 

الإعداد: Joe Challita

برزت النزعة السريالية كملاذ فنّي خلال فترة الكساد الكبير، حيث مزجت بين الخيال واللاوعي. وكانت شخصيات أيقونية مثل Salvador Dalí وElsa Schiaparelli رائدة في دمج السريالية والموضة في ثلاثينات القرن العشرين. وتستمر هذه الحركة في التطوّر، حيث تؤثّر على الكثير من المصمّمين المعاصرين الذين حوّلوا الموضة إلى تعبير جريء عن النفس الباطنة.

لطالما شكّلت حركات الموضة انعكاساً للظروف المجتمعية، وتلخّص الحركة السريالية هذه الاستجابة الديناميكية، حيث ظهرت كملجأ فنّي خلال سنوات الكساد الكبير الكئيبة. خلال تلك الفترة، أصبح الفنّ ملاذاً ووسيلة لتجاوز قسوة الواقع من خلال الغوص في الخيال واللاوعي، وغالباً ما كان ذلك من خلال نماذج غريبة وخيالية.

أطلق الشاعر وكاتب المقالات الفرنسي Guillaume Apollinaire مصطلح "السريالية" لأول مرة في العام 1917 لوصف سيناريو عرض الباليه Parade الذي كتبه Jean Cocteau، وظهرت الكلمة في مسرحيته الخاصة Les Mamelles de Tirésias. في عام 1924، عرّف André Breton في كتابه Le Manifeste du Surréalisme السريالية بأنها "النزعة التلقائية النفسية الخالصة التي تهدف إلى التعبير عن... العملية الحقيقية للفكر. إنها إملاء الفكر المتحرّر من أي سيطرة للعقل ومن أي انشغال جمالي أو أخلاقي." اكتسبت السريالية زخماً في خضم حربين عالميتين، فكانت في ثلاثينات القرن العشرين رداً طبيعياً على الكساد الكبير وما كان يحدث في أوروبا وتعبيراً متمرّداً على قيود الحياة وابتذالها، وقد أكّدها تحليل Freud النفسي بأن العقل الواعي يقمع أعمق أفكار الإنسان ورغباته. وهكذا، ظهرت السريالية لتتحدى القيود المجتمعية من خلال حرية التعبير غير المحدودة والجمع بين المواضيع في تركيبات غير تقليدية. من خلال تقديم تصورات غريبة وغير اعتيادية، تحفّز السريالية العقل وتدعو المشاهد إلى التساؤل وإعادة تخيّل الواقع.

Le Roy Soleil Parfum by Schiapparelli and Dali 1946

 

SCHIAPARELLI BUREAU-DRAWER SUIT-1936

 

كانت الشراكة بين Salvador Dali والمصمّمة Elsa Schiaparelli في العام 1934 من أكثر التعاونات شهرة بين الفنّ السريالي والموضة حيث كانت أوّل استكشاف للسريالية في مجال الموضة. وقد التقى الثنائي في باريس في ثلاثينات القرن العشرين، حيث كان لكليهما التأمّلات نفسها في ما يتعلّق بقوّة الصدمة بالإضافة إلى الذوق الإبداعي نفسه. ومن بين أعمالهما الشهيرة، يبرز فستان في العام 1937 تميّز بنقشة الكركند على قماش الأورغندي الأبيض، والذي اشتهرت بارتدائه Wallis Simpson. اكتسب هذا الفستان الذي كان جزءاً من مستلزمات Simpson لزواجها من دوق Windsor، سمعة سيئة بسبب تصميمه المثير والذي ظهر في صور Cecil Beaton، ممّا أثار فضيحة بسبب شكله الصادم. كان Salvador Dali قد استخدم بالفعل الكركند في أعماله، ولا سيما في عمله Lobster Telephone الذي ابتكره عام 1936. ومن الابتكارات الرائعة الأخرى لهذا الثنائي القبّعة على شكل حذاء لمجموعة Schiaparelli لشتاء 1937-1938 والمستوحاة من صورة التقطتها زوجة Dali له وهو يرتدي حذاءً نسائياً كقبّعة. جاءت هذه القبعة بنسختين وتم تنسيقها مع سترة مزيّنة بتطريز شفاه باللون الأحمر، في إشارة إلى سحر الفنّانة Mae West وتأثيرها على عطر Shocking من Schiaparelli. وتشير المصمّمة في مذكّراتها إلى أن السيدة Reginald Fellowes، المعروفة باسم Daisy بين أصدقائها والتي برزت بين أكثر النساء الأنيقات في ذلك الوقت، كانت لديها الشجاعة لارتداء هذه القبّعة. 

The Schiaparelli “lobster” dress, Courtesy Philadelphia Museum of Art

Cheney Chan - Photographer: Rocio Ramos, Model: Noor Chaltin

وبالانتقال إلى المصمّمين المعاصرين الحاليّين، فإنّ ابتكارات المصمّم الصينيّ Cheney Chan الذي أسّس علامته التجارية التي تحمل اسمه عام 2012، تجمع بين الأشكال الهندسيّة المعاصرة والعناصر الصينية الكلاسيكية لإبراز ملامح المرأة. وتُعرف تصاميمه بخصائصها السريالية والهندسيّة التي تدمج بين الحرفية التقليدية والأشكال الفنية المعاصرة لخلق هوية فريدة للعلامة التجارية. فباستخدام طبقات من الحرير لمحاكاة الملمس الناعم للخزف، يسلّط Chan الضوء على اللمعان والملمس الرقيق. استوحى المصمّم مجموعته الأخيرة Serene Elegance من الخزف الصيني المصقول أحادي اللون، مستكشفاً الثقافة التقليدية بتقنيات الموضة الحديثة. ومن وحي زيارته لـJingdezhen، مدينة الخزف الصينية، دمج Chan في تصاميمه حرفة تشكيل الطين. وقد كان أحد تصاميمه الهندسيّة الرائعة الذي برز في مهرجان Cannes السينمائي 2024، والذي تألّقت به Coco Rocha، مستوحى من نبتة زنبق الكالا. تحاكي فساتين المصمّم ذات الطابع الهندسيّ الأشكال غير المقصودة التي تتشكّل أثناء صنع الخزف. وتركّز المجموعة على الأشكال الدائرية التي يتم إنشاؤها في دورات سريعة، والتي ترمز إلى أصل كلّ شيء. فتحوّل تصاميم Chan "أخطاء" صناعة الخزف التقليدية إلى أشكال مثالية في الموضة وتمزج بين الواقع والخيال الفنّي. ويتماشى هذا النهج مع استكشاف السريالية للجمال غير المتوقّع والإبداع الباطنيّ.

 

Loewe

عرضت العلامة الإسبانية Loewe مجموعة سريالية للغاية بقيادة المدير الإبداعي Jonathan Anderson لمجموعة خريف وشتاء 2022. فقد اعتمدت المجموعة بشكل كبير على الإلهام السريالي واستكشفت العلاقة بين الفنّ والموضة لاستحضار تجربة حسيّة كاملة. حيث تم تحفيز اللمس من خلال مواد متنوّعة مثل الجلد واللباد واللاتكس والتويد والقماش المنسوج والألياف المطبوعة ثلاثية الأبعاد والحرير والراتنج، بينما تم تجسيد الحركة من خلال الفساتين الجلدية الضيّقة والبلوزات الضيّقة من اللباد والفساتين المزدانة بالشفاه أو ذات الأطراف الشبيهة بسيارة بأربعة مقاعد. فجسّدت المجموعة نهجاً إبداعياً في التصميم، حيث تضمّنت تصاميم صادمة من خلال جرأتها غير المنطقية.

وإضافة إلى الأجواء السريالية، تزيّن المدرج بتصاميم القرع العملاقة بتوقيع Anthea Hamilton بالتعاون مع Loewe والمصنوعة من الجلد. تدعو هذه النسخ من القرع العملاق الحقيقي إلى اللمس والاتكاء عليها، وهي مليئة بالإمكانيات السريالية وحس الفكاهة والجمال.

Iris Van Herpen- Photo Alamy

تُعد المصمّمة الهولندية Iris van Herpen رائدة في مجال الموضة وهي تمزج بين الحساسيات السريالية في تصاميمها التي اشتهرت بدمج مختلف المجالات في أعمالها وتشكيل حوار بين الفنّ والعلم والطبيعة والهندسة. قالت المصمّمة مقولتها الشهيرة: "من خلال دمج المجالات المختلفة للفنّ والعلوم والأزياء والرقص والهندسة والتكنولوجيا، أريد أن أظهر أن تجسيد الفنّ يمكن أن يخلق تحولاً شخصياً". فتدمج إبداعات علامتها التجارية بين التقنيات الرائدة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والنحت التي غالباً ما تثير تجربة متعدّدة الحواس. تتحدى Iris van Herpen تقنيات الحرفية التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة لترجمة المشاعر والأمور غير المرئية إلى قطع ملموسة رائعة. الطبيعة والمشاعر التي تثيرها، هي القوة والإلهام الأسمى للمصممة، بحيث تقول: "ما زلت أتساءل: "هل يمكن تجسيد المشاعر؟" أعتقد أنه من الممكن دمج حواسنا وتحريكها ونحتها من خلال توازن حسّاس بين التركيبات والأشكال والألوان."

Iris Van Herpen : ALAMY

لقد تخطّت هذه المصمّمة المبدعة حدود الموضة، ومن أكثر ابتكاراتها استثنائية فستان Crystallization Water الأيقوني من مجموعتها لربيع 2011. استوحت هذا التصميم الثوري من عملية رش الماء على عارضة أزياء والتقاط اللحظة بكاميرا عالية السرعة. ثم ترجمت هذه الصور إلى فنّ يمكن ارتداؤه، محاكياً التأثير الديناميكي لرش الماء على الجسم. وتمثّلت فكرتها في تجربة إمكانيات أخرى غير القماش الذي يمكن أن نرتديه، فقد يكون شيئاً مرئياً ولكن ليس بالضرورة ملموساً.

Alamy​​​​​​​

يُعتبر المصمّم الأيرلندي Philip Treacy عرّاب تصاميم القبّعات للأزياء الراقية. وقد تحدّى مفهوم القبّعات التقليدية من خلال ابتكار أشكال جديدة ورائدة. فاشتهر Treacy الذي يُعتبر المفضّل لدى الملوك والملكات بكسر التقاليد من خلال قبّعاته المنحوتة والسريالية للغاية. وهو يقول: "لقد كان من دواعي سروري أن تتاح لي الفرصة لتحدّي تصوّر الناس لما يجب أن تبدو عليه القبّعة في القرن الحادي والعشرين. أنا أصنع القبّعات لأنّني أحبّها. إنّها قطع غامضة لا تخدم غرضاً إنسانياً سوى التجميل والتزيين وتجعل المرء يشعر بالارتياح، سواء كان الشخص الناظر أو مرتديها".

تتمحور السريالية في الموضة حول ترجمة ما هو غير مرئي وغير ملموس إلى أشكال ملموسة، بالإضافة إلى خلق حوار بين اللاوعي والعالم المرئي. ومع تقدّم التكنولوجيا، سيكون لدى المصمّمين المزيد من الأدوات لإظهار تصوّراتهم، ممّا سيحدث ثورة في الحرفية التقليدية واستكشاف عوالم جديدة للتعبير الفنّي. ويعد مستقبل السريالية في عالم الموضة برحلة دائمة التوسّع تجسّد جوهر أعمق أفكارنا وعواطفنا بطرق لم يكن من الممكن تخيّلها سابقاً. ومن خلال الدمج بين الفنّ والتكنولوجيا والحرفية، ستستمرّ الموضة السريالية في التأثير على الناس وإلهامهم وإعادة تعريف حدود الممكن. 

​اقرئي ايضًا :لؤلؤ الخليج العربي : In the Pursuit of Nature’s Most Precious

 

 

 

 

 

 

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث