عندما يصبح الفنّ أداة تمكين للمرأة العربيّة مع هند المنصور

تعكس أعمالها الفنّيّة الثقافة النسائيّة في الأحساء، مسقط رأسها في المملكة العربيّة السعوديّة. ورد اسمها ثلاث مرّات على لائحة أقوى السيّدات العربيّات. تعتبر نفسها فنّانة "تقدّم الأعمال التي تطلق العنان للقوّة النسائيّة". أمّا التمكين بالنسبة إليها فيعني ابتكار الفنّ الذي يعكس صور النساء القويّات وتقديم جسم المرأة بصورة مختلفة وغير كلاسيكيّة بعيداً عن الإثارة لتظهر قوتّهنّ وصلابتهنّ. لنكتشف إذاً كيف تساهم Hend Al Mansour في تمكين المرأة عبر أعمالها الفنّيّة ورسالة التحفيز خلفها.

صورة المرأة العربيّة التي تجسّدها في أعمالها الفنّيّة: مربّيات حنونات وقائدات قويّات في المجتمع

زاولت مهنة الطبّ لسنوات طويلة قبل أن تتبعي شغفك بالفنّ. هل من قواسم مشتركة بين مجالي الطبّ والفنّ؟
بالنسبة إليّ، لا يتشابه هذان المجالان. لكن أستطيع القول إنّ دراسة الطبّ ربّما هيّأت ذهني لطريقة تفكير معيّنة أثّرت لاحقاً في ممارستي الفنّ. ولا أدري في الحقيقة إذا ما كان ذلك أمراً إيجابيّاً أو سلبيّاً.

إقرئي أيضاً: السعوديّات يتولّين قيادة المستقبل

يجسّد فنّك الثقافة النسائيّة في مسقط رأسك، الأحساء. أيّ صورة عن النساء السعوديّات أردت أن تعكسيها في أعمالك؟ وهل هي صورة مقيّدة بالتقاليد والتمييز الجندريّ؟
إنّهنّ النساء القويّات اللواتي صقلنَ شخصيّتي وألهمنني. هنّ مربّيات حنونات وقائدات قويّات في المجتمع فهمنَ أنّ دور المرأة مهمّ لنموّ المجتمع. لم يكن المجال مفتوحاً لهنّ كثيراً لكنهنّ استفدنَ ممّا أتيح لهنّ، سواء على الصعيد الجماليّ أو السياسيّ.

تعتبرين نفسك فنّانة "تقدّم الأعمال التي تطلق العنان للقوّة النسائيّة". هل من مواضيع نسائيّة محدّدة تعملين على تجسيدها في فنّك؟
أظهرتُ في عملي نساء عربيّات شهيرات في التاريخ العربيّ مثل ولادة بنت المستكفي وهند بنت عتبة وغيرهما. أؤلئك النساء كنّ من مشجّعات المساواة بين الجنسين ورفضنَ الخضوع للوضع الراهن في مجتمعاتهنّ وتركنَ أثرهنّ في التاريخ.
ورد اسمك على لائحة أقوى سيّدات عربيّات في 2009 و2011 و2012. ما هو التحدّي الأبرز الذي واجهته في حياتك وكيف تصدّيت له؟
في منزل والديّ ترعرعت الفتيات والصبية بمساواة. لكنّ ما اكتشفته لاحقاً في المجتمع هو أنّ الأفضليّة هي للرجل الذي يتفوّق على المرأة. هذه الازدواجيّة قد شكّلت تحدّياً كبيراً لي في نشأتي. من أصدّق؟ وإذا تساوى الرجل والمرأة، لماذا لا تتمتّع المرأة بالامتيازات نفسها كالرجل؟ وإن لم يكونا متساويين، لمَ تشعر المرأة إذاً بأنّ هذا ليس منصفاً؟ لمَ لا تولد المرأة مدركة بالفطرة بأنّها أقلّ قيمة من الرجل حتّى لا تشعر لاحقاً بخيبة الأمل؟

تجسيد المرأة في الأعمال الفنّيّة: عندما تشغل المرأة والرجل مواقع متساوية في مجال الفنّ، نبدأ عندئذٍ بتصحيح التوازن.

هل تظنّين أنّ النساء تمثّلن في تاريخ الفنّ تمثيلاً عادلاً أم ناقصاً؟
يُقال إنّ التّاريخ يكتبه الرجال فهو إذاً من منظار الرجال. أظنّ أنّ تمثيل المرأة ناقص بشدة. من الحجج المؤيّدة لفكرة تفوّق الرجل على المرأة التي واجهتها في نشأتي هي أنّ الرجال أذكى من النساء، بدليل أنّ أفضل الخيّاطين والطهاة ومصّممي الأزياء والحلّاقين هم من الرجال. وحتّى في مجالاتهنّ، تعجز النساء عن التفوّق. لكنّ السبب الحقيقيّ هو أنّ المرأة لم تحظَ يوماً بالفرص نفسها لتنمية مواهبها ولم تحصل على منصّة مناسبة للتعبير عن نفسها. عندما يمنح المجتمع فرصاً متكافئة للرجال والنساء، لن يكون الجنس أو العرق معياراً لتحديد الأذكى.

إقرئي أيضاً: قصّة نجاح امرأة عربيّة مفعمة بالتضحية

من يتحكّم بتمثيل المرأة في الأعمال الفنّيّة في السوق العربيّ؟ وكيف نحقّق المساواة في تمثيل المرأة في هذا المجال؟
يتولّى الرجال في معظم الأوقات إدارة المتاحف والمعارض حول العالم. وتُمنح الفرص أكثر للفنّانين الرجال ولهواة التجميع أيضاً. من الأسهل على المرأة أن تكون فنّانة من أن تكون تاجرة تحف مثلاً لأنّ عمل الفنّ هو مسألة خاصّة إن كانت المرأة تتمتّع بالموهبة. لكن ما من مجال للتقدّم كفنّانة إذا لم تُعرض أعمالها أمام الجمهور. لذا عندما تشغل المرأة والرجل مواقع متساوية في مجال الفنّ، نبدأ عندئذٍ بتصحيح التوازن.

ما هو الدور الذي أدّته الفنّانات في تطوّر الساحة الفنّيّة في المنطقة؟
بحسب ملاحظتي، ثمّة توازن أكبر بين أصوات الرجال والنساء على الساحة الفنّيّة الناشئة في الخليج، مقارنة بتلك الأكثر رسوخاً في المنطقة العربيّة ككلّ. ولعلّ السبب هو التقارب مع الفنّ الغربيّ بعد فترة الاستعمار في المنطقة. فالفنّانين في القرنين التاسع عشر والعشرين تبعوا حركة الحداثة الغربيّة وهي حركة يغلب عليها الذكور. وعندما برزت الساحة الفنّيّة في الخليج بعد حوالى قرن، كان هناك وعي أكبر حول نظريّة المساواة بين الجنسين ورغبة في إعادة تصوير العالم من منظور نسائيّ. لكنّ هذا لا يعني أبداً أنّ الفرص المتاحة للفنّانات تعادل تلك المتاحة لنظرائهنّ الرجال، غير أنّ أصواتهنّ قويّة ومثيرة للاهتمام. وتتحرّر الفنّانات اليوم أكثر فأكثر من التأثير الفنّيّ الغربيّ الكبير ليجدنَ هويّاتهنّ الفنّيّة الخاصّة.

تمكين المرأة عبر الأعمال الفنّيّة: ابتكار الفنّ الذي يعكس صورة النساء القويّات

هل تظنّين أنّك توصلين صوتك عبر أعمالك الفنّيّة؟ وهل هي منصّة للدفاع عن حقوق المرأة وهويّتها؟
كلّا، لا أظنّ أنّ صوتي مسموع بما فيه الكفاية، لكن أن أجعل فنّي منصّة للدفاع عن حقوق المرأة هو الهدف منه والعامل المحفّز الأكبر بالنسبة إليّ.

على مرّ التاريخ، عانت الفنّانات التمييز. ماذا تقولين للذين يستخفّون بإبداع النساء في الفنّ؟
أظنّ أنّ الأوان قد فات للنظر في ما إذا كانت النساء كائنات بشريّة كاملة أم لا. فلنكن واقعيّين ولنفسح المجال أمام النساء لأنّ التغيير على الأبواب ولا بدّ من أن تتّخذي لك مكاناً في التاريخ الذي تكتبه النساء من منظارهنّ.

إقرئي أيضاً:عندما يجتمع الشغف والشجاعة يكون النجاح ثالثهما

كيف تساهمين في تمكين المرأة ودعمها من خلال أعمالك الفنّيّة؟
أساهم في ذلك من خلال تقديم الأعمال الفنّيّة التي تجسّد صورة النساء القويّات وتعكس تقارب المرأة من الله تماماً كالرجل عبر التجرّؤ على استخدام الحرف والألوان التي ينظر إليها الفنّانين الرجال بدونيّة مثل الحنّة والتطريز واللون الزهريّ وعبر تصوير جسد المرأة بطريقة مختلفة وغير كلاسيكيّة بعيداً عن الإثارة لتظهر قوّتهنّ وصلابتهنّ.

ما هي الرسالة التحفيزيّة التي تريدين توجيهها للمرأة العربيّة من خلال أعمالك؟ وما هي القطعة الفنّيّة التي تجسّد هذه الرسالة؟
أوّد أن تعيد المرأة العربيّة النظر في قيمتها الاجتماعيّة التي تزعجها. وأريدها أن تعلم بأنّها تتحلّى بالقوّة الكافية لتكون الشخص الذي تريده.
أمّا القطعة الفنّيّة التي تحمل اسم Facebook فهي العمل الذي يعكس رغبتي في أن يستمع إليّ الناس وأن يتقبّلوني كما أحبّ أن أكون. هي سلسلة لوحات بأسلوب الطباعة بالشاشة الحريريّة تجسّد حياة النساء السعوديّات. أنجزت لوحتين بحجم 100 * 90 سنتم وأنوي العمل على 5 لوحات أخرى على الأقلّ في خلال سنة. أمّا اسم هذا العمل فاستوحيته من صفحة ابنة أخي على Facebook التي حثّت فيها النساء السعوديّات على القيادة في أحد الأيام في شهر يونيو 2011. وافترضت أنّه عندما يرى الناس عدداً كبيراً من النساء اللواتي يقدنَ السيّارات في المدن، سيستسلم المجتمع ويعترف بأنّ قيادة المرأة أمر طبيعيّ. وبالرغم من أنّ تلك الانتفاضة لم تتمّ، انتشرت الحملة بشكل هائل.


أمّا اللوحتان فتتطوّران بطريقة سرد القصص وتترافق معهما قصيدة تشكّل جزءاً من الصورة. وفي وسط اللوحة الأولى، تجلس امرأة مرتدية عباءة تواجه المشاهد. هي البطلة، وتجلس على سجّادة مزخرفة بالسدو وهو نمط غزل تقليديّ تمارسه نساء البدو وتدير رأسها نحو المشاهد. أمامها كتاب مفتوح ضخم كتبت عليه بعض أبيات من القصيدة، وخلفها صورة للمرأة نفسها إنّما منحنية الرأس. أمّا اللوحة الثانية فتظهر المرأة نفسها لكنّها واقفة هذه المرّة في الجهة اليسرى من الكتاب الذي تظهر فيه بيوت إضافيّة من القصيدة تمتدّ على الصفحتين وتغطّي الكلمات المرأة الجالسة والمنحنية التي لم تغيّر مكانها بل أصبحت أكثر خفوتاً فحسب. وستظهر اللوحات صوراً بالتدريج الصفحة تلو الأخرى لتظهر المزيد من هذه القصيدة، في حين تتلاشى صورة المرأة المنحنية شيئاً فشيئاً. وستنتقل البطلة في كلّ لوحة إلى مكان مختلف في الصورة وستتغيّر تعابيرها تدريجيّاً من المواجهة الحادّة لتظهر بعض الأمل والفرح لاحقاً.

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث