ما هي الرفاهية في نظرك؟

 

يختلف معنى الرفاهية ومضمونها لدى كل إنسان، بحسب خلفيته ومحيطه ومسيرة حياته، كما يمكن النظر إلى الموضوع من عدة جهات والتعريف عنه بشتى الطرق. فماذا تقول السيدات حول الموضوع؟ إليك خمس مقابلات أجريناها مع سيدات في منطقة الخليج، لكل منها منظار مختلف ومسيرة حياة مميزة. وسنعرض عليك كل مقابلة على حدة، بحيث يمكنك قراءتها جميعاً من خلال الضغط على الروابط في أسفل كل مقابلة.

 

شروق أمين، رسامة وشاعرة كويتية

تختلف نظرة الناس للرفاهية إذ يربطونها بتعاريف كثيرة، بدءاً من الممتلكات المادية ووصولاً إلى إمكانيّة التعلّم والسفر، أو حتى الاستمتاع بوقت الفراغ. أنت امرأة كثيرة الانشغال، فما الذي تعنيه لك الرفاهية؟

أنا دائمة الانشغال لذا فإنّ الرفاهية بالنسبة إليّ هي الوقت. ويترافق الوقت مع الحرية، حرية السفر والقيام بالأمور التي تسعدنا. والرفاهية هي أيضاً الاستمتاع بالحياة لذا كلّ ما يسعد المرء هو نوع من الرفاهية.

أنا والدة لأربع أطفال ومنفصلة عن زوجي، لذا أهتمّ بعائلتي بمفردي بالإضافة إلى المحاضرات التي ألقيها في الجامعة الكويتيتة وعملي كفنّانة مع مشاريع كثيرة دائماً. أنا أمارس البيلاتس واليوغا وأجد الوقت للقيام بأنشطة متعدّدة مثل الغوص والرقص وتعلّم لغات جديدة والتصميم الداخلي وغيرها. أسافر كثيراً وأكتب الأشعار والمقالات وأنا ناشطة مع جمعيّات خيريّة وأشغل اليوم منصب الرئيسة في لجان متعدّدة وفعّالة في المجتمع. وطبعاً هناك الواجبات والمعانات اليوميّة التي أواجهها لأنسّق بين العائلة والأصدقاء والحياة الاجتماعية. لذا أظنّ أنّ الوقت هو أبرز أنواع الرفاهية وأظنّ أن النساء في عصرنا هذا يوافقنني الرأي سواء كنّ عاملات أو ربّات منزل.

هل تطوّر مفهومك للرفاهية مع مرور الوقت؟

لقد تطوّر مفهومي للرفاهية حتماً مع الوقت. فعندما كنت في العشرينيات من العمر، كانت الرفاهية هي السلع الفاخرة والباهظة الثمن لكن تغيّرت طريقة تفكيري اليوم. فأنا في العقد الخامس من العمر وبتّ أدرك أن الرفاهية هي الجودة العالية والحرفيّة الكبيرة والذوق الرفيع مهما كان السعر. لكن إن كانت السلعة باهظة الثمن إنّما ذات جودة سيئة فهي ليست فاخرة ولا علاقة بها بالرفاهية. تعلّمت اليوم أنّ الرفاهية تتعّلق بالجودة العالية. وقد يعتبر البعض أنّ السلع الحصرية هي طبعاً فاخرة لكنّني لا أوافقهم الرأي.

هل اضطررت إلى التضحية يوماً ما من أجل الوصول إلى هدف معيّن أو للحصول على غرض محدّد اعتبرته فاخراً ومترفاً؟

طبعاً، فأنا أعمل بجهد للحصول على كلّ أشكال الرفاهية. في ما يتعلّق بالرفاهية غير المادية، أقول دائماً إنّني أستمدّ القوّة من ذهني وجسدي. فذهني مسؤول عن مواهبي كفنّانة وعن قوّتي وإرادتي وعزمي وطموحي وقدرتي على التنسيق بين كلّ مسؤولياتي. لذا عليّ أن أعمل على تقوية ذهني وتطويره يومياً سواء من خلال تعلّم لغة جديدة أو القراءة. ومن ناحية أخرى، جسدي مسؤول عن قوّتي الجسدية ورشاقتي وصحتي وإطلالتي وسعادتي فبدون الصحة كيف لي أن أكون سعيدة؟ وبالتالي، عليّ أن أحسّن جسدي وأقوّيه من خلال تمارين البيلاتس التي أمارسها يومياً بالإضافة إلى اليوغا.

أمّا في ما يتعلّق بالرفاهية الماديّة، فقد اضطررت إلى العمل كثيراً في العقديّ الثاني والثالث من عمري لأصل إلى ما أنا عليه اليوم حيث بتّ أستطيع شراء سيّارة فاخرة ومنزل راقي ويمكنني أن أعلّم أولادي في أفضل المدارس الخاصة وأذهب معهم في رحلات... ولم يُقدّم لي أحد كلّ تلك الامتيازات على طبق من فضّة. لا شكّ في أنّني عشت طفولة مميّزة ومترفة عندما كان والدي على قيد الحياة لكن بعد وفاته، أُخذ إرث والدنا منّا واضطررت وأختي وأخي أن نعمل بجهد، ولقد ضحّينا كثيراً للحصول على هذه الحياة التي نعيشها اليوم. فقد مررت بأوقات صعبة حيث كنت حاملاً مثلاً وأعدّ الطعام لطفلي الصغير الجالس في كرسيّه إلى المائدة بينما أتحضّر لتقديم عرض خاصّ وأكتب أيضاً تقرير أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه. وفي مرحلة ما حُرمت من شراء أي شيء لنفسي لأتمكّن من تأمين الملابس لأطفالي. حتى أنّني بعت كلّ مجوهرات في أحد الأيام وحتى تلك الهدايا القيّمة التي قدّمها لي والدي وقد انفطر قلبي معها لكنّني فعلت ذلك لأشتري لابني سريراً ينام فيه أو برّاداً للمطبخ. عندما يرى الناس نتيجة كلّ تضحياتي في الحياة يظنّون أنّني عشت حياة رغيدة ومترفة لكنّهم لا يقرأون بين الأسطر ولا يرون كلّ الجهد الذي بذلته كوني أمّاً منفصلة عن زوجها وامرأة عاملة وطموحة من أجل تحقيق أحلامي. لكن اليوم بات بإمكاني أن أستمتع بالرفاهية التي تقدّمها لي الحياة وأنا أقدّرها أكثر من أي شخص آخر.

ترتبط الرفاهية الماديّة أحياناً بالسطحية. ما رأيك في ذلك؟

بصراحة، أظنّ أنّ الإنسان السطحي هو الذي سيربط الرفاهية المادية بالسطحية. فنحن في عصر تغيّر فيه مفهوم الرفاهية، وهي ترتبط بالسعادة والمتعة، وبما أنّ الرفاهية تسعد الإنسان، وكونها من أعمق أشكال الوجود، أين السطحية في ذلك؟ أنا لا أعني بكلامي هذا أنّ شراء حقيبة أو منزل أو سيارة باهظة الثمن هو هدف الحياة، بل أقصد أنّ الرفاهية المادية في عصرنا هذا، قد تعني منزلاً لأولادي أو كمبيوتر لإبني أو سيّارة تأخذنا أينما شئنا، أو إمكانيّة اصطحاب ابنتي إلى المعالج الفيزيائي عندما تتألّم، أو مرافقة والدتي إلى خارج البلاد من أجل العلاج أو للجراحة... كلّها أمور ماديّة طبعاً، إنّما أساسيّة لنوعيّة حياة أفضل.

هل كلّ السلع الفاخرة والمرتفعة الثمن عالية الجودة برأيك؟

مفروض فيها أن تكون عالية الجودة طبعاً، لكن للأسف، الواقع مختلف. فنجد بعض السلع الفاخرة والباهظة الثمن إنّما ذات جودة سيئة جداً. لكن بالنسبة إليّ تكمن الرفاهية في الجودة العالية والرقي والذوق الرفيع وليس في الثمن.

ما هي برأيك علاقة الرفاهية بالفنّ ؟

في الأساس، يشكّل الفنّ نوعاً من أنواع الرفاهية، لأنّ الفنّ الحقيقي والقيّم يكون عادةً باهظ الثمن وهو منجز على اليد. وكوني فنّانة، أقدّر كلّ الوقت والجهد الذي يبذله الفنّان ليبتكر تحفته الفنيّة مهما كانت. لكنّني من الفنّانين الذين يحبّون الأسلوب القديم والتقليدي فأنا أفعل كلّ شيء بنفسي. وأعمالي هي أعمالي وحدي إذ أنجزها بيديّ من الألف حتى الياء. لا يساعدني أحد وليس لدي مصنع ولا أصحّح أعمالي على الكمبيوتر. فما زلت أعتمد الطريقة التقليدية في الرسم وأتمنّى أن يقدّر الناس أنّ هذا أصبح نادراً في عصرنا الإلكتروني هذا. لا شكّ في أنّ الفنّ الإلكتروني جميل، لكنّني أسلّط الضوء على الجانب اليدوي في لوحاتي وكلّ الوقت والجهد الذي يترافق معه.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث