الإدارة الفنيّة: Farah Kreidieh
"أنا كما أنا جميلة". هيّا انظري في المرآة وردّدي معنا هذه العبارة. نعم هذا ما يجب أن تفعليه في كلّ صباح قبل أن تنغمسي في روتينكِ اليوميّ.
صحيح أنّ معايير الجمال الداخليّ، الذي يشكّل عاملاً مهمّاً جدّاً للمرأة، ثابتة في أنحاء العالم، إلّا أنّ كلّ حضارة لها تعريفها الخاصّ للجمال الخارجيّ، فتختلف بذلك معاييره حول العالم. إذ لدى كلّ حضارة مقاييس جماليّة معيّنة على المرأة التمتّع بها لتُصنّف بأنّها "جميلة". وقد تتمثّل بكون المرأة ناعمة ورقيقة الملامح، نحيفة أم ممتلئة، ذات بشرة فاتحة أو داكنة، شعر طويل ومنسدل، عيون واسعة أو ملوّنة مع رموش طويلة. وقد تختلف هذه المعايير بين حضارة وأخرى إلاّ أنّ مفهومها واحد، فهي تُخضع جميع النساء للمواصفات عينها وتجعل بذلك كلّ شخص مختلف "غير جميل". ومن المؤكّد أنّ هذه المعايير تطوّرت وتبدّلت عبر العصور، إلاّ أنّ الثابت هو اعتقادنا بأنّ كلّ امرأة عليها الإيمان بجمالها الخاصّ بغض النظر عن أيّ قواعد يفرضها عليها المجتمع. لذلك وانطلاقاً من إيماننا بمجتمع يحتفي بالتعدديّة بدلاً من التركيز على معايير جماليّة واحدة، خصّصنا تحقيق Inspirational Women لهذا العدد لإلقاء الضوء على نساء كـYulianna Yussef تحدّينَ القواعد الجماليّة التقليديّة وأبرزنَ جمالهنّ الخاصّ. فتلهمن بذلك ملايين النساء حول العالم من خلال قوّة عزمهنَّ وإرادتهنَّ!
التصوير: Nika Okuneva
شُخّصت Yulianna بإصابتها بالـ CMNأي زيادة الوحمات الميلانينيّة الخلقيّة في السابعة من عمرها. ويُقصد بها الوحمة الخلقيّة أم nævus باللاتينيّة، وهي الوحمة البنيّة أو السوداء الموجودة عند الولادة. ويمكن أن يكون حجمها كبيراً جداً، فقد تغطّي ما يصل إلى80 ٪ من الجسم، حتّى أنّها قد تتواجد بعدد كبير يصل إلى المئات لدى بعض الأفراد. فضلاً عن ذلك، قد يزيد وجود هذه الوحمة خطر الإصابة بسرطان الخلايا الصبغيّة لدى من يعانون هذه الحالة. وصحيح أنّه ما من علاج لهذه المتلازمة في الوقت الحالي، غير أنّها ليست بمعدية ولا وراثيّة. وفي الحديث عن تشخيص حالتها، تتذكّر Yulianna Yussef سفرها مع والدتها لزيارة مختلف الأطبّاء والأساتذة والمعالجين، وتعليقاً على الموضوع تقول: "كنّا نطرح الأسئلة على الجميع، لكن لم يستطع أحد أن يخبرنا بأيّ شيء واضح". أمّا حين بلغت السابعة من العمر، فوجدت والدتها مجموعة دعم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مكوّنة من أشخاص مثلها، فشَرعت في التحدّث عبر الإنترنت مع الأطبّاء والعائلات. مرّت Yulianna بأوقاتٍ عصيبة قبل أن تتقبّل ذاتها وتبدأ مسيرتها كعارضة أزياء. وها هي هذه المرأة ذات الأصول اللبنانيّة والأكرانيّة التي تعيش في بولندا تتألّق اليوم في مهنتها وتُلهم آلاف النساء حول العالم.
التنمّر مقابل قبول الذات
عانت Yulianna مضايقات كثيرة بسبب هذه الحالة الجلديّة، إذ تعرّضت للتنمّر من المجتمع واختبرت فترةً من عدم تقبّل الذات، وعانت نموّ الشعر على وحماتها والخوف من العلاقات والحكّة وما إلى ذلك. وعند سؤالها عمّا إذا آلمتها معاناتها الجسديّة أو النفسيّة أكثر، أجابت أنّ فصل الألم الجسديّ عن الألم العاطفيّ غير ممكن بتاتاً، لأنّ الألم العاطفيّ يمكن أن يكون قويّاً بقدر الألم الجسديّ تماماً. وأضافت:
"الألم يغيّر الجميع. واختبرتُ شخصيّاً الألم الجسديّ وآلمتني وحمتي كثيراً، حتى أنّني أعجز عن شرح هذا الشعور، لكنّني عانيت كثيراً الحكّة أيضاً. بالمقابل، لا أستطيع القول إنّ حالتي هذه جعلت منّي شخصاً غير سعيد، لكنّني اعتدت الشعور بالألم في بعض الأحيان ولا أنكر أنّ نوبات الهلع تنتابني حين أفكّر بخطورة إصابتي بسرطان الخلايا الصبغيّة".
فتسترجع Yulianna ذكريات فترة مراهقتها وتُخبرنا: "أتذكّر نفسي بشكل واضح جدّاً بين سنّ الرابع عشرة والسابع عشرة. إذ عشت تلك المرحلة التي تسيطر فيها المشاعر على المرء ويشعر بأنّ كلّ أفعاله وكلماته وعواطفه تتغلّب عليه. في تلك الفترة، مررت بشتّى مراحل الغضب والإنكار والاستياء أوّلاً، إلى عدم قبول نفسي وشفقتي عليها ثانياً، ووصولاً إلى الانعزال والاكتئاب. لكن بعدها سئمت مشاعري هذه وانزعجت منها، وأدركت حينها أنّ أمامي خياران: إمّا أن أعاني طوال حياتي أم أن أتقبّل نفسي وأتعلّم أن أحبّ عيوبي".
ووقع اختيار Yulianna على الاحتمال الثاني. فبالنسبة إليها، على الجميع أن يكافح في الحياة والمعركة الأهمّ هي تلك التي يخوضها المرء مع نفسه. وتشدّد أنّه على كلّ منّا أن يواجه كسَله وتعقيداته وغياب ثقته إذا ما أراد النجاح والعيش بسعادة. وهي أفضل من يعطي نصائح بهذا الشأن لتعرّضها لمواقف مختلفة قال فيها الناس أشياء مسيئة عن بشرتها. ولا شكّ في أنّ آثار التنمّر تضرّ كثيراً بعقل الشخص ويمكنها أن تؤثّر في حياته إلى حدّ كبير. من هنا، ارتأت Yulianna بعد إنجاب الأطفال أنّ تعلّمهم كيف يحمون أنفسهم وكلّ مَن حولهم من التنمّر عبر تحلّيهم بالتهذيب والرحمة. وتقول بهذا الخصوص: "من المهمّ أن نتذكر أنّنا لا نصبح أشخاصاً أفضل إذا أهنّا شخصاً ما، لأنّ الأقوياء فعلاً لا يستغلّون شخصاً أضعف منهم قطّ".
تقبّل جمالها الخاصّ
"لا عجبَ في أنّني تعرّضت للتنمّر بصورة يوميّة. إلّا أنّني أشعر بالامتنان اليوم، لأنّني بفضل تعرّضي لتلك الإساءة أصبحت المرأة التي أنا عليها اليوم، ففعلاً ما لا يقتل المرء يقوّيه". ونظراً إلى أنّ Yulianna تعتبر والدتها صديقتها المقرّبة وتحبّها كثيراً، احتفظت بصراعاتها لنفسها ولم تشاركها بها يوماً حرصاً منها على راحتها. وبهذا الصدد، نقتبِس عن لسانها قولها: " تجنّباً للرضوخ والشعور بالشفقة على النفس، على الشخص أن يعمل يوميّاً ويبذل جهداً هائلاً، لا سيّما أن يغضّ الطرف عن كلّ الآراء التي تحكم عليه وتحدّد له كيف عليه أن يبدو".
وعقب تلك المرحلة، أنشأت العارضة الجميلة حساباً على إنستجرام ترمي من خلاله إلى حثّ الجميع على الإيمان بأنفسهم والمناشدة باحترام حقوقهم وقبولها، ولا سيّما الأطفال المصابين بالحالة الجلديّة عينها. فضلاً عن ذلك، تأمل أيضاً أن يلهم حسابها كلّ من يعاني من أيّ مشكلة مهما كانت. فتعلن Yulianna جرّاء تجربة شخصيّة وبكلّ صراحة أنّها بعد قبولها نفسها، وجدت طريقة لتقبّل الآخرين الذين تكبّلهم أفكارهم النمطيّة وتجعلهم يتفاعلون سلباً مع كافّة أنواع "العيوب". وعن هذه النقطة، تشدّد قائلةً: "كلّ منّا شخص فريد، ولكلّ فرد الحقّ في التفكير كما يحلو له. إلّا أنّه بالمقابل، لكلّ شخص الحق في نيل الاحترام. لذا آمل أن يركّز البشر في يوم من الأيام على الصورة كاملةً وليس على العيوب فحسب".
وبالرغم من كلّ ما تعرّضت Yulianna له، غير أنّه لديها ذكريات عن أشخاص أظهروا لها أحياناً أنّه ما من فرق بين مظهرها ومظهر الآخرين. فعلى سبيل المثال، إليكِ ما أخبرتنا به: "حين وصلت إلى ماليزيا، رصدتُ سيّدة تحدّق بي في المتجر. وصحيح أنّني اعتدت ردود فعل مماثلة، لكن عادةً ما تزعجني. غير أنّني انتظرت بصبر لمدّة خمس دقائق في تلك الحادثة، وحين كنت على وشك الشروع في مجادلتها، بدأت تُسمعني المديح بخصوص وشم السلحفة على ساقي اليسرى. وفي تلك اللحظة، تبدّلت حياتي ولأوّل مرة، أدركت أنّ اهتمام الناس بي يمكن أن يتخطّى وحماتي".
نمط حياة صحي
تعيش العارضة اليوم في بولندا، وتتّبع أسلوبَ حياة صحيّ. وفي هذا السياق، تقول: "أحاول أن أتناول الطعام الصحيّ يوميّاً وأشرب الكثير من السوائل، غير أنّني لا أنكر أنّني أضعف في بعض الأحيان وأختلس ما أحبّ من طعام. لكن الرياضة جزء كبير من حياتي، إذ أمارس التمارين كلّ يوم تقريباً ولديّ مدرب شخصيّ، فضلاً عن ممارستي التمدّد في الصباح. وفي الحقيقة، أدركت مدى أهميّة التمدّد لجلوسي أمام الكمبيوتر وعملي على مدار الساعة يوميّاً". أمّا من جهة خلفيّتها، فهي تتغنّى بأصول أوكرانيّة ولبنانيّة جعلت منها شخصاً منفتحاً يحبّ السفر والتعرّف إلى أشخاص جدد وثقافات جديدة. إلّا أنّ Yulianna لا ترى أنّ "معايير الجمال التقليديّة" تختلف بين الثقافتين اللبنانيّة والأوكرانيّة، لا بل تقول: "تتّسم الثقافتان بعوامل مشتركة جوهريّة في الحياة، ألا وهي الحب واحترام العائلة وكبار السنّ والتعليم والهندسة المعماريّة الجميلة والتقاليد والمأكولات الألذّ والانفتاح على التعدديّة الثقافيّة. ففي نهاية المطاف، إنّ الجمال والموضة يشكّلان قاسماً مشتركاً بين النساء في جميع أصقاع الدنيا، إذ نستخدم كلّنا منتجات العناية بالبشرة ومستحضرات المكياج والشعر عينها، حتى أنّ أسرار الجمال هي عينها سواء كنّا في لبنان أو في أوكرانيا". وحين سألنا Yulianna عمَّ يجب تغييره في عالم الجمال، أخبرتنا بأنّها تعتقد أنّ هذا المجال قد تغيّر بالفعل وبروزها إلى العلن ونجاحها خير دليل على ذلك.
انظري في المرآة
عند سؤال Yulianna عن العنصر الوحيد الذي قد ترغب في تغييره بنفسها، أصرّت على أنّها لن تغيّر مظهرها لأنّها تحب شكلها، إلّا أنّها تابعت قائلةً: "أودّ أن أتخلّص من كسلي الذي أكافحه يوميّاً، وأن أصبح أكثر إنتاجيّة وكفاءة لأنّ حياتنا قصيرة وأحاول تقديم أكثر ما يمكنني لبلوغ أهدافي". وأضافت: "أعتبر نفسي شخصاً متفائلاً، ربّما لأنّني من مواليد برج الأسد وأظهر اعتزازي بنفسي علناً. فبصراحة، أعتقد أنّني عملت كثيراً للوصول إلى حيث أنا اليوم، لا سيّما لمساعدة الناس وتغييرالعالم بقدر ما أستطيع" .
واحتفاءً منها بذاتها، تكتب العارضة كلّ صباح بخط اليد صفحةً واحدة على الأقلّ في مذكّرتها تخبر فيها عن يومها السابق، إذ يساعدها هذا على فهم نفسها بشكل أفضل وصقل تفكيرها. وتحصل بذلك أيضاً على مذكّرات عن حياتها كمكافأة إضافيّة. حتّى إنّها ترى أنّ هذه العادة أفضل من أيّ معالجة نفسيّة وتوصي الجميع بتجربتها.
وتوجّه Yulianna رسالةً إلى كلّ الفتيات في جميع أنحاء العالم اللواتي يعتقدنَ أنّ انخراطهنَّ في المجتمع أمرٌ ضروريّ، فتقول لهنَّ: "لا يوجد في أيّامنا هذه ما يسمّى بـ"الانخراط"، فالفرادة ليست باستراتيجيّة سيّئة قطّ. إذا تقبّلتنَّ أنفسكنَّ بحقّ، تصبحنَ بطبيعة الحال أكثر سعادةً ونجاحاً، لا سيّما أن الناس سينجذبون إليكنّ أكثر. لذا اعملنَ على أنفسكنّ وحاولنَ أن تكنّ أفضل كلّ يوم، وابرزن جمالكنَّ الداخليّ والخارجيّ" .
اقرئي أيضاً: أنا كما أنا جميلة