خالد ترقلي أبو الهول... رسّام المرأة

بقلم: عبد الكريم كريدية

يمثل التعبير الفني عند الفنان التشكيلي السوري التركي المقيم في لبنان، خالد ترقلي أبو الهول، مزيج هواجس تصارع الواقع لتلد فكرة من رحم الخيالات التي تحاول النفاذ نحو الجمال، بنبش الأحاسيس المعتمة وتجريدها من وهمها، لتصبح حقيقة ترى وتطرح للبحث بعيداً عن هوامش الكتمان وصداع السطحية.

فدرس أبو الهول الفنون وتلقّن أساليبها أكاديمياً باحتراف بالغ الحس والموهبة والتجديد، حيث صقل ذاته من واقعه وطموحه. كما لم يتعامل مع الفن بنمطية كأسلوب تعبير جامد وفق قواعده وقوالبه، بل منحه حركة بمجاز ملوّن وروح تدرك أن الفن خلود فعل لإنصاف الذات الإنسانية بثلاثية حضورها جسداً وعقلاً وروحاً.

وتعمّقت تجربة أبو الهول الفنية من خلال دراساته المعمّقة التي اهتمّت بالدين والمجتمع، بالسياسة والأدب، وكوّنت صوراً ما ورائية في منجز مكثف الأفكار يحمل رؤية فلسفية اجتماعية وجودية وسيكولوجية.

كما واكب الفن التشكيلي بمدارسه والتزم بالتجديد في اعتماد الإرث الاسلامي الخط العربي واللغة حيث انبثق ذاتاً تجيد التعبير بمرونة وأريحية عن كل صخب باعتباره كيانا ومعنى ومجازا ورمزا.

خاض عنصر الخط العربي في تجربة حروفية تشكيلية معمّقة وفريدة، عكسها على منجزه الفني للدلالة على الانتماء هذا من ناحية مباشرة العلامات البصرية، ولكنه حمل في ثناياه رمزية عبرت عن قيمه في رؤية الواقع بكل عناصره الحية، خاصة المرأة الكيان الكامل والعنصر الهش في المجتمع فقد عبر عن التسلط والتحكم والأعراف والتقاليد التي تحوّلت إلى قيود اجتماعية وجودية.

وبالحروف، خلق أبو الهول داخل اللوحة تنوعا في الفكرة والأسلوب لأنه لم يتكرر في تجارب تأثرت بالسابقين في الخط بقدر ما صنع من فكرته فلسفة روّضت أحاسيسه وخلقت تفرده الفني بمحاكاتها حروفيا. فقد انتشل الحرف العربي من قوالبه الجامدة ونمطية التعامل معه كعنصر غير مكتمل داخل اللوحة لا حركة له حضوره لا يتجاوز مجرد الزينة.

تعتبر تجربته بمثابة تمازج لوني شرقي غربي يعكس تلاوين فكرية رمزية تتوافق مع أسلوب التجريد ليهبها غموضا جماليا معبراً عن ذات كل عنصر، ما يستثير الوعي ليصل إلى ماورائيات المعنى وبالتالي يتحقق الانعتاق الذي يرغبه لحرفه المستقل بذاته من خلال السكون والصوت والجسد والحياة المجسدة في الحكاية الملطخة بالأحاسيس المتمردة بالرغبة بالحياة بين القلق والشجون بين الغياب والحضور. فالمساحات الداخلية للحرف يلونها أبو الهول فيدمج حجم الحرف ضخامته وصغره في الأشكال الي تداعب الفكرة في حضورها البصري. فالحرف ليس تماس معنى ولغة بل هو تشكّل روح وصوت وصياغة رمز ودلالة فكرة يشكّلها بهندسة وحساب يلامس الكيان بالمعنى الذي يحاول مجاراة الفكرة جمالياً ويحرك الذات الحروفية بديناميكية تميزه عن النسخ المألوف في فن الخط.

فهو ليس بخطاط بقدر ما هو مروّض فكرة بصرية جمالياً دون أن يلغي القراءة واللغة كفهم عميق، لأنه يفرض على الحرف طبيعة الرسم والتشكيل في علاقاتها بالفرشاة بالمساحة باللون بين تداخلاته المنيرة والمعتبة الباردة والحارة المرتبكة والمحلقة مع الأشكال في الهندسة والتركيب وحساباتها التي تجيد الحضور في اتساعات الأفق والفضاءات الواسعة التي تجادل المعنى والشكل.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث