الحق في الفشل
منذ استيقظت صباح اليوم باكراً كعادتي، وأنا أشعر أنّ عقلي قد استيقظ قبل جسمي، أنّني مرهقٌ من النوم وأحتاج إلى المزيد منه. تذكّرت سريعاً كلّ الأمور المنغّصة التي حدثت بالأمس وتذكّرت أيضاً عزيمة العشاء التي دعوت فيها بعض الأصدقاء الذين لم أرَهم منذ فترة طويلة بهدف الترحيب بصديق عاد الى الرياض، ومدى استمتاعي بهذا اللّقاء. تداخل المشاعر هذا بين الفرح والمنغّصات الصغيرة التي تراكمت، والتزامات اليوم، ومتطلّبات الغد، ورغبات العائلة والعمل، والعمل الجديد الذي شكّلته بنفسي وما يتطّلب ذلك من جهد مضاعف ومحاولات وإيجابيّة وبشاشة، وتفكير وتقرير وإرضاء وإقناع وإدارة وضبط نفس... تذكّرت ذلك كلّه، مع بعض الإنجازات التي أقنعت نفسي بأنّها نجاحات وتقدّم في المسار الصحيح (هي ليست كذلك، مجرّد إقناع للذات للمضي قدماً!) وجميع المحاولات الفاشلة أو التي لم تؤدِّ الى أيّ نتيجة واضحة أو تذكّر، تذكّرت ذلك كلّه مع أوّل دقيقة، حيث أنّ العقل الباطن يفكّر في جميع هذه الأشياء طوال الليل وطوال الوقت، كلّ هذا التفكير أصابني بالصداع، والغصة في الحلق والضيق في الصدر.
تجاهلت ذلك كلّه (أو حسبت أنّني تجاهلته) وبدأت صباحي وأنا أفكّر بكيفيّة البدء في مقال الاحتفال بالفشل. كنت سأتكلّم عن أهميّة الفشل في تحقيق النجاح، ولكن أغضبتني هذه الإيجابية لأنّها ذكّرتني أنّني لم أنجح أبداً في حياتي في شيء قرّرت فعله. كلّ هدف حاولت الوصول إليه في حياتي، لم أنجح في الوصول اليه، هذا لا يعني أنّني لم أحقّق إنجازات، لقد تمّ ذلك، ولكن لم أنجح بمعنى النجاح الذي أريده، وهذا بحدّ ذاته فشل. صحيح أنّني وصلت إلى إنجازات واستنتاجات وأماكن وأهداف لم أطمح لها، وهنا مربط الفرس، وصلت إلى مكان لم أكن اعرف أنّني ذاهب اليه. وهذا جيّد، ولكن فرح النجاح (غير الدراسي) في شيء حاولت بكلّ طاقتي وجهدي أن أحقّقه، لم يحصل ذلك وقد لا يحصل أبداً، قد تكون تلك سلبيّة، ربّما، ولكنّها أيضاً واقعيّة مريحة أن نعلم أنّ ليس كلّ ما نحاول أن ننجح فيه، قد ينجح، ولكن هذا ليس نهاية العالم وليس سبب لعدم الاحتفال.
بعد ثلاث ساعات من الاستيقاظ ومحاولة مواجهة اليوم بإيجابيّة، قرّرت أن أنفّذ ما في عقلي اليوم من إحساس بالفشل. وسأحتفل به. ما هو شكل الاحتفال بالفشل؟ قرّرت أن يكون ذلك بالتصرّف كفاشل والاستسلام، عدت إلى سريري ونمت قليلاً، لن أعمل اليوم شيء ولن أقرأ رسائل الجوال المتراكمة، ولا الايميلات المقيتة، سأتقبّل وأعيش ما يقوله عقلي اليوم بأنني فاشل سأتماشى معه لأرى النتيجة، ارتأيت أنّه من حقي أن أكون فاشلاً اليوم.
بكلّ صراحة، هناك راحة في هذا القرار، في أقلّ تقدير أعطاني محور المقال هذا ورسالته الأولى في أنّ الفشل حقّ، أمّا الثانية فهي كيفيّة الاحتفال به.
الساعة الآن الثانية والنصف ظهراً، جميع المشاعر السلبيّة في أوّل اليوم قد تلاشى أغلبها لأنّني أعطيت عقلي الوقت للجلوس مع الفشل والاستماع له وأخذ مجراه الطبيعي بدل من محاربته ومقاومته. بعد تجربة اليوم أودّ أن أستذكر معنى جديد وقد يكون إيجابيّ أيضاً للبيت المشهور:
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وهنا قد تستقرّ السفن في مكان غير المستهدف، وهذه من أقدار الله سبحانه وتعالى حيث الجملة الشهيرة
أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد.
وفي هذه راحة واستقرار قد تسمح لنا بالاحتفال بالفشل، ولكن المهمّ في مقال اليوم هو، كما تختار بعناية أي يوم للاحتفال بأيّ مناسبة لكي تستمتع به، اختر بعناية يوم الاحتفال بالفشل لكي تستمتع به ويأخذ مجراه المطلوب. ومن بعد ذلك توكّل على الله وامض قدماً الى ما كتب الله لك.
إقرئي أيضاً: من يملك حق الفن؟