مفهوم الوقت بقلم رحمة زين

لطالما كان مفهوم الوقت يُخيفني. هل لديّ الوقت الكافي؟ هل استثمرت وقتي بشكل صحيح؟ والسؤال الأسوأ على الإطلاق... هل ينفد الوقت منّي؟

بقلم رحمة زين،

ناشطة ومقدّمة بودكاست 

التصوير: Waleed Saad

ذات مرّة، شاركتُ مخاوفي بشأن الوقت مع جدّي، فقرّر كالعادة أن يخبرني بإحدى حقائقه الغريبة، قائلاً: "هل تعلمين أنّ شعب المايا آمنوا بأنّ الوقت دوريّ وليس خطياً... فالتفكير بالوقت مسألة منظور ." وليس من المستغرب أنّ هذه المعلومة لم تُخفف من خوفي من الوقت. فتوجّهتُ حينها إلى جدّتي، حيث كان لدينا تقليد صيفي يتمثّل في الجلوس على الشرفة ومشاهدة غروب الشمس فيما نحتسي فنجان قهوة ونتناول الحلوى.

كنّا نبدأ محادثتنا مع تغيّر لون السماء من الأزرق الصيفي مع سحب بيضاء ناصعة إلى الوردي الهادئ وأحياناً الأحمر القويّ، ونتناقش في كل شيء بدءاً من المواضيع المحظورة وصولًا إلى المكرّرة والمبتذلة.

وتنتهي المحادثة والتعليقات بمجرّد أن تلامس الشمس سطح الماء، ونصمت حينها ونراقب المشهد الخلّاب... فكان كلّ يوم مختلفاً ومع ذلك كان كلّ يوم هو نفسه.

في ذلك اليوم كانت السماء بلون الأحمر الناري والبحر بالأزرق الداكن مع أمواج صاخبة وعالية. قدّمت لي جدّتي وجهة نظرها، وهي أنّ الوقت يمنحنا لحظات ويمكننا ببساطة أن نقضي حياتنا في جمع هذه اللحظات. وأضافت أنّ الوقت يجب أن يجعلنا متواضعين، فقد قامت إمبراطوريات وانهارت مع مرور الزمن، ونحن البشر لا نعيش سوى جزء ضئيل منه. وإنّ وقتنا هنا في سياق الأشياء الكبير هو لحظة عابرة يتعيّن علينا تحديدها.

وفيما نواجه عالم اليوم حيث يُعظَّم الإسراف ويُعتقد أنّ الاستهلاك هو المفتاح لحياة مُرضية والمشاعر فيه آلية تقريباً؛ أفضل شيء نفعله هو الابتعاد عن الضوضاء والتفكير في الصورة الأكبر... في الجدول الزمني الأكبر. مع كلّ ما يحدث، من السهل أن نُستهلك في عجلة الحياة هذه، ولكن عندما تتوقف تلك العجلة، لن يكون السؤال ماذا حقّقت؟ بل بالأحرى، كيف أشعر؟ ما الذي يجعلني أشعر بالرضا؟

وأشارت جدّتي إلى غروب الشمس الرائع وقالت إنّ هذا ما يُعتبر وقتاً قيّماً، مجرّد العيش والهدوء والملاحظة والامتنان والتقدير البطيء الذي يأتي من خلال التواجد في لحظة نقدّرها... لحظة تملأ قلوبنا بالحبّ والهدوء... والرضا. على الرغم من كلّ معاناة العالم، ستبقى هناك دائماً روعة غروب شمس ... ودورة زمنيّة لا تتوقّف.

ما كنت أخشاه أكثر من أي شيء، هو ما منحني القوة. بدلاً من السؤال عمّا إذا كان الوقت ينفذ منّي، فكّرت في ما يهمّني فعلاً. العدالة تهمّني. لكنّني أقبل أن تأخذ العدالة وقتها. وفي لحظة يمكن أن يُفقد كلّ شيء، ويمكن أن يُكسب كل شيء... والقبول بالخسارة والصبر على ما سنكسبه يمضيان جنباً إلى جنب.

أنتِ هنا لحظة فقط، لكنّها ملكك للتحكّم بها، ومعرفة ذلك تجعلك قويّة. بغض النظر عن مدى صعوبة الأمور التي قد تحدث أو تشعرين بها، ابحثي دائماً عن الوقت لمشاهدة غروب الشمس. فهذا يجعلك تدركين مدى اتساع العالم بالنسبة إليك والقوى الأقوى منك. يكشف الوقت عن نقاط ضعفك، والقبول بذلك يمنحك كل القوة مع مرور الوقت... ومن المثير للاهتمام أنّنا نكون في أقوى حالاتنا عندما نكون أكثر وعياً بنقاط ضعفنا...

الوقت هو كلّ شيء ولا شيء، كخيوط متشابكة تنسج قصّة تكتبينها أنت بيديك.

إقرئي أيضاً: تأثير أزمة المناخ على النساء بقلم  Hannah Rasekh

 


 

 

 

 

 

العلامات: الوقت

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث