الأميرة منى الصلح : شرارة لبنانية في تألق سعودي

 

Max Scheler: Viscountess Jacqueline de Ribes and Princess Mona El-Solh at the Bal des Petits Lits Blancs, Baalbeck Lebanon 1964

© Max Scheler Estate, Hamburg Germany, max-scheler.com

 

الإعداد: Joe Challita

 

من بين أشهر وأرقى الشخصيات النسائية في العصر الذهبي في لبنان، برزت الأميرة منى الصلح. وعلى الرغم من غيابها، إلا أن إرثها ما زال يلمع أكثر من أي وقت مضى. إشتهرت بجمالها الأخّاذ وأناقتها الفطرية، وقد تجاوزت حدود الأسرة الملكية، لتروي حكاية ملهمة عنوانها الإنسانية والشجاعة والأناقة الخالدة. كونها ابنة قائد الاستقلال اللبناني ورئيس الوزراء الأول الراحل رياض الصلح، وزوجة الأمير السعودي الراحل طلال بن عبد العزيز آل سعود، جسّدت الأميرة منى حياةً امرأة إستثنائية جمعت بين الأمم والثقافات بروح مفعمة بالرقي والصلابة والهدف النبيل.

Princess Mona at the Bal Des Petits Lits Blancs 1964, Photo Joe Challita Collection

وُلِدت الأميرة منى في بيروت عام 1938، في مرحلة انتقالية وفترة تحوّل تاريخي كانت تمرّ بها البلاد. كان والدها، رياض الصلح، شخصية بارزة في تاريخ لبنان، حيث لُقّب بمهندس الاستقلال في العام 1943. نشأت الأميرة منى على القيم الوطنية والتراث والهوية، فشكّلت هذه المبادئ مسارها أثناء تنقّلها بين لبنان والمملكة العربية السعودية. هي تنحدر من إحدى أبرز العائلات اللبنانية، وقد شاركت طفولتها مع أربع شقيقات لا يقللنَ عنها تميّزاً؛ علياء ولمياء وبهيجة وليلى. ثم تزوّجت شقيقتها، الأميرة لالة لمياء الصلح، من أحد أفراد العائلة الملكية المغربية، وأصبحت أرملة الأمير مولاي عبد الله، ابن الملك محمد الخامس.

حلّت المأساة على حياة منى الصغيرة في عام 1951 عندما اغتيل والدها في عمّان، الأردن، أثناء زيارة رسمية بسبب موقفه السياسي المؤيد لاستقلال لبنان. وفي سن الثالثة عشرة من عمرها، أظهرت منى نضجاً وقوة فوق سنّها بكثير، حيث حضرت جنازته متحديةً المعايير الاجتماعية في ذلك الوقت. خُلّدت عزيمتها في كلماتها خلال مقابلة تلفزيونية بعد عقود من الزمن، حيث قالت: " هكذا يموتون الأبطال، لا يموتون في أسرّتهم".

يُعتبر لقاء الأميرة منى بزوجها الأمير طلال، من القصص الرومانسية التي لا تُنسى. ففي أحد الأيام المصيرية في بيروت، "استعارت" الشابّة العشرينية المفعمة بالحيوية سيارة Morris من شقيقتها ووجدت نفسها في سباق عفويّ في الشارع ضد سائق مجهول يقود سيارة Cadillac. لم تكن تدرك أن ذاك الرجل الذي تسابقت معه سيكون له دور كبير في حياتها قريباً. بعد فترة وجيزة، وفي الذكرى الثالثة لاغتيال والدها، قدّم لها أحد أصدقاء العائلة الأمير طلال، فأدركت حينها أنّه سائق سيارة Cadillac الذي تسابقت معه. وبعد ذلك بوقت قصير، طلب يدها للزواج. كانت خطبتهما قصيرة لكنّها شكلّت حدثاً مهمّاً، وتُوجت عام 1954 بحفل زفاف في بيروت أسر العالم العربي كلّه. وقد أحيت أيقونة الموسيقى المصرية أم كلثوم حفل زفافهما الذي وُصف بأنّه "زفاف القرن".

بعد زواجها من أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، جسّدت الأميرة منى طابع الأصالة اللبنانية والرقي العربي. فقد أصبحت أوّل سيّدة سعودية من العائلة المالكة تكشف عن وجهها، وهو ما رمز إلى دورها كرائدة للتغيير وأيقونة للأناقة العربية. أثمر زواجها من الأمير طلال عن ثلاثة أولاد؛ الأمير الوليد والأمير خالد والأميرة ريما. وعلى الرغم من أن زواجها لم يستمرّ سوى 14 عاماً فقط، إلّا أنّها احتفظت بلقبها واستمرّت في أداء دورها بكرامة وهدف. وقد عكست حياتها ارتباطاً عميقاً بجذورها اللبنانية وعلاقاتها السعودية على حدّ سواء، ممّا عزّز العلاقات الثقافية والسياسية بين البلدين.

وإلى جانب مهامها الملكية، اشتهرت الأميرة منى بجهودها الإنسانية حاملةً دائماً القيم التي غُرست فيها خلال طفولتها. وكانت رمزاً للأناقة والعزيمة، وخلّفت إرثاً يلهم أجيالاً من النساء لتحقيق التوازن بين التقاليد والحداثة، والنبل والفردية.

في 4 يناير 2025، ودّعت الأميرة منى العالم لكنّ إرثها سيبقى حياً ومتألقاً كحياتها. كامرأة جسّدت العصر الذهبي للسحر العربي والإنسانية في آنٍ معاً، تبقى الأميرة منى مثالاً خالداً على الشجاعة والصمود وجمال حياة مليئة بالعزم والأهداف النبيلة.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث