أدهم رجب يحتفل بمسيرة صباح السينمائية

من وحي الحقبة الذهبية للسينما المصرية، يجسّد الفنّان المصري أدهم رجب سحر الشخصيات الأيقونية مثل الأسطورة صباح، بينما ينسج في الوقت نفسه حيوية معاصرة في فنّه. واحتفالاً بالذكرى العاشرة لرحيل صباح، ابتكر لوحات حصرية لمجلة ماري كلير العربية، هي كناية عن صور شخصية ومشاهد أيقونية من أفلامها، تكريماً لإرثها الخالد. فتُعدّ أعماله بمثابة تحية لحقبة زمنية ماضية وتعبير عن الجمال المتطوّر للهوية العربية مع شغف بمزج الحنين إلى الماضي بلمسة عصرية. ومن خلال رحلته التي خاضها عصامياً، يُخلّد أدهم رجب الرموز الثقافية بينما يدعو إلى إعادة تخيّل التراث في عصرنا الحالي، ليصنع فناً يخاطب الماضي والمستقبل معاً. في هذه المحادثة العميقة مع محرّر الموضة Joe Challita، يتحدّث أدهم رجب عن شغفه بالحنين إلى الماضي في السينما المصرية.

 

تستلهم أعمالك الفنيّة بشدّة من الحقبة الذهبية للسينما المصرية. ما هو أكثر ما يجذبك في تلك الفترة الزمنية وكيف تترجم هذا السحر السينمائي في لوحاتك؟

مرحلة السبعينات هي الأحب على قلبي. وكنت أتمنّى أن أعيش في تلك الحقبة الساحرة وبخاصّة بين مصر ولبنان، فهي فترة تمزج ما بين الكلاسيكية والعصرية، من ناحية الفنّ والمجتمع. كانت فترة جميلة حيث اهتمّ الجميع بمظهره وثقافته بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو السنّ. بالنسبة إلى الأعمال السينمائية، أختار الأفلام التي أحبها ولا أهتم أن يكون عليها إجماع من الجمهور، وأفلام أخرى تجذب الناس. لكنني في نفس الوقت، أقدّر أهميتها، وهي تحرّك شيئاً في داخلي كمتلقٍّ، وتستفّزني لكي أرسمها.

تُعتبر صباح شخصية أسطورية في العالم العربي. ما الذي جذبك إليها بشكل خاصّ، وكيف جسّدتَ جوهرها ولحظاتها الأيقونية في لوحاتك؟

صباح هي شمس الشموس مثلما لقّبها الفنّان الراحل عبد السلام النابلسي، ورمز لبنان بكلّ تنوّعه. هي مبهرة لأي شخص يراها سواء على الشاشة أو في الطبيعة بشهادة الذين عاشروها وتعاملوا معها. هي نجمة حقيقيّة بكلّ ما للكلمة من معنى، وهذا أول إحساس شعرتُ به عندما رأيتها على الشاشة. لكن خلف تلك الابتسامة كان هناك حزن وعذاب، وقصص كتيرة لا نعلم عنها شيئاً. أنا كنت أعرف أفلامها بالأبيض والأسود، وفي سن الثانية عشرة من عمري، زاد وعيي أكثر ولاحظتُ تطوّرها مع الزمن، ممّا جعلني أعجب بها أكثر. فكلّ مرحلة كانت مختلفة عن السابقة، مع حفاظها على شخصيّتها الفريدة في الوقت نفسه. وقد أردت التواصل معها بأي شكل وأنا في السادسة عشرة من عمري. وبالفعل تواصلت مع ابنة شقيقتها كلودا عقل وكان لي شرف التحدّث مع صباح عدّة مرات هاتفياً. وكنت أتمنّى أن أقابلها وجهاً لوجه، لكن للأسف، ذلك لم يحدث، رغم أنّها دعتني بنفسها لمقابلتها في لبنان، وهو ما يدلّ على قمة تواضعها ومحبّتها لمعجبيها ولكلّ الناس. وحقيقةً، قدّرت جداً ذكاءها ووعيها بكلّ شيء حولها حتى آخر يوم في حياتها. إنّها حقاً أسطورة.

وإحساسي هو الذي جذبني لرسم عينَي صباح اللتان تشعّان ذكاء وجمالاً داخلياً وغموضاً في نفس الوقت. فعيناها معبّرتان جداً وتعكسان تفرّد شخصيّتها وسحر حضورها بحيث أجد نفسي أراها في كل مرة كما لو كانت المرة الأولى.

تستحضر لوحاتك إحساساً قوياً بالحنين إلى الماضي، ومع ذلك تبدو حديثة ونابضة بالحياة. كيف توازن بين التألق القديم للسينما المصرية وأسلوبك الفنّي المعاصر؟

تعود فكرة الدمج بين الكلاسيكية والعصرية لاطلاعي على أعمال غيري من الفنّانين، سواء الأعمال الكلاسيكية أو المعاصرة منها، محلّية كانت أو عالمية. إذ من المهمّ جداً متابعة الجديد حتى إذا اختلف عن النمط الذي أقدّمه أو كان من ثقافة مختلفة عن ثقافة بلدي. أنا أرى أنّ لا بدّ للفنّان من أن يتابع جميع أنواع الفنّ التشكيلي الذي ينجذب إليه حتى لو لم يتبع نفس الأسلوب.

ذلك بالإضافة إلى الرسم الرقميّ الذي يتيح للفنّان روحاً معاصرة أكثر لأعماله وإمكانيات غير موجودة في الرسم باليد مباشرةً، سواء على الورق أو التوال. لم أنقل الكادرات أو البورتريهات في رسمي كما هي فأنا أحبّ أن أضيف لمستي الخاصّة سواء من ناحية الألوان، أو الروح نفسها للكادر بجميع عناصره.

لديّ حنين دائم إلى الماضي، وأرى حالياً أعمالاً فنّية خالية من الجمال والموضوعية، وقد يكون ذلك ظاهراً في أعمالي بشكل تلقائي أيضاً. أعتقد أنّ تشجيع تقديم أعمال فنّية مثل الأعمال القديمة التي ما زلنا متمسّكين بها فكرة جيدة، سواء في السينما أو في مجالات فنّية أخرى.

بصفتك فنّاناً عصامياً، كيف تطوّرت رحلتك في مجال الفنون البصرية، وكيف أثّرت خلفيّتك في صناعة الأفلام على أسلوبك في الرسم ورواية القصص؟

أحببت الرسم منذ طفولتي وبخاصّة رسم البورتريهات وكنت معروفاً في المدرسة ببراعتي في هذه الهواية، وأطلق عليًّ لقب الرسّام أو الفنّان. لكنّني تفرّغت أكثر للدراسة في المرحلة الإعداديّة والثانوية.

حاولت أن أعود للتمرّن في السنة الثانية من الكلية، في أواخر عام 2013 ومطلع 2014، وبدأت أتابع الفنّانين أثناء عملهم بخامات مختلفة من خلال فيديوهات على موقع Youtube وعلى محطّات تلفزيونية وكنت ما زلت أعتبر الرسم هواية. ثم عدت للرسم بالرصاص كما في السابق ولاحظت تطوّراً تدريجياً في مستواي. بعد أن انتهيت من دراسة الأعمال في كلية العلوم والتكنولوچيا - الأكاديمية العربية، توقّعت أن أجد وظيفة في مجال دراستي أو أن أبدأ مشروعاً خاصاً بي. لكنّني شعرت أنّ الفن يجذبني أكثر بعد نهاية دراستي في العام 2016. حينها، بدأت باستخدام الألوان واختبرت الرسم بالألوان الزيتية والأكريليك، ولاحظت تقدماً واضحاً في مستواي الفني.

فبدأت أعمالي الفنية تتطوّر حتى قرّرت إنشاء صفحة فنّية على Instagram، "adhamragabartist"، وشعرتُ بتشجيع كبير من معارفي وأصبح لدي جمهور على مواقع التواصل الاجتماعي. جاءت فكرة الاستلهام من السينما من متابعتي للأفلام المصرية القديمة بين السبعينات والثمانينات وبعض أفلام الستينات والتسعينات، حيث شعرت بفرق الجودة ما بين أعمال الماضي والحاضر، لا سيما من ناحية المواضيع التي يحبّها الناس والتي تهمّني أيضاً. أحببت أن أوثّق الأفلام المصرية المهمّة من خلال لوحات زيتية تعيش لسنوات طويلة، كتقدير واحتفاء بهويتنا وتراثنا المصري، ولكي تصبح نوعاً من الإلهام لإنتاج أعمال جديدة تحافظ على جماليات ثقافتنا المصرية.

نحتفي في هذا العدد بإرث صباح وكذلك بسحر العالم العربي. حدّثنا عن لوحتك الحصرية لمجلة ماري كلير العربية، ماذا يعني لك هذا المشهد من فيلم "إزاي أنساك"، وإلى جانب رسوماتك ما هي نشاطاتك التي تقوم بها للسيدة صباح وماذا تحلم أن تقوم به في المستقبل تقديراً لها؟

أود أولاً أن أعبّر عن سعادتي بأن أخصّ مجلة ماري كلير العربية بهذه اللوحة حصرياً بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيل الشحرورة صباح. بالنسبة إلى فيلم "إزاي أنساك" من إخراج أحمد بدرخان عام1956 ، فهو يعد من الأعمال الأيقونية في السينما المصرية والمفضّل لديّ شخصياً. إنّه عمل فنّي متكامل من كلّ النواحي، إذ يجمع بين القصّة الرائعة والأبطال المميّزين والإنتاج المبهر، بالإضافة إلى أغنياته الخالدة. وبحسب ما قالته صباح، كان هذا الفيلم الثاني الذي ارتدت فيه فساتين أنيقة ومميزة بتوقيع المصمّم اللبناني الكبير جوزيف هاروني الذي تعاونت معه سابقاً في فيلم "لحن حبي" من إنتاج فريد الأطرش. وتميّز فيلم "إزاي أنساك" بالثنائي الساحر الذي يجمع صباح مع فريد الأطرش الذي أنتج الفيلم، والراقصة نادية جمال وغيرهم من النجوم.

ومنذ العام 2018، بدأت بمشروع فنّي أو رسومات للأسطورة صباح تقديراً لمسيرتها الفنّية والإنسانية بالتزامن مع ذكرى ميلادها ورحيلها في شهر نوفمبر 2005، وذلك إلى جانب عملي كمشرف للصفحة الرسمية للشحرورة صباح على Facebook وInstagram بالتعاون مع ابنة أختها، المخرجة كلودا عقل، والصديقة دانا حوراني. وأتمنّى في المستقبل أن أشارك رؤيتي الفنّية من خلال الرسم والإشراف الفنّي في عمل ضخم للفنّانة الكبيرة صباح يروي تاريخها وشخصيتها العظيمة، سواء كان عملاً مسرحياً أو درامياً في السينما أو التلفزيون، كما أتمنّى بالطبع إنشاء متحف يضم جميع مقتنياتها وأرشيفها الغنّي.

يمتدّ عملك عبر وسائط مختلفة، من القصص المصوّرة والفنّ المفاهيمي للأفلام وحتى البورتريهات والملصقات. كيف تختلف مقاربتك للعملية الإبداعية عند العمل على المشاريع المتعلقة بالأفلام عن لوحاتك الشخصية؟

عندما يُطلب منّي تجسيد رؤية معيّنة لفيلم، سواء كان مشهداً أو ملصقاً، أحاول إرضاء المخرج أو المنتج وتنفيذ رؤيته للعمل وغالباً ما يقتنعون بما أقدّمه. وسواء أضفت بعض الأفكار الخاصّة أو لا، فهذا يرجع للاتفاق بيني وبين المخرج بالطبع، على أن أحترم الوقت المسموح لإنجاز العمل.

أمّا بالنسبة إلى أفكاري الخاصّة، فأنا صاحب القرار فيها ومخرجها منذ البداية. كما أنني أحرص على تدوين كلّ فكرة تخطر ببالي لكي استذكرها وأنفذها براحة بال في الوقت المناسب لها، متجنّباً الاستعجال.

مع انتقالك من الموسيقى المصوّرة إلى الأفلام القصيرة والإعلانات، كيف ترى تطوّر فنّك في المستقبل؟ هل تخطّط لمواصلة استلهام أعمالك من السينما العربية، أم أن هناك مواضيع جديدة ترغب في استكشافها؟

بالنسبة لمشاهد السينما، أرغب بالتأكيد في تقديم أعمال أكثر بخاصّة إذا كانت أفلاماً أو مسلسلات حديثة وليست قديمة فقط. لكنّ ذلك لا يشكّل المحور الأساسي في أعمالي، فقد رسمت أيضاً رؤية مختلفة لشخصيات قديمة مثل صباح في إطار مشهد من خيالي. فأنا أحبّ هذا النوع من الأعمال مع فنّانين آخرين، وأفضّل أن أركّز أكثر على رسم الحياة اليومية بخاصّة المشاهد الداخلية كما في البيوت أو الأماكن العامة، سواء في مصر أو مناطق أخرى من الشرق الأوسط، أو حتى تناول أفكار ترتبط بالتراث والهوية المصرية.

اقرئي ايضًا :صباح – صوت لبنان الذي لا يغيب

العلامات: صباح

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث