هل تجرّد الآلات الموضة من أصالتها؟

إنّه لأمر عجيب أن تتحوّل التكنولوجيا والاختراعات التي صنعها الإنسان بنفسه إلى وسيلة تحكمه وتسيطر على عالمه كلّه اليوم! فتُعدّ التكنولوجيا الحديثة سيفاً ذا حدّين، إذ لها تأثير إيجابيّ وسلبيّ في كلّ ما يحيط بنا وتغيّر السلوك البشريّ وتسهّل أحياناً الأمور وتسرّعها. وطال التغيير السريع هذا كلّ المجالات طبعاً، ومن بينها مجال الموضة، فلا يمكننا أن ننكر التطوّر الهائل الذي يشهده عالم الموضة والأزياء وحتّى المناهج القديمة والتقليديّة. وفيما تسلّط اليوم العلامات التجاريّة العالميّة والناشئة والجديدة تركيزها على التجارة الإلكترونيّة مثلاً من أجل الترويج السهل والسريع لمجموعاتها ولزيادة مبيعاتها، تعيد علامات تجاريّة أخرى النظر في استراتيجيّاتها لتتكيّف مع السوق ومع كلّ التطوّر الذي يشهده. ومن بين الجوانب السلبيّة الكثيرة لهذا التغيير استبدال الخدمة المخصّصة التي يقدّمها البائعون إلى الزبائن في المتاجر والمحلّات.
وبسبب الحاجة إلى الحلول السريعة في مجال الموضة، باتت العلامات التجاريّة تستثمر في التكنولوجيا الحديثة لتزيد إنتاجها وتشجّع المكننة واستخدام الآلات في صناعة الملابس، فشكّل ذلك للأسف بديلاً للحرفيّة والعمل اليدويّ.

اقرأي أيضاً: لن تصدّقي ما كشفت عنه دار Van Cleef & Arpels في المعرض الدوليّ للساعات الفاخرة!

لكن لنكن واقعيّين ونعترف بأنّ التكنولوجيا الحديثة تصقل اليوم مستقبل عالم الموضة. وبما أنّ المصمّمين الناشئين هم المستقبل، أرادت ماري كلير العربيّة أن تكتشف نظرتهم ورأيهم في مسألة التكنولوجيا والحرفيّة في عالم الموضة، لذا كانت لنا فرصة التحدّث إلى طالبتين من معهد ESMOD دبي، وهما رشا القطب وهلا الشمري.

كيف تحلّ الصناعة الآليّة محلّ العمل اليدويّ؟
لا شكّ في أنّ الذكاء الاصطناعيّ بات جزءاً من الموضة التي تشهد تحسّناً كبيراً في الأداء وتؤثّر طبعاً في تجربة المستهلك، ما ينعكس أيضاً على المصمّمين وقطاع تجارة التجزئة.

اقرأي أيضاً: رسالة إلى محبّات الموضة في حقيبة على شكل ظرف!

وعندما سألنا الطالبتين عن رأيهما في الذكاء الاصطناعيّ في مجال الموضة، شدّدت هلا على أهميّة الآلات في مساعدة الشركات في بعض المسائل كتطوير الصيحات واللوجستيات وخفض كميّة النفايات لتفادي المشاكل المتعلّقة باستغلال العمّال الذين يتقاضون أجوراً زهيدة أو مشكلة الأخطاء البشريّة التي قد تكون مكلفة للشركات.

ويجعلنا ذلك نتساءل عن واقع قاس، وهو التضحية بالجودة العالية على حساب التصميم. فأجابتنا هلا قائلة إنّ المصمّمين يبذلون كلّ جهودهم في ابتكاراتهم من أجل المستهلك، إذ بات عدد الأشخاص الذين يكترثون للتصميم بحدّ ذاته ضئيلاً لهذا السبب. فالسوق العامّة تحقّق مبيعات أكثر من السوق المتخصّصة. إضافة إلى ذلك، يدفع تصنيع السلع العالية الجودة المصمّمين إلى رفع الأسعار لتكون متساوية مع تكلفة التصنيع.

معضلة التضحية بالجودة العالية على حساب التصميم
نعيش اليوم في عصر الموضة السريعة، لذا يتطلّب ذلك أحياناً التضحية بمعايير الجودة من أجل خدمة أسرع، فضلاً عن أنّ مرونة المستهلك تؤدّي أيضاً إلى خفض أسعار الملابس. ولنعرف المزيد، طلبنا رأي هلا ورشا عن هذا الموضوع.

بالنسبة إلى هلا، لا يتغاضى المصمّمون عن أهميّة التصميم، فيبذلون كلّ جهودهم لتقديم التصاميم الفضلى إلى المستهلك. أمّا رشا فتشرح لنا أنّ المستهلك غالباً ما يعتبر أنّ الأسعار تشكّل عاملاً حاسماً لدى شراء الملابس ويتجاهل أنّه بهذه الطريقة يضحّي بجودة الملابس واستدامتها. وفي ظلّ كلّ الصيحات التي تظهر باستمرار ومع الطلب المتزايد على الملابس العمليّة والمناسبة لكلّ يوم، السوق بحاجة إلى تصاميم سريعة وسهلة بأسعار معقولة.

المصمّمون المستقبليّون ينقذون الحرفيّة التقليديّة
بسبب وتيرة الحياة السريعة، يصعب توقّع ما يخبّئه المستقبل للتكنولوجيا، لكنّ هلا تؤكّد من ناحيتها أنّه من المستحيل أن يعتمد مجال الموضة والأزياء على الصناعة الآلية وحدها. فثمة جوانب في العمل اليدويّ في الموضة لا يمكن أن تراها الآلات. وتتعدّد الجوانب في التصميم التي يمكن الإنسان وحده إنجازها، كالتفاصيل الصغيرة والدقيقة. لذا لا غنى عن الحرفيّة التقليدية لتبعث الحياة في التصميم. وتضيف أنّها لا تعارض استخدام الآلات في عمليّة التصنيع وتتمنّى أن تساهم في حلّ المشاكل المتعلّقة بالمصانع التي تستغّل العمّال، الذين يتقاضون أجوراً زهيدة. وفي المقابل، تظنّ رشا أنّ العالم قد يستفيد من استخدام الآلات بدون فقدان اللمسة البشريّة الضروريّة في الحرف التقليديّة وتخبرنا بأنّها ستتعمّق في الطرق التقليديّة للتصميم، إضافة إلى طريقة عمل الآلات. ومع دمج هاتين المهارتين، يمكن إتقان الحرفيّة التقليديّة وابتكار أفكار وتقنيات جديدة.

وتعترف المصمّمتان المستقبليّتان أنّ معهد ESMOD دبي ساعدهما على تقدير العمل الحرفيّ واليدويّ الذي يتطلّبه تصميم الأزياء وساهم في تطويرهما على الصعيدين العمليّ والفنيّ وفتح عينيهما على التفاصيل الصغيرة التي يتطلّبها تصميم الأزياء وتفصيلها. وأضافتا أنّ دراستهما في معهد ESMOD حدّدت لهما المعايير التي يجب احترامها واتّباعها لتقديم الجودة العالية والحرفيّة، من خلال التدقيق في مراحل التصميم كافّة والتنفيذ للحصول على مستويات الجودة والحرفيّة الفضلى. فقدّم لهما المعهد خبرة عمليّة بمشاركته كلّ الطلّاب في تنفيذ عمليّة التصميم بأكملها من الألف حتّى الياء، بدءاً برسم التصميم واختيار الأقمشة والخياطة وإنجاز التفاصيل الصغيرة وصولاً إلى تنفيذ التصميم كلّه وتقديمه وبيعه.

اقرأي أيضاً: هل يفرض Instagram قواعد جديدة على أسلوبنا في الموضة؟

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث